المسكوت عنه في بيان القاعدة المبارك طالبان

بعد مرور ١٥ يوماً على دخول طالبان العاصمة الأفغانية كابول، أصدرت “القيادة العامة” لتنظيم القاعدة بيان التهنئة المنتظر. البيان جاء في صفحتين وباللغتين العربية والإنجليزية، ومؤرخ بتاريخ أغسطس ٢٠٢١.

تأخُرُ إصدار البيان أثار شكوكاً حول العلاقة بين طالبان والقاعدة بالنظر إلى تصريحات قادة طالبان الرافضين وجود بيعة بين الطرفين، وتأكيدهم أنهم لن يسمحوا للقاعدة وغيرها بشن هجمات ضد أمريكا وحلفائها على الأراضي الأفغانية أو منها إنفاذاً لبنود اتفاق الدوحة مع أمريكا الموقع في فبراير ٢٠٢٠.

لكن البيان جاء مخيباً لآمال أنصار القاعدة. كانوا يأملون في أن يظهر الظواهري نافياً إشاعات موته أو تغييبه. والأهم أن ليس في بيان المركزية ما يختلف عن بيانات أصدرتها الفروع وجماعات أخرى في وقت سابق.

البيان ٢٠٢١

يبدأ البيان بكيل عبارات التحقير في وصف “الأمريكيين وأعوانهم،” مشيراً إلى ما حدث “بالنصر التاريخي.” ويشيد “بقيادة الإمارة الإسلامية” وعلى رأسهم زعيم التنظيم هبة الله أخندزاده الذي يصفه “بأمير المؤمنين” و”شيخ الحديث،” ثم يذكر الملا عمر، وأختر منصور.

لكن الاسم الأبرز الذي أشاد به البيان هو جلال الدين حقاني، مؤسس شبكة حقاني، والد سراج حقاني نائب أخندزاده، ووالد أنس حقاني عضو مكتب الدوحة والذي تولى المحادثات والمفاوضات مع الزعماء الأفغان السابقين من أمثال حامد كرزاي وعبدالله عبدالله في انتظار وصول رئيس المكتب الملا بردار إلى كابول يوم ٢١ أغسطس.

شبكة حقاني هي المعروفة تقليدياً بإدارة ملف القاعدة مع طالبان، ولا تزال على قائمة الإرهاب الأمريكية وهو ما أثار جدلاً خلال اليومين الماضيين عندما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن “شبكة حقاني مختلفة عن طالبان.” المتحدث كان يرد على سؤال حول ما إذا كان التعاون الأمني بين واشنطن وطالبان سيمتد إلى شبكة حقاني.

 

في أول تعليق رسمي.. القاعدة تهنئ طالبان وتبعث برسائل لأعدائها

بيان القاعدة المركزية مهنئاً طالبان.

 

البيان اعتبر أن سيطرة طالبان على افغانستان يؤسس “للمرحلة المقبلة” التي ستفسح الطريق “لتحرر” الشعوب الإسلامية و”حتى شعوب أوروبا ودول شرق آسيا” خاصة بعد “تمريغ أنف أمريكا والناتو في أوحال أفغانستان.” وفي الختام، يتوجه البيان بالدعاء أن ينجح طالبان في “تحكيم” الشرع في أفغانستان.

“تطبيق الشريعة” من المسائل التي تثير جدلاً في أوساط الجهاديين خاصة مع تصريحات طالبان المهادنة لكيانات يعتبرها الجهاديون كفرية مثل الصين وروسيا وأمريكا وباكستان والهند وإيران. المتحمسون لطالبان يقولون إن المقياس في النهاية سيكون في “تطبيق الشريعة.”

علامات استفهام

ثمة مسائل سكت عنها البيان الأمر الذي سبب خيبة أمل من ناحية وأبقى على أسئلة مفتوحة برسم الإجابة.

أولاً، قبل صدور البيان بيومين، علمنا من مصدر موثوق على اطلاع بالملف أنه “سيتم إصدار بيان بعد رحيل الأمريكان عن أفغانستان.” وبالفعل، صدر البيان بعد ساعات على رحيل آخر جندي مساء الاثنين ٣٠ أغسطس.

فلماذا تختار القاعدة هذا التوقيت خاصة وأن البيان لم يذكر الانسحاب ولا بكلمة واحدة؟ ربما رغب طالبان في ألّا يقدموا مادة دسمة للمشككين في جدوى الانسحاب، فأشاروا على القاعدة بتأجيل البيان. هذا جائز.

ثانياً، في هذا المفصل التاريخي، يُتوقع أن يكون البيان أكثر حماسة تجاه العلاقة بين طالبان والقاعدة. وبينما لم يتحرج البيان من ذكر جلال الدين حقاني، والتزم على ما يبدو باتفاق غير معلن مع طالبان، إلا أن البيان خلا من أي ذكر للبيعة.

من المتوقع في هكذا ظرف أن تجدد القاعدة البيعة لطالبان الذين أصبحوا اليوم “دولة” ولو من باب التفخيم والتبجيل والاعتبارات البروتوكولية. الظواهري بايع أخوندزادة في ٢٠١٥. طالبان لم تعلن عن قبول البيعة. وفي الفترة الأخيرة، وفي أكثر من مقابلة مع أخبار الآن، أنكر مسؤولو طالبان، سهيل شاهين ومحمد نعيم، وجود أي بيعة بين الجماعتين. البيعة تشكل معضلة فقهية لدى الجماعات الجهادية، بل إنها في صلب “السياسة الشرعية،” لأنها تؤسس لمشروعية “ولي الأمر.”

كما خلا البيان من أي ذكر لعلاقة مع أسامة بن لادن أو الظواهري أو المجاهدين العرب. وهكذا، لم يختلف البيان حقيقة عن بيانات التهنئة الأخرى التي بُثّت سابقاً.

بيان التهنئة ٢٠٢٠

في الأسبوع الأول من مارس ٢٠٢٠، بثت السحاب، الذراع الإعلامية للقاعدة المركزية، بيان “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” تهنئة من “القيادة العامة” إلى طالبان على إبرام اتفاق الدوحة الذي كان بتاريخ ٢٩ فبراير ٢٠٢٠. قراءة البيانين جنباً إلى جنب تُظهر جوانب لافتة من التشابه والاختلاف.

يتشابه البيانان في عبارات “النصر التاريخي،” ومقولة الملا عمر عن “وعد بوش بالهزيمة.” لكن ثمة اختلاف نوعاً ما في الطريقة التي يُشار فيها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. في البيان الأول، توصف أمريكا بألفاظ تحقير تبدو أقل حدّة بعض الشيئ مما هو مذكور في البيان الثاني. في بيان ٢٠٢٠، أمريكا مرغمة ومنكفئة، وراضخة، صاغرة، ومحتلة. أما في بيان ٢٠٢١، فأمريكا رجس، ورأس الكفر، الذليلة، المنقصم ظهرها المنكسة راياتها، الخائبة، الصاغرة، الممرغ انفها في “أوحال أفغانستان.”

وفيما يتوجه البيانان إلى الشعب الأفغاني من أجل “الالتفاف حول قيادته” وإلى “أمة الإسلام” من أجل “دعم” طالبان، لا يذكر بيان ٢٠٢١ “المجاهدين” المذكورين في البيان السابق. هناك أوصاهم “بوجوب استشعار …

المسؤولية تجاه الاتفاق المعقود” أي اتفاق الدوحة، “فليس الغدر ونقض العود من أخلاق أهل الإيمان.” غير واضح المقصود بكلمة “المجاهدين؛” ذلك أن البيان يميز في موقع آخر بين هؤلاء المجاهدين و”مجاهدي الإمارة”. فهل يقصد مقاتلي القاعدة؟ ربما. البيان الثاني لا يذكر هؤلاء أو أولاءك.