هل تستطيع الفتيات الهروب من قندهار

  • بشتنه دراني: “نحن جميعاً في قارب واحد، لكنني لا أعرف إلى أين يسير أو إن كنا سنغرق جميعاً”
  • لم تفكر  بشتنه دراني في مغادرة مدينتها قندهار التي سقطت في يد طالبان يوم الخميس 12 أغسطس 2021
  • بشتنه شابة أفغانية تدير شبكة لتعليم وتدريب البنات في قندهار

 

حتى اللحظة الأخيرة، لم تفكر  بشتنه دراني في مغادرة مدينتها قندهار التي سقطت في يد طالبان يوم الخميس ١٢ أغسطس ٢٠٢١ . بشتنه، الشابة الأفغانية التي تدير شبكة لتعليم وتدريب البنات في قندهار، ظلت تعتقد أن الوضع سيتحسن وأن ما يحدث في بلدها ما هو إلا سحابة صيف. تقول: “طوال عشرين عاماً الماضية، كنت أظن أن قندهار أصبحت قوية، وأننا لن نضطر إلى هجر منازلنا. لم أتوقع حدوث هذا. توقعت أنهم سيأخذون المحافظات لكننا سنستعيدها. يبدو أنني كنت على خطأ وساذجة ومتفائلة جداً.”

بدأت طالبان مهاجمة قندهار المدينة، عاصمة ولاية قندهار جنوب أفغانستان، في ٩ يوليو ٢٠٢١. القوات الحكومية تمكنت من صدهم أكثر من مرة. لكن في ٩ أغسطس، تجدد القتال وانتهى الأمر بأن أعلنت طالبان عن سيطرتها على المدينة بعد ثلاثة أيام. 

كغيرها من الأفغان، تلوم بشتنه القوات الحكومية على ما حدث. تقول: “بالغت في ثقتي بالحكومة، لكنهم خذلونا وباعونا.” 

حتى صباح السبت ١٤ أغسطس، وبحسب  بيل روجيو، الباحث المتخصص في موقع  Long War Journal، أعلنت طالبان السيطرة على ١٦ ولاية، بما فيها عواصم تلك الولايات، من أصل ٣٤ هي مجموع ولايات أفغانستان. في الأثناء، ترد أنباء عن أن طالبان باتوا على بعد كيلومترات من العاصمة كابول. الحرب بين طالبان والقوات الحكومية بدأت في مايو الماضي عندما أعلنت أمريكا سحب قواتها تنفيذاً لبنود  اتفاق الدوحة بين واشنطن وطالبان. لم يُنفذ من هذا الاتفاق سوى بند واحد وهو الانسحاب الأمريكي، فيما لم يحدث أي تقدم في مسار مفاوضات تشارك الحكم بين طالبان وإدارة كابول. هذا السلوك الأمريكي يحيّر الأفغانيين. لكن ما يحيّرهم أكثر هو كيف استولى طالبان بهذه السرعة على الولايات والمناطق. 

تقول بشتنه: “بصراحة، يوم أمس (الخميس ١٢ أغسطس)، لم تكن القوات (الحكومية) تقاتل، لقد سلّموا قندهار. لم يقاتلوا أو يقاوموا أو أي شيئ. لم يتبادلوا إطلاق نار، ولا حتى الآن. لا شيئ في قندهار. ناس، طالبان، يحتفلون ويجولون في المدينة حيث كنت أعيش. هذا كل شيئ. لا يوجد قتال – قتال خفيف ولكن ليس تبادل نيران والناس تعود إلى حياتهم الطبيعية.”

"كنت أظن أنها أصبحت قوية".. معلمة بنات أفغانية تروي كيف تركت كل شئ في قندهار؟

تبلغ بشتنه ٢٢ عاماً، وهي من الناشطات المعروفات على مستوى أفغانستان. أسست في عام ٢٠١٨ مؤسسة (Learn تعلّم) تعنى بتعليم وتدريب البنات في المناطق المعدمة من قندهار. ورثت هذه الموهبة من والدها الذي بدأ مدرسة لتعليم البنات حتى عندما كان لاجئاً في باكستان مطلع القرن. 

في مقابلة سابقة مع برنامج  مرصد الجهادية، سألت بشتنه عن إصرارها على العمل في مناطق معروفة بتوغل طالبان فيها، قالت: “الجماعات المتطرفة والإرهابية، موجودون منذ عشرين سنة وقد تغلغلوا في مختلف المناطق التي كانت ملكاً لنا والتي تحولت الآن إلى معسكرات للتطرف الديني. لكن، حتى لو خشينا على حياتنا، سيظل حولنا ناس ومجتمع بحاجة إلينا. تعلمت منذ صغري ان أنقل العلم والمعرفة التي لدي. أنقلها إلى مجتمعي وإلى من لا يعرف أو لا تتوفر لديه الأدوات كي يعرف. يجب أن أنقل المعرفة. إن لم أفعل هذا، فلن نحظى بخريجات بعد ١٠ أو ٢٠ عاماً. من سيعمل في الرعاية الصحية؟ من سيتصدى لمسألة التسرب من المدارس، من سيدرّس في المدارس؟”

بشتنه لا تخاف أن تنتقد طالبان، لهذا، خروجها من قندهار كان بمثابة النجاة. طالبان لا يوفرون أحداً ينتقدهم. ولا يقيمون وزناً للحياة. في كل المناطق التي دخلها طالبان، نقل المدنيون قصصاً عن إعدامات تعسفية، فيما التجأ الصحفيون إلى منازل آمنة. 

بعد أن سقطت قندهار، قررت بشتنه أخيراً أن تغادر وعائلتها المدينة. “حاولتُ، حاولنا … غادرتُ منزلنا في الصباح. جئتُ وليس معي شيئ. تركتُ عشرين عاماً وأتيتُ خاوية الوفاض، خلّفت ورائي منزلي وأشيائي. عطيّات أبي، وكتب أهداني إياها – ذكراه وصوره. حرقنا كل شيئ في الصباح. كان يجب أن أغادر وأترك كل شيئ … لا أملك شيئاً الآن سوى قطعتين من الثياب. هذا كل شيئ.”

لم تفصح بشتنه عن وجهتها، أين هي الآن، أو عن تفاصيل رحلتها من قندهار. كل ما قالته هو أنها “مشت” مسافات طويلة لدرجة أن قدميها تقرحتا. تقول: “في قدميّ تقرحات من المشي … كل فرد من عائلتي كان خائفاً لكن لم أجد حلاً آخر. لا حلاً آخر.” 

تقيم بشتنه الآن في مكان غير معلوم، ولا تعرف ما سيحدث لها أو لأسرتها أو زملائها في Learn. تقول: “تلقيت رسالة من إحدى موظفاتي … قالت: ‘انتهى الأمر. لن أستطيع العودة إلى المنزل. علقتُ في كابول’ قلتُ: ‘نعم. لا نستطيع العودة إلى منازلنا التي بنيناها.’ هي تعمل في الإدارة العامة في جامعة قندهار. لا أدري كيف ستتابع حياتها. لا أدري كيف سأواصل حياتي. أنا طالبة سنة أخيرة في الجامعة الأمريكية. فقدت الاتصال بزملائي في الجامعة. والأساتذة الذين أعرفهم فرّوا إلى كابول. جامعتي أغلقت. لا أدري ماذا سيحدث … لأول مرة أشعر أن ليس ثمة ما أعيش من أجله.”