أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من مرصد الجهادية نغطي فيها الفترة من 9 إلى 15 مايو 2021م. كل عام وأنتم بخير. إلى العناوين: 

-انقسام في أنصار القاعدة حول الحدث الفلسطيني 

-منظرو القاعدة صامتون حيال نفي طالبان بيعة التنظيم، والأنصار يقولون إنها “خدعة” حرب

-تقرير أممي يقول إن داعش جرّب الكيماوي على سجناء لديه

وضيفة الأسبوع: باشتانا دراني، شابة أفغانية تنشر العلم والأمل في قندهار أحد معاقل طالبان/القاعدة.

المرصد 88 | أنصار القاعدة منقسمون حول الحدث الفلسطيني

الحدث الفلسطيني

حتى ساعة إعداد هذه الحلقة، لم يصدر أيّ رد من داعش الرسمي حيال التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بدءاً من الأسبوع الأخير من رمضان. أما القاعدة، فقد شكّل الحدث الفلسطيني انقساماً حاداً بين الأنصار والمنظّرين. رسمياً، وردت بيانات “مناصرة” للفلسطينيين من قاعدة اليمن، القاعدة في شمال إفريقيا، وشبه القارة الهندية. السحاب، ومن المرات النادرة التي تجاري فيها الحدث، أصدرت نشرتها الدورية “النفير” بعنوان “الأقصى في حماية أحفاد البراء بن مالك.” لا شيئ لافتاً في هذه البيانات سوى عبارات التأييد المعهودة. شام الرباط، المؤسسة الإعلامية التابعة لحراس الدين، بثت كلمة مرئية للقيادي سامي العريدي في نفس توقيت إصدار البيانات السابقة. الملاحظات: 

١. العريدي هنأ بعيد الفطر. ومن هنا نعلم أن الكلمة حديثة التصوير. 

٢. لكن العريدي لم يتطرق قط إلى المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية. ذكر “فلسطين” في موقعين قال فيهما إن “القضية الفلسطيينة” أو العربية أو السورية، وإن الدم الفلسطيني أو السوري أو المصري، هي شعارات “تنكّب أصحابها عن حقيقة الصراع” فيها تضييع للوقت والمال وتضليل للأجيال؛ وإنّ “حقيقة الصراع” هو أزلي ين المسلمين و”أهل الكفر والإلحاد.” 

في أيّ يوم آخر، لن يبدو هذا الكلام لافتاً. فالجهاديون لا يقاتلون من أجل الحريّة. هم ليسو freedom fighters. لا يقاتلون من أجل وطن. هم يقاتلون ضد الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان من أجل شكل حكم لا يُقبل فيه غير من هم على شاكلتهم. همّ وحدهم ومن بعدهم الطوفان. 

لكنّ، مع التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، تتخذ هذه الكلمات بعداً آخر في سلوك الجهاديين وهو ما ظهر في الانقسام اللاحق في أوساط القاعدة حول المسألة الفلسطينية. 

هل القتلى الفلسطينيون شهداء؟ هل هو قتال مبارك؟ هل يجب أن يهلل أنصار القاعدة لانتصار الفلسطينيين أو آلامهم؟ في قلب هذا الانقسام، نجد منظر الجهادية أبا محمد المقدسي. 

يوم الجمعة ١٤ مايو، كتب “الأرضُ لا تُقدّس أحداً :  إنّما يُقدّس الإنسانَ دينُه وإيمانُه وتوحيدُه.” يقول: “جَعْل غزة وفلسطين معياراً للكفر والإيمان والتوحيد والردة في ظل هذا البعد عن الدين (يقصد بعد بعض المتظاهرين الفلسطينيين)؛ بل وفي ظل محاربته من قبل فئام من الناس في فلسطين: هو في الحقيقة وطنية جاهلية مقيتة؛ وضلالة يُحاول بعض الناس أن يلبسها لباساً إسلاميا!.” هكذا يرى الحراك الفلسطيني. 

خالفه بشكل غير مباشر أبو قتادة الفلسطيني، المنظر الثاني للجهادية، كتب في ١٤ مايو: “علينا أن نتعلم أن نتعامل مع شباب الإسلام حتى وهم من أهل المعاصي أنهم لنا.. لنفهم: هؤلاء لنا ومنا، فالدعوة لنبذهم خارج الأمة يعني جعلهم جنود إبليس وضدنا وضد الإسلام، وهذا خطأ جسيم.” 

وازى هذا انقسامٌ حاد في أنصار القاعدة بين مؤيد لحماس تحديداً ومعارض. 

المعارضون يقولون إن حماس تدعم إيران وتتلقى دعماً من إيران وتعتبر قاسم سليماني شهيداً وتشارك في الانتخابات وبالتالي هم “ضالّون منحرفون (وقد) كفّرهم مشايخ.” 

أحدهم يقول: “(ثمة) خطورة تلميع حماس وجعلها حربة أهل السنة ومحرر فلسطين. هذا تدليس على الناس.” 

يقابلهم من يقول إن عناصر حماس “على علّاتهم” “مسلمون، وبالتالي “دعمهم ضد اليهود أمر لا خلاف فيه.” 

وهنا تبرز تناقضات الفتاوى وتكييفُها ومرة أخرى يظهر المقدسي في المركز. 

المقدسي ومن معه في “منبر التوحيد” كفّروا حماسP ولكن ليس كل حماس. يفرّقون بين حكومة حماس وحركة حماس. أما الحكومة فكافرة، وأما الحركة فليست كافرة. الآن، كتائب القسّام تنتمي إلى أي منهما؟ إلى الحركة أم الحكومة؟ في إجابة سؤال نُشرت بتاريخ ٢٣-٩-٢٠٠٩ على موقع منبر التوحيد، قال المقدسي: “فمن كان من كتائب القسام لا ينصر الحكومة (أي حكومة حماس) التي تعطل شرع الله وتحكم بالقوانين الوضعية وتتخذ الديمقراطية التشريعية منهجا … إن وجد (هذا العنصر) فلا نكفره؛ لكن … مثل هذا لا يمكن أن يوجد إلا باعتزاله العمل وبقائه تحت كتائب القسام بالاسم فقط.” ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني أن تنتمي لجماعة بالاسم؟ إما أن تكون معهم أو لا تكون؟

وهنا يظهر الاضطراب. في إجابة سؤال نُشرت بتاريخ ٢٧-٩-٢٠٠٩، أي بعد ٤ أيام من الأولى، قال المقدسي: “لم يصدر مني تكفيرا للحركة ولا تكفيرا لكتائب القسام بالعموم ولا بالتعيين.”

مفارقة أخرى هي أن المقدسي في فتوى أخرى يرفض “قتال” حماس. لكن عضواً آخر معه فيما يُسمى اللجنة الشرعية في الموقع “منبر التوحيد” وهو أبو الوليد المقدسي، قال “إن الخروج على (حماس) واجب عند القدرة.” فهل يقصد أن يكون الخروج بلا قتال؟ 

وفي موازاة هذا، نجد الجدل المعتاد بين أنصار هيئة تحرير الشام وأنصار القاعدة. حساب الدالاتي للإعلام المناصر للهيئة علّق: “يعود البرقاوي (أي المقدسي) للتشغيب في ساحة الحرب الفلسطينية.” مستذكراً الخلاف بين الهيئة والمقدسي.  

أمّا الهيئة، فأهم ما صدر عنها في هذه الأحداث هو ما قاله الجولاني في لقائه مع زعماء عشائر بمناسبة العيد. معرفات الهيئة نشرت ١:٣٤ دقيقة من كلام للجولاني لفت منه أنه لم يأتِ على ذكر حماس قط خاصة عندما تحدث عن الصواريخ التي تُطلقها حماس من غزة. الجولاني وصفها بأنها تلك “التي تقصف تل أبيب.” 

 

بيعة طالبان

لم يتطرق منظرو الجهادية المعتادون المقدسي، أبو قتادة، السباعي إلى تصريح شاهين المتحدث باسم طالبان حول عدم وجود بيعة مع القاعدة. أرسلت استفسارين للسباعي عبر موقعه فهو الأكثر حماسة لطالبان بين الثلاثة. ولم أتلقَ بعد رداً. 

حساب مناصر للقاعدة باسم “ابن القاعدة” يقول إنه شارك مع طالبان في هلمند، قال إن تصريحات شاهين “إعلامية للاستهلاك ومن باب الكذب في الحرب.” 

وزاد ما قال إنه “سرّ” وهو أن القاعدة استقدمت مقاتليها من باكستان لمؤازرة طالبان، وأن قاعدة شبه القارة الهندية يستعدون أيضاً للزحف على أفغانستان مع بدء الانسحاب الأمريكي. 

 

داعش الكيماوي

كشف تقرير للأمم المتحدة أن داعش طوّر أسلحة كيماوية وبيولوجية جرّبها على سجناء لديه واستخدمها في هجمات ضد مدنيين في الفترة من ٢٠١٤ و٢٠١٦. 

التقرير الذي أعده فريق متخصص بالتحقيق في جرائم داعش قال إن داعش استفاد من سيطرته على مواقع تضم منشآت لمعالجة الغازات السامة مثل حقل المشراق للكبريت جنوب الموصل؛ وإنه جنّد علماء عملوا على تطوير الأسلحة في مخابر جامعة الموصل. 

بحسب التقرير، فإن شهادات ناجين من هجمات شنها داعش في الفترة المذكورة، تدل على أن الأعراض التي أصيبوا بها تتسق مع أعراض التعرض لسلاح كيماوي أو بيولوجي مثل غازات الأعصاب والمركبات الصناعية السامة والمنطّفات، وهي مواد كيماوية تسبب طفحاً جلدياً مبرّحاً. 

هذه الاستنتاجات تأتي في إطار تحقيق أممي في جرائم داعش في حقّ الأقليات الإيزيدية والمسيحية والكاكائية والشبك والتركمان الشيعة. وقد تمّ التوسع أخيراً ليشمل التحقيق في جرائم ضد سنّة العراق. 

 

العقاب

قال متابعون على تويتر إن موقع العقاب الذي يؤرشف إصدارات داعش عاد للعمل يوم ١٢ مايو، حيث أكد الموقع أن تسريب الآيبيات سابقاً لم يكن ذا أهمية. لكن الموقع سرعان ما أغلق للمرة الثانية خلال عشرة أيام تقريباً. 

في مطلع الشهر، نقل مراقبون عن حساب داعش أن الموقع تعرض للقرصنة وأن الهويات الرقمية للمستخدمين بيعت علناً مقابل البتكوين. 

 

النبأ

لم تصدر صحيفة تنظيم داعش الأسبوعية النبأ في موعدها المحدد مساء الخميس ١٣ مايو. الصحفية المتخصصة في شؤون الجماعات الجهادية مينا اللامي لفتت إلى أن هذا الأمر معتاد في الأعياد. ولفتت إلى أن هذا العدد بالذات كان مهماً بالنظر إلى تطور الأحداث بين الفلسطينيين والإسرائيليين. حيث أن داعش لا يصدر بيانات منفصلة وبالتالي ردّهم سيكون في النبأ لا شك. 

صدر العدد يوم السبت ١٥ مايو، لكنه خلا تماماً من أي ذكر للأحداث. 

 

المقابلة

نعود هذا الأسبوع إلى أفغانستان نتحدث إلى أفغانيات يتحدين التطرف والإرهاب من أجل خير البلد: بلدهم وأهلهن. يسرنا أن نرحب بـ باشتانا دراني، شابة أفغانية تعمل في مجال التعليم. أسست جميعة (ليرن – تعلم) وهي طالبة أيضاً في الجامعة الأمريكية في أفغانستان – كابول. 

 

الآن: ولدتِ ونشأتِ في مخيم للاجئين في باكستان. وبدأتِ أول مشروع للتعليم وأنتِ في السابعة. حدثينا عن تلك الأيام؟  

درّاني: كنت في السابعة من عمري عندما بدأت أول مشروع لي وكان إنشاء مدرسة للبنات في المخيم حيث كنت أعيش. لم أنفذ المشروع وحدي لكنه كان فكرتي والحقيقة أن والدي شجّعني على ذلك. في المخيم، لم تكن البنات تحصل على الدعم المالي الكافي لتلقي التعليم. كنّ يحصلن على الملابس الدافئة في الشتاء. لا أكثر. بدأ والدي مدرسة للبنات في المنزل. وطلب من عمّتي أن تساعده في تعليم البنات. ثمّ انضمّت إليه أمّي. أنا كنت أتعلّم الإنجليزية في المدرسة وعندما أرجع إلى البيت كنتُ اعلّم البنات الإنجليزية. تلك التجربة ساعدت في تكويني وأثّرت فيما أنا عليه اليوم. كان أهلي مشغولون بأمور كثيرة لكنهم حرصوا على تخصيص جزء من وقتهم لخدمة مجتمعهم وخاصة البنات فيه: وتحديداً تقديم التعليم لهنّ: هذا الموضوع المحظور في المجتمع الذي لا يتحدث عنه أحد. لا زلت أذكر عمّتي كانت تذهب من منزل إلى منزل تطلب من النساء أن يرسلن بناتهن إلى المدرسة. أهلى أمسكوا بزمام المبادرة وحرصوا على أن تحضر البنات إلى المدرسة وأن يكنّ في بيئة آمنة. هذا منحني الثقة واستلهمت منه أن أجعل التعليم هدف حياتي. 

 

الآن: أسستِ (ليرن – تعلم) قبل عام .. أصبحتِ أصغر أفغانية تحصل على جائزة صندوق ملالا للتعليم. أخبرينا عن قصص نجاحك في هذا المشروع.

درّاني: بدأنا (تعلّم) في ٢٠١٨. وقصة نجاحي هي فتاة كانت مصدر إلهام المشروع. أذكر أنني كنت أذهب إلى مدرسة في مقاطعة حدودية حيث عاش أقرباء لي. كنت أمضي وقتاً طويلاً هناك. أذكر أن فتاة اسمها دُرّانا كانت تأتيني فتنظر إلى الكمبيوتر وتفرح كثيراً وكانت تقول إنها تشتهي أن يكون عندها واحداً مثله. أن تحظى فتاة بهاتف نقال أو كمبيوتر لأمر عظيم ويمنحها ثقة عظيمة. كنتُ أجيبها: ولم لا. تستطيعين الحصول عليه. وأذكر أنها في أحد الأيام أتتني وكانت تحمل القلم بطريقة غريبة بإصبعين فقط. لم يعلّمها أحد كيف تمسك بالقلم. لكنها كانت تتحدث الإنجليزية. سألتها عن ذلك، فقالت إن ابن أخيها كان يدرس في كندهار وكان يتعلم الإنجليزية، فعندما يعود إلى المنزل في العطلة أيام الخميس والجمع، كان يعلمها ما تعلم. وعندما يعود إلى المدرسة تحفظ ما تعلمته وهكذا. كانت تتعلم من كتب ابن شقيقها كل أسبوع. هذه كانت موهبتها. في مدرسة أخرى، لاحظت أن البنات كنّ يتحدثن الهندية، فاستغربت، وسألت. أجبن أنهن تعلمن الهندية من التلفزيون. هذا هو التعليم الذاتي السمعي البصري. ومن هنا خطرت لي فكرة تصميم تطبيق تستخدمه البنات الأفغانيات من دون أن يتحدى الموروثات الثقافية المعهودة. فلا نستطيع أن نتحدى كل شي. نعم، نتحدى المتطرفين. لكن ثمة أشياء ثابتة في المجتمع لم نرغب في تحديها. كنا نرغب في أن نركز على البنات وتمكينهن. ومع الوقت قد ننتقل لتحدي الموروثات الذكورية. ثم خطرت لي فكرة (مشروع تعلم) وبدأت العمل عليه مع درّانا وومع آباء البنات. وها نحن اليوم نعمل على أتمتت ١٨ (ثماني عشرة) مدرسة بنات في كندهار. نوفر لهن التدريب والأدوات مثل الآيباد وغيرها حتى يكتسبن القدرة لتحديد مصيرهن ومسار عملهن. درانا ستظل قصة نجاحي الأولى لأنها عندما تخرجت من المدرسة سجّلت في مدرسة القبالة وعندما تتخرج ستكون أول قابلة في المقاطعة التي تعيش فيها. هذا أمر عظيم. وهذا أعظم إنجاز لي حتى الآن. 

 

الآن: أنتِ الآن موجودة في كندهار. كيف تعملين في مثل هذا المكان الذي نعرفه على الأقل من الأخبار أنه بؤرة للإرهابيين؟

درّاني: الجماعات المتطرفة والإرهابية في كل مكان من كندهار وفي هلمند ونبروز وروشكان .. في كل أفغانستان. إنهم موجودون منذ عشرين سنة وقد تغلغلوا في مختلف المناطق التي كانت ملكاً لنا والتي تحولت الآن إلى معسكرات للتطرف الديني. لكن، حتى لو خشينا على حياتنا، سيظل حولنا ناس ومجتمع بحاجة إلينا. تعلمت منذ صغري ان أنقل العلم والمعرفة التي لدي. أنقلها إلى مجتمعي وإلى من لا يعرف أو لا تتوفر لديه الأدوات كي يعرف. يجب أن أنقل المعرفة. إن لم أفعل هذا، فلن نحظى بخريجات بعد ١٠ أو ٢٠ عاماً. من سيعمل في الرعاية الصحية؟ من سيتصدى لمسألة التسرب من المدارس، من سيدرّس في المدارس. لا تزال مدارس كثيرة من دون مدرّسين. عملي يتركز على الرعاية الصحية والتعليم حتى نستطيع بعد خمس سنوات على الأقل تخريج معلّمات وقابلات. هذا أمر مهم جداً. وهذه الآمال والمسؤوليات هي التي تتغلب على الخطر والخوف. تقول لي أمي دائماً بالبشتونية …. ما معناه أن “قلبها يغادرها” لأنها تخاف عليّ ولا تعتقد أنني في أمان. أخبرها أن والدي أدار مدرسة في مخيم للاجئين، إذاً أستطيع أن أدير مدرسة في بلدي. حالي اليوم أفضل من حاله وقتها. 

 

الآن: أود أن أسألك عن استهداف الإرهابيين أخيراً لمجموعة من النساء العاملات صحفيات وطبيبات. لدرجة أن نساء تركن العمل خوفاً على حياتهن. نرى حماسك واجتهادك. لكن ألا تخافين؟

درّاني: عندما تعيشين في ساحة حرب. في مجتمع قبلي. ثمة أمور تصبح بحكم العادة. سأكون صريحة معك. ولن أستجدي العطف في الوصف. في أفغانستان، المرأة تقع ضحية معظم الوقت. لكنني أفضل حالاً من كثيرات. على الأقل عندي ماء نظيف أشرب منه. عندي تعليمي وتأميني الصحي ولا أتعرض لسوء معاملة. لكن ٧٠٪ من النساء في المناطق الريفية لا يزلن عالقات فيما يشبه العصور الوسطى. لا ماء نظيف، لا طبابة أو رعاية صحية أثناء المخاض. فعندما نتحدث عن الإرهابيين الذين يستهدفون أصحاب المهن ممن يقدّمون خدمات للمجتمع .. أشعر بالرعب لمجرد سماع هذه القصص. لم أنم ثلاث ليالٍ عندما سمعت قصة فريشته، أول امرأة قُتلت. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ حتى متى؟ هذه امرأة عندها طفل. ما ذنبه؟ لا يمكن أن نقبل هذا. الفرق واضح بين ما نفعله وما يفعلونه ولا يمكن أن نسمح لهم بالاستمرار. لكن نحن يجب أن نواصل أيضاً. لن أقول إني لا أخاف. أنا أخاف دائماً. في وسط الزحام في كابول، يخطر لي دائماً أن انفجاراً سيقع وأن أحدهم سيستهدفني. كنت أمرّ قبل أيام بثلاث محطات للشرطة وكنت أفكر أن أحداً سيأتي ويقتلني هناك. ويوم أمس كنت أوصل زميلتي إلى منزلها عندما اصطدمت دراجة بالسيارة التي تقلني. أخبرت السائق أن يتابع السير وألا يتوقف. بدأت أفكر: من هذا الذي على الدراجة، هل تتبعنا منذ مغادرة المكتب. كان يتحدث بالهاتف. كل يوم، نتخذ استراتيجيات للبقاء. منذ الخروج من المنزل، اعتبري أنك على قائمة الاستهداف. حتى داخل المنزل، إن سمعتُ صرير البوابة خطر لي أن أحدهم اقتحم البيت. نعم أشعر بالخوف. لكن مسؤولياتي تتفوق على خوفي. لن أستسلم للخوف. سأستجمع قواي وأعيش. 

 

الآن: أود أن أسألك عن والدك رحمه الله. الحقيقة أن الجهاديين دائماً يوهموننا أنهم الأخيار الذين يريدون أن ينقذونا من أنفسنا. وهذا غير صحيح. المجتمع فيه رجال ونساء يسعون حقاً لتحسين حياة الآخرين. والدك كان رجلاً مكّنك من أن تكوني أداة للتغيير إلى الأفضل في مجتمعك. حدثينا عنه.  

درّاني: لم أقل هذا علناً قبل اليوم. والدي كان شيخ قبيلة وكان الناس ينتظرون أن يولد له ابن. قالت لي أمي إنه عندما وُلدتُ، سأله الناس: بنتاً أم صبياً؟ فقال: بنت. وعندما عاد إلى الغرفة في المستشفى وكان فقد والدته منذ فترة قصيرة، حملني بين يديه وقال: إنها إبني. أعلم أن العبارة خاطئة ولماذا يريدني أن أكون ابناً لا ابنة. لكن والدي كان شجاعاً جداً. تقبل أن ابنته ستعيش في نفس الحرية التي ستتوفر لها لو كانت صبياً في مجتمع بشتوني ذكوري. قالت أمي إن والدي هو من ربّاني. حتى إنه كان يعقد قطعة قماش وينقعها بالسوائل وينقط في فمي. لم يكن معهوداً أن يحمل الرجل ابنته ويمشي بها لاجتماعات مع علية القوم. لكن والدي فعل ذلك. أنا ابنة أبي. أعتقد أن مرد ذلك لسببين. أولاً أن امرأة عظيمة ربّت والدي. لم يكن قريباً من والده. كان واحداً بين ستة ذكور وخمس إناث. وخاضوا مصاعب شتى بعد أن تركوا حياة رغيدة في أفغانستان وعاشوا لاجئين في مخيم فقراء ومعدمين. لكن جدتي حرصت على أن يتلقى أبناؤها التعليم. وثق أبي بأمه إلى حد كبير بحيث وثق فيّ أنا. كان يقول إني أشببها. والسبب الثاني هو أنه زرع فيّ ثقة عظيمة. لدينا قول هنا: إذا لم يكن عنده قلب فامنحه قلباً. كان إن قاطعني أحدهم، قال لي: ردّي عليه. لا تخجلي. كبرت وعندي قناعة أنه يجب أن أثبت وجودي وحضوري وبدأت أرى دوراً مهماً لي. بدأ يعطيني مساحة حتى أصبح إنسانة مستقلة بذاتي وأن أقود ناسي. 

لمتابعة النسخة التلفزيونية من  مرصد الجهادية :