تواصل الصين مع طالبان يقلق كابول

لم تمنع سياسة طالبان، المتشدّدة، الصين من عقد تحالفات ولقاءات معها خلال السنوات الماضية، ليس حبّاً بها، ولكن من أجل تنفيذ سياساتها وأجندتها، وكذلك حمايةً لمصالحها. لقد استخدمت الصين اتصالاتها مع باكستان لإقامة علاقات وثيقة مع طالبان، سعياً لعدم السماح للمسلّحين بالتسلّل إلى شينجيانغ.

  • الصين تدعم طالبان مستغلةً اتصالاتها مع باكستان تعزيز أمن شينجيانغ بالدرجة الأولى
  • الصين رفضت طلب كابول بإقناع باكستان بتخفيف دعمها لطالبان
  • اللقاءات بين الصين وطالبان كثيرة وقد وثقها الاعلام العالمي
  • الصين تعتبر أنّ سيطرة طالبان على أفغانستان مسألة وقت
  • الشعب الأفغاني لن يكون راضياً عن دعم الصين لطالبان وهو يخشى على مكتسابته

بكل بساطة، لم تمنع سياسات طالبان المتطرفة الصين أبداً من احتضان وفود طالبان في بكين، فيما كانت السلطات الأفغانية غير راضية عن الإجتماعات الصينية المتكرّرة مع قادة طالبان، وعدم رغبة بكين في إطلاع كابول على هذه المناقشات.

خاص.. بين الصين وطالبان تاريخ من العلاقات المستمرة والأفغان الضحية

لقاء يجمع ممثلين عن طالبان وآخرين عن الحكومة الصينية

لقد رُتّب أحد الإجتماعات من قبل وكالة الإستخبارات الباكستانية بالتعاون مع الحكومة الصينية ممثلةَ بالسفير الصيني في باكستان، وأيضاً زعيم حركة طالبان الملاّ عمر. الإجتماع حصل في قطر، وفي ذلك الوقت كانت كل النشاطات التي تقوم بها طالبان تحظى بدعم من المستشارين الأمنيين لوكالة الإستخبارات الباكستانية، وما كان اللقاء ليكون ممكناً لولا دعم وكالة الإستخبارات الباكستانية وتدخلها.

كذلك حصلت اجتماعات في إسلام أباد، وساهمت وكالة الإستخبارات الباكستانية بالمساعدة في ترتيبها، وقد وُثّق ذلك في مصادر عديدة بما فيها الكتاب الشهير الذي يتناول المحور الصيني الباكستاني والصادر في العام 2015.

في العام 1999، وبعد هروب زعيم طالبان من أفغانستان وهزيمة قوات التحالف الشمالي وآخرين، وتغيّر طبيعة الدعم الذي كانت باكستان تقدّمه لطالبان، توصّلت الصين إلى قناعة أنّ طالبان ستستمر في السيطرة على جزء كبير من الأراضي الأفغانية، وستكون في نهاية المطاف قادرة على بسط سيطرتها على البلاد برمتها.

وبعد ذلك بسنوات حصل تحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لشنّ حملة لمحاربة طالبان، لكن بعد العام 2005 عادت طالبان بقوّة بفضل مساعدة الإستخبارات الباكستانية وتمكّنوا تدريجياً من إعادة تأهيل نفسهم وبسط سلطتهم شيئاً فشيئاً على أفغانستان، وقد استمر ذلك حتى الآن، خصوصاً بعد إعلان الإدارة الأمريكية نيتها سحب قواتها  من أفغانستان، وبالفعل بدأت بسحب قسم كبير من قواتها من هناك، وتبقّى ما بين 4 و5 آلاف جندي هناك، لذلك توصلت الحكومة الصينية إلى قناعة بأنّها مسألة وقت فقط قبل أن تتمكن طالبان من السيطرة على البلاد بكاملها تدريجياً، لذلك قرّرت الصين أنّه من مصلحتها المحافظة على علاقات طيبة مع طالبان والحكومة الأفغانية على حدّ سواء في الوقت الراهن، من ثمّ الإستفادة من ذلك لأنّ الصين شعرت أنّ لديها مصالح حيوية عليها المحافظة عليها، وكان لا بدّ من المحافظة على هذا الوضع.

كما هو معروف كانت الحكومة الأفغانية سواء في عهد الرئيس كارزاي أو الرئيس الحالي غاني، تأمل في الإستفادة من دعم الصين لباكستان، خصوصاً دعم طالبان من خلال وجود خط اتصال مستقل مع بكين، ومن خلال بناء علاقات وطيدة معها.

الصين رفضت طلب الرئيس الأفغاني بالضغط على باكستان لتخفيف الدعم لطالبان

ومدفوعاً بهذا الأمل، زار رئيس أفغانستان الصين وحاول أن يقنع الصين بأن تستغل نفوذها في باكستان لكي تخفف من دعمها لطالبان، وبذلك تتمكن الحكومة الأفغانية من توسيع سلطتها على الأراضي الأفغانية، وتخفف من نفوذ طالبان، لكن الصين لم تفعل أبداً شيئاً من هذا القبيل لأنّها لم تثق يوماً بالحكومة الأفغانية، وكانت تشعر بأنّ الأمريكيين يؤثرون كثيراً على الحكومة الأفغانية، في وقت كان الأمريكيون يشنون حربهم على تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ويشلّون حركة المجموعات الإرهابية المختلفة على غرار حركة الإسلاميين في تركستان الشرقية.

الصين لم تدعم أبداً ما كانت تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف، لأنها لم تحبّذ أبداً وجود قوات أميركية بالقرب من أراضيها أي من إقليم شينجيانغ الصيني.

تعتبر الصين أنّ وجود نوع ما من الإستقرار في أفغانستان هو من أكبر مصالحها، لأنه إنْ بقي الوضع في أفغانستان غير مستقر، فسيشجّع ذلك مختلف المجموعات الإرهابية مثل حركة الإسلاميين في  تركستان الشرقية المناهضة للصين ومجموعات أخرى مثل تنظيم داعش وآخرين، على التمدد ولن يصبّ ذلك في مصلحة الصين، وكذلك سيستحيل على الصين تنفيذ مشاريع التعاون الإقتصادي في أفغانستان كالتعدين أو التنقيب عن النفط، وإن كان هناك عدم استقرار في أفغانستان فذلك قد يؤثر أيضاً على الرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني.

لهذه الأسباب تبحث الصين عن نوع من الإستقرار، وحتى الآن تتمنى الصين أن تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان تدريجياً، وأن تبقى أنشطة المجموعات الإرهابية تحت السيطرة. لقد اتخذ الأمريكيون قرارهم بناءً على حساباتهم الخاصة. وفي الماضي القريب حصلت تطورات جديدة منها أولاً ما يرتبط بالعلاقات القديمة بين باكستان وطالبان التي يبدو أنها تتغير.

فقد نقلت وسائل إعلام صينية أنه في شهر مايو الماضي، سمح رئيس الأركان في الجيش الباكستاني للأمريكيين استعمال قاعدة في بلوشستان لشنّ هجمات صاروخية على القاعدة في أفغانستان، ما لم تحبّذه الصين إطلاقاً.

كما أنّ طالبان أبلغت باكستان بأنّه لا يجب أن تسمح بأمور مماثلة لأنّها قد تؤثّر بالتالي على العلاقات بين البلدين. كما هناك تغير في العلاقات بين باكستان وطالبان لأنّ رئيس الأركان الباكستاني يجهد لتحسين العلاقات مع الأمريكيين، فهو يريد تطوير التعاون السياسي والإقتصادي مع الولايات المتحدة ويريد أن تستأنف  هذه الأخيرة دعمها الإقتصادي لباكستان، ويأمل إنْ تحسنت العلاقات مع الأمريكيين أن يساعد ذلك في إحداث تطوّر في العلاقات مع الهند وفي موضوع كشمير.

ما هو معروف، أنّ الشعب الأفغاني لا يحبّذ أنشطة طالبان لأنّها تريد أيضاً تأسيس نظام لا يحترم حقوق المرأة ولا يسمح لها بالذهاب إلى المدرسة، ويريدون إقامة إمارة إسلامية متشدّدة، وبالتالي فإنّ كل الإنجازات التي حققتها أفغانستان في مجال حقوق الإنسان والإنجازات الإقتصادية، قد تذهب سدىً، وإنْ دعمت الصين طالبان، لن يكون الشعب الأفغاني مسروراً وراضياً، لكن كل شيء يرتبط بتطور الوضع الراهن في أفغانستان، لأنه كما يبدو الآن تتقدّم طالبان على الأرض بسرعة وتوسّع سيطرتها على البلاد.

 الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تتحول أفغانستان إلى إيران ثانية

لذلك تبقي الولايات المتحدة ودول أخرى الوضع تحت المجهر لتراقبه عن كثب، وهي لا تريد أن تتحول أفغانستان إلى إيران ثانية، ولن تكون راضية عن السياسات التي تنوي طالبان اعتمادها لأنّ هناك جماعات كبيرة من المسلمين الشيعة في أفغانستان، كالهزارة الذين كانوا يحظون بدعم إيراني.

ترمي هذه الجماعات إلى الحصول على تمثيل ما في الحياة السياسية في البلاد، وبالتالي تعتمد عوامل كثيرة على نوع النظام الذي يمكن أن يُعتمد في أفغانستان، وإنْ لم تأخذ الصين كلّ هذه الحقائق بعين الإعتبار، فلن يحظى الدعم الصيني بالرضى المنشود في أفغانستان، وأعتقد أيضاً أنّ باكستان تعيد من خلال مواقف رئيس الأركان دراسة حساباتها حول العلاقة مع طالبان، لأن باكستان ليست راضية على موقف طالبان الرافض للحوار مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وكانت طالبان قد رفضت تقاسم السلطة مع الجماعات الإثنية الأخرى في أفغانستان. إذاً تتغير اليوم معطيات كثيرة هناك، والكثير يعتمد على عوامل عديدة، منها كيف ستتصرف طالبان، وأيّ نظام سيُعتمد في وقت لاحق في أفغانستان، وأي سياسات ستُتّخذ، وكيف ستؤثر على مختلف المجموعات الأفغانية.

لقد صدر عدد كبير من التقارير عن اللقاءات التي عقدتها طالبان مع الصين، والتي جُمعت في العام 2015 في كتاب للباحث الأوروبي أندرو سمول، تحت عنوان المحور الصيني الباكستاني – الجيوسياسية الجديدة في آسيا.

كما صدرت مقالات كثيرة في وسائل الإعلام الأمريكية والصينية، وحتى الباكستانية، وكلها تناول هذا الموضوع. كما أنّ باكستان قدّمت بيوتاً آمنة لزعماء طالبان بمن فيهم الزعيم السابق الملاّ عمر، وأمّنت لهم الحماية أيضاً وكالة الإستخبارات الباكستانية.

ولم يكن ممكناً للمسؤولين الصينيين بمن فيهم السفير الصيني في باكستان لقاء الملاّ عمر ومسؤولين آخرين في تنظيم القاعدة، من دون دعم وكالة الإستخبارات الباكستانية لأنها كانت تؤمن لهم الحماية، وما كانت هذه اللقاءات لتحصل من دون مساعدتها.

ونعلم أنّ وزير الخارجية الصيني زار باكستان في يوليو/ تموز من العام 2000 برفقة مسؤولين صينيين آخرين، وقدّم لهم الدعم مسؤولون حكوميون باكستانيون رفيعو المستوى للقاء ممثلين من طالبان في إسلام أباد. إذاً هناك تقارير كثيرة عن هذا الموضوع.

 

شاهدوا أيضاً: طالبان تصعّد عملياتها بأفغانستان وتحتل أكثر من 20 ولاية فماذا عن كابول؟