بعد عدة أيّام من المعلومات المتضاربة وغير المؤكّدة، تأكّد خبر مقتل أبي بكر شيكاو، الذي أوردت “أخبار الآن” قبل أيّام عديدة بعض التفاصيل عن عمّا جرى من أحداث في غابة سامبيسا.

 

  • تأكيد مقتل “الزعيم الأسطوري” لبوكو حرام الذي فضّل أن ينهي حياته على أن يقع أسيراً
  • تسلل لمقاتلين من داعش في غابة سامبيسا حيث كان شيكاو محاطاً بحفنة من الرجال
  • مع انتحار شيكاو الذي كان مكروهاً تنتهي حقبة لتبدأ أخرى لن تكون أكثر زهاءً
  • اضطر البرناوي ورجاله إلى مغادرة غابة سامبيسا ليتمركزوا في مكان آخر
  • مقتل شيكاو سيجدد القتال وداعش قد يستعمل حماسته لتمشيط غابة سامبيسا

 

فقد قتل الزعيم الأسطوري لـ”جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد”، التسمية الأصلية لـ (جماعة بوكو حرام)، والذي فضّل أن ينهي حياته إثر قتال بين جماعته وفرع تنظيم داعش في غرب أفريقيا.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

غابة سامبيسا التي تمتد على مساحة 60 الف كيلو متر مربع حيث كان يتواجد ابو بكر شيكاو الذي قتل مؤخراً

ففي تسجيل صوتي تمّ تناقله بين أفراد جماعته، أكّد حاكم ولاية داعش في أفريقيا الغربية مقتل أبي بكر شيكاو بعدما فجّر الحزام الناسف الذي كان يرتديه، وذلك بعد 5 أيّام من الفرار.

شيكاو كان تحوّل لقنبلة بشرية خلال محاولة للتفاوض من أجل عقد الصلح

في وقت سابق، قيل إنّ خليفة محمد يوسف قد تحوّل إلى قنبلة بشرية خلال محاولة للتفاوض من أجل عقد الصلح مع رجال تابعين لزعيم الحرب باكو غورغوري في غابة سامبيسا الغضّة. ولكنّ أيّاً كانت الحقيقة، يبقى أمر واحد مؤكّداً، “لقد مات شيكاو”. هذا ما تؤكّده مصادر متعددة لشبكة “أخبار الآن“، والتي تتابع حركات الإقتتال بين التنظيمات “الجهادية” في شمال شرق نيجيريا. هكذا كان مصير الزعيم “الجهادي” بعدما تسبب بخصومات مع الجميع.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

مؤسس بوكو حرام محمد يوسف خلال مؤتمر ديني في مايدوغوري

فمع أبي بكر شيكاو اعتمدت جماعة بوكو حرام التي أسسها محمد يوسف أوائل الألفية الثالثة منهج العنف الأعمى. وشيكاو المولود في يوبي شمال نيجيريا، التقى بمحمد يوسف الذي أردته الشرطة النيجيرية ميتاً في العام 2009 عن طريق الكاميروني ممّان نور، وهو من أوائل رفاق يوسف.

أول انشقاق داخل بوكو حرام

لكن في العام 2012، شهدت الجماعة أوّل انشقاق داخلها. فقد برزت مجموعة أفراد اعتبروا أنّ الطرق التي يستعملها شيكاو متطرفة جدّاً وأرادوا تأسيس جماعة تعرف باسم جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان. وفعلاً قامت الجماعة المنشقّة بتنفيذ عمليات واسعة النطاق لتميّز نفسها عن بوكو حرام، لكنّها تبنّت خطّ تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي نظراً للقواسم المشتركة بينهما.

فتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي المتواجد في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، كان يُعرف ببراعته في اختطاف الأجانب بهدف طلب الفدية من أجل تمويل نشاطاته الإرهابية. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2012، قامت جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان باختطاف المهندس الفرنسي فرنسيس كولون من منزله في ريمي في ولاية كاتسينا في نيجيريا.

بعد انقضاء 11 شهراً، استفاد كولون الرهينة من انشغال حارسه المدعو عبدول، ولاذ بالفرار. في غضون ذلك، كان كولون قد نُقل إلى زاريا في كادونا الواقعة غرباً، كما أنّ جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان التي كانت قد خسرت زعيمها الأوّل أبي بكر آدم كامبار، وزعيمها الثاني خالد البرناوي إثر قيام الدولة النيجيرية باختطافه، وذلك في العام 2016.

ركّزت جماعة بوكو حرام دائرة أعمالها في شمال شرق البلاد، حيث شنّت حرباً بلا هوادة لم تميّز فيها بين المدنيين والعسكريين. وقد اعتمد أبو بكر شيكاو إيديولوجيا متطرفة ترمي “الحرم” على كلّ مسلم لم يتنكّر للعلمانية. لكن بوكو حرام نفذت عمليات في مناطق بعيدة مثلما حصل عندما قامت باختطاف أكثر من 276 طالبة في شيبوك في أبريل/ نيسان من العام 2014، ما أثار سخطاً دولياً واحتشدت الدول للمطالبة بتحرير الفتيات.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

أبو بكر شيكاو في العام 2014 بعد خطف الفتيات في شيبوك

وتقريباً في الفترة نفسها، كثّفت بوكو حرام العمليات وتمكّنت من السيطرة على بلدات عدّة في شمال شرق نيجيريا وجعلت من غووزا عاصمة لها، وبدّلت اسمها ليصبح فتح المبين.

في العام 2015، وفي السابع من مارس/ آذار على وجه التحديد، أعلن أبو بكر شيكاو انضمامه لتنظيم داعش في بيان صوتيّ. وبعد بضعة أيام، قبلت المجموعة الإرهابية الدولية انضمام بوكو حرام إليها لتصبح ولاية الدولة الإسلامية في أفريقيا الغربية.

ازدادت شعبية الجماعة وأصبحت تستقطب أفراداً أجانب. حينها، دعا أبو محمد العدناني، الناطق باسم تنظيم داعش الذي لقي حتفه في العام 2016 في منطقة الباب في سوريا، إلى الإنضمام إلى الولايات الحديثة الولادة لا سيما ليبيا ونيجيريا. فشنّ الجيش النيجيري هجوماً لاستعادة المدن التي خسرها بسبب سيطرة الفرع الجديد لداعش عليها. وفي يناير/ كانون الثاني من العام 2015، هاجمت بوكو حرام قاعدة باغا التابعة للقوة الدولية والواقعة في أقصى الشمال الشرقي في حوض بحيرة تشاد وقتلت عشرات المدنيين الذين اتهمتهم بالتعاون مع القوى العسكرية الموالية للجيش. ومن تسبب بتأليب الجميع ضدّ أبي بكر شيكاو هو نفسه الرجل الذي أعلن مسؤوليته عن هذه العملية باسم بوكو حرام.

أبو مصعب البرناوي “الحاكم الجديد”

في 3 أغسطس/ آب  من العام 2016، نشرت مجلة النبأ الأسبوعية الصادرة عن داعش مقابلةً مع أبو مصعب البرناوي، ولم يكن هناك من صورة للقاء، لكن أُفيد بوضوح في أعلى الصفحة بأنّ المقابلة أجريت مع “والي” (حاكم) الدولة الإسلامية في أفريقيا الغربية. وكشف اللقاء عن تغيّر كبير في قيادة بوكو حرام… وهكذا تمت إزاحة شيكاو الذي يعتبره الجميع متطرفاً  جدّاً لصالح الناطق السابق باسمه و”طيفه”، وبذلك استلم حبيب يوسف المعروف باسم أبو مصعب البرناوي قيادة جماعة بوكو حرام لكن شيكاو رفض إزاحته وبدأت القطيعة بين الرجلين.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

وثيقة من مقابلة ابي مصعب البرناوي في العدد (41) لاسبوعية داعش، تفتقر الى صورة الأخير وتشير الى “والي غرب افريقيا”

حينها اضطر البرناوي ورجاله إلى مغادرة غابة سامبيسا ليتمركزوا في مكان آخر، وهكذا استقرّت الولاية الجديدة لتنظيم داعش في أفريقيا الغربية في حوض بحيرة تشاد مستفيدةً من الدعم المالي الذي قدمته لها القيادة المركزية للتنظيم. وبالتالي استفادت المجموعة من مصدر طاقة جديدة استقتها من التحويلات المالية ونظام التدريب العسكري القوي.

لكن في العام 2019، عاش تنظيم داعش في أفريقيا الغربية اضطراباته الأولى وقبل ذلك بعام، قُتل ممّان نور على يد رجاله بعدما قاتل لإنشاء حوار مع الدولة في نيجيريا. فاستُبدل أبو مصعب البرناوي ببرناوي آخر هو أبو عبدالله ابن عمر أو المعروف باسم  با إدريسا. ولكن هذا الأخير لقي المصير نفسه بعد انقضاء عامين.

مصادر “أخبار الآن”: تسلل مقاتلين من داعش في سامبيسا حيث كان شيكاو محاطاً بحفنة من الرجال

وبحسب الباحث الفرنسي فانسان فوشي، فقد أرسل تنظيم داعش بعثةَ إلى نيجيريا للتحقيق في إدارة الجماعة. ولا شك في أنّ إدريسا قد استُبعد على إثر البعثة هذه. ودُفع بحبيب يوسف إلى الواجهة ليستلم قيادة الجماعة بالوكالة بعدما كان قد استُبعد هو أيضاً لفترة معينة. وفي عهده، تمّ التخطيط للهجوم على قواعد شيكاو في غابة سامبيسا في جنوب مايدودوري. لكن الأمر بتنفيذ الهجوم لم يُعط إلّا في شهر مايو/ أيار وتزامن القتال مع محادثات بين الجماعتين.

تتحدث بعض المصادر عن تسلل لمقاتلين من داعش في غابة سامبيسا، ويقال إنّ شيكاو كان محاطاً بحفنة من الرجال عندما وجده رجال أبو مصعب البرناوي في إحدى قواعده. لكنْ أبو بكر شيكاو لا يستسلم بسهولة وبإرادته، فانتهى به الأمر بانتحاره وهو الذي كان مضطهداً ومكروهاً.. وهكذا تنتهي حقبة وتبدأ أخرى لن تكون أكثر زهاءً.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

حوض بحيرة تشاد بين نيجيريا وتشاد والكيرون والنيجر، عرين “ISWAP” (ولاية غرب أفريقيا)

لقد شهدت غابة سامبيسا إثر ما حدث، عمليات تمشيط ومجالس لقمع بعض جيوب “المقاومة”. في الوقت نفسه، نقلت مصادر حصول شرارة نزاع بين المجموعة الموالية لشيكاو بقيادة ابراهيم باكورا في حوض بحيرة تشاد، وبين مقاتلين من الفريق المناهض. وهذا ما توقع به الخبير فولان نصرالله في حديث لـ”أخبار الآن” لدى سؤاله عن آخر التطورات في نيجيريا. وكشف نصرالله، وهو كثير الإطّلاع على مسار بوكو حرام، قائلاً إنْ “مات فعلاً، سيحدث تجدّد للقتال بين أنصاره  المناهضين لعقيدة ولاية تنظيم داعش في أفريقيا الغربية ومقاتلي الولاية المذكورة”.

إن تمكن تنظيم داعش في أفريقيا الغربية من قمع “المقاومة”، فماذا سيكون مصيره؟

يُمكن أن تدفعه نشوته بالإنتصار إلى تركيز جهوده ضدّ الجيش النيجيري الذي يفترض به أن يستفيد من تضعضع القوى المعادية وغياب التنسيق بينها، كما يبدو ليضرب بيد من حديد. برهن الجيش النيجيري بعدما صدّ هجوماً في دامبوا في جنوب غرب مايدوغوري، أنّه قادر على هزيمة “الجهاديين”. وفي هذه العملية التي تبنّى تنظيم الدولة  داعش المسؤولية عنها بنشره صور قديمة، تمكّن الجيش النيجيري من التخلّص من سائق السيارة المفخخة.

بعد مقتل شيكاو.. أيّ مستقبل للإقتتال "الجهادي" شمال نيجيريا؟

الآلية المفخخة التي لم تنفجر خلال هجوم دامبوا جنوب غرب مايدوغوري

ويُرجح سقوط متشددين آخرين والإستيلاء على معدّات. كما أن تنظيم داعش قد يُستعمل حماسته الحالية لتمشيط غابة سامبيسا التي يمكن أن يستعملها كقاعدة خلفية ليهدّد بلدة مايدوغوري الواقعة شمالاً على بعد زهاء 60 كيلومتراً. ما لا شك فيه أنّ هذه المسافة الصغيرة هي التي سمحت لشيكاو بمحاولة القيام بعمليات توغّل في المناطق الحدودية لهذه البلدة.

ومؤخراً جاء في رسالة داخلية، قيل إنّها لزعيم تنظيم داعش في غرب أفريقيا أبو مصعب البرناوي، تأكيد على مقتل شيكاو، وقد وصف البرناوي في الخطاب شيكاو بأنّه “زعيم العصيان والفساد”، وقال إنّ مقاتليه ابتهجوا بوفاته، بعد محاولة إلقاء القبض عليه “بأكثر الطرق إذلالا”.

وكانت “أخبار الآن” نشرت في الثالث والعشرين من الشهر الماضي خبراً، كشفت خلاله ما تناقلته “حسابات تابعة لـ داعش عن فرحتها صراحةً بخبر محاصرة شيكاو ضمن محيط غابة سامبيسا التابعة لولاية بورنو النيجيرية. وقد نشر صاحب إحدى الحسابات تغريدة قال فيها: “الله أكبر الله أكبر الله أكبر من سامبيسا هلت البشاير! عادت الأسود إلى عرينها ساء صباح المنذرين”! فيما علق حساب: “شيكاكاكاوكاو إما أن يتوب أو يموت ليس له خيار ثالث..”.

واللافت بالأمر انه احد الحسابات ادار نقاشا يتعلق بمقتل أبي بكر شيكاو، وشارك بعض الاشخاص تغريدات ذكروا فيها اسباب الخلاف، اذ نشر احدهم تغريدة قال فيها: “تم طرده من صفوف الدولة بأمر من البغدادي تقبله الله بسبب غلوّه، و عمل بعدها على قطع الطرق والخطف بإسم الدولة وراية العقاب، لا رحم الله فيه مخرز إبرة“.

وأضاف آخر: “رفض أن يستأسر وفجر حزامه ترجل أحد الفرسان كان يحاول إقناعه بالمناظرة أمام محكمة شرعية وقضاة عدول، لكنه رفض لله الأمر من قبل ومن بعد! ذكرني هذا الموقف بما حصل في الشام حين رفض الصحوات التحاكم إلى الشرع والبراءة من الأنظمة الطاغوتية كشرط للتحكيم مع الفارق طبعاً بين مغالي و مرتد“.

شاهد أيضاً: مَنْ هو أبو بكر شيكاو؟