الجولاني يخدع نفسه بالمراوغة وممارسة الأكاذيب

ماذا قال خصوم الجولاني من الجهاديين؟

  • لم يقاتل بنفسه أبداً
  • ماكر ذو وجهين يحب نفسه ولا يبالي بجنوده
  • يطير فرحاً كالأطفال إذا ذُكر اسمه في الإعلام
  • محاولة فصل نفسه عن داعش والقاعدة
  • أحاديثه الإعلامية ليست سوى مناورات دعائية
  • استغل القاعدة من أجل المال

في الـ24 من يناير/ كانون الثاني 2012، وبينما كانت مؤشرات الإرهاب المعولم تشير إلى اقتراب عاصفة الشقاق الجهادي الكبير بين القاعدة وداعش، أعلن “أبومحمد الجولاني” عن نفسه عبر بيان دعائي حمل شعار مؤسسة المنارة البيضاء (الذراع الإعلامية لجبهة النصرة)، مؤكدًا أن الولايات المتحدة والغرب هم أعداء له وشركاء في الأزمة السورية وأن على أهل الشام أن يحملوا السلاح وينضووا تحت راية العقاب السوداء التي رفعتها جبهة النصرة.

وبعد نحو 9 سنوات على بيانه الأول، خرج “الجولاني“، من جديد، في فيلم وثائقي أعدته محطة بي بي إس الأمريكية بعنوان “الجهادي“، قائلًا “إننا لا نمثل تهديدًا لأمريكا وأوروبا وانتقادتنا السابقة لا تعني أننا سنشن حرب عليهم من داخل سوريا.. لقد انفصلنا عن داعش والقاعدة”، مضيفًا: “نحن لا نشكل أي تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة ولا داعي لإدراج أسمائنا على قائمة الإرهابيين العالميين ووضع مكافأت لمن يدلي بمعلومات عنا”.

بدت التصريحات الأخيرة لأمير جبهة النصرة المؤسس، وكأنها تراجع عن سيرته الأولى، بيد أن هذا التراجع أثار موجة من الانتقادات في أوساط الحركة الجهادية الراديكالية، أضيفت إلى رصيد وسيرة الجولاني التي تستحق أن تُدرج ضمن قائمة الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الإرهاب المعولم.

بداية متواضعة على ساحة العراق

حاول الجولاني، في حواره مع القناة الأمريكية، أن يصوغ روايته الخاصة ويسوق صورته كـ”جهادي مودرن” أملًا أن تحظى بقبول لدى دوائر السلطة الرسمية في الولايات المتحدة والدول الغربية، وظهر ذلك بوضوح في أكثر من مناسبة أهمها لدى استحضاره تجربته القتالية على الساحة العراقية، التي حاول تصويرها كأنها تجربة هامشية لم يتورط خلالها بشكل مباشر في قتال القوات الأمريكية الغازية.

ووفقًا لتصريحاته التي تخللها توتر وقلق واصطناع، في كثير من الأحيان، فإنه دخل إلى العاصمة بغداد قبل نحو 3 أسابيع من بداية الغزو الأمريكي للعراق في 21 مارس/ آذار 2003، ومنها انتقل إلى مدينة الرمادي (محافظة الأنبار) وانضم لجماعة التوحيد والجهاد التي أسسها الأردني أبومصعب الزرقاوي والتي تحولت في عام 2004 لفرع محلي لتنظيم القاعدة (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين).

شخص له سابقة مع الدواعش والقاعدة. ثم يحاول تسويق نفسه عند أعداء الدواعش والقاعدة

ماجد الراشد قيادي سابق في جبهة النصرة

ولم يكن “الجولاني” أو أحمد حسين الشرع (الاسم الحقيقي)، آنذاك، سوى مقاتل مغمور في صفوف التنظيم الجهادي، غير جدير بلفت الانتباه، حتى أُلقي القبض عليه في عام 2006، ونُقل بين عدة سجون ومقرات احتجاز بدءًا من سجن “أبوغريب” وانتهاءً بسجن التاجي (شمالي بغداد)، حيث مكث بضع سنين قبل أن يتم الإفراج عنه في عام 2011.

في داخل السجن توطدت علاقات “الجولاني” بمجموعة من أبرز قادة تنظيم دولة العراق الإسلامية (النسخة الأقدم لداعش) كان من بينهم “أبي علي الأنباري” الشرعي العام لداعش سابقًا (1959: 2016)، بجانب أحد المسؤولين عن العمليات في الموصل (والي الشمال العراقي) الذي لم يسمه أمير النصرة السابق خلال حواره مع “بي بي إس”.

أسهمت تلك الروابط في إعطاء مسيرة “الجولاني” دفعة استثنائية إذ قدمه أحد قادة التنظيم لأبي بكر البغدادي (أمير دولة العراق الإسلامية وقتها) وطلب منحه إذنًا خاصًا للانتقال إلى سوريا وتأسيس فرع للجماعة العراقية هناك، وهو ما وافق عليه البغدادي الذي أمده بعدد من المقاتلين وبحوالي 70 ألف دولار، حسب تصريحات “الجولاني” وكلمة صوتية لـ”البغدادي” بثتها مؤسسة الفرقان عام 2013 بعنوان: “وبشر المؤمنين”.

ويكشف “أواب الجنوبي” القيادي المقرب من تنظيم القاعدة في تدوينة بثها عبر قناته على تطبيق تليغرام للتواصل الاجتماعي أن أبومحمد الجولاني لم تكن له سابقة جهادية أو مشاركة قتالية في العراق أو سوريا، لاسيما وأنه لم ينخرط في القتال بنفسه، واعتقل داخل العراق أثناء مكوثه في أحد المنازل التي يستخدمها التنظيم عام 2004، ثم انتقل لاحقًا إلى سوريا عقب قيام الثورة في عام 2011، ولم يقدم أي شيء سوى ورقة بحثية تحليلية للوضع في سوريا كما أقر خلال مقابلته مع “القناة الأمريكية”.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

تدوينة “أواب الجنوبي” القيادي المقرب من تنظيم القاعدة

الهروب من البغدادي لـ”الظواهري”

في داخل سوريا، استفاد “الجولاني” ورفاقه الستة من حالة السيولة الأمنية التي عاشتها البلاد لبناء وتدعيم جبهة النصرة، التي أصبحت تضم بين صفوفها قرابة 5 آلاف مقاتل، خلال نحو عام، ومن ثم فكر مؤسس الجبهة أن يستقل بها عن تنظيم دولة العراق.

تصادم سعي أمير جبهة النصرة مع طموح تنظيم الدولة الحالم بالتمدد والانتشار داخل الشام، وحملت الرسائل التي وصلت لأبي بكر البغدادي إشارات صريحة باحتمالية انشقاق الفرع السوري عن التنظيم، وأثارت تلك الرسائل قلق الأخير الذي قرر إيفاد نائبه “أبو علي الأنباري” إلى سوريا لاستقصاء حقيقة الأمر.

بعد أسابيع قليلة من مرافقته لأمير جبهة النصرة، أيقن “الأنباري” أن الشكوك حول شخصية “الجولاني” في محلها، فأرسل إلى قيادته في العراق رسالة مفادها:

الجولاني شخص ماكر ذو وجهين يحبّ نفسه ولا يبالي بدين جنوده وهو على استعداد لأن يضحي بدمائهم ليحقق له ذكرًا في الإعلام، يطير فرحًا كالأطفال إذا ذُكر اسمه في الإعلام

وعلى إثر تلك الرسالة، سارع أبوبكر البغدادي بالانتقال إلى سوريا واستدعى الجولاني ونائبه أبو مارية القحطاني للتحقق من صحة الرسائل التي وصلته، وعُقد اجتماعًا ضم قيادات تنظيم دولة العراق وجبهة النصرة، وتخلله بكاء أمير الجبهة وإصراره على تجديد البيعة لـ”البغدادي”، في مناورة منه لكسب الوقت حتى يتمكن من الانشقاق عن التنظيم.

ويذكر “أبو محمد المقدسي”، المنظر الجهادي الشهير، في تدوينة له تعليقًا على وثائقي “الجهادي” الذي بثته القناة الأمريكية أن الجولاني طلب خلال اجتماعه المذكور مع البغدادي قارورة ماء مغلقة ليشرب منها خوفًا من أن يتم اغتياله عبر دس السم في شرابه، لكن الأخير قال له: “صنعت لك مجدًا يوم أرسلتك للشام ولن أصنع لك مجدًا بقتلك”.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

تدوينة أبو محمد المقدسي عبر قناة الدرر السنية

ويردف “الجولاني”، في حواره الأخير، أنه احتاج إلى الرمزية التي يمثلها أيمن الظواهري كقائد لتنظيم القاعدة، لذا راسله وأعلن أنه جبهة النصرة فرع تابع لتنظيمه لكي يخلع ولائه السابق لتنظيم الدولة، وهو ما تم بالفعل لاحقًا.

خلع ثوب القاعدة

نجحت مقامرة “الجولاني” الخطرة وتمكن من الالتفاف على بيعة “داعش” وصار تابعًا بشكل مباشر لتنظيم القاعدة، وأدى ذلك إلى حدوث أكبر شقاق تنظيمي في تاريخ الحركة الجهادية العابرة للحدود الوطنية التي انقسمت منذ ذلك الحين إلى فرع قديم على رأسه أيمن الظواهري، وفرع جديد منفصل عنه تحت إمارة أبوبكر البغدادي.

غير أن تحالف “الجولاني- الظواهري” ولد مبتسرًا منذ اللحظة الأولى له، وأدرك قادة القاعدة في سوريا أن أمير جبهة النصرة قد ينقلب عليهم كما انقلب على تنظيمه السابق، على حد تعبير “أبوالعلاء الشامي” القيادي المحسوب على تنظيم القاعدة.

ويذكر الشامي، تعليقًا على تصريحات الجولاني الأخيرة، أن حديثًا دار بينه وبين “أبي حفص الأردني“، القيادي في هيئة تحرير الشام سابقًا، خلال عام 2016، أبدى فيه الطرفان تخوفهما من تحولات الجولاني وانحرافه عن النهج الجهادي (تميعه أو تدعشنه على حد وصفه)، مؤكدًا أن هذا ما حدث لاحقًا.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

تدوينة أبو العلاء الشامي عن الجولاني

وبحلول يوليو 2016، كان أمير جبهة النصرة يضع اللمسات الأخيرة على مشروع الانفصال عن تنظيم القاعدة الذي أطلق عليه “فك الارتباط”، بعد أن أوهم مسؤولي العمليات الخارجية وقيادة القاعدة بما فيهم “الظواهري” أن هذا قطع الصلات مع القاعدة سيكون إعلاميًا فقط ولأغراض الهرب من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب.

وبالفعل، ظهر أمير جبهة النصرة في إصدار مرئي، للمرة الأولى، وعلى يمينه أبوالفرج المصري، أحد جهاديي القاعدة المخضرمين، وعلى يساره أبوعبد الله الشامي، ليعلن تشكيل جبهة فتح الشام التي وصفها بأنها لا علاقة لها بأي جهة خارجية.

على أن الوقائع التالية أثبتت أن “إعلان الجولاني” وأحاديثه الإعلامية ليست سوى مناورات دعائية لتحقيق أهدافه الخاصة، كما يقول أواب الجنوبي في تدوينة حديثة له.

ويردف “الجنوبي”، المقرب من القاعدة، أن الجولاني بقي على تواصله مع أيمن الظواهري عقب فك الارتباط، وأرسل له أكثر من رسالة نصية تتضمن تأكيدًا على تبعية جبهة فتح الشام لـ”القاعدة” وأن فك الارتباط جاء وفقًا للضرورة القصوى، وصدقه زعيم القاعدة في البداية، قبل أن يعود ويطلب منه اعتراف صوتي مسجل بولاء الجبهة لـلتنظيم، لكن قائد جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا) راوغ في إجابة الطلب.

ويتابع القيادي المقرب من القاعدة أن أحد القيادات البارزة لجبهة فتح الشام (هيئة تحرير الشام حاليًا) لم يوافق على تلاعب “الجولاني” بزعيم القاعدة فطلب منه أن يُخبر “الظواهري” بالحقيقة ولا يبقيه معلقًا بعد فك الارتباط، على حد قوله.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

تدوينة “أواب الجنوبي” القيادي المقرب من تنظيم القاعدة

رفاق الأمس أعداء اليوم

لاحقًا، أدرك أيمن الظواهري أنه تعرض للخداع والخيانة على يد تابعه السابق، خصوصًا في ظل تضييق هيئة تحرير الشام على المجموعات التي بقيت على ولائها وارتباطها بالقاعدة، فحاول استمالة قيادات الهيئة عبر مراسلاته السرية، وعندما فشلت محاولاته فضل القفز للأمام والتصريح بأن تنظيمه لم يقطع الصلة مع فرعه المحلي في سوريا.

وذكر زعيم تنظيم القاعدة، في كلمة صوتية سابقة له بعنوان “فلنقاتلهم بنيانًا مرصوصًا (أكتوبر 2017) أنه “لم يحل جبهة النصرة من بيعته، وأن قيادتها اتبعت سياسة التعمية على أتباعها وزعمت أن كل ما يجري بعلم قيادة القاعدة وموافقتها وأن من يتمسك ببيعته سيعتقل، ثم بدأت سياسة التضييق على الأخوة ووصل الأمر لاعتقال النساء والأطفال..”.

وعند تلك المرحلة، أخذ الشقاق الجهادي منحنى جديدًا إذ تحول من صراع على قيادة الجهاد المعولم بين “القاعدة” و”داعش” إلى خلاف حول الشرعية والبيعة بين قيادة التنظيم المركزية وفرعها المحلي السابق (هيئة تحرير الشام).

وسخر كل طرف إمكانياته الدعائية كالمجلات والنشرات واللجان الإلكترونية للترويج لرؤيته الخاصة حول الخلاف، فانشغلت أدوات الدعاية القاعدية، وفي مقدمتها صحيفة ثبات الإلكترونية، بإبراز تناقضات أبومحمد الجولاني وهيئته، بينما ركزت الأخيرة على الدفاع عن نفسها وتبرير أفعالها الخاصة بأنها لـ”مصلحة الثورة والشعب السوري”.

وبالتوازي مع المعركة الدعائية التي اندلعت في الفضاء الافتراضي بعد بث “وثائقي الجهادي”، عمد الجهاز الأمني لـ”تحرير الشام” لاتباع مقاربة استئصالية في التصدي لعناصر القاعدة في إدلب، فشن حملة ضد جماعة أنصار الإسلام (محسوبة على القاعدة) واعتقل عددًا من عناصرها وقيادتها الميدانيين، بحسب ما ذكرته قنوات مناصرة للتنظيم عبر تطبيق تليغرام، فيما ظهر وكأنه محاولة  لتسويق هيئة تحرير الشام كشريك يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الإرهاب الدولي الذي يمثله تنظيم القاعدة وأفرعه المحلية.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

الجولاني 2021

كذلك، سخر “مزمجر الشام” من الجولاني بنشره صورة مركبة للأخير تُظهره في هيئات مختلفة تغيّرت على مدى السنوات.

وتأتي منشورات هذا المغرد السوري بعدما توقف عن الكتابة عبر حسابه على “تويتر” منذ تشرين الأول/نوفمبر 2020، ليعود مؤخراً من بوابة مهاجمة الجولاني.

"جهادي مودرن".. محاولة تجميل "فاشلة" تفتح النار من جديد على الجولاني

 

محاولة تقرب إلى الغرب

وعلى ذات الصعيد، تبين أحاديث أبو محمد الجولاني ولقاءاته الإعلامية مدى حرصه الذاتي على التقرب من الولايات المتحدة وسعيه لإزالة اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكية، وهو الأمر الذي لفت إليه السفير جيمس جيفري (المبعوث الأمريكي السابق لسوريا) في مقابلته ضمن فيلم “الجهادي”.

غير أن محاولة الهرب من قائمة الإرهاب، لم تؤت أكلها حتى الآن، بل فاقمت السخط الجهادي على أمير هيئة تحرير الشام الحالي (النصرة سابقًا)، بعد تلويح قياديين سابقين في الهيئة بتكفيره لمحاولته التقرب من الإدارة الأمريكية، التي لا تزال عند موقفها من “الجولاني” أو الإرهابي الذي لم يشفع له تغيير ثوبه على حد وصف تدوينة سابقة لبرنامج مكافآت من أجل العدالة التابع للخارجية الأمريكية.