أسامة بن لادن.. العائلة تدفع الثمن

علياء غانم” والدة أكثر الرجال تأثيرًا في مسارات واتجاهات الإرهاب العالمي، “أسامة بن لادن” مؤسس تنظيم القاعدة، السيدة التي ظُلِمت مرتين؛ الأولى بزواجها بوالد “أسامة بن لادن“، وهي الزيجة التي لم تستمر سوى ثلاث سنوات، والثانية عندما أصبح ابنها الأكبر “أسامة بن لادن” الرجل الأخطر في العالم على مدار ما يقرب من عشرين عامًا منذ بداية التسعينيات وحتى مقتله في عام 2011، وهو ما جعل من “علياء غانم” مصدرًا للجدل بين اتجاه يرى الأم مسؤولة عن التحولات الفكرية العنيفة لأسامة بن لادن، واتجاه يرى الأم ضحيه لأسامة بن لادن، كما هو الحال بالنسبة للضحايا المدنيين الذي سقطوا جراء العمليات الإرهابية التي نفذها “بن لادن” بدول العالم وأكثرها تأثيرًا أحداث 11 سبتمبر 2001.

فمن هي “علياء غانم”؟ وهل هي مسؤولة عن تحولات “بن لادن” العنيفة؟ أم ضحية له؟

“علياء غانم” السيدة السورية التي وُلدت في عام 1934 بقرية جبريون بمحافظة اللاذقية لأسرة ميسورة تنتمي للطائفة العلوية “الشيعية”، معتدلة دينيًا وفكريًا، فقد تحدثت السيدة “علياء غانم” لصحيفة “الجارديان” البريطانية في أغسطس 2018، عن مراحل طفولتها ونشأتها في سوريا، حيث قالت إنها تأثرت بالعادات والتقاليد الساحلية في اللاذقية، والتي تختلف عن العادات والتقاليد في المملكة العربية السعودية، وهو ما أثّر على استمرار علاقة الزواج مع رجل الأعمال “محمد بن لادن” والد “أسامة بن لادن”، فقد تزوجت السيدة “علياء غانم” من رجل الأعمال “محمد بن لادن” عام 1956، وهي الزوجة الرابعة في ترتيب زوجاته، وانتقلت للإقامة في جدة بالمملكة العربية السعودية، وأنجبت ابنها الأكبر “أسامة بن لادن”، واستمر الزواج أربعة أعوام ثم انفصلت عن زوجها وانتقلت إلى سوريا برفقة ابنها “أسامة”.

تزوجت بعد ذلك من اليمني “محمد الغطاس” أحد موظفي شركة “بن لادن” والذي قام بتربية “أسامة بن لادن“، وهو ما يجعل من السيدة “علياء” ضحية للمرة الأولى لكونها الزوجة الرابعة لرجل تزوج ما يقرب من 11 زوجة وأنجب ما يقرب من 50 ابنًا وابنة، حيث يُعتبر “أسامة بن لادن” رقم 17 في ترتيب أبناء والده.

ولم ينتهِ مطاف السيدة “علياء غانم” بكونها ضحية للزوج؛ بل أصبحت ضحية ابنها الأكبر “أسامة بن لادن”، وهو الأقرب إلى قلبها على حد وصف أخيه لأمه “أحمد الغطاس” الذي قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الجارديان” البريطانية، أغسطس 2018، إن “أسامة” هو أكثر الأبناء قربًا للسيدة “علياء”، وهو ما جعلها تنكر تصرفات ابنها “أسامة” الخاصة بالإرهاب والتطرف، ومع اعتراف “أسامة” بشكل رسمي تنفيذه العمليةَ الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية بدأت الأم السيدة “علياء الغانم” تُلقي باللوم دائمًا على أصدقاء “أسامة بن لادن” في الجامعة، والظروف التي مر بها “أسامة” في شبابه، حيث يرى ابنها الأصغر “أحمد” أن والدته لم تعرف سوى الجانب الطيب عن “أسامة”، ولم ترَ الجانب الراديكالي فيه.

وتصف السيدة “علياء غانم” علاقتها مع “أسامة بن لادن” بأنها علاقة خاصة، فهو الابن الأكبر والأقرب والأعز لقلبها، وتقول بثقة: “كانت حياتي صعبة للغاية لأنه كان بعيدًا جدًا عني”، مضيفة: “كان فتى صالحًا جدًّا، وكان يحبّني كثيرًا”، وهو ما جعل الأم تدخل في إنكار نفسي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى أن اعترفت عام 2018 بأن ابنها الأكبر مذنب، مما جعل من السيدة “علياء غانم” ضحية للمرة الثانية لابنها، لما خلّفه “أسامة” من آثار نفسية على والدته، بجانب ما واجهته الأم وإخوته من تضييق أمني بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث يقول الأخ الأصغر لابن لادن “أحمد”: بعد أحداث 11 سبتمبر ووصول التقرير الأولي الذي يؤكد قيام “أسامة بن لادن” بتنفيذ الهجوم الإرهابي شعرنا جميعنا، من الأصغر إلى الأكبر بيننا، بالعار والخزي منه، وأدركنا أننا سنواجه كلّنا تبعات مروّعة. وهو ما انعكس بشكل كبير على الأم السيدة “علياء غانم”.

الأم وسيكولوجيا “بن لادن” والإرهاب

تُعتبر العلاقة بين “أسامة بن لادن” وأمه علاقة معقدة نسبيًا، حيث ارتبط “بن لادن” بوالدته بشكل كبير، حيث لعبت الأم دورًا مهمًّا في حياة “أسامة بن لادن” من حيث تحديد اتجاهات “بن لادن” قبل دخوله الجامعة، فالأم -كما وصف “أسامة بن لادن”- شخصية قوية وحاسمة، وهو ما عبّر عنه الكاتب ستيف كول صاحب كتاب “بن لادن: أسرة عربية في العصر الأمريكي” The Bin Ladens: An Arabian Family in the American Century، حيث أكد على خصوصية العلاقة بين “أسامة بن لادن” ووالدته، حيث يقول إن “أسامة بن لادن” لم يتعرف إلى والده جيدًا لأنه مات وهو لم يبلغ الحادية عشرة.

وهذه التطورات أثرت في أسامة تأثيرًا سلبيًا، فأحبّ أمه إلى حدٍّ جعله يدنو من قدميها ويقبلهما، وكان دائم التواصل معها هاتفيًا، حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد دفعت هذه العلاقةُ الأم إلى تزويج “بن لادن” وهو في السابعة عشرة بابنة أخيها “نجوى الغانم”، وهي الزوجة الأولى لأسامة بن لادن من الطائفة الشيعية (العلوية)، والتي أثّرت بشكل كبير على بعض قناعات “أسامة بن لادن” تجاه العلاقة مع إيران، حيث طرحت العديد من التساؤلات حول أسباب علاقة “أسامة بن لادن” بإيران، والتي وصلت إلى درجة ذهاب بعض أبنائه والعديد من قيادات تنظيم “القاعدة” للإقامة في إيران في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001، حيث تأثر “بن لادن” كثيرًا بوالدته وزوجته الأولى باعتبارهما من الطائفة الشيعية (العلوية)، وهو ما يفسر سبب التناقض والصراع بين تنظيم القاعدة في العراق (2003-2012) بزعامة “أبي مصعب الزرقاوي” و”أبي عمر البغدادي” وتنظيم القاعدة المركزي بزعامة “أسامة بن لادن” حول العلاقة مع إيران، وموقع إيران مما يُسمى (الجهاد العالمي) على أجندة تنظيم القاعدة، ومن ثم كان للأم دور غير منظور في تشكيل بعض القناعات لدى “أسامة بن لادن” بجانب بعض العوامل الأخرى المحيطة ببن لادن في فترة المراهقة.

فعلى الرغم من أن الأم السيدة “علياء غانم” تُلقي باللوم على أصدقاء “أسامة بن لادن”، وخصوصًا في مرحلة الجامعة، حيث تعرف “أسامة بن لادن” على الإرهابي “عبدالله عزام” والذي لعب الدور الرئيسي في استقطاب “بن لادن”؛ إلا أن بعض العوامل السيكولوجية التي مر بها “بن لادن” لعبت الدور الأكبر في تشكيل شخصيته، ومنها الشعور بالعزلة الاجتماعية، فعلى الرغم من انتماء “أسامة بن لادن” لأسرة ثرية وكبيرة من حيث عدد الإخوة، إلا أن “أسامة” كان يشعر بالعزلة الاجتماعية، وهو ما عبر عنه تجاه والده الذي لم يشاهده بحسب ما ذكر “أسامة بن لادن” في المذكرات سوى 3 مرات، وهو ما ساهم في تشكيل شخصيته العدوانية، وهو ما عبر عنه أستاذ “أسامة بن لادن” في المرحلة الابتدائية “بريان فايفيلد شايلر” Baryan Vivild Scheller في مقابلة مع صحيفة “الصن” The Sun البريطانية، وقد درس لأسامة بن لادن اللغة الإنجليزية في مدرسة الثغر بجدة خلال عاميْ 1968 و1969، حيث قال: إن أسامة كان تلميذًا هادئًا وخجولًا ولكنه غامض، فالشعور بالعزلة الاجتماعية والاغتراب الاجتماعي دفع بن لادن ليكون مهيأ لاستقبال الأفكار المتطرفة من قبل عبدالله عزام أثناء فترة الجامعة؛ إذ إن الشعور بالعزلة الاجتماعية والاغتراب الاجتماعي يفضي إلى تغذية النزعة المتطرفة.

في المجمل، في الوقت الذي أثر فيه “أسامة بن لادن” في تشكيل الموجة الثانية من الإرهاب العابر للحدود والتي ساهمت في ظهور تنظيمات أكثر تطرفًا مثل تنظيم الدولة “داعش“؛ فقد امتدت الآثار السلبية لابن لادن لتشمل أسرته وعائلته، ومنها والدته السيدة “علياء الغانم” التي ظُلمت مرتين: الأولى من الزوج، والثانية من الابن.