إنّه مخيم نايابارا في منطقة كوكس بازار للاجئين الروهينغا، هذا ما كان عليه قبل أيام قليلة.. يقع هذا المخيم جنوب بنغلادش، حيث يعيش أكثر من مليونِ شخصٍ من الروهينغا في مخيّمات البر الرئيسي. لم تكن تلك الليلة خفيفةً على قلوب هؤلاء اللاجئين، الذين أتاهم هذا الحريقُ ليقضيَ على ذكرياتهم هناك، التعيسة منها والسعيدة رغم بئس الحال. حتى أنّ أحلامهم قضى الحريقُ عليها، لتتحولَ إلى رماد، بعد احتراق أكثرَ من خمسِ مئةٍ وخمسينَ منزلاً، كانت تأوي نحوَ ثلاثةِ آلافٍ وخمسِ مئةِ شخص، إضافة إلى مئةٍ وخمسينَ متجراً.

لا حلّ أمام هؤلاء سوى إعادة البناء، أو بالأحرى نصب الخيام من جديد ولو بوسائل بدائية.. يحاولون جاهدين تجنب التشرّد مجدّداً وهم باتوا اليوم بلا مأوى، لا يملكون سوى ما يلبسونه فقط. فهنا يقف البعض متأسفاً، وبعضهم الآخر يبحث في بقايا مقتنيات، علّه يجد شيئاً سلم من النيران.

الروهينغا في مخيم نايابارا.. مبيت في العراء والحريق فاقم المأساة وأنهى حتّى أحلامهم البائسة

“من حسنّ الحظ أنّنا لم نحترق نحن أيضاً”

المسنّة حافظة خاتون، لم تتمكن من إمساك دموعها التي انهمرت حزناً على ما آلت إليه الأمور في المخيم، مشيرةً في حديثها لمراسل “أخبار الآن” محمد حبيب”: “لم يبقَ لديّ شيء، لقد فقدت كل شيء في الحريق، من الطعام إلى الثياب والبطانيات، حتى وعاء بتُّ لا أملك، من حسنّ الحظ أنّنا لم نحترق. ما أحزن عليه أكثر ندم كتب القرآن الكريم، كنت أقرأ فيها دائماً… لا أعرف كيف سأدبّر الأمور بعد الآن”.

الروهينغا في مخيم نايابارا.. مبيت في العراء والحريق فاقم المأساة وأنهى حتّى أحلامهم البائسة

وأوضحت أنّه “منذ يومين لم أتناول وجبة طعام لأنني فقدت الشهية بعد حادثة الحريق… لا ينبغي أن أعاني من هذا الألم مرةً أخرى، صعبٌ عليّ التغلّب على الموقف هذا من دون أيّ دعم”. وتابعت: “لا يعطوننا سوى القليل من الخيزران والمشمّع، فنحن بلا طعام منذ يومين، وأنا إمرأة عجوز لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان”.

ينتظر اللاجئون الروهينغا في مخيم نايابارا المساعدات لإعادة بناء الخيام من جديد، لكنّ ما يتمّ تقديمه يبقى قليلاً نظراً لحجم الإحتياجات الكبيرة، وفق ما يقولون لمراسل “أخبار الآن” في بنغلادش محمد حبيب.

“ارتضينا الخيام منازل ولم نرتاح”

وبحسرة يقول أحد مسنّي الروهينغا محمد حسين (60 عاماً)، لـ”أخبار الآن“: “ماذا تراني أقول، لقد تركت ممتلكاتي في ميانمار، وأصبحت لاجئاً، على الرغم من أنني حاولت أن أعيش الحياة هنا في مخيم اللاجئين مع عائلتي. ارتضينا الملاجئ هنا، وبتنا نقنع أنفسنا بأنّها منازل رغم كلّ شيء، ولكن مرة أخرى، حريق يدمر كلّ ما جمعناه خلال ثلاثين عاماً، بساعات قليلة. وأضاف: “لقد خرجنا نركض مثل المجانين، وكل همّي كان إنقاذ عائلتي، فأنا لا أريد أن أخسر كل شيء عندما طردنا من ميانمار”.

الروهينغا في مخيم نايابارا.. مبيت في العراء والحريق فاقم المأساة وأنهى حتّى أحلامهم البائسة

نور جاهان (60 عاماً)، لا تعرف ماذا تفعل، فهي تشكو كيف قضى الحريق على فرحتها التي لم تكتمل، فيما كانت تحضّر لحفل زفاف ابنتها، فالثياب التي جمعتها خلال التسول احترقت كلها!

“كنت أحضر لزفاف ابنتي فاحترق كلّ ما جمعته”

وتقول جاهان لـ”أخبار الآن“: “كلّ شيء احترق لديّ، بالكاد كنت أنا وابنتي نستطيع تأمين لقمتنا ولبسنا، وكنت أسعى لجمع المال من أجل زفافها، حتى الملابس التي كنت أجمعها خلال التسول، فجأة أتى هذا الحريق وقضى على كلّ شيء”.

وتتابع: “لقد فقدت كل شيء، أخبرني كيف سأجمع ذلك مرة أخرى. حتى أنّ ابنتي بعد هذا الحريق، أصبحت لا تتوقف عن البكاء. لا أعرف اليوم كيف سأدبر أمري من أجل زفاف ابنتي، حتى ليس لدينا ما نأكله، ولا حتى ملابس، أتمنى لو أن أحداً يشفق علينا ويساعدني، إن وضعي صعب، صعب للغاية، لا أدري أين أذهب”.

الروهينغا في مخيم نايابارا.. مبيت في العراء والحريق فاقم المأساة وأنهى حتّى أحلامهم البائسة

اللاجئون الروهينغا هنا إذاً، من ضربة إلى أخرى، وبعضهم وصف الحال لأخبار الآن، بأنهم أشبه بأناس يغرقون على الشاطئ، وتتقاذفهم الأمواج على الصخور، ليرسم مشهداً بائساً. حريق اليوم المدمر سلب الكثير من العائلات ما تبقى لهم من مأوى وكرامة.

“المستقبل ضائع هنا.. فنحن فقدنا كل شيء حتى الأمل”

المستقبل في المخيم كما سائر المخيمات في بنغلاديش، ضائع أيضاً، وهذا ما عبّر عنها الشاب الثلاثيني أبو بكر صديق، الذي قال لـ”أخبار الآن“:أعيش هنا منذ خمسة وعشرين عاماً مع والدي.. الحريق في هذا المخيم لم يبق شيئاً، كما أننا لم نتمكن من إنقاذ شيئاً من مقتنياتنا، لقد فقدنا كل ما كسبناه كلاجئين على مدى الثلاثين عاماً. كان هم الناس هنا إنقاذ حياتهم، حتى أنّنا لم نتمكن من إخراج بعض الملابس، ليس لدينا سوى ما نرتديه الآن. لقد جعلنا حادث الحريق الهائل بلا مأوى، ولا ملابس وبطانيات حتى نكافح برد هذا الشتاء، حتى الحصص الشهرية التي تلقناه من منظمة الغذاء العالمية، أكلها الحريق، فأصبحنا بلا طعام. نعم ربما أنا أستطيع التحدث، لكن هناك الآخرين لا يجدون كلاماً يعبرون فيه عن معاناتهم”.

وأضاف صديق: “أصيب الكثير هنا أثناء الهروب لإنقاذ حياتهم من الحريق، معظمهم كبار في السن وأيضاً أطفال، لقد أصيبوا بجروح وكسور. ليس لدينا أي ملابس أو ملابس دافئة، بالأمس قامت منظمة غير حكومية بتزويد كل أسرة بثلاث بطانيات، لكنّ ذلك لا يكفي، فكلّ عائلة تضمّ من خمسة إلى عشرة أفراد، فبرد الشتاء هنا قارس للغاية. أيضاً حصلنا على حزمتين من الخيزران واثنين من القماش المشمع البلاستيكي لتغطية السقف، ولكن لا يمكن بناؤها بشكل كافٍ.

الروهينغا في مخيم نايابارا.. مبيت في العراء والحريق فاقم المأساة وأنهى حتّى أحلامهم البائسة

وتابع: “الملاجئ التي فقدناها في الحريق، كنا نعيش فيها منذ ثلاثين عاماً وجعلناها جميلة قدر الإمكان. أنا فقط أريد أن أقول لشعوب العالم، إنظروا إلينا كيف نعيش الآن، نحن بحاجة لمساعدتكم لإعادة بناء حياتنا لأننا فقدنا كل شيء، حتى الأمل”.

تجدر الإشارة إلى أنّ نحو سبع مئة ألف من الروهينجا، كانوا فرّوا إلى المعسكرات في كوكس بازار بعد أغسطس 2017، وذلك عندما بدأ الجيش في ميانمار حملة قمع قاسية عليهم، وآنذاك، شملت الحملة عمليات اغتصاب وقتل وإحراق آلاف المنازل، وصفتها جماعات حقوقية عالمية ومنظمة الأمم المتحدة بأنّه تطهير عرقي.

الروهينغا اليوم، يعانون كلّ شيء، فبعد تهجير من وطنهم ماينمار، اليوم يواجهون الترحيل والإنسلاخ والتشتت.

 

إقرأ أيضاً

بيانات تقطّع أوصال الروهينغا في المخيم 18.. بنغلادش تعتمد سياسة تشتيت العائلات وتفتيتها