أخبار الآن – الإمارات العربيةالمتحدة ( ملفات خاصة)

أون آ، تعيش في بيونغ يانغ، وتواظب على التدوين في قناة “إيكو أوف تروث” أي صدى الحقيقة، وفيها تروّج لحزب العمال الحاكم، عبر مقاطع مصورة عن نمط الحياة في كوريا الشمالية، مدناً وريفاً، منها سلسلة اسمها “حياتي في بيونغ يانغ” التي تقدمها بلغة انكليزية صحيحة، وأحيانا تعرض مقاطع مصورة تقدمها شابة أخرى باللغة الروسية أو الصينية.

بيونغ يانغ تجري عملية تجميل استراتيجية عبر يوتيوب.. ومنشقة تقول: إن بروباغندا النظام تتلاعب بالمشاعر لغسل الأدمغة

ووفق متابعين، فإن القناة هذه قد حذفت مقاطع كثيرة سابقة لم تعد تناسب الخطة الترويجية الجديدة التي من الواضح أنها تعتمد وجوهاً شابة كوجه أون آ، وتضمنت تغييراً في لغة السرد واللغة البصرية والسمعية. ولعل اللافت للنظر في تدوينات أون آ، هو ارتفاع جودة الحياة التي تبرزها هذه المدونة، والتي تختلف عما يتحدث عنه الإعلام الخارجي والمنشقون عن النظام. فقناتها على يوتيوب تظهر رغد العيش الذي يعيشه أهل العاصمة، فهناك المتنزهات للعائلات والأطفال، والمطاعم الراقية، والحفلات التي يحيها فنانون وفرق استعراضية ويحضرها شباب يتمايل مع أصداء الموسيقى. وهناك الريف، حيث تخطى المزارعون آثار الأعاصير التي ضربت البلاد هذا العام، وآخرها إعصار مايساك أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي. وأظهرت المدونة، أن ذلك لم يكن ليحصل لولا توجيهات من الرئيس كيم جونغ أون، قام على إثرها الجيش ببناء قرى نموذجية جديدة، حتى أنه زرع الخضار في حدائق المنازل وسلمها للمزارعين المتضررين.

أما يِون مي، فهي منشقة عن نظام كيم جونع أون منذ هروبها طفلة مع والدتها إلى الصين عام 2007، ومن هناك انتقالها إلى عدة دول قبل أن تحط رحالها في الولايات المتحدة الأميركية، وهي ناشطة في حقوق الإنسان تشارك كمتحدثة في عدة مؤتمرات، وألفت كتاباً عن رحلة هروبها. وبحسب تاريخ إنشائها لمدونتها في يوتيوب (2014)، فهي قد سبقت تاريخ إنشاء مدونة أون آ (2017)، لكن يبدو أنها كثفت قبل حوالى شهرين من وتيرة تدوينها. وهي تتحدث في مقاطعها عن صعوبة الحياة في ظل نظام قمعي ديكتاتوري كما تصف نظام الرئيس “كيم جونغ أون”. كما تتحدث عن سوء جودة الحياة، وجوع نسبة كبيرة من الشعب ومعاناته من سوء التغذية خصوصاً في الأرياف، في صورة تناقض تماماً الدعاية التي تسّوق لها أون آ من بيونغ يانغ. وكما تنتقد يِون مي السياسة المتبعة داخلياً وخارجياً في كوريا الشمالية، تنتقد بذكاء شديد ما تصفه بازدواجية الحرية والمعايير في الدول الغربية.

بيونغ يانغ تجري عملية تجميل استراتيجية عبر يوتيوب.. ومنشقة تقول: إن بروباغندا النظام تتلاعب بالمشاعر لغسل الأدمغة

وفي حين أن يوتيوب هو المنصة الأكثر شعبية لدى الاثنتين وفق أعداد المتابعين والمشاهدات، فإن الشابتين لديهما صفحات على كل من انستغرام وتويتر، ولو أن حساب أون آ قد تم تعليقه نهائياً في تويتر، ولم تُعرف الأسباب بعد.

لا شك أن التدوين هو إعلام العصر لمن يريد، فرداً كان أم دولة أم أي جهة كانت. وفي التدوين المتعلق بكوريا الشمالية، تمثل كل من أون آ ويِون مي وجهان لبلد واحد، وبما أن الحقيقة لها وجهان كما يقال، فمن ثلجه أسود؟ أم أن للأسود كما للأبيض، أطيافاً مختلفة؟

أخبار الآن أجرت لقاء مع المنشقة عن نظام كيم جونغ أون والمدونة يِون مي بارك، لمعرفة آرائها بخصوص ما تصفه تقارير إعلامية بعملية تجميل تقوم بها كوريا الشمالية عبر بروباغندا إعلامية منظمة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأهداف بيونغ يانغ من وراء ذلك.

قالت بارك إن هناك جهوداً كبيرة يقوم بها نظام كوريا الشمالية لخلق حيرة كبيرة، معتبرة أن كيم جونغ أون والنظام ماهران جداً في غسل أدمغة الناس، كما في التلاعب والالتفاف وتغيير عملية السرد كلها، بالتالي فيمكنك من خلال مدونة “إيكو أوف تروث” رؤية أن هذا ما يريد النظام قوله للشعب وغسل أدمغتهم. وعبرّت عن أسفها لأن بعض الناس يقعون في هذا الفخ، لكنها تعتقد، وفق حقائق مثل ما تورده الأمم المتحدة، أن الأمر غير دقيق، واعتبرت أنها “أضيع وقتي في الحديث عن هذه الأكاذيب، فأنا لا أريد أن أمنح اهتماماً كبيراً للحديث عن الإشاعات والأخبار الزائفة عوضاً عن الحديث عن الحقيقة”.

بيونغ يانغ تجري عملية تجميل استراتيجية عبر يوتيوب.. ومنشقة تقول: إن بروباغندا النظام تتلاعب بالمشاعر لغسل الأدمغة

أما بشأن التأثير الذي يمكن للمدونين المروجين لبروباغندا بيونغ يانغ، خصوصاً وأن تحدثهم بعدة لغات أجنبية يعني توجههم لجمهور إضافي إلى جانب شعبهم، فقد اعتبرت أنهم بالرغم من محاولاتهم فإنه “بحسب خبرتي فإن الكذبة لا قوة لديها، لذلك لا أقلق بسببها كثيراً، وهي أمر ثانوي، فإذا نظرت لصور كوريا الشمالية عبر الأقمار الاصطناعية، فهناك معسكرات اعتقال، وكونك صحفية لا تستطيع زيارة كوريا الشمالية بكل حرية والتصوير، فهذا يعني بكل وضوح أن النظام لديه ما يخبأه”. وتساءلت أنه إذا كانت الحياة رائعة فعلاً كما تصور مدونة “إيكو أوف تروث”، “فلماذا لا أستطيع الذهاب إلى هناك بحرية؟ لماذا لا يستطيع الكورييون الشماليون الحصول على جواز سفر؟ ذلك لأن النظام لديهم ما يخفيه ولهذا السبب يبث هذه المدونات”.

كما أشارت بارك إلى أن كوريا الشمالية لا تتمتع بخدمة الإنترنت، قائلة إن ما نسبته 99‪%‬ من الشعب لا يعرفون ما معنى الإنترنت، ورأت أن المقاطع المصورة كالتي في مدونة أون آ هي بروباغندا موجهة للخارج، “فالشعب في كوريا الشمالية لا يعرف ما هو يوتيوب، والنظام ينتج هذه الفيدوهات لغسل أدمغة الغرب”، مشيرة إلى أن الشعب لديه القنوات التلفزيونية الرسمية ورسائلها الموجهة. واستدركت بالقول “إن هذه البروباغندا تعمل باتجاهين، النظام في كوريا الشمالية يسيطر على ما يعرفه الشعب عن العالم، فمثلاً سيتم إعدام من يقرأ الإنجيل، أو من يشاهد فيلماً من إنتاج هوليوود، وهذا هو واحد من الاتجاهين اللذين يستخدمهما النظام للسيطرة على الشعب، والاتجاه الآخر هو ما ينشرونه في يوتيوب، فهم يحاولون السيطرة على ما نعرفه عن كوريا الشمالية. إنهم يغسلون أدمغتنا جميعاً ويجعلوننا نعتقد أن نظام كوريا الشمالية نظام عظيم وأنه الجنة”.

ورداً على تساؤل عن ردود فعل الكوريين الشماليين الذين يشاهدون فيديوهات بروباغندا النظام، وفي الواقع يعيشون وفق ما تنقل هي وغيرها من المنشقين عن واقع الحياة هناك، أجابت أنه بداية من المستحيل توفر الكهرباء على مدار اليوم هناك، كما حصول أحدهم على كمبيوتر وإنترنت ليشاهد يوتيوب، ولكن في حال حصول ذلك، فليس من المهم ما يفكر الناس، إذ ليس هناك ما يمكن القيام به على حد قولها، فليس بالإمكان أن تخرج وترفع صوتك معارضاً، “فلن يسمحوا بذلك”.

وأوضحت يِون مي بارك أن الراتب الشهري للطبيب في كوريا الشمالية يبلغ دولاراً واحداً ولا يكفي للاستمرار في العيش، إذ تبلغ قيمته الشرائية كيلوغراماً من الأرز، لكنها لم تستطع أن تشرح قدرة الناس على العيش بهذا المبلغ، مشيرة إلى أن الناس تموت من الجوع وهو السبب نفسه الذي دفعها للهرب. وأوضحت أنه وفق إحصاءات الأمم المتحدة، يبلغ التعداد السكاني لكوريا الشمالية 250 مليوناً، منهم ما نسبته من 60‪%‬ إلى 80‪%‬ يعانون من سوء التغذية الحاد.

يظهر مقطع مصور لقناة “إيكو أوف تروث” افتتاح أحد المجمعات التجارية بعد تجديده، وفيما تتجول المدونة، نرى أبرز العطور الفرنسية وأحدث صيحات الأزياء والمطاعم الراقية وغيرها مما نراه في مجمع تجاري موجود في الدول المتقدمة. قالت بارك إن هذه الأشياء موجودة بالفعل ولكنها في كثير من الأوقات كواجهة عرض، بشكل زائف، مشيرة إلى وجود طبقة من الناس تقل عن 1‪%‬ من مجموع السكان، وهي طبقة الرئيس كيم جونغ أون والنخبة من الأثرياء جداً تحصل على الرفاهيات. وأضافت، “لا أقول أن الشعب كله يجوع، ولكن هناك طبقة النخبة من 50 طبقة اجتماعية في كوريا الشمالية، فإذا كنت من هذه الطبقة العليا، يمكنك الحصول على كل هذه الرفاهيات”.

وعن مدى تأثير تدويناتها كمنشقة عن النظام على مواطنيها داخل كوريا الشمالية مقارنة بتدوينات مواطناتها اللواتي ينشرن بروباغندا بيونغ يانغ، في وقت لا تتوفر فيه الإنترنت ولا إمكانية مشاهدة اليوتيوب هناك كما تقول، أوضحت أنها تعمل مع منظمات غير ربحية في كوريا الجنوبية لإنقاذ المنشقين عن بيونغ يانغ وإيصالهم للأمان والحرية. ولفتت إلى أنهم يقومون، هي وغيرها من المنشقين، بتهريب أدوات (يو أس بي) إلى كوريا الشمالية مزودة بالأفلام والتدوينات، في محاولة لفتح بصيرتهم ومساعدتهم في رؤية الحقيقة، ومعرفة كيف هو العالم الخارجي.

بارك أوضحت أن الهدف من تدويناتها ليس شعب بلادها الذي بالتأكيد يحتاج المساعدة، بل “لإحداث صحوة في العالم الخارجي ليضع حداً لما يقوم به النظام الصيني الشيوعي من رعاية لكيم جونغ أون. أولويتي هي جعل العالم يعرف ما يحدث لغالبية الشعب في كوريا الشمالية، لماذا يجوع؟ كيف نُقمع ونُعدم من قبل هذا النظام؟ كيف يمكن للمجتمع الدولي لعب دور لمنع ذلك”، وعبّرت عن رفضها موت أحد من الجوع في هذا الزمن، فذلك جريمة ضد الإنسانية.

كما بيّنت أن انتقادها لدول أخرى غير نظام بلادها يدخل في إطار حريتها للتعبير. وقالت إنها ترى نفسها جسراً بين كوريا الشمالية وبقية العالم، ويستطيع الجميع التعلم من بعضهم البعض. وأضافت أن ليس كل من ينجح في الانشقاق عن النظام، يستطيع الظهور والحديث علناً كما فعلت وبالتالي فإنها وعائلتها في خطر مستمر، كما أن أفراد عائلتها في كوريا الشمالية قد تمت معاقبتهم. وشددت بارك على ضرورة أن نسمع قصص الناس في كوريا الشمالية وليس القصص التي يرويها نظام كيم جونغ أون، منتقدة ما وصفته بهوس الإعلام الغربي بالحديث عن قصة شعره والفساد الذي يقوم به.

وحول الميزانيات التي يمكن أن تخصصها بيونغ يانغ لإنتاج بروباغندا مناسبة للتدوين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قارنت بارك بين تواضع إمكانياتها في التدوين، إذ تصورها بنفسها بالهاتف المتحرك بينما من الواضح في الفيديوهات المحملة على قناة “إيكو أوف تروث” أن الإنتاج قد صرفت عليه ميزانية مناسبة لإيصال الرسالة المطلوبة، مشيرة إلى “أنهم يعرفون ما هي الأمور التي تحرك قلوب الناس”. وقالت إنها تتحدث عن الحقائق ولا تهدف لتحريك القلوب، بينما “نظام كوريا الشمالية لا يأتي بالحقائق بل يحاول تغيير الأفكار عبر التلاعب بالمشاعر”، وأسفت لأن ذلك ينجح أحياناً كثيرة أكثر مما ينجح المنشقون بتبيان الواقع، لكنها عبرت عن تقبلها لذلك “لأن الناس أذكياء بما يكفي ليعرفوا ما الحقيقي من عدمه، خصوصاً في عصر الإنترنت هذا”.

يذكر أن قناة يِون مي بارك على يوتيوب لديها أكثر من 193 ألف مشترك ويفوق عدد مشاهداتها ثلاثة ملايين مشاهدة، فيما قناة أون آ تقترب من الوصول إلى 43 ألف مشترك بعدد مشاهدات يفوق مليونين و300 ألف مشاهدة.