“ازدادت حدّة التوتر على الجبهات ف أوكرانيا، إذ قُصفت ميكولايف جنوب أوكرانيا مجدّداً بعدما استُهدفت بـ 4 صواريخ، تضرّرت مبانٍ سكانية في منطقة خاركيف الواقعة في الشمال الشرقي، بالإضافة إلى منطقة خيرسون وإقليمي دونيتسك ولوهانسك الإنفصاليين المواليين لروسيا في شرق أوكرانيا، حيث احتلّت القوات الروسية جزءاً كبيراً منها منذ هجومها في 24 فبراير. وفي الوقت نفسه، ينفّذ الأوكرانيون هجوماً مضاداً هناك، فيما أوضحت الرئاسة الأوكرانية أنّ “سكان كلّ أحياء المنطقة أفادوا بسقوط قذائف عديدة وبوقوع انفجارات”.

  • تقوم روسيا بنقل أعداد كبيرة من قواتها إلى جنوب أوكرانيا استعداداً لهجوم مضاد أوكراني
  • قُتل أكثر من 50 أسير حرب أوكراني في هجوم في منطقة دونيتسك
  • إيليا بونومارينكو لأخبار الآن: ما يحدث الآن هو لعبة فرض توازن معقدة جداً وخطيرة بين الجنوب والشرق الأوكراني
  • إيليا بونومارينكو: يستعد الجيش الأوكراني لإجبار الجيش الروسي على الإستسلام في الهجمات المضادة القادمة

 التصعيد الروسي الأخير قوبل بضغط كبير حيث قصف الجيش الأوكراني مختلف مدن إقليم دونيتسك، شرق أوكرانيا بعشرات القذائف، كما أعلن فاديم سكيبيتسكي، المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية، أنّ موسكو تستعد للمرحلة التالية من الهجوم. وأكّد أنّ روسيا تعزّز مواقعها الدفاعية في المناطق التي تسيطر عليها في جنوب أوكرانيا بعد ضغوطٍ من قوات أوكرانيا، وتعهّد زعماؤها بإجبار روسيا على الانسحاب من تلك المناطق.

ما يحدث الآن مثير للاهتمام، إنّها لعبة فرض توازن خطيرة. أوكرانيا تهددّ الدفاعات الروسية في الجنوب ووضع روسيا خطير في المدينة

إيليا بونومارينكو

أخبار الآن أجرت لقاءً خاصاً مع إيليا بونومارينكو (Illia Ponomarenko)، مراسل حربي في أوكرانيا في صحيفة كييف إندبندنت (Kyiv Independent) الذي شرح تفاصيل المشهد الحالي على الأرض فقال: “الروس قاموا بعملية أطلقوا عليها اسم أوبيريشينول بوز “Operational Pause”  كما يسميها الجيش الروسي ومضى شهر على تقليلهم من عملياتهم الهجومية في شرق أوكرانيا وما يحدث الآن مثير للاهتمام للغاية فأوكرانيا تهددّ الدفاعات الروسية في الجنوب بعد دونباس في مدينة خيرسون ووضع روسيا خطير في المدينة لأنّ أوكرانيا تمكنت من تعريض البنية العسكرية التحتية الروسية للخطر وكذلك الموارد الروسية والخدمات اللوجستية الروسية في تلك المنطقة وهناك خطر من تعرض القوات الروسية التي تحتل خيرسون للحصار من قبل الجيش الأوكراني الذي سيقطع الامدادات و يجبرهم على الإستسلام وذلك احتمال كبير حالياً وروسيا تحضّر نفسها لذلك ومن الواضح أنّها تتوقع حدوث ذلك. هي تعيد تموضع العديد من قواتها ومخزونها في جنوب أوكرانيا بدل شرقها حتى وإن كانت غير جاهزة حالياً للقيام بعمليات هجومية وهي قامت بعدّة هجمات على دونباس لسحب الجيش الأوكراني من الجنوب لتبقيهم في الشرق حتى وإن كانت عاجزة عن احتلال مناطق جديدة”.

وتابع: “إنّها لعبة فرض توازن معقدة جداً وخطيرة بين الجنوب والشرق الأوكراني وهناك سؤال كبير يطرح نفسه الآن من سيكون له اليد العليا في ذلك التوازن بين أوكرانيا أم روسيا ومن سيحصل على زمام المبادرة لبقية الحرب وهي احدى النّقاط المهمة جدّاً في الحرب حالياً”. 

هجمات روسية مكثفة وأخرى أوكرانية مضادة..ما الذي يجري فعلاً على الأرض في أوكرانيا؟

 

واعتبر بونومارينكو أنّ هناك نقطة مهمة في تلك الحرب بالتزامن مع العمليات البرّية وهي حرب الصواريخ، فقال: “في الأشهر الماضية عندما بدأ الغزو الكبير إستخدمت روسيا ربما أكثر من 300 ألف صاروخ وقاذفة صواريخ كروز وصواريخ باليستية ضدّ أوكرانيا والتقديرات الأوكرانية تشير الى أنّ ذلك يساوي ما يقرب من 60% من مجموع مخزون الصواريخ الروسية حتى الآن، لذلك هناك حرب صواريخ ضدّ البنى التحتية الأوكرانية، المباني السكنية، أهداف مدنية، آليات وقواعد عسكرية. أوكرانيا تستخدم البنية التحتية لتلبية الاحتياجات المدنية وكل يوم يحصل هجوم على هدف ما وقد شهدنا عدّة مرّات صواريخ الكروز الروسية تستهدف البنى التحتية المدنية من دون قصد أو عن قصد كمركز التسوق التجاري في كريمنشوك الذي قتل فيه أكثر من 20 شخصاً وذلك كان نتيجة استهدافه بعدّة صواريخ كروز”. 

إستخدمت روسيا 60 % من مجموع مخزون صواريخها حتى الآن

إيليا بونومارينكو

وأضاف: “انهم يستخدمون طائرات وقاذفات استراتيجية متمركزة في المدارج البيلاروسية، إنّها تستخدم الصواريخ الباليستية والبارجات الحربية التي تقذف الصواريخ الموجودة في البحر الأسود وتستخدم الغواصات لإستهداف المدن الأوكرانية وقد تعرضنا لهجوم عنيف جداً في الشمال، فمنذ عدّة أيام عدد كبير من المدنيين والجنود الأوكرانيين كانوا هدفاً لهجوم صاروخي مصدره الشمال، من المناطق البيلاروسية.  وتمّ اعتراض حوالي 60 % منها تقريباً من قبل الدفاع الجوي الأوكراني و أحد تلك الصواريخ التي تمّ اعتراضها لحسن الحظ كانت ستسقط على أحد المباني السكنية في بوتشا وتمّ اعتراض صاروخ من قبل الدفاع الجوي الأوكراني كان على وشك السقوط قرب منزلي وقد رأينا بقايا الصاروخ الروسي على الأرض”. 

هجمات روسية مكثفة وأخرى أوكرانية مضادة..ما الذي يجري فعلاً على الأرض في أوكرانيا؟

مدينة ماريوبول قبل الغزو الروسي (الصورة أعلاه) وبعد الغزو (الصورة أدناه) – Getty

مؤخراً قُتل أكثر من 50 أسير حرب أوكراني في هجوم في منطقة دونيتسك الخاضعة لسيطرة الانفصاليين، وطالبت هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الأوكرانية الأمم المتحدة والصليب الأحمر بالتحقيق في الوفيات، زاعمة أنّ روسيا إستهدفت السجن للتستر على معاملتها لأسرى الحرب. وقال الصليب الأحمر إنه يسعى للوصول إلى السجن للمساعدة في إخلاء ومعالجة الجرحى، لكنّه لم يتلق بعد إذناً بزيارة المبنى في أولينيفكا.

في ذلك الصدد، اعتبر بونومارينكو أنّ تلك الجريمة هي الأسوأ ضدّ المقاتلين الأسرى منذ أن شنّت روسيا حربها الشاملة على أوكرانيا، فقال: “من الصّعب جداً معرفة ما حدث فعلاً لأنّها اراضٍ محتلة وليس لدى أوكرانيا أو مراقبين دوليين تواجد هناك لأنّ الروس لا يسمحون للأمم المتحدة أو للصليب الأحمر بالدخول لمعاينة المعتقلات والسجون وأنا شخصياً قد ترعرعت في تلك المناطق حيث يوجد ذلك السجن لذا أنا أعرف السجن الموجود في منطقة أولينيفكا أنّه يبعد بضعة كيلومترات عن البلدة في الحقول بعيداً عن الأبنية والمراكز العسكرية والذي حصل أنّه في أحد الأيام استفاقت أوكرانيا على صور تناقلتها وسائل الاعلام الروسية تظهر صور جثث ممزقة في ثكنة مدمرة حيث كان الجنود الأوكرانيون محتجزين وهؤلاء الجنود كانوا يحاربون في آزوفسنال، ماريوبول اولئك التابعون لكتيبة أزوف و هي جزء من الحرس الوطني الأوكراني”.

وأظهرت مشاهد بثّت على التلفزيون الروسي ما يبدو أنّها ثكنة مدمّرة وأسرة معدنية ملتوية، من دون أن يظهر أيّ مصابين. ونقلت هيئة الأركان الأوكرانية في وقت لاحق عن الإستخبارات أنّ الهجوم “نفّذه مرتزقة من مجموعة فاغنر” ولم يتم التنسيق في شأنه مع قيادة وزارة الدفاع الروسية. من جانبه، كتب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على تويتر أنّ “روسيا ارتكبت جريمة حرب مروعة أخرى بقصف إصلاحية في أولينيفكا المحتلة” حيث تحتجز أسرى حرب أوكرانيين.

وأنهت القوات الروسية في أيار حصاراً استمر أسابيع لآزوفستال باستسلام نحو 2500 مقاتل. وذكرت وسائل إعلام رسمية روسية أن بعض العناصر، ومنهم من ينتمي لكتيبة آزوف المثيرة للجدل، نُقلوا إلى روسيا. وتقول كييف إنها أسرت آلاف الجنود الروس خلال الغزو وبدأت بمحاكمة بعضهم بتهم ارتكاب جرائم حرب.

ما تقوله روسيا عن حادثة أولينيفكا، إدعاءات غير منطقية لأنّ الأسرى الأوكرانيين وخصوصاً مقاتلو أزوفستال يتمتعون بتقدير كبير من جانب الأوكرانيين

إيليا بونومارينكو

في ذلك السياق، يقول بونومارينكو لـ”أخبار الآن : “الروس يقولون إنّ الجيش الأوكراني إستعمل صواريخ هيمارس ذات الدقة العالية للقضاء على مقاتلينا، وتلك ما تقوله روسيا وبالنسبة لي تلك إدعاءات غير منطقية أبداً لأنّ الأسرى الأوكرانيين وخصوصاً مقاتلي أزوفستال هؤلاء يتمتعون بتقدير كبير من جانب الأوكرانيين وأوكرانيا حاولت جاهدة لشهور عدّة إستعادتهم من الأسر الروسي، لذا أنا أعتقد أن ما حصل كان عملية اعدام للأسرى الأوكرانيين وهي أسوأ حادثة حصلت مع أسرى حرب ربما ليس منذ الاجتياح الكبير الذي بدأ في فبراير بل ربما خلال الحرب بمجملها الذي بدأت في العام 2014”.

هجمات روسية مكثفة وأخرى أوكرانية مضادة..ما الذي يجري فعلاً على الأرض في أوكرانيا؟

غارة في مركز إعتقال في شرق أوكرانيا أسفرت عن مقتل أكثر من 50 أسير حرب أوكراني – Reuters

أعتقد أنّ أسوأ لحظات تلك الحرب كانت الأيام الأولى للإجتياح

كان بونومارينكو يعيش الحرب منذ يومها الأول ويغطي الأحداث من الخطوط الأمامية على مدى الشهور الستة الماضية، وفي حديثه لـ”أخبار الآن” شارك أصعب لحاظات تغطيته قائلاً: “أعتقد أسوأ لحظات تلك الحرب كانت الأيام الأولى للإجتياح في أواخر فبراير عندما حلّت الفوضى والدمار وكانت هناك صدمة لأنّ الكثير من الناس وأنا من بينهم لم نكن نعتقد أنّ تلك الحرب ستحدث أصلاً وأنّ روسيا ستبدأ أكبر هجوم منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا وأسوأ لحظة كانت الصدمة الأولى عندما ترى المروحيات الروسية تحلّق فوق رأسك في كييف، قد أحسسنا بالصدمة عندما سمعنا أصوات الانفجارات في كييف لأنّ روسيا أطلقت صواريخ كثيرة في الصباح الباكر على أهداف عدّة و على البنى التحتية في كييف وكنّا نسمع صوت القذائف والإنفجارات والصواريخ المتجهة نحونا والشعور بأنّ نهاية العالم قد اقتربت”.

وتابع: “في منتصف شهر مارس، كنت مع الجيش عندما كان الروس يقاتلون في شرق وغرب كييف للإستيلاء على العاصمة وقد أتيت لأشاهد العمال والعسكريون في خدمة الطوارئ الأوكرانية يقوموا بدفن عدد من الجثث الروسية، كان عليهم إستخراج الجثث من الأرض من بعد حوالي الأسبوع وكانت تلك الجثث قد بدأت بالتحلل والجلد وأصبح أسود اللّون و رائحته كريهة وكان على الأوكرانيين نبشهم من القبور الجماعية التي كانت بالقرب من النهر وكان عليهم وضعهم في شاحنة ومن ثمّ إرسالهم بطريقة ما الى الجانب الروسي الذي كان يبعد بضع كيلومترات وفي تلك اللحظات قرّرت أن أكتب قصتي لأصف كلّ الأمور البشعة التي رأيتها الجثث والرائحة، القذارة والدم لأوضح للعالم ما هي الحرب، فهي ليست كالأفلام الخيالية بل هي موت ومآسي ودماء وروائح و قذارة أظنّ تلك كانت احدى تجاربي السيئة لكنّ من وجهة نظري الشخصية كصحافي فهي كانت فرصة لي لأخبر قصة أظهر فيها مدى بشاعة وفظاعة الحرب وكم من المهم أن نبتعد عن الحرب وأن نمنع حصولها وتلك كانت لحظات مهمة في مهنتي لأنّ ذلك كان بمثابة تأكيد لرأيي بأنّ الحرب بشعة ويجب أن نتحاشاها. لقد فقدنا العديد من الأرواح بسبب تلك التكتيكات الهمجية وعدم الاكتراث للأرواح والتصرف من دون رحمة تجاه الجميع بما في ذلك المدنيين”.

هجمات روسية مكثفة وأخرى أوكرانية مضادة..ما الذي يجري فعلاً على الأرض في أوكرانيا؟

التكتيكات الرئيسية له في دونباس هي التدمير وهو يستعمل قاذفاته الصاروخية ويتفوق على أوكرانيا من تلك الناحية

إيليا بونومارينكو

وشدّد بونومارينكو أنّ الجيش الروسي في الواقع ضعيف جداً ومدرستهم الحربية كانت بدائية جداً وعكس ما يقوله الرأي العام عن تطور قواتها العسكرية قائلاً: “نحن نواجه روسيا منذ ستة أشهر وهي ليست قريبة حتى من تحقيق النصر على أوكرانيا وقد اكتشفنا الكثير عن مدى ضعف الجيش الروسي في الواقع وكم هو بدائي وفاسد وكانت صدمة أن نرى خصوصاً في أولى أيام الحرب الجيش الروسي يتخلّف في بعض النواحي عن الجيش الأوكراني فيما يتعلق بجودة أجهزته العسكرية التي يستخدمها بالرّغم أنّه كما نعلم الجيشان يحصلان على أجهزتهم من الاتحاد السوفياتي، فمن المفترض أن تكون المعدات متعادلة لكن الجيش الروسي فاسد لدرجة أدّت إلى تدني مستواه أكثر بكثير من الجيش الاوكراني ونحن لم نتوقع ذلك وفكرهم الحربي أو مدرستهم الحربية كانت بدائية جداً”.

وتابع: “إذا أردنا التحدث عن وضع الجيش الروسي الآن فمثلاً التكتيكات الرئيسية له في دونباس هي التدمير وهو يستعمل قاذفاته الصاروخية ويتفوق على أوكرانيا من تلك الناحية، فهو يريد تدمير كل ما يراه أمامه، ثم يمرّ المشاة الروس عبر كل الرماد ثم يعلنون أنّه تمّ الاستيلاء عليها.

على المدى 6 أشهر، مرّت الحرب الروسية الأوكرانية بمرحلتين، تمثلت الأولى في محاولة موسكو السيطرة على العاصمة كييف وبعض مدن الشمال، غير أنها لم تفلح في ذلك، ومن ثم كانت المرحلة الأخرى التي ركزت خلالها جهودها على الشرق، وحققت فيها السيطرة الكاملة على منطقة لوهانسك مؤخراً. 

ذلك التصعيد الروسي الأخير قوبل بصدّ الجيش الأوكراني محاولات التقدم الروسية في شرق أوكرانيا وقصف مراكز لوجستية روسية مهمة، بينما واصلت روسيا قصف البلدات والمدن على طول خط الجبهة البالغ طوله 400 ميل.

وحققت أوكرانيا مكاسب صغيرة لكنها ثابتة في المنطقة الجنوبية من خيرسون في الجنوب حيث أصبح آلاف الجنود الروس معزولين إلى حدّ كبير الآن بعد الضربات الأوكرانية على طرق الإمداد الرئيسية.

شاهدوا أيضاً: ماريوبول جحيم على الأرض.. ومعركة الشرق الأوكراني مفصلية