في سجون الصين، عندما يعتَقل البعض من الإيغور المسلمين على يد الحزب الشيوعي الصيني، لا يهمّ في كثيرٍ من الأحيان بأيّ تهمةٍ تمَّ سوقُهم إلى الغرف المظلمة المغلقة، بقدر ما يهمُّ كيفَ هي حالُ أعضائهم، وهل يتناسبُ حِمضُهم النووي مع قاعدةِ بياناتِ المشترين المحتملين؟ أقلية الإيغور في تلك الدولة دائماً ما يقع أفرادها ضحية لسياسة الصين المستمرة منذ سنوات طويلة، وفي يعض الأحيان يتقاسمون أوجه الاضطهاد مع غيرهم من الأقليات الأخرى كجماعة الفالون غونغ الذين غادروا الصين فيما بعد نتيجة ممارسات الحزب الشيوعي الصيني بحقّهم، ليحل الإيغور مكانهم ويكونوا عرضةً للتجارة الأكثر رواجاً في الصين… فماذا تعرفون عن حصاد الأعضاء البشرية؟

هان يو: لم يسمح لنا بالكشف على جثة والدي

بينما كنّا في فريق “أخبار الآن” الإستقصائي يتتبع خيوط التجارة الرائجة في الصين، وصلنا إلى “هان يو”، وكانت هذه الفتاة الثلاثينية طرف الخيط الذي قادنا رويداً رويداً إلى الحقيقة القاسية التي يصعب على عقل بشري تصديقها. في المرّة الأولى التي اعتقلت فيها الشرطة الصينية والدها كانت هان يو تبلغ 14 عاماً. تفاصيل تلك الليلة لم تَمحُ من ذاكرتها وهي التي وجدت أباها فجأة يتعرّض للاعتقال والتعذيب.

تقول: “بعدما بدأت الملاحقات العام 1999، اعتُقل والدي عدّة مرّات وتعرّض للتعذيب في المعسكرات. كان عمري في المرّة الأولى 14 عاماً وكان أخي الأصغر يبلغ 9 سنوات. كانت فترة صعبة وقاسية جدّاً. المرّة الأخيرة التي اعتُقل فيها والدي كانت في 28 فبراير العام 2004، وتمّ إيداعه في مركز اعتقال في منطقة فونغ شن في بكين، وقد صدر حكم إعدامه في أقل من 3 أشهر، وتحديداً في 4 مايو 2004”.

وفي معرض سردها التفاصيل المؤلمة، بدأت “هان يو” تطرح شكوكها بشأن انتزاع أعضاء والدها داخل المعتقل من قبل الشرطة الصينية، قائلة: “أخبرتنا الشرطة أنّه تُوفي نتيجة نوبة قلبية، لكنّني أعتقد أنّ ذلك ليس صحيحاً، فهو كان يتمتع بصحّة جيّدة قبل اعتقاله، وما أثار شكوكنا هو أنّ الشرطة منعتنا من رؤية والدنا ولم نرَه إلّا بعد مضي شهر على وفاته. عندما سمحت الشرطة للعائلة برؤية جثة والدي، في ذلك اليوم لم يُسمح لنا بتغيير ملابسه كما تمّ منعنا من دعوة الصحافيين، وسُمح فقط للعائلة المقرّبة من رؤية جثمانه، وكان يدخل شخصان في كلّ مرّة، حتى عندما رأيت جثّة والدي لم أصدق أنّ ذلك حقيقي… كان أبي مستلقياً والكدمات الخضراء والبنفسجية تغطي جسده، كان وجهه مشوهاً في عدة أماكن، وبالرغم من وجود مساحيق تجميل على وجهه إلّا أنّني استطعت أن أرى أنّ عينه اليسرى تنقصها قطعة من الجلد، وأكثر ما صدمني الغرز السوداء في منطقة الحلق، الجرح ممتد إلى الأسفل ومغطّى بالثياب. حاولت الاقتراب لأفك الأزرار، لكن وبعدما تمكنت من فك زرين أتت الشرطة ومنعتني، و أجبرت عائلتي على مغادرة المبنى”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

والد هان يو الذي قُتل داخل أحد السجون الصينية من أجل انتزاع أعضاءه

هان يو: لماذا يتمّ تشريح جثة إنسان محكوم عليه بالإعدام!

وتضيف: “لاحقاً دخل إثنان من أقاربي ومزقّا ثياب والدي عل غفلة من الشرطة، ووجدا أنّ الجرح يمتد من حلقه إلى بطنه، وعندما ضغطوا على بطنه وجدا أنّه محشو بالثلج الصلب… حينها غضب عمّي وواجه الشرطة بما فعلوه لوالدي، لكن الشرطة قالت إنّ ذلك الجرح هو بسبب تشريح الجثة فيما لم يوافق أحد في عائلتي على إجراء التشريح، كما أنّ الشرطة رفضت إصدار التقرير… بعد ذلك اللقاء الأخير نقلوا جثّة والدي إلى محرقة الجثث تحت إشراف الشرطة، وخلال نقل جثمانه لاحظت والدتي أنّ يده اليسرى مكسورة”.

في ذلك الوقت لم يتمّ الكشف عن عمليات القتل السرية التي كان يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني، بحقّ السجناء في المعسكرات، حتى مرّ 3 أعوام على وفاة والدها، تحديداً في صيف العام 2007 عندما ظهرت بعض الأنباء على منصة البث المباشر “يوكيو” تكشف كلّ الجرائم المتعلّقة بتجارة الأعضاء. تقول لـ”أخبار الآن“: “كان جسدي يرتجف بعدما انهيت قراءة التقرير، لم أستطع أن أصدق أنّ أمراً بذلك السوء يمكن أن يحدث، ثمّ فكرت بأبي والغرزات الموجودة على جسده، والتي تشير بوضوح إلى أنّ أعضاء والدي قد تمّ استئصالها. ما أدركته صعقني، لم أستطع تخيّل العذاب الذي مرّ به قبل وفاته”.

أسئلة كثيرة دارت فى ذهن “هان يو” عندما رأت جثّة والدها بذلك الشكل، أوّلها “لماذا يتمّ تشريح جثة إنسان محكوم عليه بالإعدام، فالغاية من التشريح دائماً ما تكون معرفة أسباب الوفاة، ووفقاً لما قالته الشرطة للأسرة فالوفاة حصلت نتيجة نوبة قلبية، وبالتالي لا داعي للتشريح”… وأمام تلك الشكوك، قرّرت “هان يو” أن تسلك المسار القانوني وتقدمت ببلاغ في 2015 بشأن ما حدث لوالدها، لكن للأسف تمّ اعتقالها على إثره. وتوضح: “لم يكن أمامي خيار آخر سوى اللجوء إلى الخارج لتدويل قضية أبي وإخبار الرأي العام بما يحدث داخل السجون الصينية وجرائم حصاد الأعضاء”.

من جهته، يقول الباحث الإيغوري عبد الوالي أيوب (Abduweli Ayup) لـ”أخبار الآن“: “في الصين ليس فقط الإيغور، بل أيضاً أتباع الفالون غونغ هم ضحايا تجارة الأعضاء. وهم مجموعة دينية موجودة في الصين والبوذية هي أساس معتقداتهم، وهي تضمّ ملايين الأشخاص، وهم يتعرضون أيضاً للاعتقال والضرب والتعذيب. في البدء كانت علاقتهم جيدة مع الحكومة، لكن لاحقاً قاموا بتظاهرات في ساحة تياننمان، وذلك ما أغضب الصينيين ودفعهم لملاحقتهم في كلّ أرجاء الصين.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

صورة من محضر أسرة هان يو ضد مركز إعتقال والدها بتهمة قتله لإنتزاع أعضاءه

 طبيب أُرغم على انتزاع الأعضاء من سجين بينما كان حياً :

مرّ قرابة الـ30 عاماً لكنّ تفاصيل ذلك اليوم تحديداً مازالت عالقة في ذهنه عندما استدعاه رئيس الجرّاحين للتحضير لعملية جراحية، ليكتشف بعد ذلك أنّها عبارة عن جريمة انتزاع أعضاء من سجين كان مازال على قيد الحياة. هو الطبيب أنور توختي “Enver Tohti” الذي يعتبر أحد أهمّ شهود العيان على جرائم الحزب الشيوعي الصيني المتعلّقة بحصاد الأعضاء من أجساد المعتقلين داخل السجون الصينية، يتحدّث الطبيب لــ“أخبار الآن” عمّا حدث خلال فترة عمله في مستشفى شينجيانغ قائلاً: “إنّها حادثة حصلت العام 1995 عندما استدعاني رئيس الجرّاحين للتحضير لعملية جراحية في الميدان، فقد أحضّرت كلّ ما طلبه، وقال لي إنّه ينتظرني غداً صباحاً عند الساعة 09:30 في مستشفى كايت… وبالفعل جئت في الموعد وانتظرته، كان هناك رئيسان للجراحين، وقد قدما في سيارة واحدة وطلبا منّا أن نتبعهم – كانت مجموعتنا تتألف من ممرضتين ومساعدين وسائق – لحقنا بهما ووصلنا إلى مكان يدعى ويسترن ماونتن اكسكيرشن غراوند، وقال لنا رئيس الجراحين انتظروا هنا، واقتربوا عندما تسمعون صوت إطلاق الرصاص، فانتظرنا لبعض الوقت، ثمّ بدأنا نسمع الأصوات القادمة من الجهة المقابلة للتلة، بعدها سمعنا صوت الطلقات النارية، ولم يكن صوت رشاش بل صوت عدّة بنادق تطلق النار في وقت واحد”.

ويضيف: “هرعنا إلى المكان ورأينا على الجانب الأيسر لمنحدر الجبل، 10 أو 20 حثة كانوا يرتدون لباس السجناء، وكانت رؤوسهم حليقة. في العادة الفريق الطبي لا يخاف من الجثث، لكن تلك المرّة كان هناك ضبّاط من الشرطة يصرخون علينا، فقد كان الوضع مضطراً بعض الشيء… أحد الجراحين أخذني جانباً وشرح لي ما الذي يحدث”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

 

أوامر سريعة بانتزاع الكبد والكليتين

أوامر سريعة صدرت في لحظات معدودة للطبيب بانتزاع الكبد والكليتين من سجين كان قد أطلق عليه الرصاص للتو، وأثناء انصياعه للأوامر كانت المفاجأة: “قالوا لي إنتزع بسرعة الكبد والكليتين، عندها فهمت سبب وجودنا هنا، فأزلت الكبد والكليتين، لكنّه كان ينزف، وذلك يعني أنّ القلب لا يزال يضخ الدم، و يعني أنّه لا يزال على قيد الحياة”.

وأخذ رئيسا الجراحين الأعضاء وغادرا لكن قبل أن يغادرا قالا لي تذكر أنّ اليوم لم يحصل شيء، حينها فهمت قصدهما. ومنذ ذلك اليوم لم يتحدث أيّ منّا بذلك الموضوع… حينها لم أكن أعلم أنّ تجارة الأعضاء منتشرة في الصين، لكن لاحقاً في العام 2009 عندما كنت في المملكة المتحدة شاهدت الأخبار والتقارير وعرفت عن تجارة الأعضاء، و أدركت أنّني  شاركت في ذلك”.

ويتابع: “يمكنني أن أثبت أنّ تجارة الأعضاء موجودة، حدثت في الماضي ولا تزال قائمة في الصين، وما يقال عن أنّ الإيغور فقط تعرضوا لإزالة أعضائهم هي مجرّد مغالطة وسوء فهم للنظام الصيني، فتجارة الأعضاء حصلت مع كلّ من كان لا يؤمن بالشيوعية، لذا معظم ضحايا تلك التجارة هم الصينيون أنفسهم والمواطنون الصينيون، لأنّ أعدادهم كبيرة”.

ويختم الطبيب أنور توختي حديثه قائلاً: “أحاول أن أنس، أفعل ما بوسعي لكي أنسى، لكنّني في ذلك الوقت لم  أشعر بأيّ شيء لأنّنا تعرضنا لغسل الأدمغة، كنّا نؤمن بالشيوعية، ونصدق كلّ ما يقولونه لنا. وإذا حُكم على أي شخص بالإعدام فذلك يعني أنّه رجل سيء. في الثقافة الصينية القضاء على كلّ عدو للدولة هو واجب كلّ مواطن صيني، وذلك يعطي كلّ مواطن صيني الحق في القتل، تلك حقيقة ما يحصل هناك، لذلك لم أشعر أنّني أقوم بعمل لا أخلاقي أو بأمر سيء، لا لكن بعدما شاهدت الأخبار و التقارير أدركت فظاعة ما يجري”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

يافظة تشير إلى ممرات خاصة لمرور ثلاجات الأعضاء البشرية داخل المطارات الصينية

الإيغور وممارسو الفالون غونج صيد ثمين لحصاد الأعضاء

جينيفر زينج (Jennifer Zeng) هي كاتبة وناشطة الحقوقية وهي أيضاً من ممارسي الفالون غونج، الذين يعتبرهم الحزب الشيوعي الصيني أنهم يشكلون تهديداً له، فشنّت الحكومة الصينية حملات اعتقال واسعة للتنكيل بتلك الحركة. أُعتقلت زينج 4 مرات واُرسلتُ إلى معسكر للأشغال في منطقة تاشين في بكين، والتي تبعد نحو 20 كلم عن ساحة تياننمان. وهناك أمضت زينج سنة في معسكر الأشغال، تعرّضت خلالها للتعذيب وغسل الدماغ، وتحوّلت إلى واهبة أعضاء محتملة.

تسأل زينج في شهادتها لـ”أخبار الآن“: “لماذا تعرّضنا مثلاً في معسكر الأشغال لكلّ ذلك التعذيب؟ هم يريدون أن يرغموننا على نكران إيماننا بالحقيقة والرحمة والتسامح، وثانياً لأنهم يريدون تنفيذ أشغال استعباد بحقنا، فنحن نصنّع كل أنواع المنتجات المعدّة للتصدير إلى مختلف بلدان العالم لكي يجني الحزب الشيوعي الصيني المال، وبالتالي هم يستعملوننا كعمّال مستعبدين. وثالثاً لأنهم يريدون قتلنا بالطبع بهدف أخذ أعضائنا”.

ما بين عامي 2000-2001، حدثت المرحلة الأولى من التنكيل بالفالون غونغ، حينها لم تعرف زينج الكثير عن عمليات حصاد الأعضاء التي تتم داخل السجون الصينية، لكنّها تتذكّر خضوعها، لـ3 فحوص طبية دقيقة، الأوّل كان في اليوم نفسه الذي تمّ فيه نقلها من مركز الإعتقال إلى معسكر الأشغال، قائلة: “تمّ اصطحابنا إلى مركز طبي لكي نخضع لمجموعة من الفحوص الطبية، وكان هناك طبيب يوجه لنا أسئلة منتقاة بدقة حول ماضينا الطبي وحول الأمراض التي أصبنا بها قبل ممارسة شعائر فالون غونغ… أخبرتهم وقتها صراحة بإصابتي بمرض التهاب الكبد الوبائي قبل ممارسة الشعائر. ثمّ قاموا بفحص أعضائنا وعيوننا وجعلونا ننام على سرير وقاموا بفحص كل أعضائنا الداخلية. لم أكن أفهم السبب، ظننت أنّ ذلك فحص روتيني لكلّ المعتقلين الذين يتمّ إرسالهم إلى معسكر أشغال”.

تتابع: “بعد مرور شهر على وصولنا إلى معسكر الأشغال، في أحد الأيام، وصلت حافلة كبيرة إلى المعسكر وتمّ تكبيل أيدي كلّ النزلاء، وتمّ اصطحابنا إلى مستشفى كبير جدّاً. كان المستشفى يقع على بعد نصف ساعة تقريباً من المعسكر، هناك خضعنا لفحوص طبية أكثر شمولاً بما فيها صور شعاعية. ثمّ خضعنا لفحوص جسدية ومن ثمّ أعادونا إلى معسكر الأشغال. بعدها أخذوا عيّنات دم من كلّ منّا وبالطبع لم نعرف سبب ذلك الفحص.  لم يكن لديّ القدرة أو الوقت للتفكير في السبب وراء اهتمامهم بصحتنا، فلماذا من جهة يمارسون التعذيب علينا، ومن جهة أخرى يبذلون جهوداً كبيرة ويصرفون أموالاً طائلة على صحتنا رغم الأشغال الشاقة التي كنّا نقوم بها”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

ظلت زينج في حيرة من أمرها يقتلها الشك والتفكير، حتى جاء العام 2006 وسمعت بوقوع جرائم مريعة داخل السجون بهدف حصاد الأعضاء، “عندما تذكرت ما حصل لي في معسكر الأشغال، بدا لي كلّ ما حصل منطقياً ومفهوماً. أتذكر أنّنا تعرّضنا في المعسكر لتهديدات، مفادها إنْ لم نهتم بأنفسنا وصحتنا فسيتمّ إرسالنا إلى مكان ما في شمال غرب الصين لن نعود منه أبداً. في ذلك الحين ظننت أنّ ذلك مجرّد تهديد، لكن بعد مرور عدّة سنوات قرأت تقريراً أفاد بوجود معسكر للموت في منطقة شينجيانغ”.

وتضيف: “في المعسكر كنّا مجبرين على احترام قاعدة معينة أخرى، فلم يكن يُسمح لنا بأخذ أرقام هواتف النزلاء الآخرين كي نتصل بهم بعد إطلاق سراحنا. وهكذا إنْ اختفى أحدهم، كنّا نفترض أنه قد أُطلق سراحه، لكن لاحقاً تيقنت أنّه لا يمكن التحقق ممّا حصل فعلاً، وبالتالي لا أعرف ما حلّ به لأنّه عندما كان يُطلق سراحنا، كان يتمّ تفتيشنا بشكل دقيق للغاية كي يتأكّدوا من أنّنا لم نصطحب معنا أيّ ورقة مهما كانت صغيرة كي لا يكون معنا ما نكتب عليه رقم هاتف أيّ شخص، وبالتالي لم نكن قادرين البتّة على أن نطمئن على الآخرين بعد إطلاق سراحهم، وبالتالي كان هناك نظام محكم للتأكّد من  عدم وجود قدرة لدينا لتعقّب بعضنا البعض بعد إطلاق سراحنا أو بعد اختفاء أحدهم من المعسكر. بعد إطلاق سراحي، سمعت تقارير إضافية خصوصاً عن اعتقال إيغوريين تحوّلوا إلى ضحايا وهم كثر جداً”.

ربّما نجت زينج من الوقوع فريسة في شباك حاصدي الأعضاء بسبب مرضها، لكن نجاتها تلك لم تمنعها من إيصال شهادتها للعالم والحديث عن تلك الانتهاكات وفضحها قائلةً: “لا يمكنهم تفسير مصدر كلّ تلك الأعضاء، حيث يبلغ عدد عمليات نقل الأعضاء عشرات الآلاف أو مئات الآلاف على مرّ كلّ تلك السنوات، أظن أنّ الوضع زاد سوءاً اليوم لأنّنا نسمع قصصاً عن اختفاء أطفال من المدارس بشكل غامض، وتلك جريمة واسعة النطاق وربّما تطال مواطنين صينيين عاديين لأنّ الجشع لا حدود له، فكما تعلمون هم لا يكتفون، مهما اعتقلوا من أتباع فالون غونغ والايغور وباتوا اليوم يستهدفون الشعب العادي الضعيف، فهناك سيدة موجودة حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، وقد أفادت أنّها تلقت خبراً بموت عائلتها لكن لم يُسمح لها برؤية جثث أفراد عائلتها كما يحدث غالباً. لكنّها أصرت على ذلك وتمكّنت بطريقة ما من رؤية الجثث ووجدت جرحاً كبيراً في الجثة وكانت  فارغة، ما يعني أنّ الأعضاء قد استؤصلت كلّها”.

 

جيفوري نايس: هناك براهين على المزاعم التي تفيد بأنّ الصين دولة مجرمة

المحكمة الشعبية للدفاع عن الإيغور تشكّلت العام 2020 في لندن، كانت فكرتها مماثلة للعديد من المحاكم الشعبية التي تشكلت على مرّ التاريخ، واتخذت قرارات مهمّة في الكثير من القضايا التي لم يتمّ التعامل معها من قبل القضاء الرسمي الوطني أو الدولي . وقد أجرت تلك المحكمة أوّل تحليل قانوني مستقل في العالم لحصاد الأعضاء القسري من سجناء الرأي في الصين. وفحصت المحكمة كلّ الأدلة المتاحة من أجل تحديد الجرائم الجنائية، التي قد تكون اُرتكبت من قبل أفراد تابعين لهيئات أو منظمات أو مسؤولين صينيين ربما شاركوا في حصاد الأعضاء القسري.

كان حكم محكمة الصين يتضمن كلّ الأدلة المتاحة حتى يونيو العام 2019، ويتكوّن الحكم من 160 صفحة، مع ملاحق مستفيضة تتضمن تفاصيل عن كلّ الوثائق والتقارير وشهادات الشهود والمذكّرات التي استعرضتها المحكمة على مدى 12 شهراً. عُقدت جلسات الاستماع العامة في أبريل العام 2019 وديسمبر العام 2020، ساهم خلالها أكثر من 50 من شهود الحقائق والخبراء والمحققين بالأدلّة.

يقول المحامي والقاضي البريطاني جيفوري نايس (Geoffrey Nice) والذي تولى رئاسة المحكمة الشعبية للدفاع عن الإيغور، وهو كان شارك في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وكان المدّعي العام الرئيسي في محاكمة سلوبودان ميلوشيفيتش، رئيس صربيا السابق: “أُسأل دائما لماذا أفعل ذلك من أجل الإيغور؟ أوّلاً لقد فعلت ذلك بناءً على طلب مجموعة فالون غونغ. فهناك أدلة على أنّهم تعرّضوا للقتل في الصين رغبةً في الحصول على أعضائهم مثل الطحال والكليتين والعينين والبشرة، أي الأعضاء المستعملة في تجارة زرع الأعضاء وبالرغم من وجود أدلّة على ذلك، لم يتحلّ أي بلد بالشجاعة الكافية لمواجهة الصين، فأنشأوا محكمة وقد توليت رئاستها وأصدرت حكمها العام 2019، ووجدت أنّ هناك براهين على المزاعم التي تفيد بأنّ الصين دولة مجرمة. وها نحن اليوم نصل إلى الإيغور. فأثناء جلسات الاستماع الخاصة بتلك المحكمة، تمّ تقديم براهين أيضاً على استعمال الإيغور في عمليات الاستئصال القسري للأعضاء وعلى تعرّضهم لانتهاكات أخرى”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

 

كيف نشأت المحمكة التي نظرت بالابادة بحق الإيغور؟

يضيف: “خلال المؤتمر العالمي للإيغور، سألني رئيس المؤتمر دولقون عيسى، إنْ كنت أقبل بإنشاء محكمة للإيغور فوافقت وأنشأنا تلك المحكمة. في ما يتعلق بتفاصيل إنشائها وإدارتها، لقد أصدرت خلاصةً في 9 ديسمبر 2021 تمّ التوصل إليها بناءً على مبدأ خاص بعبء البرهان، ويسمى مبدأ البرهان الذي يتعدّى الشك المنطقي وهو أقوى البراهين التي وُجدت من بين أمور أخرى أنّ الصين، قد ارتكبت إبادة بحقّ الإيغور، من خلال اتخاذ إجراءات تحرمهم من الإنجاب على سبيل المثال كما شملت الاستنتاجات التي توصلت إليها المحكمة إلى وجود تعذيب لممارسي الفالون غونغ ومسلمي الإيغور الذين يعتبرون من ضحايا تلك التجارة كذلك”.

كانت تلك المحكمة مختلفة عن معظم المحاكم الأخرى، فقد تشكلت من مواطنين عاديين معروفين بالحياد في قضية الإيغور سخّروا وقتهم ومجهودهم لتلك القضية، يقول نايس: “لقد بحثنا عن أشخاص من اختصاصات مختلفة، وفي النهاية وجدنا طبيبين رفيعي المستوى لديهما اختصاصات طبية مختلفة لكنهما يتمتعان بالتفكير الطبي والحجج العلمية القيّمة على الدوام، وأيضاً عالم أنثروبولوجيا، وعالماً تربوياً وتاجراً لا علاقة له بتاتاً بالقوانين. إلى جانب هؤلاء الأشخاص، شارك معنا دبلوماسي سابق ومدعٍ عام سابق.

ويضيف: “كنّا حذرين جداً في نوعية الشهود الذين أدلوا بشهادتهم، كان علينا اختيار شهود بعيداً من أهوائهم وميولهم السياسية والدينية، احتكمنا فقط للأدلّة والبراهين، وبالرغم من أنّ الصين قد تلقت دعوة لحضور جلسات الاستماع، إلّا أنّها لم تحضر يوماً، وبالتأكيد تمّ استخدام خلاصة تلك الجلسات والأدلّة التي توصلنا إليها من قبل 7 برلمانات مختلفة حول العالم، وقد تمكنت من إيجاد أدلّة على وقوع إبادة”. ويتابع: “تلك الأدلّة مفيدة في اتخاذ موقف ضدّ الصين، من قبل الشركات أو المؤسسات التجارية، فبموجب احترام القوانين الوطنية أو الأخلاق أو الآداب لن تقبل بعض المؤسسات التجارية بأن تضمّ سلسلة التوريد الخاصة بها عملاً قسرياً يطال الإيغور. وقد يساعد ذلك أيضاً المدارس والجامعات في اتخاذ قرارها بإرسال طلابها إلى الصين أم لا وقبولها طلاباً من الصين أم لا، وتأسيس فروع لمدارسها وجامعاتها في ذلك البلد. وهذا كلّه يخدم قضية الإيغور”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

ما عدد عمليات زرع الأعضاء سنوياً في الصين؟

تدّعي الصين رسمياً إجراء 10,000 عملية زرع كلّ عام. ومع ذلك، تمّ تجاوز ذلك الرقم من قبل عدد قليل من المستشفيات. وبناءً على متطلبات السعة الدُنيا التي تفرضها الحكومة لمراكز زرع الأعضاء ، كان من الممكن أن تجري مستشفيات زرع الأعضاء المعتمدة البالغ عددها 169 مستشفى 60,000 إلى 100,000 عملية زرع سنوياً ، وقد وصلت السعة الإجمالية منذ العام 2000 إلى مليون عملية زرع.

وقد وجد المحققون بمحكمة الصين الشعبية أنّ أكثر من 1,000 مستشفى زرع تقدّمت للحصول على تصاريح من وزارة الصحة في عام 2007 لمواصلة العمل. ويشير ذلك إلى أنّ تلك المستشفيات استوفت أيضاً الحد الأدنى من متطلبات الوزارة الخاصة بسعة مراكز الزرع، فيما يستمر الكثير منهم في إجراء عمليات زرع على الرغم من عدم حصولهم على شهادة معتمدة.

كما أشارت بعض التقارير الدولية إلى أنّ أعضاء مسلمي الإيغور تعتبر الأعلى سعراً لأنّه يتمّ تسويقها تحت مسمى “أعضاء حلال”، ويبلغ الكبد مثلاً لمسلم الإيغور إلى 300 ألف دولار، وهو ما يعادل ضعف متوسط التكلفة العادية

في أوائل 2018 أُرغم الإيغور المتواجدين شرق تركستان، على إعطاء عيّنة من دمائهم لفحص الحمض النووي وإجراء فحوصات طبية تتضمن الموجات فوق الصوتية وفحص الأعضاء الداخلية تحديداً، واختبار البصر للذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 وحتى 65 عاماً… أجرى هؤلاء الاختبارات لكنّهم لم يحصلوا على نتائجها، فما كان الهدف منها إذاً؟ بتلك الكلمات بدأت العالمة الإيغورية مايا ميتاليبوفا (Maya Mitalipova)، مديرة مختبر الخلايا الجذعية البشرية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، حديثها لـ”أخبار الآن“، مضيفة أنّه في مرحلة جمع تلك العينات لم يتم توقيع أيّ موافقة من قبل هؤلاء الأشخاص وكان ذلك إلزامياً.

وتابعت: “كنت أفكر ما الذي سيفعلونه بتلك الفحوصات خصوصاً أنّهم قاموا بفحص أعضاء معينة من خلال الموجات فوق الصوتية وفحص تسلسل الحمض، وتلك الفحوصات مكلفة، لذلك رحت أفكر في الاستعمالات المحتملة لفحص تسلسل الحمض النووي. فهل يُعقل أنّ الحكومة الصينية مهتمة بصحتهم وتقوم بإجراء فحوصات الحمض النووي لهم، في الوقت الذي تعتقلهم وتضعهم في معسكرات. بشكل عام يمكن استخدام تسلسل الحمض النووي، إذا كان الشخص يبحث على سبيل المثال عن وراثة طفرات معينة يمكن أن تؤدّي إلى أمراض معينة مثلاً أو أمراض انتقلت بالوراثة. وفي العام 2020 قاموا بالأمر نفسه، إذاً ذلك برنامج حكومي وهم بحاجة لتلك المعلومات لسبب ما”.

 

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

يمكن الحصول على عضو بشري في الصين خلال أسبوعين أو أقل

أسئلة كثيرة دارت في ذهن مايا حول أسباب استخدام تسلسل الحمض النووي، ولم تجد سبباً منطقياً يفسر دورية إجراءه للإيغور، سوى مطابقة المتبرّع بالأعضاء مع المتلقي، قائلة: “إذا لم يكن التطابق ناجحاً، فلن تقوم تلك الأعضاء بعملها، وتلك خطوة مهمّة جدّاً في عملية زرع الأعضاء. بالنسبة للأعضاء المزدوجة كالكُلى مثلاً، فهناك احتمال كبير أن يحصل تطابق بين الأخوة والأقارب والأبناء، أما بالنسبة للأعضاء المفردة كالكبد والقلب والرئة وحتى قرنية العين، فتلك الأعضاء الطلب عليها كبير. وإذا كنت على لائحة الانتظار في الولايات المتحدة مثلاً  أو غيرها من الدول، فقد يطول انتظارك لسنتين أو أكثر، وقد يتبرع أحدهم طوعياً بأعضائه في حالة الموت المفاجئ، لكن العديد من الأشخاص ليس فقط في الولايات المتحدة بل في العديد من الدول الأخرى، يعلمون أنّ بوسعهم  الذهاب إلى الصين حيث مدّة الإنتظار لا تتجاوز الأسبوعين أحياناً”.

في البلدان التي تتمتع بقدرات رعاية صحية متقدمة وأنظمة جيدة لتنظيم للتبرع بالأعضاء وتخصيصها، يجب على المرضى عادةً الانتظار لسنوات حتّى يتوفر المتبرع. ومع ذلك، ففي الصين، كانت أوقات الانتظار لعمليات زرع الكلى والكبد مدرجة بشكل شائع في الأسابيع. وفقاً لتقرير سجل زراعة الكبد لعام 2006، تمّ إجراء 26.6 % من 4,311 عملية زرع كبد تمّ أخذ عينات منها في ظل ظروف “طارئة”، أي أنّه تمّ الحصول على العضو في غضون أيّام ، أو في بعض الأحيان ساعات فقط.

وأشارت بعض التقارير الدولية إلى أنّ أعضاء مسلمي الإيغور تعتبر الأعلى سعراً لأنّه يتمّ تسويقها على أنّها “أعضاء حلال”. ويبلغ سعر الكبد مثلاً لمسلم الإيغور نحو 300 ألف دولار، وهو ما يعادل ضعف متوسّط التكلفة العادية.

وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الصينية، فإنّ حجم التبرع بالأعضاء طوعياً قليل جدّاً نظراً إلى أنه غير مألوف في الثقافة الصينية، كما هو الحال في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وبالرغم من أنّ التعداد السكاني يصل إلى مليار ونصف مليار شخص، إلّا أنّ العدد الرسمي للتبرع بالأعضاء هو 10 آلاف شخص. وتشير الإحصائيات إلى أنّه في أواخر التسعينات ارتفعت نسبة عمليات زرع الأعضاء في الصين، وأصبح العدد غير الرسمي هو  100 ألف عملية زرع أعضاء جرت في غضون سنة واحدة في الصين.

في العادة لا يتمّ إخبار متلقي العضو في الصين بهوية المتبرّع بالعضو، ولا يتم تزويده بدليل كتابي على الموافقة. وفي بعض الحالات، تُحجب هوية الأطباء والجراحين عن المرضى. وبذلك تتفاقم مشكلة الشفافية بسبب عدم وجود أيّ مبادئ توجيهية أخلاقية لمهنة الزرع أو نظام للتأديب للجراحين الذين ينتهكون المعايير الأخلاقية.

ويندي روجيرز (Wendy Rogers) رئيسة اللجنة الاستشارية الدولية للتحالف الدولي لإنهاء إساءة زراعة الأعضاء في الصين، تقول لـ”أخبار الآن“: “لم يحدث تزايد سريع في عمليات زرع الأعضاء في الصين سوى في العامين 2001 و2002 لأنّه قبل ذلك كانت عمليات زرع الأعضاء قليلة جدّاً في الصين، وقد تزامن ذلك مع بداية إعدام أتباع طائفة فالون غونغ العام 1999، وفجأة حصل تزايد هائل في أعداد السجناء وانفجار في أعداد عمليات زراعة الأعضاء”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

صورة من داخل أحد مراكز الاعتقال الصينية توضح كيفية التعامل مع المحتجزين

الصين تعترف: الأعضاء من السجناء!

العام 2009 نفت السلطات الصينية قيامها باستعمال أعضاء سجناء في عمليات زرع الأعضاء، لكنّ العام 2005 اعترفت الصين أخيراً بأنّ الأعضاء تعود حقاً لسجناء كان قد تمّ إعدامهم، لكنّها زعمت بأنّ السجناء كانوا مجرمين حُكم عليهم بالإعدام وبالتالي تمّ استئصال أعضائهم. لكن التحقيق الأول الذي أُجري العام 2006 على يد ديفيد كيلغو وديفيد ميتيس، أثبت أنّ الضحايا كانوا سجناء رأي وأتباعاً لطائفة فالون غونغ، وأنّهم قد قُتلوا بهدف أخذ أعضائهم وليس لأنّهم مجرمون.

وتضيف: الأدلّة المباشرة تأتي من شهود عيان مباشرين وأبرزهم أندرو توتي، الذي حصل على أمر باستئصال عضو من سجين حيّ العام 1995. وهناك أيضاً طبيب آخر يُدعى وان غوكي وقد قدّم لنا أدلّة العام 2001، وقد استحصل على جلد وقرنية من جثامين سجناء نُفّذت بحقهم عقوبة الإعدام، والعام 2006 ظهرت إمرأة قالت لنا إنّ زوجها كان ينتزع قرنيات من أحد أتباع طائفة فالون غونغ، لكن العثور على شاهد أمر في غاية الصعوبة لأن الضحايا يتعرضون للقتل أو القمع”.

وتتابع روجيرز: “لكن ثمّة الكثير من الأدلّة غير المباشرة، فهناك سجناء تعرّضوا لتهديدات بأخذ أعضائهم وهناك سجناء رأي تعرّضوا لتهديدات من ذلك القبيل. كما لدينا أدلّة على إمكانية حجز عمليات زرع أعضاء بشكل مسبق وكان للدكتور جاكوب ليفي، وهو طبيب متخصص في زرع الأعضاء في إسرائيل، أخبره مريض بأنّه كان سيسافر إلى الصين ويخضع هناك لعملية زرع للقلب ومصدره بالتأكيد شخص يتعرض للقتل، بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر إخضاع السجناء للفحوص الطبية دليلاً قوياً فنحن نعلم أنّ سجناء رأي غالبيتهم من طائفة فالون غونغ وإيغور قد خضعوا لفحوص دم ولفحوص طبية لفحص أعضائهم ولصورة صوتية لمنطقة البطن لتفحص الكليتين والكبد من دون إعطاء مبرر إطلاقاً لتلك الفحوصات، ومن دون إعطاء أيّ معلومات صحية للأشخاص الذين خضعوا للفحوص. كما أنّهم تعرضوا للتعذيب والضرب خلالها. فتلك الفحوصات لم تكن مفيدة لصحتهم أو لراحتهم بل على ما يبدو كانت تهدف إلى التأكد من وضعهم الصحي من أجل استبعاد أيّ مرض معدٍ يحرمهم من أن يكونوا مانحين”. والسبب الأول وراء اختيار أتباع فالون غونغ والإيغور هو أسلوب حياتهم السليم، فهم لا يحتسون الكحول ولا يدخّنون… وبالتالي تكون أعضاؤهم بحالة أفضل من غيرهم.

 

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

مستشفى سوجياتون وهي إحدى المستشفيات المتهمة بإجراء عمليات انتزاع الأعضاء قسرياً من الأقليات الصينية

أعضاء حلال.. فقط إدفعوا المال

رئيس المؤتمر العالمي للإيغور دولقون عيسى (Dolkun Isa)،  يقول لـأخبار الآن: “منذ ما يزيد على 30 عاماً، لم تمارس الحكومة الصينية الاستئصال القسري للأعضاء فقط على الإيغور، بل على مجموعات أخرى أيضاً، وذلك أمر شائع جدّاً في الصين، لكن منذ العام 2016 بات الإيغور يُرسَلون إلى مخيمات الاعتقال. وهناك أكثر من مليون إيغوري وفقاً لبعض التقديرات تمّ نقلهم إلى أقاليم صينية أخرى تعرّضوا فيها للعمل القسري والاستئصال القسري للأعضاء، وتلك هي المشكلة.

ويضيف: “منذ بضعة سنوات قامت الحكومة الصينية بالدعاية لعمليات زراعة الأعضاء على الملأ، كما فعلت بعض المستشفيات في الصين، فراحت تنشر إعلانات عن عمليات نقل أعضاء حلال، أي من مسلمين. لكن لاحقاً عندما تعرّضت الصين لانتقادات بشأن تلك العمليات تمّ سحب الإعلان، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل لأنّ الصين كانت على علم بذلك وقد استغلت الإيغور ليس فقط بهدف العمل القسري، لكن أيضاً بهدف الاستئصال القسري للأعضاء”.

ويتابع عيسى: “بين الحين والآخر تقوم بعض المواقع الإلكترونية الصينية وبعض وكالات السفر بحثّ الراغبين على شراء الأعضاء، بالقدوم إلى الصين، وتقول “إن كنتم تعيشون في الصين وبحاجة إلى أيّ أعضاء، وقادرين على دفع مبلغ أكبر فستحتاجون إلى أسبوع، لكن إنْ قمتم بدفع مبلغ أقل سيستغرق الأمر فقط أسبوعين”…. ويعلق عيسى على تلك الإعلانات قائلاً: “إنْ كنتم قادرين على دفع مبلغ أكبر، ستحصلون فوراً على العضو، ما يعني أنّ أعضاء كلّ الإيغور الموجودين في مراكز الاعتقال ومخيمات التعذيب جاهزة في أيّ وقت كان، شرط توفّر المال”.

قاعدة بيانات واسعة.. فقط اطلب العضو الذي تريد!

أركين صديق (Erkin Sidick) رئيس مؤسسة مشاريع الإيغور يقول لـ”أخبار الآن” إنّ الحكومة الصينية بدأت نشاطاً تجارياً ضخماً العام 1999 في مجال تجارة الأعضاء، في ذلك الوقت كان الضحايا هم من يتبعون ديانة الفالون غونغ. الآن غادر هؤلاء الصين، فأخذ الايغور مكانهم. العام 2017 نُقل نحو 1.2 مليون إيغوري من شرق تركستان إلى مناطق مختلفة في الصين وتمّ توزيعهم على عدة مناطق، وقد تمّ استغلالهم لتجارة الأعضاء، حتى أنّ الحكومة الصينية كانت تعلن أنّ لديها أعضاء حلالاً لأشخاص لم يتناولوا لحم الخنزير أبداً في حياتهم، ذلك معناه أن هؤلاء هم الإيغور. كما أنّ الحكومة الصينية أنشأت مستشفيات بالقرب من معسكرات الإعتقال في شرق تركستان، أو قامت بوضع معسكرات الاعتقال بالقرب من المستشفيات، وكانت تراقب كلّ المستشفيات بشكل دقيق و بطريقة سرية، العديد من المستشفيات ما زالت تتاجر بالأعضاء الحلال”.

وتابع: “البيانات البيولوجية التابعة للحكومة الصينية تحتوي على بيانات الحمض النووي لجميع الإيغور، لديهم قاعدة البيانات الخاصة بنا. بعض التقارير أفادت بأنه إذا احتاج أحد إلى عضو يمكنه الذهاب إلى الصين ويقدّم طلباً، والحكومة الصينية يمكنها أن تجد له عضواً متطابقاً، ويمكنه أن يجري العملية خلال أسبوع أو أسبوعين. هم يستغلون الإيغور الموجودين في معسكرات الاعتقال ويأخذون أعضاءهم لبيعها”.

ويضيف صديق: “الحكومة الصينية حقّقت غايتها وخلقت الفرصة لإسكات المجتمع الدولي أوّلاً، ثم بدأت بارتكاب المجازر بحقّ الإيغور. أيضاً ثمّة أمر مهم جدّاً، على سبيل المثال، إذا عشت في الصين لشهر أو شهرين، ستدرك أنّ الشعب الصيني لا يمكنه العيش مع حضارات أخرى أو مع أعراق أخرى. إذا أردت أن تعيش في الصين فأمامك خياران، الأول أن تصبح صينياً، والثاني أن تموت. الحكومة الصينية تقول إنّه يوجد 56 من الأقليات في الصين، لكن إذا تحرّيت عن الأمر الآن ستجد أنّهم اختفوا ولم يتبقَ إلا القليل منهم الإيغور والتبتيون وبعض المنغول فقط، أمّا الباقون فقد تمّ القضاء عليهم”.

ما بين عامي 2006 و2007، أصدر المحامي الدولي والحقوقي ديفيد ماتاس (David Matas) والنائب الكندي ديفيد كليغور تقريرهما الاستقصائي الخاص بسرقة الأعضاء الحية في الصين، خصوصاً لممارسي الفالون غونغ حيث كان يتمّ استئصال أعضائهم سرّاً رغماً عنهم في مستشفى تدعى “سوجياتون” وخلص التقرير استناداً إلى أدلّة ظرفية، إلى أنّه كانت هناك ولا تزال حتى اليوم، سرقة أعضاء على نطاق واسع من ممارسي الفالون غونغ غير الراغبين”.

وأشار التقرير الذى حصلت “أخبار الآن” على نسخة منه، إلى أنّه خلال الفترة من 2000 و2005 تمّ تنفيذ ما يقرب من 4100 عملية زرع أعضاء غير معلومة المصدر، ومع صدور ذلك التقرير أعلن المسؤولون الصينيون أنّ الصين تلتزم بمبادئ منظمة الصحة العالمية التي تحظر بيع الأعضاء البشرية من دون موافقة خطية من المانحين. وندّدوا بالتقرير ووصفوه بأنّه مبني على شائعات ومزاعم كاذبة”، وقالوا إنّ الحكومة الصينية حققت بالفعل في الادعاءات فوجدتها من دون أيّ أساس. وبالفعل تمّ حظر تداول التقرير في روسيا والصين”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

غلاف تقرير ديفيد ماتاس وديفيد كليغور الاستقصائي الخاص بسرقة الأعضاء الحية في الصين

ماتاس: لا توجد سيادة للقانون في الصين

يقول ماتاس في حديثه لـ”أخبار الآن“: “أخذ الأعضاء من السجناء من دون موافقة أهاليهم هو أمر قانوني في الصين وفقاً للقانون رقم 1984 خاص، ولكن هناك قانون آخر عام صدر العام 2007 ينصّ على ضرورة الحصول على موافقة، وبشكل عام لا توجد سيادة للقانون في الصين، فالحزب الشيوعي الصيني يطبق القانون ضدّ الغرباء وليس ضدّ نفسه، لذا فإنّ ما يحدث في الصين لا يخضع لإجراءات قانونية، بالطبع هناك بعض الأشخاص الذين يعملون خارج الأطر المحددة، وهناك محاكمات تحدث في بعض الأحيان في الصين تتعلق باستغلال عمليات نقل الأعضاء لكنّها غير منتظمة”.

بموجب القانون الصيني يعتبر حصاد الأعضاء غير الطوعي أمراً غير قانوني، على الرغم من أنّه بموجب لائحة العام 1984، أصبح من القانوني إزالة الأعضاء من “المجرمين” الذين تمّ إعدامهم بموافقة مسبقة من المجرم أو إذن من الأقارب. وبحلول التسعينيات، أدّت المخاوف المتزايدة بشأن الانتهاكات الأخلاقية المحتملة الناجمة عن الموافقة القسرية والفساد إلى دفع الجماعات الطبية ومنظمات حقوق الإنسان إلى البدء في إدانة تلك الممارسة. وعادت تلك المخاوف إلى الظهور العام 2001 عندما ذكرت صحيفة واشنطن بوست مزاعم من طبيب صيني طالب لجوء بأنّه شارك في عمليات استخراج الأعضاء.

بحلول العام 2005، طالبت الجمعية الطبية العالمية الصين على وجه التحديد بالتوقف عن استخدام السجناء كمتبرعين بالأعضاء. وفي ديسمبر من ذلك العام، أقرّ نائب وزير الصحة الصيني بأنّ ممارسة إزالة الأعضاء من السجناء الذين أُعدموا لزرعها منتشرة على نطاق واسع، ما يصل إلى 95 % من كلّ عمليات زرع الأعضاء في الصين مستمدة من عمليات الإعدام.

إيثان غوتمان (Ethan Gutmann) صحافي استقصائي استغرق سنوات عدة في جمع شهادات ضحايا حصاد الأعضاء فى السجون الصينية، يقول لـ”أخبار الآن“: “يوجد نوعان من الناس الذين يغادرون المخيمات باكراً، النوع الأول الذين يبلغون 18 عاماً وفي أغلب الأحيان هم من النساء اللواتي يعملن في المصانع الواقعة شرق البلاد. كان البيان يُعلن على الملأ ويقول إنّهم سيتخرجون… تلك هي الكلمة التي استعملوها يتخرجون من المخيم، وغالباً ما يتمّ الإعلان عن ذلك وقت الغذاء ويحدث تصفيق خفيف كنوع من التشجيع، أمّا المجموعة الثانية فتغادر بشكل سرّي عند منتصف  الليل، وفي الواقع هم لا يغادرون بل يتم أخذهم وعادة قبل حدوث ذلك يقومون بفحص طبي شامل لكلّ المخيم، فيأخذون عيّنات دم وعيّنات من الحمض النووي”.

أعضاء حلال من المعتقل إلى المشتري.. تجارة مخيفة وقودها السجناء

الصحفي الاستقصائي إيثان جوتمان أثناء جمعه لشهادت حول انتزاع أعضاء الإيغور قسراً

ويضيف: “من ثم يختفي هؤلاء الناس بعد القيام بذلك الفحص الطبي، وبعد دخولهم بـ 10 أيّام، عادة ما يحصل نوع من التحذير حيث يتمّ إعطاء هؤلاء الأشخاص أساور زهرية لا يمكن نزعها وبعد ذلك يختفون، وأكثر ما صدمني، أنّ كلّ الذين أجريت معهم مقابلات كانوا من مخيمات مختلفة، أو أمضوا فترة من الوقت في مراكز اعتقال، وكلّهم قالوا إنّ ذلك يحدث مع من تتراوح أعمارهم بين 28 و 29 عاماً في تلك الفئة العمرية، ويختفي ما بين 2.5 % إلى 5 % من المخيم كل عام”.

قدّم جوتمان تقييماً شاملاً بناء على مقابلاته مع الناجيين من المعسكرات في كلّ أنحاء العالم، جاء فيه أنّ ما بين 25000 إلى 50000 معتقل يتعرضون للحصاد القسري لأعضائهم كل عام، مشيراً إلى وجود مستشفى كانت تسمى قديماً مستشفى أوكسو للعدوى لعلاج مرضى السارس، وإلى جانبها ثمّة محرقة للجثث، والاثنان يقعان قرب معسكر الاعتقال في تركستان الشرقية.

كان يستخدم المستشفى في الأصل لمرضى السارس. وبحلول العام 2013، تطوّرت لتصبح مركزاً علاجياً – مستشفى “إعادة التعليم” – للمعارضين وتعتبر محرقة الجثث المصاحبة لها علامة بارزة. ويضيف غوتمان كذلك في شهادته، قائلاً:  “يوجد ممر سريع للتصدير فقط لنقل الأعضاء البشرية شرقاً على بعد 20 دقيقة بالسيارة من مستشفى أوكسو للعدوى إلى مطار أقسو وقناة نقل الأعضاء البشرية”. فقد زادت عمليات زراعة الكبد في المستشفى الأوّل بنسبة 90 % العام 2017. وزادت عمليات زرع الكلى بنسبة 200 %.

بدوره أكّد عبد الوالي أيوب أنّ “بعض المستشفيات قريبة جدّاً من معسكرات الاعتقال، على سبيل المثال في أوكسو المستشفيات قريبة جدّاً، كما أنّ معسكرات الإعتقال تلك قريبة جدّاً من المطار، ومن محطات القطار، والطرق الرئيسية التي توصل إلى الصين وإلى العالم الخارجي. لقد تمّ التخطيط مسبقاً لقيام تلك المعسكرات بهذه المهمات. واعتبر أنّه من المهم جدّاً أن يتحدث آخرون عن تلك المعاناة.

شاهدوا أيضاً: نارفا بداية أوروبا ونهاية روسيا.. مدينة وادعةٌ قد تتفجر منها أفظع حرب بالتاريخ!