التقصّي في تلك الرواية استمر لنحو 3 سنوات إلى أن تمكّنا في برنامج بالعين المجردة في النهاية، من مقابلة هذا الرجل الروسي. إنّه بورجان خالبيكوفيتش كولتانوف ( Бауржан Хальбекович Култанов)، أو محمد عبد الله فيتش عثمانوف (Мухаммад Абдуллаевич Усманов).

الجهادي السابق والجاسوس الروسي

اللقاء معه استمر لـ 4 ساعات وخلص إلى أنّ لديه ادعاءات غير عادية على الإطلاق، حول التعاملات الغامضة لأجهزة الأمن الروسية، ليس فقط داخل روسيا ولكن في فلك الجهاديين أيضاً. بالنسبة لبرنامج “بالعين المجردة“، الهم الأوّل كان التحقق من تلك الادعاءات. بالطبع الأمر لم يكن سهلاً، لكن في الوقت نفسه، كان من المستحيل تجاهل الشكوك حول نقاط الاتصال السوداء بين الجهاديين وأجهزة الأمن الروسية.

ألكسندر فلاديميرو فيتش غوشين، وهو ضابط مخابرات روسي، كان على تواصل مع بورجان عندما كان معتقلاً في استراخان الروسية (Астрахань). يقول الجهادي السابق: “غوشين هددني قائلاً لي أصبحت الآن في قبضتنا، ومن المؤكّد أنّك تعرف ما ينتظرك. نحن نعرف كلّ شيء عنك ولدينا كلّ أقوالك، وبالتالي إنْ رفضت التعاون معنا، سنُرغمك على إعطائنا المعلومات التي نريد”.

ويكشف بورجان أنّه عندما كنت في أستراخان، قال له الضابط الروسي حرفياً: “يوماً ما ستذهب إلى تركيا أو أوكرانيا، وقد تصبح قاتلاً وعميلاً ينفّذ الأوامر بالقتل الصادرة مسبقاً، وستجني المال لتساعد به أهلك”.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

مسار الجهادي السابق من البداية

إبّان فوضى الحرب في سوريا، انخرط بورجان في المعارك وقد انضم إلى تنظيم داعش آنذاك. كان ذلك في نوفمبر العام 2013. في تتبع لمساره، وجدنا أنّ رحلة بورجان بدأت من استراخان مروراً بموسكو حتى وصل إلى اسطنبول ثمّ مدينة هاتاي التركية، ليعبر الحدود السورية التركية سيراً على الأقدام.

من هناك، وصل إلى بلدة الشيخ سليمان حيث التقى أشخاصاً من أستراخان، ثمّ إلى بلدة خان طومان في محافظة حلب، ثمّ الرقة ومرّ ببلدة الشدادي في محافظة الحسكة حيث التقى جماعة من كازاخستان، حتّى أصبح على أبواب دير الزور، ليتلقّى ضربة قوية على رأسه خلال المعارك التي كانت تدور عند مطار الطبقة.

من سوريا انتقل إلى الموصل في العراق حيث لم يمكث طويلاً وعاد أدراجه. عندما عاد إلى سوريا مجدداً، قرّر ترك القتال مع تنظيم داعش، فوصل إلى الحدود التركية بمساعدة مسؤول داعشي في المنطقة وعبرها سيراً على الأقدام إنطلاقاً من بلدة غازي عنتاب، لكن ألقي القبض عليه في تركيا وتمّ ترحيله إلى روسيا. وهناك كانت له تجربة مختلفة تماماً ليبدأ مهمّة جديدة… الجهادي الجاسوس.

 

الخريطة أدناه تكشف مسار عثمانوف في سوريا عندما كان يقاتل في صفوف تنظيم داعش

ويقول بورجان إنّه عندما وصل إلى مطار فنوكوفو في موسكو، كانت تنتظره فرقة أومون الروسية الخاصة بأفرادها الثلاثين المسلحين والملثمين. وفور توقف الطائرة قاموا بتطويقها ليتمّ بعد ذلك تكبيله واصطحابه إلى مركز التحقيق.

بعدما تمّ ترحيله من تركيا إلى روسيا، أُرسل بورجان إلى استراخان وهناك أودع في مركز الاعتقال رقم واحد، حيث يُودع المعتقلون قبل محاكتهم. السبب الظاهر لسجنه آنذاك كان انضمامه إلى تنظيم داعش، لكن المخطط الروسي الذي تبلور لاحقاً كان مفاجئاً للغاية.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

ضغوط وتهديدات روسية لإجباره على أن يكون عميلاً

أثناء التحقيق معه، يقول بورجان إنّ جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية مارس عليه ضغوطاً لإرغامه على التعاون معهم، إضافة إلى أنّه تلقى تهديداً بإرساله إلى أحد السجون الشمالية في مقاطعة إيركوتسك الروسية.

يقول بورجان: “أجبروني أن أكون عميلاً لهم وقد تلقيت تهديدات بالتعذيب جسدياً ونفسياً، حتّى أنّهم هددوني بأن يدخلوا أنبوباً في… وأن يمارسوا عليّ التعذيب بالصدمات الكهربائية لكي يحصلوا على كلّ ما يريدونه. أيضاً وجّهوا تهديدات لوالدتي وقالوا إنّهم في حال رفضت التعاون معهم سيتدبرون أمرها لتعيش حياة مذرية، وأنهم سيرسلون أولادي إلى ميتم”.

يتابع: ” كما هددوني بالتلاعب بمواد القانون الجزائي لإطالة فترة الإعتقال، وقالوا لي إنّه بإمكانهم أن يرسلوني إلى أحد السجون الشمالية في مقاطعة إيركوتسك، حيث سأتعرض للتعذيب والاغتصاب بشكل دوري. كذلك قالوا لي إنّهم قادرون على إرسالي إلى منطقة داغستان في جبال القوقاز الروسية حيث يسهل عليهم قتلي كالإرهابيين في إحدى الغابات هناك”.

بالعودة إلى ألكسندر فلاديميروفيتش غوشين، الذي ذكره بورجان وقال إنّه ضابط في جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية، أجرى برنامج “بالعين المجردة” بحثاً معمّقاً لمعرفة هوية هذا الرجل، وقد تمكّنا من الحصول على عدد من الصور له، كما على حساب على موقع فيسبوك يعتقد أنّه يعود له، لكنّ ذلك الحساب أغلق في وقت سابق. ويقول بورجان إن ذلك العسكري الروسي الذي كان على تواصل معه يعتبر من المسؤولين الروس السريّين.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

مجموعة صور للضابط الروسي ألكسندر فلاديميرو فيتش غوشين تمكن برنامج بالعين المجردة من الحصول عليها 

يخبرنا بورجان إنّ غوشين كان يعرض عليه صوراً لأشخاص معيّنين، وعليه أن يخبره ما إذا كان رآهم أم لا، لكن في الغالب كان بورجان يُجبر على أن يصادق على صور شخصيات يريد الضابط الروسي النيل منها، ولو لم يكن الجهادي السابق قد رآها أصلاً من قبل. ويقول بورجان إنّه كان من السهل جدّاً أن يضيف الروس التفاصيل التي يريدونها لإثبات التهم على الأشخاص الذين يعتبرون هدفَ النظام في موسكو. ويقول بورجان لفريق برنامج “بالعين المجردة” إنّه حاول أن يرفض ويخبرهم أنّه لم ير هذا الرجل أو ذاك، ويقول لهم “لماذا ترغمونني على توقيع وثيقة ضدّ أشخاص لا أعرفهم”، لكنّه كان يرغم على التوقيع تحت التهديد.

وهنا يوضح بورجان: “بكلّ صراحة قمت بالتوقيع على تقارير ضدّ أشخاص كما لو كنت أعرفهم ورأيتهم من قبل.. لقد أحضروا لي الأوراق بأنفسهم وكانوا قد كتبوا عليها كلّ شيء. طلبوا منّي أن أضيف بعض التفاصيل كأنْ أحدد مثلاً أنّني رأيت الأشخاص في مكان ما مثل إدلب، والتاريخ أيضاً… كانوا يضيفون أسماء الأماكن التي يجهلونها بمجرد نطقها، فيقولون نعم أنت رأيت هذا الرجل في هذا المكان وذاك”.

ويضيف أنّ عملاء جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية كانوا يرافقونه في كلّ مرّة أُحضر فيها إلى المحاكم للمصادقة على اعترافاته التي أملاها الروس عليه. ويضيف إنّ غوشين نفسه كان يطلب منه التحدّث، مشيراً إلى أنّهم جعلوه شاهداً سرّياً لنحو 6 مرات وأطلقوا عليه أسماء عديدة، مثل بيتر بيتروف وإيفان إيفانوف وغير ذلك…

استغرق التحقيق مع بورجان في روسيا عاماً كاملاً، وقد حكم عليه لـ4 سنوات و4 أشهر. العام 2018 كانت نقطة التحوّل في القضية، إذ عاد إليه غوشين آنذاك حاملاً معه كلّ الأوراق، وهنا تغير السيناريو. يقول بورجان لـ”أخبار الآن“: “أذكر أنّ غوشين توجّه إلي بالقول، ستصبح عميلاً لنا، وإنّه هو سيكون وصيّاً عليّ، وأنّني سأمدّه بالمعلومات مقابل دفع الأموال لي“.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

وثيقة تفيد بأنّ بورجان أصبح حرّاً بعدما كان مسجوناً في أستراخان الروسية 

تُبيّن تلك الوثيقة أعلاه أنّ بورجان أصبح حرّاً ليغادر المعتقل الإصلاحي رقم 8 في أستراخان في يونيو العام 2019. لكن مع اقتراب إطلاق سراحه، قال الرجل إنّ غوشين اقترح عليه أن يذهب إلى أوكرانيا وأبلغه أنّ جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية يهمّه أن يكون لديه عملاء هناك، طالباً منه الحصول على معلومات قيّمة أينما حلّ ووجُد.

خرج بورجان من السجن باسمه الحقيقي ليُطلب منه لاحقاً تغيير اسمه، فتمّ إعطاؤه جواز سفر جديد، وراح مسؤول آخر في جهاز المخابرات الروسية يتحدث إليه ليعرف منه ماذا يعرف عن أوكرانيا.

الآن إذاً بورجان خالبيكوفيتش كولتانوف هو محمد عبد الله فيتش عثمانوف، وذلك بعدما وافق على العمل مع الروس كعميل، يساعدهم في استهداف معارضي فلاديمير بوتين.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

يقول عثمانوف إنّ “لدى الروس لائحة بأسماء أهداف عديدة يريدون النيل منها، وهم يجدون لتلك العمليات أدوات تنفيذية، والهدف هو قتل كلّ معارضي النظام الروسي والمنشقّين من أيّ نوع كانوا، سواء كان السبب الدين أو السياسة”.

 

لم يقتصر الأمر على إصدار أوراق جديدة لعثمانوف، بل أيضاً ساعده جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية على إصدار أوراق جديدة لعائلته، ليصبح كامل أفراد العائلة مواطنين روساً بعدما كانوا يملكون أوراقاً تفيد بأنّهم يتحدون من كازاخستان، وفق ما تشير الوثائق التي حصلنا عليها. وقد تسلّموا تلك الأوراق من سفارة روسيا في تركيا ليذهبوا لاحقاً إلى روسيا.

لكنّ المخطط تغيّر لاحقاً، فعثمانوف لم يذهب إلى أوكرانيا إذ تقرر أن يذهب إلى تركيا ومنها إلى سوريا. وقد تمّ تحضيره من نواح عديدة إضافةً إلى خضوعه لاختبار نفسي. وطُلب منه التالي:

  • عدم البوح بأيّ معلومات فيما لو تمّ القبض عليه خلال المهمة
  • عدم القول إنّه يعرف أيّاً من الأشخاص الذين التقاهم في روسيا
  • عدم الذهاب إلى السفارة الروسية في حال حصل أيّ طارئ

ويكرّر عثمانوف القول إنّ جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية في أستراخان مارس عليه ضغوطاً جسدية ونفسية، “فأرغموني على أن أصبح جاسوساً، وقد وافقت بعد تهديدات لي ولعائلتي. وبعدما أصبحت في تركيا قرّرت أن لا أكون عميلاً لهم، لكنّني بقيت على اتصال بهم من دون أن أعطيهم أيّ معلومات”.

المخابرات الروسية سعت لجعل عثمانوف أميراً في داعش

الروسي فلاديمير أوسيتشكن (Vladimir Osechkin)، هو أكثر المعارضين لبوتين ونظامه، عمل بنفسه على ملف عثمانوف. يقول لـ”أخبار الآن” إنّ الجهادي السابق أخبره أنّ “أحد المخططات السرية للمخابرات الروسية كانت تحضره للانتقال من تركيا إلى سوريا، ولأنّ المخابرات الروسية لديها سلطة كبيرة في سوريا، فهم سيساعدونه للحصول على مركز أمير على أحد الأقسام في تنظيم داعش، كما أنّ المنسق المسؤول عنه أوديسلاف ألكسي فيتش موجود الآن في سوريا، ولديه اتصالات مع السوريين ومع داعش، ولدينا بعض الأدلّة على أنّ إحدى القوات الخاصة الروسية ساعدت داعش في الحصول على المال والأسلحة لخلق حرب وهمية ضدّ روسيا في سوريا. في الحقيقة قاموا بتزوير تلك الوقائع، كذلك  لدينا معلومات تفيد عن تورّط القوّات الخاصة الروسية وداعش بذلك الأمر”.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

يقول عثمانوف إنّ الشخص الذي كان يمدّه بالمال كان يدعى فلاديسلاف ألكسي فيتش، وهو أحد ضبّاط المكتب المركزي في جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية. التقاه مرّة وحيدة في إحدى محطات المترو في موسكو، وبعد ذلك كان يرسل المال له عبر آليات آخرى. في ذلك اللقاء، أعطاه 5 ألاف دولار، وطلب منه شراء تذكرة سفر، وكذلك طلب منه أن يتعرف على أكبر عدد ممكن من الأشخاص. ووفق عثمانوف، فإنّ هذا الرجل اليوم متواجد في سوريا.

خياران قدّمهما الروس لعثمانوف.. ما هما؟

يلفت أوسيتشكن لـ”أخبار الآن” إلى أنّ “الروس قدّموا إلى عثمانوف خيارين، إمّا العمل مع المخابرات الروسية، وفي الوقت نفسه تمضية 3 أو 4 سنوات في السجون الروسية في ظلّ ظروف مريحة من دون التعرّض للتعذيب مع إحضار الطعام الطازج له…  وإمّا أن يمضي من 15 إلى 20 عاماً في السجن، مع تعرضّه للضرب والاغتصاب  مع احتمال قتله بعد بضعة أشهر، في حال لم يحترم قرارات المخابرات الروسية ورفض أن يكون عميلاً سرياً لجهاز المخابرات الروسية”.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

تسلل روسي إلى داعش

بعد كلّ ما تقدّم في ذلك السرد المفصّل، يتبيّن من خلال قصة عثمانوف أنّ التسلل الروسي إلى تنظيم داعش أمر واضح المعالم. فيرا ميرونوفا (Vera Mironova) التقت عشرات الجهاديين الروس، وهي كاتبة سياسية وصاحبة جوائز عديدة ومحاضرة في جامعة هارفرد، ومعروفة بأنّها متخصّصة ومرجع في مسألة الجهاديين المتحدرين من آسيا الوسطى. كما أنّها صاحبة كتاب “من مقاتلين لأجل الحرية إلى جهاديين: الموارد البشرية الخاصة بالمجموعات المسلحة غير الحكومية”.

وفي سياق تعليقها على تقارير تفيد بأنّ روسيا كانت تستغل داعشيين سابقين من أجل تحقيق مكاسب سياسية، تقول ميرونوفا: “في الوقت الراهن تسعى روسيا جاهدةً لاستغلال الجميع من أجل الحرب في أوكرانيا، وتنظيم داعش ليس باستثناء على تلك القاعدة لأنّه يقدم فوائد عديدة، فأوّلاً لديه خبرة طويلة في ارتكاب أفعال مشينة، وثانياً لا يملك الداعشيون في معظم الأحيان أي مكان يتخفّون فيه… لذلك بشكل أساسي قد يستعملون عملاءهم لتنفيذ أيّ نوع كان من الأعمال. وروسيا ليست الدولة الوحيدة التي تستغل تنظيم داعش، فلا بد أن نتذكر أنّ هناك أيضاً مجموعات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله اللذين يستغلان داعشيين سابقين من بين السكان المحليين. وبالتالي لا يعتبر البحث عن مقاتلين أجانب أمراً مستجداً. فروسيا كانت تنشط كثيراً على خط تجنيد مقاتلين من داعش، لا سيما مَنْ ينتمون منهم بالدرجة الأولى إلى منطقة شمال القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى ثانياً”.

وفي إطار إعطائها أمثلة على سلوك روسيا وخططها في تجنيد داعشيين سابقين، تقول استناداً إلى معلومات حصلت عليها بنفسها: “علمت من أجهزة الشرطة الطاجية المولجة تنفيذ القانون، أنّ مجموعة فاغنر قصدت طاجكستان في مسعى منها لإقناع أجهزة الشرطة بتسليمها داعشيين ممّن يقبعون حالياً في السجن، لكن طاجكستان رفضت ذلك الطلب. ثمّ علمت لاحقاً أنّه قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا بوقت طويل، توجه الزعيم الشيشاني رمضان قديروف إلى أفغانستان وأخرج من السجن داعشيين هم من المواطنين الروس المعتقلين في العاصمة الأفغانية كابول”.

تتابع: “بعد ذلك، تلقيت اتصالاً من رجل يقبع في أحد السجون الروسية، وهو يتحدّر من منطقة شمال القوقاز ويمضي عقوبة سجنه الآن. أخبرني الرجل بأنّه يريد الانضمام إلى فاغنر بهدف الفرار إلى أوكرانيا، إلّا أنّ جهاز المخابرات الروسية رفض انضمامه بحجة أنّ المدانين بتهم إرهاب ممنوعون من الانضمام إلى فاغنر، لكنّ جهاز المخابرات قال له إنّه يسمح له أن يأخذ على عاتقه تنفيذ مهام خاصة نوعاً ما. وهكذا إنْ أراد أن يحارب مع روسيا، سيتمّ منحه بطاقة هوية مزيفة لكي ينفذ مهام مباشرة بشكل أكبر مثل عمليات قتل في أوروبا وأوكرانيا. فما كان منه إلّا أن رفض، فبادروا إلى نقله إلى سجن آخر.

وتضيف ميرونوفا: “أنا على معرفة شخصية به وهو رجل معروف. لقد أخرجت روسيا داعشيين من السجون في العاصمة السورية دمشق، لكن إيران كانت المنفّذة عن طريق حزب الله. ومنذ بضعة أشهر على ما أعتقد، أخرجوا أيضاً رجالاً من أحد سجون العاصمة السورية وعملوا على نقلهم إلى إيران ومن ثمّ إلى أفغانستان كما أظن. ولا أعتقد أنّ إيران قد تقدم على نقل مواطنين روس من سجون دمشق إلى إيران من دون موافقة روسيا”.

وتوضح: “كل ما نعرفه حالياً هو أنّه كانت هناك عمليتا نقل إثنتان على الأقل. أوّلاً، قامت قوات الحشد الشعبي بإخراج مساجين يتحدرون من آسيا الوسطى من سجون الموصل العام 2017 ونقلتهم إلى إيران. وبحسب الحكومة الطاجية وقوات الشرطة المولجة تنفيذ القانون، فقد ظهر هؤلاء المساجين على الحدود الطاجية الأفغانية، أي على الجانب الأفغاني من الحدود مع طاجكستان. من ثمّ ومنذ شهر تقريباً، بحسب مصادر الاستخبارات الأميركية، حصلت عملية نقل أخرى وتلك المرّة من أحد سجون العاصمة السورية دمشق، لكن ليس إلى حدود طاجكستان إنّما إلى الجانب الأفغاني من الحدود مع إيران كما أذكر”.

لماذا حاولت المخابرات الروسية تجنيد الجهادي عثمانوف وماذا أرادوا منه؟

هل يعي مناصرو داعش تغلغل روسيا وألاعيبها؟

في ذلك السياق، تقول ميرونوفا: “بادىء ذي بدء، عندما كان تنظيم داعش في أوجه كما كنّا نعرفه عندما كان يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق، أعتقد أنّ الجميع كان يعلم أنّ روسيا كانت تقف وراء تلك التركيبة. لن أدخل في لعبة الأسماء الآن لكنّني أظن أن الجميع كان يعتقد أن بعض كبار قياديي داعش كانوا من المخابرات الروسية، وذلك أمر لم يكن خفياً. وبالتالي أعتقد أنّ العديد من الداعشيين السابقين والذين خدموا فعلاً في صفوف داعش يعرفون حقّ المعرفة، أنّ روسيا قامت باستغلالهم وأنّها تبحث اليوم عن داعشيين، فهم قد اختبروا ذلك عن قرب”.

كيف سيتم استغلال الداعشيين وأين؟

وعن حجم الخطورة التي يشكلها المخطط الذي تنفذه روسيا، وتتوغل عبره في شبكات داعشية سابقة، تقول ميرونوفا: “نحن على علم بالتغلغل وذلك الأمر أكيد، لكنّني قلقة بشأن كيفية استغلال الداعشيين لأنّ هؤلاء هم عملاء بحدّ ذاتهم. وهم مطلوبون أيضاً للعدالة وهناك عقوبات صادرة بحقّهم. لذلك فأوّلاً إنّهم جاهزون لتنفيذ كلّ ما يقال لهم، وثانياً، يمكن لروسيا أن تمنحهم أوراق ثبوتية مزيفة وتعطيهم إشارة بالإنطلاق”.

لمشاهدة تفاصيل اللقاء كاملاً مع فيرا ميرونوفا، إضغط هنا

وتختم: “لذلك ينتابني القلق حيال ما قد يقومون به. وبالتالي أفضل مخرج للرجال المتورطين في تلك المسألة هو أن يعرفوا أنّ عليهم أن يلوذوا بالفرار، وأنّنا سنقدم لهم المساعدة. من المستحيل أن نتمكن من القبض عليهم واحداً واحداً. يمكن هنا أن نستحضر شبكة داعش التي نفذت هجمات في أوروبا في الأعوام 2014، 2015 و2016. حينها لم نتمكن من السيطرة عليهم لأنّهم كانوا ينتشرون في كلّ مكان، لكن اليوم بفضل مساعدة روسيا لهم، فهم قادرون على أن يزيدوا من قوّتهم ومن جهوزيتهم بفضل الأوراق الثبوتية المزيفة. وذلك أمر في غاية الخطورة. كما أميل إلى التفكير بأنّ روسيا قد تنفذ ذلك المخطط بكلّ بساطة من أجل تشتيت انتباه أوروبا عن الحرب في أوكرانيا وإلهائها بمشاكلها الداخلية إنْ قاموا بتنفيذ هجمات إرهابية داخلية. مما يشكل برأيي مشكلة في غاية الخطورة”.

روسيا ترفض التعليق على ادعاءات بورجان أو عثمانوف

بالطبع روسيا تنقض أيّ ادعاءات تقدّم بها عثمانوف، لكن حرصاً من برنامج “بالعين المجردة” على عدم تغييب الرأي الآخر، سألنا  السفير الروسي السابق ألكسندر زاسبكين عن تلك الادعاءات وعثمانوف نفسه، فقال إنّ “المخابرات الروسية لا تلجأ إلى مثل تلك الأساليب، وثمّة اختراعات عديدة في الاعلام الغربي، وهناك أمور كثيرة تنتشر ولا يمكن التعليق عليها”.

في تلك الحلقة من برنامج بالعين المجردة، نعرض قصة بورجان أو عثمانوف، الذي من جهة قاتل مع داعش ذات يوم، ومن جهة ثانية استغله الروس في سعيهم للانقضاض على أهداف لهم. نحن لا نريد الحكم عليه اليوم بقدر ما نريد عرض ما هو أخطر بكثير، وهو كيف يقف نظام المخابرات الفيدرالية الروسية وراء تحريك مَنْ هم مثل عثمانون وغيره، فيكونون أدوات تحرك في سياق تصفية المعارضين والمنشقين. وفي النظر إلى دلائل كثيرة، ربما يكون الحكم مغايراً ليأخذ كلّ نصيبه في العقاب والحساب.

أخيراً، برنامج “بالعين المجردة” يبقي حقّ الرد محفوظاً لكلّ مَنْ أتى ذلك التحقيق على ذكره في إطار الحفاظ على مصداقية برنامجنا.

شاهدوا أيضاً: بالعين المجردة | الزواج المؤقت.. ممارسات مشبوهة بإسم الدين