الدروز، بنو معروف، أهل التوحيد، أهل الحكمة، تسميات مختلفة لطائفة محاطة بكثير من الغموض، وتحوم حولها الكثير من المغالطات التي تحكي عن أهلها. فمن هم حقيقةً؟ وما هي أبرز خصائصهم؟

  • 1000 عام مضى على الدعوة التوحيدية ومازال الغموض يلف الطائفة الدرزية
  • العقل والحكمة من أبرز خصائص تلك الطائفة التي كان للحضارة اليونانية الإغريقية دوراً بارزاً فيها
  • لا أوقات محددة للصلاة بالنسبة للدروز والناس ثلاثة أقسام: أهل الجدل، أهل الحكمة، وخواص الأمة
  • رجال دين الطائفة يتشددون في تطبيق القوانين فممنوع ولا معنى لزيارة القبور بالنسبة للدروز
  • الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لأخبار الآن: الدروز كانوا دائماً في مقدمة الذين خرجوا من القوقعة الصغيرة
  • شيخ عقل الطائفة أبو المنى لأخبار الآن: لا دين بعد الدين الإسلامي إنّما هناك عيش حقيقي للإسلام
  • الوزير عباس الحلبي لأخبار الآن: ليس مطلوباً التساهل بالزواج من خارج الطائفة إنّما علينا إيجاد الحلول 
  • الشيخ ماجد أبو سعد لأخبار الآن: الدروز منفتحون على كلّ الكتب السماوية لكن ختامها القرآن

نشأة الطائفة: تحديات وترحال

تأسست الطائفة الدرزية في مصر في عهد الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله، الذي امتدت ولايته من العام 996 إلى 1021، وهو يُعتبر الأكثر غموضاً بين الخلفاء الفاطميين. بحسب المراجع التاريخية، فقد بدأت الدعوة لاعتناق الدرزية بين العامي 1017 و1020، ليُقفل باب الدعوة العام 1043 ويصبح إلى الآن من غير الممكن لأيّ شخص لم يُخلق درزياً، أن ينضم إلى تلك الطائفة مهما كانت الظروف.

ال

أبناء الطائفة لا يفضلون تسمية الدروز بل الموحدون باعتبار أنّ التوحيد هو رسالتهم الأساس

هناك ما يقدر بنحو مليون ونصف المليون درزي في العالم، يعيشون بشكل رئيسي في الشرق الأوسط، إذ يبلغ عددهم بحسب آخر الإحصاءات على الشكل الآتي: في سوريا 650.000، لبنان 300.000، إسرائيل 100.000، الأردن 30,000، بالإضافة إلى أعداد كبيرة في دول المهجر أبرزها فنزويلا، الولايات المتحدة، فرنسا، أستراليا، كندا وغيرها.

أهل تلك الطائفة لا يفضلون تسمية الدروز بل الموحدون باعتبار أنّ التوحيد، أي  الإيمان بالله وبأنّ لا شريك له، هي رسالتهم الأساس. وتدرج تسمية الدروز التي التصقت بهم، ضمن الحملات المستمرّة التي تواكب تلك الطائفة منذ التأسيس لسلخها عن طبيعتها الإسلامية.

يقول د. سامي أبي المنى، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان لـ “أخبار الآن“، إنَّ “تسمية الدروز تسمية تحمل الكثير من الإلتباس وربّما تكون نسبةً إلى أحد دعاة ذلك المذهب، كما قلت في بداية القرن الحادي عشر الميلادي بداية القرن الخامس للهجرة وكان يسمى نشتكين الدرزي الذي كلّف بمهام معينة ولكنه ادعى ما ادعاه وحاول إبعاد ذلك المذهب عن حقيقته الإسلامية فطرد وقتل كما يذكر التاريخ”.

ويُضيف: “لكن بعد حين وبعد فترة من الزمن أطلقت تلك التسمية على هؤلاء الموحدين ربّما لأسباب يقال إنّها سياسية، لفصل تلك الطائفة عن اسلاميتها ربّما وفصلها عن حقيقتها التوحيدية، لكن مع الوقت كلمة الدروز أُلصقت بنا وأعطيناها مجداً وقيمة مضافة، فأصبحنا غير قادرين على التخلي عنها بسهولة لأنّ كلّ أدبياتنا وإجتماعياتنا وتراثنا مرتبط بتسمية الدروز، لذلك أضفنا عند صدور القانون المتعلق بمشيخة العقل والمجلس المذهبي تسمية الموحّدين، فأصبحت طائفة الموحدين بين مزدوجين الدروز”.

محاولات تشويه الرسالة التوحيدية بدأت منذ أولى سنوات الدعوة، وقد دارت معركة بين نشتكين الدرزي الذي توضح المعلومات أنّه انقلب على رسالة التوحيد وبدأ يدعو الناس لعبادته، وبين حمزة بن علي الذي يعتبر من أهم شخصيات تلك الطائفة، والذي كان الأقرب إلى الحاكم بأمر الله. لكن مع اختفاء الحاكم بأمر الله لأسباب غير معروفة إلى اليوم، خاضت تلك الطائفة معركة وجودية كبيرة قوامها مواجهة الإضطهاد ضدّ أهل التوحيد ومخططات دفعهم نحو التخلي عن معتقداتهم، فغادروا القاهرة العام 1021 هرباً من القتل والإضطهاد وتوجّهوا إلى بلاد الشام، لبنان وسوريا وفلسطين حيث مازالوا يقيمون إلى اليوم.

يقول الشيخ العلامة ماجد أبو سعد لـ”أخبار الآن“، في سياق الحديث عن نشأة المذهب الدرزي ورمزية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي ظهرت في عهده الدعوة الدرزية، إنّ “النضج في الاسلام بلغ مداه في زمن الخليفة الحاكم بأمر الله الذي أصدر مرسوماً رئاسياً بتحرير العبيد، وكان انجازاً يُشهد له في سمّو الفكرة الإنسانية. لكن، مع إختفاء الحاكم بأمر الله لأسباب غير معروفة إلى اليوم، تعرّض الدروز للإضطهاد الذي استمر إلى ما بعد. وهو يعود لتكفيرهم واعتبارهم غير مسلمين، وذلك لأنّ ثمّة بعض الخصائص الدرزية التي تختلف عن الطوائف الإسلامية الأخرى. وذلك الإضطهاد خلق تحديات أمام الطائفة الدرزية مازالت حاضرة إلى اليوم.

وفي السياق، يوضح أبي المنى قائلاً: “هناك تحديات كبرى في الخوف من ضياع الهوية، ومن التكفير والتطرف في عالمنا المحيط، لكن أنا أعتقد أنّ ثباتنا على الهوية ومحافظتنا على بعضنا وتأكيد حضورنا الوطني، يضمن ذلك الوجود ويحصّنه”.

1000 عام على الدعوة التوحيدية والغموض يلف الطائفة.. تعرّفوا أكثر على الدروز

أبناء الطائفة الدرزية لا يزورون القبور لاعتبارهم أنّ الروح تنتقل من جسد إلى آخر

خصائص طائفة الموحدين الدروز

تعتمد طائفة الموحدين الدروز على العقل، فالعقل هو “القائد والإمام الموجّه والمرجع الذي يجب أن يُرجع إليه”، كما قال أبي المنى في حديثه لـ أخبار الآن. وهنا يضيف أبو سعد أنّ “مذهب التوحيد الإسلامي مذهب عقلاني يؤمن بالاتباع عن هدى، وليس الاتباع المطلق أي الاتباع عن عمى، ويستند أهل مذهب التوحيد إلى الآية القرآنية المباركة في سورة يوسف بقوله تعالى للنبي الأكرم ۖ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ”. ويشرح: “أي أنّه يتأسى بي عن بصيرة من أمره ويقين، لذلك يكرم مذهب التوحيد الإسلامي العقل ويجعله في محل الصدارة، ولكنه لا يقول باستقلاليته كما بالغت المعتزلة”.

إلى جانب العقل صاحب المنزلة الخاصة للدروز، تأتـي الحكمة وكتاب الحكمة الذي يعتبر الكتاب المرجعية للموحدين. والحكمة لدى الدروز مستقات من القرآن الكريم أيضاً. وفي السياق، حكماء الطائفة التوحيدية يعتبرون الناس 3 أقسام:

  • أهل الجدل، مَنْ يريدون الطعن بالدين وهنا مجادلتهم تجوز لردّهم إلى الصواب
  • أهل الموعظة الحسنة أي المؤمنين بالله لكن ليس لهم طاقة لمواجهة الحقائق البرهانية اليقينية
  • خواص الأمة أي أهل الحكمة، أي الدروز.

ويقول أبي المنى: “يذكر القرآن الكريم في آياته أنَّ من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، والذي يقول ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة، فالحكمة وحي من الله”. ويُضيف: “يخاطب الرسول قائلاً علمناه الكتابة أو نعلمه الكتابة والحكمة – الحكمة ورد ذكرها في القرآن عشرات المرّات دلالةً على أهميتها، وهي بالتالي غاية الكتاب وغاية كلّ كتاب”. ويُكمل القول: “الكتب السماوية غايتها الحكمة، وأن يصل الإنسان إلى الحكمة فهو يتعدّى العلم والمعرفة لبلوغ ذلك المستوى الراقي، هو الحكمة، كما يتعدى الإسلام كشهادة والإيمان كمعتقد إلى الإحسان، كسبيل للعيش مع الله وطريقة العيش مع الله وعبادة الله كأنك تراه”.

طائفة التوحيد تعتمد على باطن الأمور وتفسيرٍ روحاني معمّق للقرآن الكريم، بما يتعدى الشكليات، وقد لعبت الفلسفة اليونانية الإغريقية دوراً مركزياً في ذلك المعتقد إذ أنّ فلاسفة تلك الحضارة: أرسطو وأفلاطون وسقراط تقمّصوا بعض الشخصيات البارزة بعد الإسلام بالنسبة للموحدين، مثل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وبعض صحابة النبي محمد.

ويقول أبي المنى لـ أخبار الآن في ذلك السياق: “نحن نقول إنّنا أهل الحكمة وأهل العقل وأهل العرفان، وذلك يستند إلى الفلسفة، والفلسفة اليونانية الإغريقية مهمّة جدّاً أوحت بتلك الحكمة، وكانت نوعاً من بداية وضع مداميك تلك المعرفة الإنسانية المرتكزة إلى الحكمة، بالإضافة إلى الشرائع السماوية المقدّسة التي خُتمت بالإسلام، بالرسول وبالقرآن الكريم… إذاً لا كتاب بعد الكتاب ولا دين بعد الدين الإسلامي، إنّ الدين عند الله الإسلام ولا نبي بعد النبي، إنّما هناك تعمّق وتفسير واجتهاد وعيش حقيقي لذلك الإسلام، ولذلك الدين”.

1000 عام على الدعوة التوحيدية والغموض يلف الطائفة.. تعرّفوا أكثر على الدروز

هل من كتاب مستقل لدى الدروز؟

يؤكّد أبو سعد ردّاً على سؤال حول ما يُعرف بكتاب الحكمة، الذي يُقال إنّه الكتاب السماوي للدروز: “لا كتاب مستقل عن القرآن الكريم لدى الدروز، إذ أنّ الكتاب والمستند الشرعي الذي حوّل الدين كله علماً وعملاً ومسلكاً وعبادة ومنهجاً، هو القرآن الكريم”. لكنه يُضيف: “لطائفة الموحدين المعروفيين الدروز انفتاح على بقية الكتب المنزلة، يعني نحن نغرف من معين التورات والإنجيل والزبور وننفتح على كلّ الكتب الإلهية، ونقول إنّ تلك الرسالات السماوية حلقات نورانية متصلة في سلسلة الوحي المباركة، لكن ختمها وكمالها هو القرآن الكريم”.

العيش الحقيقي للإسلام بالنسبة للموحدين يعني أنّ تكون الفرائض الأخلاقية والدينية خصالاً وطبيعة داخل الإنسان لا فريضة. والأكيد أنَّ لهم فهمهم الخاص المعمّق للإسلام الذي يعتبرونه يتخطّى المظهر الديني ويعتمد على التواصل المباشر مع الله من دون قيود حيث يكون الترقي، وذلك بناءً على الحديث النبوي الشريف من الإسلام إلى الإيمان، فالإحسان وتعبّد الله كأنّك تراه. من ذلك المنطلق، لا أوقات محدّدة للصلاة لدى الموحّدين الدروز، والتواصل بينهم وبين الله مباشر لا يحتاج إلى وساطة أو طريقة معينة، علماً أنّ عدداً من شيوخ تلك الطائفة يصلون الصلاة الإسلامية المتعارف عليها ويحثون على ذلك.

ويقول أبو سعد لـ “أخبار الآن“: “أهل التوحيد يتجاوزون الشكل والمظهر التعبّدي ليصلوا إلى الجوهر والمضمون الروحي من دون إسقاط الظاهر، بمعنى أنّ الوضوء مثلأً مقدمة للصلاة، لا بدّ من الوضوء الظاهر قبل صلاة، لكن الوضوء عند أهل التوحيد ليس مقصوراً على المضمضة والإستنساخ، فتلك أمور لا بدّ منها في الظاهر”. ويشرح بالقول إنّ “الوضوء هو تطهير القلب من الخبث والخيانة وتطهير اللسان من الكذب والنميمة وتطهير البطن من الحرام والشبهة، وتطهير العمل من الرشوة، فذلك مفتاح التوحيد الذي يوصل إلى الجنة”.

إلى جانب الصلاة، الدروز يقولون الشهادتين ويتبعون كلّ الفرائض الإسلامية لكن مع بعض الإختلافات التي غالباً ما لا يتحدّث عنها الدروز، وكلّها تندرج تحت قاعدة تواصلهم المباشر مع الله، وصلاتهم التي تقام في الخلوات والمقامات الدينية التي تعتبر أمكنة مباركة يتقرّبون فيها إلى الله من أعمال الطاعة والتبرُّك والبر. بعض تلك المقامات تحتوي على رُفات “العين” الذي توفاه الله كمقام السيد عبدالله التنوخي في بلدة عبيه في جبل لبنان، وبعضها أُنشئت لوجود أثر أو حدوث مناسبة مشهودة في التاريخ. ويعلّل الدروز إختلافهم في السياق عن سائر المسلمين الآخرين إلى كون الإلتزام الديني إختياري لا قسري لأنهم ليسوا ضمن دولة إسلامية.

ومن أشهر مقامات الدروز: مقام النبي شعيب في منطقة حطين إسرائيل والذي تجدر الاشارة أن الدروز يعتبرونه تقمص بالسيد المسيح، مقام النبي أيوب في منطقة الشوف جبل لبنان، ومقام السيد المسيح في السويداء السورية.

1000 عام على الدعوة التوحيدية والغموض يلف الطائفة.. تعرّفوا أكثر على الدروز

جنبلاط يؤكّد الإنتماء العربي للدروز

زعيم الطائفة الدرزية في لبنان وليد جنبلاط الذي يرأس الحزب التقدمي الإشتراكي، يؤكّد الإنتماء العربي للطائفة الدرزية، فهي قد قدّمت شخصيات مهمّة لها بصماتها في الحضارتين الإسلامية والعربية. ويقول جنبلاط في حديث حصري لـ أخبار الآن ردّاً على سؤال حول مركزية الزعامة الجنبلاطية في الحفاظ على الطائفة الدرزية: “هناك دور آل جنبلاط، كمال جنبلاط بالتحديد عندما انطلق إلى العالم العربي بعدما كانت المختارة إلى حدّ ما متقوقعة أيّام السيدة نظيرة جنبلاط (والدة والدة كمال جنبلاط) بسبب ظروفها أيّام الإنتداب الفرنسي لكن عليك أن تعود أيضاً إلى أعلام كبار من الموحّدين، في مقدمتهم الأمير شكيب أرسلان الذي قال أن لا إنتماء لبني معروف إلا الإنتماء العربي، وعليك أن تمر أيضاً على نضال الدروز في مواجهة الإستعمار الفرنسي أيام سلطان باشا الأطرش ومرافقه عادل إرسلان والثورة الوطنية التي لاحقا أدت إلى إستقلال سوريا، وغيرهم من كبار المناضلين العرب الدروز في شتى المجالات”.

الإنتماء العربي الإسلامي للطائفة التوحيدية خيار أهلها الذين لم يحافظوا على أنفسهم فقط في ذلك الشرق المتنوّع والمضطرب أحياناً رغم كونهم أقلية عددية، لكنّهم لعبوا دوراً بارزاً في مشهده الثقافي والسياسي.

ويقول جنبلاط: “نحن في تلك المنطقة جزء منها، كنّا أقلية أو أكثرية فذلك تفصيل، فالدروز تاريخياً اعتنقوا الأفكار المتقدّمة في القومية العربية، وفي القومية السورية، وفي النضال مع القضية الفلسطينية وفي الحزب الاشتراكي، إذاً كنّا دائماً في مقدمة الذين خرجوا من القوقعة الصغيرة إلا البعض، لكن هذا البعض لا يؤثر”.

الدروز خرجوا من القوقعة الإجتماعية ولعبوا أدواراً مختلفة في الحوار بين الأديان. وفي لبنان كانوا من مؤسّسي الحوار الاسلامي – الاسلامي والإسلامي – المسيحي محققين فيه تقدماً كبيراً رغم الخصوصيات المختلفة لهم التي يصرون على حفظها، لكن نجاحهم في حوار الأديان يعود بحسبهم لجملة من الأسباب، أبرزها إففال باب الدعوة الدرزية.

وفي السياق، يقول الوزير عباس الحلبي، وهو ممثل الطائفة الدرزية في اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية في لبنان، لـ أخبار الآن “، إنَّ المعتقد الدرزي بطبيعته يقبل الحوار لأنّ الإرث التاريخي والإرث الروحي للموحدين الدروز المنطلق من أنّ دعوتهم تعتبر أنّ الأديان جميعها هي روافد تصبّ في مجرى واحد، وبالتالي فإنّ ذلك الإرث الروحي فضلاً عن عدم قبول التبليغ، يجعل من علاقات الدروز مع الآخر المختلف علاقات ودّ دائماً لأن ليس هناك من تنافسية في هذه العلاقة”.

ويُضيف: “إنطلاقاً من هذين المبدأين، يعتبر الدروز أنفسهم أنّهم مؤهلون للعب دور التقريب، وتاريخياً الموحدون الدروز كانوا في لبنان مصنّفين كطائفة لاحمة، أي أنّهم يسعون إلى تجميع الطوائف اللبنانية، وذلك دورهم التاريخي الذي بدأ منذ القرن السادس عشر مع الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير الذي أوجد الصيغة اللبنانية الحديثة التي نحن في ظلها الآن هو صاحب فكرتها”.

قدرة الدروز على الانخراط بالحواريين المسيحي – الاسلامي من جهة، والإسلامي – الإسلامي من جهة أخرى، لا تعني أنَّ هويتهم العربية الاسلامية التي يعرفونها جيدًا تخطت كونها موضع بحث لجهات لا تزال إلى اليوم تحاول إستخدام هذه الأقلية لأجندات خاصة.

وفي السياق، يقول جنبلاط لـ أخبار الآن إنّ “الدروز هم عرب ونحن نُصرّ وندحض كل النظريات الاستعمارية الفرنسية واليهودية التي تقول عكس ذلك”. ويُضيف “بعضهم يقول أننا كنا من بقايا الصليبيين وهناك نظرية في اسرائيل تقول إنّنا جزء من إحدى القبائل اليهودية – قبيلة الاشكيناز، هذا هراء بهراء وهو اختراع لسلخ الدروز عن محيطهم العربي ولكن نحن نواجه وعلينا أن نكثّف المواجهة الثقافية والسياسية في دحض تلك الأفكار المُخرّبة”.

1000 عام على الدعوة التوحيدية والغموض يلف الطائفة.. تعرّفوا أكثر على الدروز

لا معرفة حقيقية بالمعتقد الدرزي لدى معظم أبناء الطائفة

المحاولات القديمة الجديدة لسلخ الموحّدين عن هويتهم العربية تستثمر ببعض سلوكيات تلك الأقلية، لاسيما تكتم مشايخها عن الكثير من الأمور وتشددهم. فالتكتم شديد في تلك الطائفة التي لا يملك معظم أبنائها معرفة حقيقة لمعتقداتهم، وأؤلئك يطلق عليهم لقب الزمانيين. هم يؤمنون بالله واليوم الأخير إنّما لا يملكون الإيمان المعرفي العميق الذي هو أصلاً في الطائفة الدرزية لقلة تُعرف بالخاصة، تستر الكثير من الحقائق على مَنْ هم من خارج المذهب، وأهل المذهب، أو حتى الملتزمين الذين ليس لهم قدرة على استقبال ما يعرف بانوار الحقائق.
ذلك التكتم يترافق أيضاً مع تشدّد في جملة من الأمور، لاسيّما الزواج على سبيل المثال، إذ أنَّ معظم المجتمعات التوحيدية ترفض زواج الدرزي أو الدرزية من شخص من طائفة أخرى، حتّى لو كانت طائفة إسلامية، ورجال الدين كلهم يرفضون ذلك بشكل قاطع.

العقيدة التوحيدية المستمدة من كلّ الكتب السماوية تجعل الدروز قريبين من الجميع، ولكن ذلك الأمر لا يخفي كون تلك الأقلية التي خرجت من قوقعتها الإجتماعية، مازالت متشدّدة في قوانينها. فممنوع على أبناء تلك الأقلية الزواج من غير أبناء الملّة بحسب المشايخ، ومن يتزوّج من خارج الملّة يواجه بمعظم الأوقات نوعاً من التهميش، أو على الأقل صعوبة في الإندماج.

وفي السياق، يقول الحلبي لـ “أخبار الآن“: “ليس مطلوباً من رجال الدين أن يتسامحوا في قضية كتلك، ونرى أمثلة عديدة في المآتم مثلاً بعدم قبول الصلاة في حال كان هناك زواج من خارج الطائفة، أنا أفهمهم هل المطلوب من رجال الدين أن يوافقوا عل ذلك الأمر”؟

ويُضيف: “عوض أن نطلب من رجال الدين الموافقة على ذلك الأمر والسماح به، علينا أن نجد حلولاً لتلك الفئات التي تضطر إلى أن تتزوج بإرادة أو بغير إرادة من خارج الطائفة، علينا أن نجد لها نظاماً خاصاً يرعاها، وهناك العديد من الشباب الدرزي والشابات الدرزيات الذين خطوا تلك الخطوة، وعلينا نحن أن نتكيَّف مع تلك الخطوة حتى لا نخسر أبناءنا وبناتنا، وأنا حريص على أن نبقي تلك العلاقة مع هؤلاء”.

1000 عام على الدعوة التوحيدية والغموض يلف الطائفة.. تعرّفوا أكثر على الدروز

إلى جانب التكتم والتشدد، هناك التقمص أي انتقال الروح من جسد الى جسد هو أيضاً ملف يُستثمر من قبل الذين يريدون تفريغ الطائفة الدرزية من إسلاميتها. وفي الإطار يقول أبو سعد إنّ “مسألة التقمّص قديمة منذ الحكماء المصريين القدماء الى حكماء اليونان، لا يوجد كتاب تشريعي منزل شار إلى التقمص، لا بل القرآن الكريم قال يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، يعني أمر الروح أمر غير مصرح به أين تذهب الروح مع إيماننا بيوم البعث”. وختم بالقول: “لا ينبغي أن نعطي التقمص أكثر من حقّه إذ لا يستأهل أن نجعله مرتكزاً شرعياً يكون محلاً للجدل أو لتوجيه أسهم الطعن في مذهب أهل التوحيد”.

على الرغم من الحذر لدى الطائفة الدرزية لعدم استغلال اجتهاد التقمّص في غير مكانه، إلّا أنّ الإعتقاد بأنّ الروح تنتقل من جسد إلى آخر أضاف الكثير من التمايزات لتلك الطائفة، أبرزها ظاهرة “النطق” القائمة على تحدث أطفال الدروز عن حياة أشخاص ماتوا وقول معلومات شخصية عن هؤلاء تظهر أن الروح قد سكنت جسدا أخر في ما مضى. ومن هذا المنطلق، لا يزورون الدروز القبور ولا معنى لها لأن الأجساد مجرد مقر للأرواح ذات العدد المتناهي بحسبهم.

هؤلاء هم الدروز، وتلك هي أبرز خصائصهم، لكن مهما طرقنا الباب لمعرفة المزيد عن أسرار تلك الطائفة، فدائماً ما نصطدم بحاجز الخط الأحمر الموجود حتّى أمام أبنائها.

شاهدوا أيضاً: هل تتحوّل طرابلس لبنان إلى غوادار باكستان؟