يوم حزين وغضب شعبي وتشاؤم عميق ساد لبنان في الذكرى الثانية لتفجير مرفأ بيروت بينما العدالة متوقفة والتحقيق يراوح مكانه والقوى السياسية والتيارات الحزبية تتقاذف التهم وكل يسعى إلى مصلحته تاركين مصالح البلاد للمجهول.

العديد من القنوات اللبنانية وخصوصا تلك التي لا تسير في ركاب الدولة أو تيار حزب الله خصصت بثها لمتابعة الفعاليات الشعبية والمسيرات التي انطلقت في شوارع بيروت مستذكرة ضحايا انفجار المرفأ ومطالبة بالعدالة. وكان واضحا أن المسيرات تقصدت الإشارة الخفية إلى حزب الله وتحميله مسؤولية تعطيل التحقيق في قضية التفجير. كان لافتا أن أحد الشعارات التي رفعت كان يقول لا عدالة في ظل حكم الميليشيا والمافيا كما كان لافتا أيضا وجود دعوات لإخراج إيران من لبنان مما يوحي بأن اللبنانيين اخذوا يضيقون ذرعا بالتدخل الإيراني في لبنان عبر حزب الله.

في هذه التغطية الإعلامية كانت واضحة حالة الانقسام اللبناني إذ في الوقت الذي كانت فيه معظم القنوات تركز على الذكرى والمسيرات وتحليل الأوضاع السياسية الراهنة في لبنان كانت قنوات الدولة وحزب الله ومناصريه تبث برامجها بشكل اعتيادي ولم تتناول الذكرى إلا بالحد الأدنى الواجب وفق سياق النشرات الإخبارية.

أكثر ما يثير اللبنانيين الآن بالنسبة لحادثة المرفأ هو تعطل التحقيق وكثيرون يرون أن التعطيل سببه حزب الله. لكن الحزب وعلى لسان أمينه العام حسن نصر الله برر التعطيل بقوله في حديث تلفزيوني أن المسؤول الأكبر عن تعطيل التحقيق هو من يرفض التنحي وان هناك قضاة وضباط مسؤولين عن حادثة المرفأ لم يتم التحقيق معهم. ويستغل نصر الله المناسبة الشيعية الأهم وهي عاشوراء ليوجه رسائل في كل الاتجاهات ويقول أن من يقع عليه اللوم في مصيبة المرفأ هي الجهات السياسية والإعلامية التي خطفت المصيبة ووظفتها سياسيا.

هذا الإصرار من حزب الله وأمينه العام يثير الريبة لدى خصومه السياسيين الذين يرون أن سيطرة الحزب على كثير من شؤون الدولة اللبنانية هو الذي يمنع مواصلة التحقيق ويرون أن التحقيق مهما كانت نتائجه لن يكون في مصلحة الحزب. لا يتهم هؤلاء الخصوم الحزب بأنه قام بتفجير مخزن الأمونيوم بل يرجحون أن تكون إسرائيل قد قصفت العنبر الذي احتوى على هذه المادة على أساس أن فيه أسلحة أو ذخائر تخص حزب الله وليس بالضرورة أن تعلم أنه يحتوي على هذه الكمية الكبيرة من الأمونيوم.

ما يغضب اللبنانيين هو صمت الدولة اللبنانية ومواقف بعض السياسيين الذين يرفضون استئناف التحقيق وهو الأمر الذي دفع باللبنانيين للنزول إلى الشارع بغضب واضح مليء بالتشاؤم ومشاعر الخوف من المستقبل الذي لا يبدو أنه يحمل أي بشائر. أما النخبة اللبنانية التي تظهر في الإعلام فالكثير منها يرى أن الحقيقة مغيبة والسلطة السياسية أي سلطة الدولة مرهونة لجهة حزبية واحدة مما يدفع للشعور بأن ملف المرفأ اصبح أكبر من لبنان نفسه وصار من الضروري اللجوء إلى تحقيق دولي تفرضه الأمم المتحدة أو الدول الكبرى.

حالة الغضب التي تصاحبها حالة من الفقر وغياب الأمان ونقص الأموال وافتقاد الغذاء بدأت تحرك اللبنانيين بصورة أكثر جرأة ضد كل أركان النظام السياسي في لبنان. هذه الحالة ربما ساهمت في أن يخرج الأمين العام لحزب الله عن طوره ويتحدث بطريقة لم يعهدها منه أحد في السابق. وفي عصبية واضحة رد نصر الله على أحد منتقديه بالقول “تقول لي أنت من كلفك؟ أنا الله مكلفني نحن الله مكلفنا نحن ناس نخاف يوم الحساب”.

بعد صدور هذه العبارات عن أمين عام الحزب وبصورة عصبية واضحة عجز كثيرون عن التعبير عما جال في أذهانهم ردا على ذلك. لكن السخرية من العبارة كانت القاسم المشترك لأغلب التعليقات على السوشال ميديا. ورأى البعض أن استخدام هذه العبارة من قبل أمين عام حزب الله تعني أنه يرى نفسه فوق الجميع وانه الحاكم الفعلي للدولة اللبنانية وهو صاحب القرار الاستراتيجي فيها.

واذا ما نظرنا إلى ما يجري في لبنان على المستوى الرسمي يمكن بسهولة معرفة تحكم حزب الله بأغلبية مفاصل الدولة وبحسب ما يقوله زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع فإن حزب الله يصادر القرار الاستراتيجي للدولة ويمكنه بهذا تمرير أو تعطيل أي قرار مهما كان كبيرا أو صغيرا.

لكن مع ذلك يوجد كثير من الأصوات ومن وسط المجتمع الشيعي نفسه بدأت تجهر بمواقفها ضد سياسة أسلوب حزب الله. وقد أثارت الكثير من العواطف تلك المرأة التي انتقدت توفر المال والسلاح لدى الحزب وعدم إمكانية توفر الماء لبيوت الفقراء في بعض المناطق المحسوبة على الحزب.

حرقة اللبنانيين في ظل غياب العدالة وتعطل التحقيق كانت جدا واضحة في الأسبوع الماضي. واستمرار الأوضاع على ما هي عليه ستزيد من الفجوة القائمة بين اللبنانيين والدولة وقد يصل الأمر إلى انفجار انتفاضة شعبية كبرى لا يمكن لاحد أن يوقفها. وفي هذه الحالة قد يتدخل حزب الله كما تدخل في انتفاضة أكتوبر 2019 ولكن إذا استخدم سلاحه هذه المرة فقد يعيد شبح الحرب الأهلية.

أما بالنسبة للحرب مع إسرائيل فقد كان واضحا من احاديث الأمين العام لحزب الله بأنه ربما يستعد لاتخاذ قرار بمغامرة حرب جديدة. فقد وجد الحزب نفسه كما قال أمينه العام أمام خيارين أما بحل الأمور المتعلقة بالحدود البحرية واستغلال حقول النفط والغاز البحرية بإيجابية لصالح لبنان وإما الذهاب إلى حرب وقد اتخذنا هذا القرار.

فما هو هذا القرار؟

جاء في إعلام الحزب أن إسرائيل تراجعت عن تهديدها وأرجأت موعد استغلال حقل الغاز في المنطقة المتنازع عليها بعد تهديدات حزب الله. ولكن إذا كان حزب الله يريد الحرب مع إسرائيل فكذلك يريدها رئيس وزراء إسرائيل وهو مقبل على انتخابات مصيرية ستحدد مستقبله السياسي. فقد جرت عادة قادة إسرائيل انهم يقومون بمغامرة عسكرية مهما كانت نتائجها قبل كل انتخابات لكي تكون مهرا يجذب الناخبين. ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ومع أنه رئيس حكومة تصريف أعمال إلا أنه قد يقدم على خوض حرب إذا ما شعر بأن حزب الله سيتعرض لمنصات التنقيب في البحر.

واذا ما وقعت حرب جديدة فإن نتائجها لن تكون مرضية لجميع الأطراف لكن الخاسر الأكبر والوحيد سيكون الشعب اللبناني.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن