هذه هي السيدة العراقية شتات نوفان منوا، أو الخالة شتاوة كما يعرفها القاصي والداني في بلدات بعشيقة وبحزاني وبرطلة بقضاء الموصل في محافظة نينوى شمال العراق.. وللخالة شتاوة قصة، بل إنها هي القصة.

ها هي تلجُ الباب الكبير لكنيسة مارت شموني للسريان الأرذوكس في بعشيقة حيث تعيش، تذهب لتزور جيرانها ومعارفها وتساهم مع رعاة الكنيسة في زرع الورود وريّها بالماء، وهي تفعل الشيء نفسه في مزارات الإيزيديين.

هذا المشهد الذي يبدو عاديًا جدًا يتضمن تفاصيل مميزة ويحكي قصة إصرار على العيش المشترك، قصة شاهدة على قدرة مكونات العراق على التآلف والتسامح بالرغم من كل الظلمات التي خيمت عليه، زرناها لنسمع منها حكايتها.

من الظلمات الى النور.. تعرفوا على الخالة شتاوة رمز التسامح في بعشيقة

نزحت بسبب هجوم داعش

الخالة شتاوة مسلمة من ناحية الكوير بقضاء المخمور بنينوى، قدمت قبل خسمين عامًا حين كانت في ربيعها الخامس عشر واستقرت بين أهالي بعشيقة ذات الأغلبية الإيزيدية وخليط متنوع من إثنيات العراق ودياناته، كانت قد ترملت بعد استشهاد زوجها في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وكعراقية أصيلة، عاشت تنشر المحبة والسلام، حتى هجم داعش على المنطقة، فنزحت مع إخوانها الإيزيديين والمسيحيين وغيرهم.

ترثي الخالة شتاوة ولدها الكبير مشتاق الذي قتله داعش حين هجم على قضاء الموصل. داعش الذي لم يفرق بين مسلم ومسيحي وإيزيدي، قتل ونكل وأرهب خلال محاولته لتمزيق النسيج الاجتماعي الجميل في تلك المنطقة، هذه البكاءات تشتهر فيها الخالة شتاوة في المنطقة، فهي تحرص على أداء واجباتها الاجتماعية مع الجميع، تردد البكاءات العراقية الشهيرة في أحزانهم، ثم تمسح دمعة قلبها الفقيد، ولا تتردد في العودة من النزوح إلى بعشيقة.

لكن أهالي بعشيقة وبحزاني وما حولهما وكذلك الخالة شتاوة أبَوا الانهزام، فبعد تحرير بعشيقة وبحزاني من تنظيم داعش في عام 2017، عادت شتات إلى منطقتها بعد أن بقيت سنوات نازحة في مدينة أربيل.

بدأت شوارع المنطقة وأزقتها تنبض بالحياة من جديد، عادت أصوات أبواق السيارات وضحكات الأطفال وهم يتسابقون بدراجاتهم في الأزقة.

نشرت الحب والسلام وبثت رح الأمل

قرعت الأجراس وكبّرت المساجد وكذلك شمر الإيزيديون عن سواعدهم لإعادة بناء قبة مزار الشيخ بكر في بحزاني استعدادًا لزيارات الطوافة، وشمرت الخالة شتاوة ساعديها معهم أيضًا.

يصف أهالي بعشيقة وبحزاني الخالة شتاوة بحمامة السلام وأيقونته، فهي معروفة بنشرها لقيمه ومشاركتها الدائمة في كل ما يُبقي أواصر التواصل بين أهالي العراق المصغّر أو مدينة الزيتون كما توصف المنطقة.

في مهرجان ألوان الربيع الذي شهدته ناحية برطلة كانت الخالة شتاوة حاضرة بكلمة وجهتها للحضور، تقول إنها حضرت لتروّج للسلام ولتساهم بمناهضة خطابات العنف والكراهية ولتبيّن للناس أنّهم شعب واحد لن يفرّقه لا داعش ولا الحرب، وتجمعهم المشتركات الثقافية والتاريخية والفن والحب والسلام، هكذا يعرف الأهالي الخالة شتاوة.