وجبة العشاء.. حقائق ينبغي معرفتها

  • أثير الأكل في أوقات متأخرة يمتد على مدار 24 ساعة
  • الأضرار تشمل زيادة الشعور بالجوع وارتفاع تخزين الدهون بالجسم
  • إليك أطعمة تساعد على النوم وأخرى تساهم في الأرق

 

تعتبر السمنة من الأمراض المُعقّدة، إذ لا تُمثّل مصدر قلق للمظهر الجمالي للأشخاص وحسب؛ بل تُعد مشكلة طبية تزيد من عوامل خطر الإصابة بأمراض أخرى على رأسها أمراض القلب والسكري، وارتفاع ضغط الدم والسرطان والتهاب المفاصل.

الأرقام وحدها تكشف حجم انتشار السمنة؛ حيث يعاني أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم من هذا المرض، وهذا الرقم آخذ في التزايد.

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 167 مليون شخص ستتراجع صحتهم بسبب زيادة الوزن أو السمنة، بحلول عام 2025.

ومن المتعارف عليه أن “الأكل في وقت متأخر من الليل يجعل الأشخاص بدناء”، ويقلل فرص النجاح في إنقاص الوزن. ورغم كثرة الدراسات التي أكدت حقيقة تلك المقولة، لكن هناك القليل من الدراسات التي بحثت بشكل شامل في الآثار المتزامنة للأكل في أوقات متأخرة.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

3 أسباب رئيسية

دراسة أمريكية حديثة، أجراها علماء من مستشفى بريجهام والنساء في مدينة بوسطن الأمريكية، بحثت في العلاقة بين تناول الطعام في أوقات متأخرة من الليل وزيادة فرص الإصابة بالسمنة، عبر التركيز على 3 أسباب رئيسة تسهم بشكل كبير في تنظيم وزن الجسم وبالتالي مخاطر الإصابة بالسمنة وهي: تنظيم تناول السعرات الحرارية، وعدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم، والتغيرات الجزيئية في الأنسجة الدهنية.

الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في دورية (Cell Metabolism) توصلت إلى نتائج رئيسية أبرزها، أن الأكل في أوقات متأخرة من الليل يزيد الشعور بالجوع أثناء ساعات اليقظة، ويقلل من هرمون اللبتين على مدار 24 ساعة، وهذا الهرمون يلعب دورًا مهمًا في استهلاك الطاقة وتنظيم استهلاكها، بما في ذلك الشهية والتمثيل الغذائي والشعور بالشبع.

كما توصل الباحثون إلى أن الأكل في أوقات متأخرة يُغير التعبير الجيني للأنسجة الدهنية، ما يدفع الجسم إلى زيادة تخزين الدهون، وقد تؤدي هذه التغييرات إلى زيادة مخاطر السمنة لدى البشر.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

للوصول إلى النتائج، راقب الفريق 16 مريضًا يعانون من الوزن الزائد أو السمنة. جرّب كل مشارك نظامين لتناول الغذاء على مدار اليوم بشكل منفصل: أحدهما يحتوي على جدول زمني محدد بدقة للوجبات التي يتم تناولها في أوقات مبكرة من اليوم، والآخر بنفس الوجبات بالضبط ونفس محتواها الغذائي، لكن تم تناول الوجبات بعد حوالي 4 ساعات من أوقات النظام الأول، بمعنى أنه إذا كان المشاركون يتناولون وجبة العشاء في السابعة مساء بالنظام الأول، فقد تناولوا العشاء في الـ11 مساء في النظام الثاني، وهكذا في باقي الوجبات بفارق 4 ساعات تأخير عن النظام الأول.

وفي آخر 3 أسابيع قبل بدء كل من النظامين، حافظ المشاركون على جداول نوم واستيقاظ ثابتة، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل البدء في النظامين، اتبعوا بصرامة أنظمة غذائية وجداول وجبات متطابقة في المنزل.

وخلال فترة الاختبار، وثّق المشاركون مدى شعورهم بالجوع والشهية لتناول الطعام وذلك بشكل منتظر، وقدموا عينات دم صغيرة متكررة على مدار اليوم، كما أجريت لهم قياسات لدرجة حرارة أجسامهم ومقدار الطاقة التي يتم حرقها على مدار اليوم، وذلك لقياس مدى تأثير وقت الأكل على المسارات الجزيئية المشاركة في تكون الدهون في الجسم.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

وكشفت النتائج أن تناول الطعام في أوقات متأخرة من اليوم كان له آثار عميقة على الجوع وهرموني تنظيم الشهية والشعور بالجوع والشبع وهما “اللبتين والجريلين”، وهذان الهرمونان يؤثران على دوافعنا لتناول الطعام.

على وجه التحديد، انخفضت مستويات هرمون اللبتين، الذي يشير إلى الشعور الشبع، على مدار 24 ساعة، عندما تناول المشاركون وجباتهم في أوقات متأخرة، مقارنة بتناول الأكل مبكرًا.

وعندما تناول المشاركون الطعام في أوقات متأخرة أيضًا، قامت أجسامهم بحرق السعرات الحرارية بمعدل أبطأ، ورُصد لديهم تعبيرًا جينيًا في الأنسجة الدهنية يميل نحو زيادة تكوُّن الدهون وانخفاض مستويات تحلل الدهون؛ ما يعزز نمو الدهون في الجسم ويرفع معدلات السمنة.

وكشف الباحثون أن هذه النتائج تشير بدقة إلى الآليات الفسيولوجية والجزيئية المتقاربة الكامنة وراء الارتباط بين الأكل المتأخر وزيادة مخاطر السمنة.

الجوع وحرق الدهون

وفي تصريحات لـ”أخبار الآن”، تعليقًا على النتائج، يقول الدكتور فرانك شير قائد فريق البحث بمستشفى بريغهام والنساء، إن هذه النتائج لا تتوافق فقط مع مجموعة كبيرة من الأبحاث التي تشير إلى أن تناول الطعام في أوقات متأخرة قد يزيد من احتمالية الإصابة بالسمنة، ولكنها تلقي ضوءًا جديدًا على كيفية حدوث ذلك.

وأضاف: “في هذه الدراسة، سألنا المشاركين: هل الوقت الذي نأكله يعد مُهمًا عندما يظل كل شيء آخر ثابتًا؟ ووجدنا أن تناول وجبات الطعام بمعدل تأخير 4 ساعات عن المعتاد، يُحدث فرقًا كبيرًا في مستويات الجوع، والطريقة التي نحرق بها السعرات الحرارية بعد تناول عن الطعام، والطريقة التي تخزن بها الدهون في أجسامنا”.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

وتشير الأبحاث إلى أن التوليد الحراري الناتج عن النظام الغذائي (المعروف أيضًا بالتأثير الحراري للغذاء) يكون أقل في المساء مقارنة بالصباح، وأن هذا يخضع لسيطرة الساعة البيولوجية للجسم، وهذا ما يجعل تناول الأكل في أوقات مبكرة من اليوم مفيدا للغاية في زيادة معدل حرق الدهون، وتقليل الشعور بالجوع على مدار اليوم.

وعن خطواتهم المستقبلية، يشدد “شير” في حديثه لـ”أخبار الآن” عن أن الفريق سيواصل دراساته على مجموعات أكبر لتحقيق فهم أفضل لتأثيرات العلاقة بين وقت تناول الوجبة ووقت النوم على توازن الطاقة في الجسم ومعدلات حرق الدهون، كما سيبحث في كيفية إسهام المتغيرات السلوكية والبيئية الأخرى مثل النشاط البدني، ومعلات النوم على هذه المسارات البيولوجية الكامنة وراء مخاطر الإصابة بالسمنة.

هل وجبة العشاء مهمة؟

البحث الذي نحن بصدد الحديث عنه تحدث عن أضرار تأخير الوجبات خلال اليوم بما فيها وجبة العشاء، وما يتبع ذلك من تأخير وجبة الإفطار في اليوم التالي، وهذا يحدث اضطرابًا في نُظم الساعة البيولوجية والتمثيل الغذائي، ويزيد الشعور بالجوع ما يدفعنا لتناول كميات أكبر من الطعام، كما أنه يرفع معدلات تخزين الدهون في الجسم.

لكن في المقابل، فإن وجبة العشاء تعد مهمة للغاية ولا يجب أن نتخطاها، خاصة إذا كنا نستيقظ مبكرًا؛ إذ تحدثت أبحاث سابقة عن أن تخطي وجبة العشاء مرتبط بشكل كبير بزيادة الوزن بنسبة 10% أو أكثر.

وذكرت الأبحاث أن تخطي وجبة العشاء يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن، لأنه يجعل الناس أكثر جوعًا وينتهي بهم الأمر بتناول المزيد من الطعام على مدار اليوم التالي.

التفسير المحتمل الآخر هو أن العشاء عادة وجبة تناسب الأطعمة المغذية مثل البروتينات الخالية من الدهون، بالإضافة إلى الخضروات، لذا فإن تخطي العشاء قد يعني اتباع نظام غذائي أقل جودة.

وذكرت عدة دراسات أن قمة الحرق في الجسم تكون من الساعة الخامسة صباحًا إلى الخامسة مساءً، لذلك يفضل تناول الوجبات خلال هذا الوقت، كما يفضل عدم تجاهل وجبة الإفطار، لأنها تعد شرارة الحرق بالجسم؛ حيث يبدأ الجسم بعملية الأيض من وقت تناول الوجبة.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

هل هناك وقت مثالي لتناول العشاء؟

هناك أبحث تحدثت عن أن أفضل وقت لتناول العشاء هو قبل الساعة الثامنة مساء، لكن المقابل، فإن أبحاث أخرى ذكرت أن توقيت هذه الوجبة يتوقف على جدولك الزمني ونمط حياتك؛ إذ يمكن للشخص الذي يستيقظ مثلا في الساعة 5 صباحًا أن يتناول العشاء في الساعة 5 مساءً، بينما الشخص الذي يذهب للنوم في الساعة 11 مساء يمكن أن يتناول العشاء في الساعة 8 مساءً، وعلى هذا فإن الوقت المثالي لهذه الوجبة هو قبل 3 ساعات من موعد نومك، لأن ذلك وقت جيد لهضم الطعام، والحصول على نوم هادئ.

في المقابل، فإن تناول وجبة العشاء في وقت قريب جدًا من وقت النوم ينتج عنه صعوبة في النوم، خاصةً إذا كانت كمية الطعام المتناول كبيرة.

ويحفز تناول الطعام أيضًا من إفراز الأنسولين، وهو هرمون يساعد الجسم على استخدام الطعام للحصول على الطاقة، ويمكن أن تغير هذه العملية من إيقاع الساعة البيولوجية، أو دورة النوم والاستيقاظ في الجسم. ويمكن للطعام أن يشير إلى استيقاظ الدماغ ما يجعله يتداخل مع القدرة على النوم.

وجبة العشاء.. حقائق ينبغي معرفتها

وجبة العشاء تعد مهمة للغاية ولا يجب أن نتخطاها..في المقابل علينا التفكير مليا في مكوناتها، وفي وقت تناولها (storyblocks)

كما يمكن أن يتسبب النوم بعد تناول الطعام بفترة وجيزة في ارتجاع محتويات المعدة إلى المريء، ما يؤدي إلى حرقة المعدة أثناء الليل، وهي مشكلة في الجهاز الهضمي يمكن أن تؤدي إلى إحساس غير مريح بالحرقان في الصدر، بالإضافة إلى الارتجاع المعدي المريئي وهو حالة مزمنة غالبًا ما تنتج عن ضعف في حلقة العضلات العاصرة في الطرف السفلي من المريء، وهذا يجعل من السهل على حامض المعدة العودة إلى المريء، وهذه الحالة من المرجح أن تحدث إذا لم يتم إفراغ المعدة بالكامل بحلول وقت النوم.

ويمكن أن تساهم الحموضة الليلية في حدوث الأرق، أو عدم القدرة على الحصول على قسط كافٍ من النوم.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟

أطعمة تساعد على النوم وأخرى تعيقه

تحتوي بعض الأطعمة على مواد قد تعزز النوم. على سبيل المثال، تحتوي الأطعمة الغنية بالتربتوفان وهي مادة يتم استقلابها بواسطة أجسامنا إلى السيروتونين والميلاتونين، كل منهما يمكن أن يلعب دورًا في جلب النوم، ومن هذه الأطعمة الدواجن والبيض والمكسرات والبذور ومنتجات الألبان.

كما ينبغي أن يكون طعام العشاء غنياً بالبروتينات، لأنها تشبع الإنسان أكثر من الكربوهيدرات النشوية.

في المقابل، ينبغي تجنب الأطعمة التي يمكن أن تسهم في الإصابة بالحموضة المعوية، مثل الأطعمة الحارة، والأطعمة الحمضية مثل الرمان والخوخ والبرتقال والطماطم.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تجنب الكافيين الموجود في القهوة والشاي والصودا ومشروبات الطاقة والشوكولاتة، لأن الكافيين يمنع إفراز مادة الأدينوزين، وهي مادة كيميائية تجعل الإنسان يشعر بالنعاس، وعند تناول الكافيين في وقت قريب جدًا من وقت النوم، فإنه يساهم في الأرق، كما يمكن أن يزيد من الحاجة إلى التبول خلال ساعات الليل.

ختامًا، فإن التخطيط لوجباتك بحيث يكون هناك 3 ساعات بين وجبتك الأخيرة ووقت الاستلقاء يمكن أن يقلل من احتمالية الإصابة بالحموضة المعوية وغيرها من المشكلات التي تعيق النوم، كما يساعدك في الحصول على ليلة هادئة، بالإضافة إلى تقليل فرص زيادة الوزن.

وجبة العشاء.. كيف تحفز الجوع وتفاقم السمنة؟