ما مصير طالبان؟

هل تستطيع حركة  طالبان  أن تعمل على شكل نظام دولة أم أنها ستبقى في اطار حركة جهادية؟ فالحركة تحاول أن تظهر بمظهر دولة لكن الأمر ليس سهلا ولن يكون كذلك على الأقل في المدى المنظور.

تقول حركة طالبان أنها تغيرت عن السابق لكن أعمالها اليوم ما زالت تثبت أنها لم تتغير خصوصا في معاملتها للنساء والمثقفين وكل ما يتعلق بحقوق الإنسان. وهناك الكثير من المراقبين والمتابعين الذين يعتقدون أن طالبان لم تتغير.

حتى وإن كانت طالبان قد تغيرت قليلا فإن الشعب الأفغاني تغير كثيرا خلال العشرين عاما التي لم تكن فيها طالبان تحكم البلاد. وقد بدأت تنشا في أفغانستان نواة مجتمع حديث اخذ يعتاد على أساليب الحياة العصرية.

لذلك لن تستطيع حركة طالبان أن تعيد الزمن إلى الوراء ولن تتمكن من السيطرة الكاملة على وسائل التواصل الحديثة ومن المرجع أنها ستواصل اللجوء إلى القمع والمنع وهي سياستها التي كانت قبل عشرين عاما لكن هل يمكن لهذه الطريقة أن تحقق أي نتائج في الوقت الراهن؟

معايير التغيير المتوقعة التي يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت طالبان قد تغيرت فعلا أو أنها في طريقها نحو تشكيل دولة هو علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية التي كانت تنمو وتعيش في كنفها أيام حكمها السابق. فهل تخلت طالبان عن فكرة تصدير الإرهاب أو رعاية القاعدة أو دعم تنظيم داعش؟

مع أن الناطق بلسان طالبان اكد أن الحركة لن تسمح للقاعدة أو لغيرها من الجماعات الإرهابية أن تعمل من أفغانستان إلا أن تقارير استخبارية غربية تحدثت عن قيام طالبان بدعم وتعزيز قدرات القاعدة في الشهور الأولى من هذا العام. وذكرت تقارير أخرى عن قيام تنظيم داعش بشن عمليات إرهابيه استهدفت البنية التحتية بهدف النيل من صدقية الحكومة الأفغانية وهذا لم يكن ليتم لولا الدعم الخفي الذي كانت تقدمه طالبان للتنظيم.

ربما كانت السرعة التي استعادت فيها طالبان حكم أفغانستان مفاجئة للكثيرين لكنها بالتأكيد كانت مفاجئة للحركة أيضا ولا بد أن هذه المفاجأة ستعزز من غرورها وتدفعها لارتكاب أخطاء استراتيجية تمنعها من إقامة نظام مستقر في البلاد.

من أوجه ذلك الغرور المتوقع أن تقوم طالبان خلافا لتعهداتها التي يقال أنها أبلغتها للولايات المتحدة باحتضان الجماعات الإرهابية مثلما فعلت في الماضي. وسيكون من السهل عليها ذلك لأن حكمها لأفغانستان من جديد سيشكل نقطة جذب لكثير من المتطرفين الذين يبحثون عن اطار يجمعهم لتحقيق أهدافهم.

مثلت عودة طالبان لحكم أفغانستان حالة فرح لكثير من التنظيمات المتطرفة التي ترى في ذلك جواز مرور لعودة الروح إلى الجماعات الإرهابية التي تغذت على طالبان وترعرعت في كنف حكمها لأفغانستان.

فقد كشفت مصادر استخبارية روسية وفق ما اعلنه وزير الدفاع الروسي أن مسلحين من تنظيم داعش اخذوا ينتقلون من سوريا وليبيا إلى أفغانستان حيث ينظر تنظيم داعش إلى أفغانستان طالبان على أنها نقطة انطلاق إلى آسيا الوسطى.

عشية الخروج الأميركي من أفغانستان كانت القاعدة في حالة ضعف وتفكك لكن الآن قد يختلف الأمر وقد تعود لتشكل مصدر خطر خصوصا إذا ما استعادت تحالفها مع طالبان أو أعادت إنتاج نفسها عبر تغيير قيادتها بقيادة جديدة بعيدة عن القيادة التقليدية للظواهري. عند ذلك قد يتشكل تنظيم إرهابي جديد يتمتع بعلاقات غير معلنة مع طالبان يكون ذراعها الخارجي وتكون أهدافه في آسيا الوسطى بالدرجة الأولى وكلا من روسيا والصين لتحريض الأقليات المسلمة في هاتين الدولتين.

لكن الولايات المتحدة ترى أن طالبان لن تكون حليفة لتنظيم داعش بل على العكس ستكون عدوة للتنظيم وستقاتله. لكن إذا ما قدمت طالبان الملاذ الأمن لتنظيم داعش فإنها عندئذ سيختلف الأمر وستخفق طالبان في تسويق نفسها على الساجة الدولية.

منذ أربعين عاما واكثر لم يختبر الشعب الأفغاني أي هدوء أو سلام مثلما يستحق. وهناك الآن أكثر من ثلاثة ملايين أفغاني لاجئون في الخارج ومن المتوقع أن يخرج من البلاد عدد مماثل بعد حكم طالبان. واذا لم تستطع طالبان أن تستقر وتقيم دولة فالاضطراب الداخلي سيستمر خصوصا بوجود بعض الأقليات الدينية مثل الشيعة الذين من أصول فارسية وهؤلاء يشكلون مصدر قلق لحكومة طهران التي تشعر أنها مسؤولة عنهم.

لا شك أن قيادات طالبان ليست منسجمة مع بعضها البعض وقد يكون من بينها من هو أكثر تطرفا ويعتقد أن الفرصة باتت مناسبة لتشكيل تحالف قوي بين الحركة وكل من القاعدة وداعش أو أي تنظيم آخر يريد أن يأوي إلى أفغانستان. وهنا يصبح الانفلات الأمني هو الحالة التي ستؤدي بالضرورة إلى الحرب الأهلية لأن ذلك سيجعل من السهل على الدول الأخرى ذات المصالح المختلفة أن تتدخل وخصوصا إيران. واندلاع حرب أهلية في أفغانستان سيجعل من السهل على التنظيمات الإرهابية أن تتغلغل في أفغانستان وتقيم لها موطىء قدم لكن التحالفات ستكون متغيرة على الدوام.

وما يجري على الساحة الأفغانية سيكون له بالتأكيد تأثيراته على الساحة الإيرانية سواء تأثيرات أمنية أو اقتصادية أو إنسانية وفي جميع الأحوال فهذا سيكون مصدر قلق لطهران وسيشكل عامل ضغط على حكومتها ولذا فإن التحفظ تجاه العلاقة مع طالبان هو السمة الغالبة في أوساط أصحاب القرار في طهران.

خروج أميركا من أفغانستان كان فيه تحديا واضحا للصين وبصورة اقل لروسيا.  أما روسيا فإنها ترى في طالبان تهديدا لحليفتها طاجكستان كما قد ترى فيها مصدر تحريض للأقليات المسلمة في روسيا. لكن الأمر مختلف قليلا بالنسبة للصين. فقد تكون الصين ومصالحها في أفغانستان وعبر تحالفها المعروف مع باكستان هي من ستلجم طالبان وتضبط إيقاعها وتلزمها التعقل وتعديل توجهاتها وتضعها على بداية الطريق للتحول إلى نظام الدولة.

وقد امتدحت الصين على لسان وزير خارجيتها حركة طالبان وقالت أنها قوة سياسية وعسكرية أساسية في أفغانستان وستلعب دورا مهما في عملية السلام والمصالحة وإعادة البناء. وتامل الصين أن طالبان ستجعل البلاد ومصالح الشعب الأفغاني في مقدمة أولوياتها. وهذه التصريحات التي جاءت بعد زيارة مسؤول كبير من طالبان إلى بكين أوحت بان الصين ستعترف بنظام طالبان مقابل بعص المصالح الاقتصادية والسياسية والاستثمارات الصناعية والتعدينية.

لكن أحوال أفغانستان حتى الآن غير مستقرة وليس من السهل توقع أي شيء في المدى القريب على وجه اليقين. فالأحوال السياسية والأمنية ما زالت في حالة تقلب ولا بد من توقع مفاجئات.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن