طوال سنوات ظلت إيران تطالب الولايات المتحدة والدول الغربية بسحب قواتها من أفغانستان.

وكان هذا المطلب الإيراني دائم الحضور في كل مرة تثار فيها مسألة الوجود الأمريكي، وقد ساعدت إيران في وقت ما ميلشيات طالبان وأمدتها بالسلاح لمهاجمة القوات الأمريكية في أفغانستان للتسريع برحيلها.

الآن قررت الولايات المتحدة من تلقاء نفسها التعهد بالانسحاب الكامل بحلول شهر سبتمبر القادم وكذلك ستفعل قوات حلف الناتو فبدأت إيران تخشى من الفراغ الأمني المحتمل والذي قد تسعى إليه ميليشيات طالبان وربما القاعدة وداعش أيضا.

الفراغ الأمني الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي والغربي من أفغانستان سيكون الفرصة الذهبية لحركة طالبان لمحاولة إسقاط حكومة كابول وإعادة بسط نفوذها على أفغانستان.

ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع أفغانستان وهناك فئات تنتمي عرقيا إلى إيران وتجد إيران نفسها مضطرة أحيانا لحماية مصالحها هناك.

وقد يعطي الانسحاب الأمريكي والغربي من أفغانستان إيران مساحة أكبر للمناورة، وقد ألمحت إيران للولايات المتحدة في وقت مبكر رغبتها بلعب دور إيجابي في أفغانستان بعد الانسحاب عندما أشار وزير الخارجية الإيراني إلى أن المقاتلين الشيعة هم أفضل من يقاتل لمساعدة الحكومة الأفغانية في صراعها ضد داعش وطالبان على حد قوله.

منذ العام ألفين وواحد ساعدت إيران الولايات المتحدة في حرب أفغانستان وكانت تلك فرصتها للتدخل هناك، وهي وإن ساعدت بعد ذلك حركة طالبان في مقاومة الوجود الأمريكي لكنها ظلت مستعدة لمحاربة طالبان إذا ما حاولت التمادي عبر الحدود. وبذلك صارت إيران أحد اللاعبين الرئيسيين في أفغانستان وستكون كذلك بعد الانسحاب الأمريكي.

هناك العديد من الأهداف الإيرانية في أفغانستان وأولها تحجيم طالبان ومنع جعل البلاد ملاذا آمنا لمقاتلي داعش.

وكذلك منع تهريب المخدرات عبر الحدود والتعامل مع ملايين اللاجئين الذين قد يتدفقون على إيران في حال اندلاع حرب أهلية في أفغانستان.

ولأجل تفادي أي مخاطر ممكنة فقد تعمل إيران على إحياء التحالف الثلاثي مع روسيا والهند لتشكيل قوات تقاوم طالبان في حال انزلقت البلاد إلى الحرب الأهلية. لكن رد الفعل الإيراني يعتمد أولا وأخيرا على تقييم الخطر القادم من أفغانستان؛ فهي لا ترغب بالتورط في صراعات جديدة ولهذا تفضل التريث قبل اتخاذ أي قرار حاسم بشأن ذلك.

في الماضي القريب حاولت إيران اعتماد الدبلوماسية في التعامل مع طالبان فدعت وفدا من الحركة لزيارة طهران وكان برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة وتم في الزيارة بحث فرص التعاون الممكنة في المستقبل، وقد وصفت بعض المصادر الصحفية الزيارة بأنها محاولة للمصالحة بين إيران وطالبان.

أما على مستوى العلاقات بين إيران وأفغانستان الرسمية فقد نمت وتعززت في العقدين الأخيرين وكانت هناك مشروعات مشتركة بين البلدين.

لكن الآن الوضع مختلف تماما، فقد عززت طالبان وجودها في أفغانستان من حيث السيطرة على مزيد من الأراضي وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري.

والمتوقع الآن أنه إذا ما حاولت حركة طالبان أن تملأ الفراغ الأمني الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي فإن ذلك سيؤسس لحرب أهلية جديدة في أفغانستان وبشكل خاص إذا ما حاولت طالبان التحالف مع داعش والقاعدة بهدف السيطرة على الحكم وهذا أمر لا يمكن لإيران أن تقبل به.

المخاوف الإيرانية الآن باتت جدية بعد أن أشارت الصحف الإيرانية إلى أن ميليشيات طالبان أخذت تسيطر بالفعل على المنافذ الحدودية مع إيران الأمر الذي أوقف حركة التبادل التجاري عبر الحدود.

ترى بعض الأوساط أن طالبان قد تسعى بالفعل للسيطرة على الحكم في كابول وقد تتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للإرهابيين في غضون ستة أشهر.

حتى وزير الخارجية الأفغاني كان متخوفا من ذلك وقال في مقابلة تلفزيونية إنه لا يوجد ضمان أكيد بعدم حدوث ذلك لكنه في الوقت نفسه استبعد أن تكون حركة طالبان قادرة على العودة إلى الحكم.

مع أنه نوه أيضا بعدم وجود أي دليل على التزام طالبان بتنفيذ وعدها بالانفصال عن القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.

إلا أن بعض الأوساط السياسية ترى أن هناك من يريد أن تعود طالبان إلى السلطة لكي تشكل عامل ضغط وتهديد ومشاغلة لإيران.

في الأسبوع الماضي حذرت الصحافة الإيرانية وخصوصا تلك المقربة من المرشد والحرس الثوري الحكومة الإيرانية ودعتها للاستعداد للأيام الصعبة القادمة في حال استولت طالبان على الحكم في كابول.

وشبهت إحدى تلك الصحف خطر طالبان على إيران بمثل خطر داعش عليها، ونوهت الصحيفة إلى وجود إرهابيين على حدود إيران الشرقية وانتقدت تساهل السلطات ومحاولة جهات في الدولة تقليل خطر ذلك الوجود.

في إيران الآن تياران من المواقف تجاه طالبان أحدهما المعادي لها وهذا بطالب بالاستعداد والتحضير لمواجهة ما سيحدث والثاني يعتبر أن طالبان قد تحسنت ولم تعد تشكل أي خطر على إيران.

لكن صحافة التيار المحافظ المرتبطة بالحرس الثوري رأت غير ذلك وهي تعكس وجهة نظر الحرس ومعنى ذلك أن الحرس الثوري والدولة معه ترى أن الخطر موجود ولا بد من الاستعداد له.

وقد أخذ التلفزيون الإيراني الرسمي الذي يديره مؤيدون للمرشد وللحرس ببث برامج وثائقية تتحدث عن جرائم طالبان، كما ترى بعض الأوساط الأخرى أن الولايات المتحدة ستستخدم الانسحاب من أفغانستان ورقة ضد إيران لإشغالها في قضايا أمنية جانبية.

من المعروف أن لدى إيران عددا من الميليشيات التي يمكن أن تحركها لخدمة مصالحها.

وفي حالة أفغانستان ستستخدم إيران لواء “الفاطميون” الذي يضم ثلاثة آلاف مقاتل لمواجهة طالبان وداعش.

ويملك هذا اللواء خبرة قتالية جيدة وتدرب مقاتلوه في معسكرات الحرس الثوري وقد سبق أن استخدم هذا اللواء لمقاتلة داعش في سوريا.

لقد تنامت في الآونة الأخيرة عمليات طالبان المناهضة للحكومة واستهدفت بعض عمليات التفجير مراكز حكومية وأمنية أدت إلى مقتل عدد من رجال الأمن وبعض المدنيين.

حتى أن بعض القذائف أصابت السفارة الإيرانية في كابول في شهر نوفمبر الماضي لكن طالبان نفت مسؤوليتها عن ذلك.

وهذا ما دفع إيران للتخوف أكثر من تنامي نفوذ داعش في أفغانستان وقيام تحالف معلن أو غير معلن بين داعش وطالبان الأمر الذي سيعني تدهورا نحو الأسوأ. في مثل هذه الحالة ستكون على إيران أن تتدخل عسكريا بمعنى فتح جبهة مواجهة تحاول أن تكون بعيدة عنها.