أخبار الآن | مقال رأي لـ أوليفييه غويتا المدير الإداري لشركة جلوبال سترات

في حين لا يزال تركيز “الإرهاب الجهادي” منصباً إلى حد كبير على سوريا والعراق، فإن أفريقيا والساحل أصبحا بسرعة محطة استقطاب للمجموعات الإرهابية مثل داعش وتنظيم القاعدة. وقد احتلت فرنسا الصدارة في عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة منذ عام 2013 بمساعدة حيوية من الولايات المتحدة. الآن هناك حديث كثير عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وقد تتأجج قضية الإرهاب أكثر من ذي قبل. مرحلة سوداوية تنتظر دول غرب أفريقيا التي خسرت حربها أمام الجهاديين وتمارس الضغوط على الولايات المتحدة حتى لا ترحل.

ويبدو أن هناك صوتين متناقضين من واشنطن، أحدهما من البيت الأبيض والآخر من البنتاغون.  ويصر الجيش على عدم مغادرة أفريقيا: ففي عام 2018 صرح قائد العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا أن تنظيم داعش وتنظيم القاعدة يمثلان تهديدين رئيسيين وأن الجماعات تنمو بقوة في غرب أفريقيا. وعلى الرغم من ذلك، فقد سحبت الولايات المتحدة بالفعل قواتها الخاصة من النيجر، وهي تسعى إلى إغلاق نقاط عسكرية في تونس والكاميرون وليبيا وكينيا، فضلاً إغلاق سبع من وحدات مكافحة الإرهاب الثمانية التابعة للقوات الخاصة الأمريكية، والتي تعمل في أفريقيا.

إن الرسالة الرئيسية من واشنطن هذه الأيام تتلخص في انسحاب القوات الأميركية من أفريقيا، ولكن يظل من الصعب علينا التكهن بالمستقبل. على سبيل المثال، قال وزير الدفاع مارك إسبير إن الولايات المتحدة لن تسحب جميع قواتها من أفريقيا، لكنه أضاف: “لكن مرة أخرى أقول إنه لم يتم اتخاذ أي قرارات بعد، إنها عملية”.  وفي زيارة قام بها مؤخراً إلى السنغال، قال وزير الخارجية الأمريكي بومبيو: “لقد أوضحنا أن وزارة الدفاع تنظر إلى غرب أفريقيا للتأكد من أن مستويات قواتنا هناك لدينا صحيحة”.

وفي الأساس، يبدو أنه لا يوجد قرار نهائي متعلق بهذا الأمر، ولكن من الواضح تماماً أن المؤسسة العسكرية الأمريكية تحولت من محاولة إضعاف الجماعات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل في غرب أفريقيا إلى محاولة احتواء هذه الجماعات.

لتوسيع نفوذهما.. القاعدة وداعش يقاتلان معًا في غرب إفريقيا

الانسحاب الأمريكي يمكن أن يتضمن التخلي عن قاعدة للطائرات بدون طيار تم بناؤها مؤخرا في النيجر بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار وإنهاء المساعدة المقدمة للقوات الفرنسية التي تحارب الجهاديين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تضاعفت الهجمات الإرهابية إلى خمسة أمثالها منذ عام 2016.  وسنكون ذلك خطوة درامية ستترتب عليها آثار أمنية طويلة الأمد، وليس فقط بالنسبة لأفريقيا.

ولن تتأثر فرنسا ودول غرب أفريقيا سلباً بالانسحاب الأميركي فحسب، بل وأيضاً المملكة المتحدة التي سوف تضطر إلى إعادة النظر في التزاماتها العسكرية في أفريقيا.  وسوف يخلف هذا تأثيراً كبيراً على المهام النشطة والمخططة في المملكة المتحدة لمكافحة الشبكات الإرهابية الإسلامية وعمليات تدريب قوات الأمن المحلية.

ويقول مسؤول امريكي كبير “إننا ننفق مئات ملايين الدولارات على قوة فرنسية لم تتمكن إحراز أي تقدم أو إحداث أي تغيير”. لا نحلص على شي كبير مقابل كل ما ننفقه على ذلك” .

هذه وجهة نظر محدودة بعض الشيء حيث أن هناك حراك بين مختلف ساحات الجهاد.

إن الصراعات المختلفة لا تحدث في فراغ، فعلى سبيل المثال، وكما قال رئيس توغو فور غناسينغبي مؤخراً، “الآلاف” من المقاتلين من الشرق الأوسط، وجهاديين سابقين من داعش من سوريا والعراق، وصلوا إلى غرب أفريقيا عند انهيار داعش في سوريا.  وأضاف بشكل صحيح: “انظر إلى الهجمات الأخيرة، فهي أكثر احترافية وأكثر قوة وعواقبها مدمرة”

الطالما يتجه الجهاديون تاريخياً نحو الدول الهشة أو الفاشلة، وكانت غرب أفريقيا أو ليبيا على سبيل المثال أهدافاً مثالية لهم للاستيلاء على أراض كما فعلوا في مالي في عام 2012 قبل تدخل فرنسا.  ومن هنا فإن  هناك خطرا كبيرا  لتسلل المجموعات الإرهابية  الى  منطقة  الساحل. وقد يتحقق هذا السيناريو بشكل أكبر لأن داعش والقاعدة، خلافاً للرأي السائد، يتعاونان في المنطقة في أمور كتحصيل الضرائب وتجنيد الناس، فضلًا عن السماح لبعضهما  بمرور آمن في مناطق تخضع تحت سيطرتهما.

أخيراً وليس آخراً، فإن الإرهاب  ليس التهديد الوحيد في أفريقيا: فالإرهاب الشيعي الذي ترعاه إيران يشكل أيضاً قضية خطية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر منها. والواقع أن التقارير ذكرت في الشهر الماضي أن إيران حاولت إنشاء خلايا إرهابية في وسط أفريقيا. هدف من هذه الشبكة الغامضة، المعروفة باسم “لواء الزهراء” والتي يُقال إنها تمول بمئات الآلاف من الدولارات، يتلخص في مهاجمة أهداف أميركية وأخرى غربية، بما في ذلك القواعد العسكرية، والسفارات، والمسؤولين.

إنه خطأ فادح أن تتراجع الولايات المتحدة في منطقة الساحل وأفريقيا ككل، ليس فقط على المستوى الأمني، بل وأيضاً على مستوى الرقعة الجغرافية السياسية.  لقد ظلت الصين تدفع بيادقها في القارة لبعض الوقت، ولكن اللاعب الجديد هو روسيا التي اخترقت سبعة عشر دولة أفريقية في غضون بضع سنوات فقط.

لا ينبغي لأمريكا أن تترك المجال مفتوحاً أمام أعدائها الرئيسيين من القوى العظمى.

أوليفييه غويتا هو المدير الإداري لشركة جلوبال سترات، وهي شركة استشارات المخاطر الأمنية والجيوسياسية للشركات والحكومات.

 

إقرأ أيضا:

لتوسيع نفوذهما.. القاعدة وداعش يقاتلان معًا في غرب إفريقيا