أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

مع ما عرف بالصحوة الإسلامية مطلع القرن الهجري الخامس عشر 1979-1980 صعد الإسلام السياسي بعد انحسار المد اليساري وبدأ رموزه يفوزون في انتخابات البلديات والنقابات ثم في الانتخابات النيابية وصار ذلك الفوز لهم مدعاة للشعور بالقوة والقدرة على إدارة الدولة.

لم تنتبه الحكومات لخطر هذه الجماعات وأهدافها فتغلغلت في أوساط الفقراء والبسطاء وبنت شبكة خدمات اجتماعية وتربوية وصحية أكسبتها الأنصار الذين دعموا مرشحيها في الانتخابات.

بانفجار ثورات الربيع العربي بدءً من تونس وانتقالها إلى البلدان العربية ركبت حركات الإسلام السياسي الموجة وحاولت توجيه الربيع لمصلحتها وان ظلت تنفي صلتها بذلك. لكن التجربة لم تكن ناجحة بل كشفت هشاشة الإسلام السياسي وأثبتت فشل مقولة أن الدين يمكن أن ينشىء دولة أو يقودها. لم يطرح الإسلام السياسي أي منهج أو برنامج لمعالجة تحدي التوفيق بين الإسلام والحداثة أو بين الإسلام السياسي والمجتمع المدني ولم تدرك تلك الجماعات أن إدارة الدولة ليست مثل إدارة جمعية خيرية.

تعارض هذه الجماعات التوجهات العلمانية للدولة المدنية وتجعل من أنصار العلمانية أعداء لها. لكن بعض علماء الدين أدركوا خطأ هذه التوجهات واقتنعوا انهم لن يستطيعوا وقف الزحف الديمقراطي العلماني فراحوا يبشرون بان الإسلام لا يتنافى مع الحداثة وان الديمقراطية من صميم الإسلام.

ولتبديد مخاوف الأنظمة رضخت الجماعات الإسلامية للقبول بالديمقراطية وقبل كثير من الشيوخ على مضض فكرة الدولة المدنية التي تحكمها القوانين الوضعية مثلما فعل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية على أمل الوصول إلى السلطة. وقدم الإسلاميون أنفسهم للجماهير على انهم أصحاب شبكات الأمان الاجتماعي لخدمة الفقراء وطرحوا مبادرات اجتماعية واقتصادية مستلهمة من تجارب دول أخرى.

تلخص شعار الإسلام السياسي في أن الإسلام هو الحل لكنه ظل شعارا من دون آليات تنفيذية وتطبيقات تخدم المجتمع والأجيال الشابة. ظلت أهداف الإسلام السياسي محصورة في الوصول إلى الحكم والاستفراد به للتحول إلى دولة دينية (وقد كانت دولة داعش نموذجا صارخا لمثل هذا التحول). ولم تؤدي محدودية شعارات الإسلام السياسي المستنسخة بعضها من بعض إلى قيام نظام يحتضن الجميع ويحميهم.

مثل وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر بداية محاولة لحل الأزمة بين الإسلام والعالم لكن التجربة العملية أثبتت انهم غير قادرين على ذلك. تجربة حكم محمد مرسي كانت نموذجا واضحا في كيفية انشغال الإسلام السياسي في مصالح الجماعة وكشفت افتقارهم إلى الخبرة السياسية في إدارة الدولة فوقعوا في الحلقة المفرغة فكانت الخسائر مضاعفة في الاقتصاد والأمن والتنمية والتعليم. وبدلا من التركيز على التطوير والتنمية وتكريس مفاهيم حقوق الإنسان راح الحكم في “مصر محمد مرسي” يركز على فكرة الهوية الإسلامية من جهة وأسلمة المجتمع والدولة من جهة أخرى.

فشل الإخوان في إدارة الحكم في مصر كان أكبر دليل على فشل الإسلام السياسي. والذين قاوموا حكم الإخوان لم يكونوا فقط من اللبراليين والشباب العلماني بل أيضا مسلمون بسطاء كانوا يبحثون عن حلول لمشكلاتهم ويتطلعون إلى دولة عصرية تنشر الرخاء والعدالة وتكافؤ الفرص رافضين ممارسات الحكم وعجزه في الإدارة الحكومية.

حكومة النهضة في تونس كانت مثالا آخر على الفشل وساعد على إفشالها أن تونس بيئة ناضجة لنجاح العلمانية واستطاع المجتمع المدني أن يستعيد دوره ويوقف زحف الإسلام السياسي.

منذ الانتشار الصادم لجماعة داعش وممارساتها الوحشية زادت مخاوف المجتمع المدني وشعر الناس برهبة من وصول الإسلام السياسي إلى الحكم.

بكل وضوح وصراحة اعترف قادة دينيون مثل الشيخ رحيم أبو رغيف رئيس منتدى الوسطية في العراق أن الإسلام السياسي أخفق وفشل فشلا ذريعا واضحا على ارض الواقع وأفقد الإسلاميين مصداقيتهم أمام الجيل الجديد ولم يعد جاذبا له.

التحدي الأكبر الذي واجه الإسلام السياسي هو كيفية التعامل والتفاعل مع الجيل الجديد من الشباب الذي نشأ على السوشال ميديا والتقنيات الحديثة والسرعة والأهم من كل هذا أن العباءة الدينية لم تعد تقنع الشباب المعاصر والجيل الجديد لم يعد مثل الأجيال الماضية.

التجربة التي مر بها الجيل الماضي تحت حكم الإسلاميين سواء في مصر أو تونس أو المغرب وما رآه من حركات دينية متطرفة مثل القاعدة والنصرة وداعش في سوريا والعراق وما يراه كذلك من حكم الملالي في إيران جعلته ينفر من القيود ويتجه نحو الانفتاح على كل التيارات ليتمسك بالتيارات القادرة على توفير فرص الحياة الكريمة اجتماعيا واقتصاديا وتوفير البيئة الحاضنة لحرية التفكير والإبداع في كل مجالات الفكر والفن والعلوم.

عبر الانفتاح الذي توفره الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وسهولة الاطلاع على تجارب الغير والتفاعل معها بما توفره أدوات الاتصال الحديثة لم تعد للمتدينين سطوة التسلط على الجيل الجديد ولم يعد أنصار الإسلام السياسي قادرين على إقناع الناس بتوجهاتهم بعد أن راوا التجربة تفشل في أكثر من مكان وأكثر من مجال وكان ذلك بداية الخسران للإسلام السياسي.

يمكن هذه الأيام اكتشاف توجهات الجيل الشاب نحو العلمانية والحياة المدنية من خلال منشوراتهم على الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل حيث يعبرون صراحة عن رفضهم التعصب والتطرف والإرهاب ويتجهون نحو العيش المشترك حيث يتساوى الكل في دولة مدنية وهم يؤمنون ان الدولة المدنية لا تناقض الدين بل هي تناقض التسلط والدكتاتورية.

يتجه الجيل الجديد إلى الانفتاح وتقبل الدولة المدنية العلمانية التي يجد فيها الجميع مكانا لفكره وإبداعه وممارسة حريته بعيدا عن قيود الترهيب، فاكتشف الجيل الجديد عبر ما يراه ويسمعه أن العلمانية قد تكون الحل فهي ليست معادية للدين بل تحميه من تغول المتغولين وتمنع سيطرة فئة على فئة وهي الكفيلة بتحرير السياسة من سلطة الدين ورجاله.

تظهر تجارب الشعوب التي اعتمدت العلمانية (حيث اختبر ذلك الشباب المهاجر إلى أوروبا) أنها النظام الوحيد الذي يمكن أن يوفر مناخا حرا يحمي الجميع ويدعم ممارسة الإبداع وتحقيق الإنجاز.

يعلم الناس أن العلمانية هي آلية سياسية ومنهج تعامل الدولة مع السياسة والاقتصاد والحكم وهي محايدة وعلى مسافة واحدة من الجميع. وفي الدولة المدنية التي هي بالضرورة دولة علمانية يتساوى الناس على مبدأ المواطنة وهي مرجعية الانتماء للكل بعيدا عن المحاباة والتمييز الطائفي والمحاصصة المناطقية.

 

إقرأ أيضا:

خطر تحالف القاعدة وداعش على الساحل الأفريقي وتداعيات افساح الساحة لهما