هي المرة الأولى التي نُشاهد فيها تسجيلاً مرئياً لخليفة داعش المزعوم، أمير محمد سعيد المولا – المعروف بلقب حجي عبدالله قرداش.

موقع الحل نت، المتخصص في نقل أخبار العراق وسوريا، بث التسجيل على صفحة الفيسبوك الخاصة به، أشار إلى أنه يعود للعام 2007. الفيديو يُظهر جانباً من جلسة مناقشة رسالة علمية، وقال إن قرداش قدّم لها في جامعة الموصل. 

المرصد 84 : "قرداش" خليفة داعش المزعوم يظهر في فيديو لأول مرة

أمير محمد سعيد عبدالرحمن المولى. المصدر: CTC

ماذا في الفيديو؟

يظهر قرداش جالساً وأمامه لوحة كتب عليها أمير محمد سعيد. وبالتحقق من شكله يبدو مشابهاً للصور التي نعرفها من وثائق التحقيق الأمريكية التي أفرج عنها مركز CTC التابع لأكاديمية الحرب الأمريكية West Point في سبتمبر الماضي ومرة أخرى في أبريل الحالي. في الفيديو، يقدم الرجل للرسالة التي كانت حقيقة للحصول على درجة الماجستير وليس الدكتوره كما جاء في الفيديو. وبحسب وثائق التحقيق، فإن قرداش حاصل على شهادة الماجستير فقط وكان ذلك في ديسمبر 2006، وليس في 2007 كما جاء في الفيديو. 

المرصد 84 : "قرداش" خليفة داعش المزعوم يظهر في فيديو لأول مرة

وثيقة التحقيق رقم 6. “المعتقل حصل على شهادة الماجستير في ديسمبر 2006” المصدر CTC

في التقديم، يشير قرداش إلى أن موضوع رسالته هو “تحقيق قسم من كتاب مهم في الفقه الإسلامي على مذهب الإمام أبي حنيفة من مخطوطة قديمة، تتعلق بفهم أحكام الشريعة.” ومرة أخرى، وثائق التحقيق الأمريكية تشير إلى أن قرداش بعد حصوله على الماجستير سعى إلى وظيفة في جامعة الموصل “مدرساً للعلوم الإسلامية على المذهب الحنفي، لكنه لم يحصل على الوظيفة، وبعدها انضمّ إلى “دولة العراق الإسلامية” النسخة السابقة من داعش. 

الصوفية ولكن!

في التقديم، يشير قرداش إلى منهجية البحث ويذكر أنه تعامل مع أربع نسخ من المخطوطة كانت إحداها من مكتبة “الشيخ عبدالقادر الجيلاني”، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي شافعي تنتسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، توفي في بغداد في القرن السادس الهجري. وهذا يُظهر أنّ قرداش في وقت تسجيل الفيديو، إن صحّ أنه هو المتحدث، كان متأثراً بالصوفية، بل إنّ وثائق التحقيق الأمريكية تذكر في خانة “الدين” أن قرداش “مسلم – سني، صوفي”. 

المرصد 84 : "قرداش" خليفة داعش المزعوم يظهر في فيديو لأول مرة

وثيقة تحقيق مع “أمير محمد سعيد الملا”. المصدر CTC

يُضاف إلى ذلك الأخذ والرد الذي حصل بين قرداش ورئيس لجنة المناقشة في بداية النقاش. ولا بد من أن نوضح هنا أن موقع “الحل نت” اختار أن يُموّه جميع الأشخاص: لجنة المناقشة والحضور، حفاظاً على خصوصيتهم. فلم تظهر هيئة أي منهم إلا قرداش ظهر وجهه بشكل واضح. سأل رئيس اللجنة عن الإهداء الذي كتبه قرداش في بداية رسالته، وكان: “إلى من كان دينه الخفاء وعدم الظهور.” فردّ قرداش إنه يقصد بذلك “شيوخه” الذين درس عليهم. فاستطرد رئيس اللجنة إنه يفهم من العبارة “شيوخ الصوفية” وتحديداً “الحلاجة” نسبةً إلى أتباع الإمام الصوفي الحلّاج. فابتسم قرداش وكرّر أنه يقصد “عامة العلماء والشيوخ الذين درسوني”. 

مرة أخرى، كل هذا يُظهر أنه في وقت تسجيل الفيديو كان الرجل صوفياً. أما معتقده الحالي فلا يُستدل عليه إلا بأفعاله ورسائله. لا نزال ننتظر أن نسمع منه أو نقرأ شيئاً. أما أفعاله وممارساته فهي بادية للعيان بعيدة كل البعد عن المعتقد السمح المسالم الذي يدين به سنّة العراق.

في الـ 12 دقيقة المتبقية من الفيديو الذي يمتد 20 دقيقة، ينتقد رئيس اللجنة طريقة تقديم الرسالة من حيث الفهرست والتفريعات بما يتعارض مع أسلوب البحث العلمي المعتاد. المهم هنا هو أن المشرف على الرسالة يتدخل ويحثُّ قرداش على أن يتحدث عن عمله وأن يبرر الفهرسة التي انتهجها. ويبدو من صوته محبطاً، فكان أمام قرداش فرصة للدفاع عن رسالته دفاعاً جيداً لكنه لم ينتهزها، بدا قرداش ضعيف الشخصية هزيل المنطق. 

الرابط العربي – التركماني

من حديث قرداش الذي نسمعه أول مرة، بدا واضحاً أن اللهجة ليست عراقية بالكامل. فاللهجة العراقية قوية وتظهر حتى عند التحدث بالفصحى عند معظم المتحدثين. في تعليق على حساب “الحل نت”، كتب صاحب حساب Abserver14: “اللكنة التركمانية من مناطق تلعفر والمهلبية تسمع واضحة في خطابه وشبيهة جدا بلكنة عبد الناصر قرداش المعتقل حاليا في العراق”.

https://twitter.com/Abserver14/status/1383624902255648779

ماذا يعني هذا؟

ليس في الفيديو ما يشير إلى أن الرجل المتحدث فيه هو غير قرداش. إلا أن هذا رجل يختلف تماماً عمّن يُتوقع له أن يقود تنظيماً دموياً مثل داعش بعد ١٤ عاماً. وفي كل حال، ليس هذا فيديو سيفخر أنصار داعش بتناقله. ولن يسرّهم أن يروا خليفتهم المزعوم في أول ظهور “حيّ” له على هذه الشاكلة. في المقابل، الشخصية الظاهرة في الفيديو تتسق مع ما بدا في وثائق التحقيق الأمريكية. 

حصل قرداش على الماجستير في ديسمبر 2006. وقرر ترك العمل إماماً لمسجد الفرقان في الموصل في يناير 2007 ساعياً إلى وظيفة في جامعة الموصل. بحسب وثائق التحقيق، كان يُدرّس أعضاءً في “دولة العراق الإسلامية” حتى قبل أن يترك المسجد. انضمّ رسمياً إلى التنظيم في يوليو 2007، وسرعان ما تدرّج في “السلم الوظيفي” حتى أصبح نائباً لوالي الموصل. اعتقلته القوات الأمريكية في يناير 2008. وبحسب فراس كيلاني من BBC، فقد أُفرج عن قرداش “ضمن ترتيبات غير واضحة” في العام 2009 بعد أن أقرّت أمريكا اتفاقية SOFA (تحديد وضع القوات الأمريكية في بلد ما).

في تلك الوثائق وُصف قرداش بأنه “متعاون” في كشفه معلومات هامة تتعلق بعناصر وقيادات “دولة العراق الإسلامية” آنذاك، وتحديداً في فرع الموصل. كان يسأل دائماً عمّا سيحلّ به بعد انتهاء التحقيق. لكنه في الأثناء كشف بالاسم والصورة عمّا لا يقل عن عشرين من أعضاء التنظيم تراوحوا بين قائد وعنصر. من أهمهم المدعو أبو قسورة، محمد مومو. كان نائب أبي أيوب المصري أو أبي حمزة المهاجر، وزير الحرب في النسخة الأولى من داعش. عملياً، كان الرجل الثاني في التنظيم. قرداش وصف للمحققين الأمريكيين الطريق إلى المكان حيث كان يلتقيه. بعد أشهر، وتحديداً في أكتوبر 2008، أعلنت أمريكا أنها قتلت أبا قسورة.  وثائق الوشاية هذه، يُضاف إليها هذا الفيديو لما كان عليه قرداش، ستكون أمراً يتعين على أنصار تنظيم داعش التعامل معه عاجلاً أم آجلاً. 

يمكنكم الإطلاع  على حلقة الأسبوع  الماضي

مرصد الجهادية 83 | وثائق تحقيق أمريكية: حجي قرداش متورط في اغتيال محمد مامو القيادي الرفيع في نسخة داعش 2008