أخبار الآن | سرمدا – إدلب – سوريا (تطبيق خبِّر)

أدّت العمليات العسكرية على مناطق ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، الى خلق موجة نزوح غير مسبوقة منذُ اندلاع الثورة السورية في عامها الأول، والتي ترافق معها مُعاناة اخرى أرهقت آلاف النازحين من عدم توفر أماكن تأويهم وخيم تحويهم، ما اضطر معظمهم للجوء الى المؤسسات التعليمية واتخاذها مسكنًا لهم، وتعطيل العملية التعليمية وحرمّان الطلّاب من ممارسة تدريسهم، من بينهم الطفل “علي” ابن الثلاثة عشرَ ربيعًا ومن أهالي بلدة سرمدا شماليّ إدلب.

 

أدى تعطيل العملية التعليمية الى التحاق الطفل “علي” بالعمل مع والده في مطعم متنقل متواضع، وبات والده رفيق دربه في العمل، إذ ينهض معهُ في كل صباح من أجل الذهاب الى المطعم الذي أنشأه والد علي من سيّارة مغلقة، ووضع فيها أدوات بدائية تُستعمل في المطبخ المنزلي، وراح يبيع فيها السندويش للمارة من أجل كسب لقمة عيشه واعالة عائلته.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل

يقول الطفل “علي” لمراسل “تطبيق خبِّر” الميداني في إدلب “محمد العمر”: “أجبرتني الظروف الراهنة على الالتحاق بوالدي للعمل في المطعم المُتحرك، وذلك بعد أن أُغلقت المدرسة التي أتعلم بها وأنا في الصف الثامن، إذ باتت الغرف الصفية مسكنًا لأهلنا النازحين، وليس هناك فسحة صغيرة لمتابعة تعليمنا”.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل

وأضاف “أستيقظ كُل صباح في تمام الساعة السابعة مع والدي، ونذهب سويّة الى المطعم من أجل العمل، ونعود الى المنزل في الساعة السابعة مساءً، على عكس الأيّام الماضية التي كنتُ حينها أزور والدي لبضع ساعات أو في أيّام العطل المدرسية على اعتبار أن المدارس لا يُمارس فيها التعليم بشكل منتظم”.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل
من جانبه، يرى والد “علي”: أنه بحاجة الى ولده من أجل مُساعدته، لكونه لا يستطيع الوقوف لوقت طويل بسبب تعرضه سابقاً لإصابة في الفخذ، الأمر الذي جعله يعيش بين نارين الأولى الإرهاق والتعب في أوقات العمل لساعات طويلة في أثناء غياب ولده عن مساعدته، والثانية أنهُ يحمل ابنه أعباء كبيرة تفوق عمره.
ويتحدث قائلًا: “في أثناء غياب علي عن العمل، أقوم بجميع الأعمال بمفردي، وهذا ما يُرهق جسدي، لذا أضطر لأخذ الاستراحة بين الحين والأخر وهي تؤخر العمل، وأبلغ آخر النهار مُنهكًا، بينما حين يكون علي متواجدًا فالعمل يكون أفضل لكونه شابًا ويتحمل ضغط العمل دون معاناة، لافتًا الى أنهُ يحمّل ولده مسؤولية أكبر من عمره لكونه غير قادر على تقديم الدروس له طيلة فترة إغلاق المدارس”.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل

مع سير العمل وضغوطاته، لا يعبأ “علي” بكلام والده، فهو يستيقظ كل صباح بهمة عالية، ويقوم بمعظم الأعمال التي يحتاجها المطعم من تأمين مادة الخبز، وتجهيز الأطعمة ومعدات الطهي، انتهاءً بغسل الأواني في آخر النهار، ويتابع علي قوله “مع ساعات الصباح الأولى اذهب وأجلب الخبز، وأصعد مع والدي في السيارة إلى المنطقة التي نقف فيها بشكل يومي، وهنا يبدأ العمل، حيث أقوم بغسل الخضار، وتقشير البطاطا وتجهيز الببور، في حين يقوم والدي بترتيب بعض الأمور، ثم نقوم بتجهيز السندويش وبيعها للزبائن، ثم انهي العمل بغسل الأواني ووضعها في مكانها المخصص لكي نستعملها في اليوم التالي”.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل
إن انقطاع العملية التعليمة بشكل متكرر دفع “علي” للتفكير في مهنة والده على انها أحد أحلامه رغم حبّه للدراسة، إذ أنّه يجد فيها نافذة يساعد من خلالها والده في العيش بسبب الأوضاع المعيشية المتردية بحسب ما يرى “علي”، ويقول: “أحب الدراسة ولكن تعجبني مهنة “المطعمجي” أي صاحب المطعم، فأتمنى ان افتتح مطعما كوالدي، وابيع السندويش لكن (اريد ان أكون مشهورا)، ومن خلال هذا العمل أقدم العون لوالدي في تأمين مصاريف الحياة”.

بعد اغلاق مدرسته بسبب حملات النزوح الطفل "علي" يعين والده في مطعمه المتنقل
“علي” ليس الوحيد من بين اقرانه، فهناك آلاف الأطفال الذين فقدوا مدارسهم سواء بالقصف أو بإغلاقها بسبب حملات النزوح، وهذا ما يُعتبر كارثة إنسانية مع غياب التوعية والتعليم لجيل كامل، قد تستمر آثارها لسنوات طويلة إن لم تكن هناك حلول جذرية لمسألة التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

للمزيد:

مدرب وبطل دولي في كمال الأجسام يخدم ذوي الإحتياجات الخاصة مجاناً في إدلب

مسجد “الزاوية” الأثري بريف إدلب بلا أذان ولا مصلين.. والسبب النظام السوري