أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع نغطي فيها الفترة من ٢٧ يونيو إلى ٣ يوليو ٢٠٢١. العناوين:

  • إلى أيّ حدّ قد يصل الجولاني حتى يحافظ على إقطاعيته في إدلب؟ الهيئة تطالب الشيشاني بمغادرة إدلب
  • أبو قتادة الفلسطيني يوصي بتحالف طالبان مع الصين
  •  هل يصدق طالبان في زعمهم حماية الأقليات؟ نسأل الآنسة غايسو ياري، مسؤولة شابة في حكومة كابول تنتمي للهزارة الشيعية. الآنسة ياري مفوضة في الهيئة المستقلة للإصلاح الإداري والخدمة المدنية المعنية بضمان الشفافية في تعيينات الحكومة وإدارتها وإخضاعها للمساءلة.

“تحت سلطاننا”

قصة الهيئة مع مسلم الشيشاني ليست مهمة من حيث التفاصيل، فهي ليست جديدة وبعد انقضاض الجولاني على الحراس وغرفة عمليات فاثبتوا، لم يعد هذا السلوك مفاجئاً. المهم في القصة هو ردود الفعل عليها والغاية التي تحققها. في أخبار الآن، نقول: “في كل مرة ينقض فيها الجولاني على منافسيه، يعتقد البعض أنه وصل حدّاً لا حدّ بعده. لكن الحقيقة هي أن لا حدّ لما قد يفعله الرجل. أمير إدلب الصغير لن يتوانى عمّا فيه حفظ لإقطاعيته.”

في ٢٧ يونيو، قال معارضو هيئة تحرير الشام إن الهيئة فرضت على مسلم الشيشاني الخروج من إدلب؛ وتفكيك كتيبته (جند الشام) المرابطة في الساحل خلال مدة أقصاها شهر.

الشيشاني هو مسلم أبو الوليد ينتمي إلى عرقية شيشانية تعيش في جورجيا. هو مراد مارغوشفيلي. شارك في حرب الشيشان واعتقلته القوات الروسية في ٢٠٠٣ وقدمته للمحاكمة بتهمة تشكيل مجموعة مسلحة. أطلق سراحه بعد عامين.

ذهب إلى سوريا في ٢٠١٢. أدرجته الإدارة الأمريكية على قائمة الإرهاب في ٢٠١٤.

بعد يومين، ردّ تقي الدين عمر من مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة وكذّب الخبر واعتبر “إخراج المجموعة من إدلب” شائعة. قال إن بعض المنتسبين إلى “جند الشام” تورطوا في قضايا أمنية وجنائية “وقد طُلب من قاداتهم التعاون لضبطهم ومحاسبتهم” إلا أنهم لم يفعلوا. عمر أكد أن “إدلب وجبهاتها مفتوحة للجميع.”

هذا التصريح بالذات أثار حفيظة “جند الشام”. في ٢ يوليو، أصدر الشيشاني بياناً. أهم ما جاء فيه:

١) أكد الشيشاني أنه طُلب منه “تفكيك الجماعة ومغادرة إدلب،” وأن هذا القرار “نهائي … لا يُسمح بالاستئناف فيه.” وأضاف أن المسؤول الأمني الذي أبلغه ذلك قال له إن السبب في القرار هو أن “السلطة اليوم بيد الهيئة ولن نترك أحداً لا يطيعنا أو ليس تحت سلطاننا.” وغير واضح هنا إن كان الانضمام للهيئة مطروح كمخرج من هذه الأزمة.
٢) يتساءل الشيشاني عن مسألة “السلطان” هذه ويلفت إلى وجود جماعات مستقلة مثل “أحرار الشام، فيلق الشام، أنصار التوحيد.”
٣) اعترف الشيشاني بقضية مطلوبين وقال إنها مسألة حُلّت منذ سنتين.
٤) أكد أن الجماعة مستقلة حتى إنهم لم يأخذوا أي ذخيرة أو لوجستيات من الهيئة؛
٥) وأنهم لم يشاركوا في قتال مع أي فصيل ضد آخر؛ أو في مؤامرات ضد الهيئة.
وأخيراً، ختم الشيشاني بنهاية مفتوحة. أكّد أن لا خيار أمامه فهو مطلوب دولياً بسبب قتاله في سوريا.

في ردود الفعل:

معارضو الهيئة، مثل غرفة رد عدوان البغاة، كتبوا عن “المهاجرين المستقلين بين نيران الدول والجولاني.” وقالوا إن “الهيئة … لن تتوقف حتى تفرغ الساحة من كوادر المستقلين المهاجرين المعتكفين في رباطهم وعملهم العسكري أو أن ينضموا لها أو للجبهة الوطنية.” فإن لم يكن الانضمام للهيئة أو الجبهة، فما الخيار؟ يقول رد عدوان البغاة: ” إذا أراد أحد الخروج من الشام أو فرطَ مجموعته والجلوس فاحتمال كبير أن يتعرض للاعتقال ويسجن.”

المحامي عصام الخطيب المعارض أعاد نشر رسالة وصلته بعنوان: “تناقض عجيب.” قال فيها الكاتب: “طلبو من مسلم الشيشاني الخروج من إدلب بسبب كما يزعمون (التصنيف). أليس من الأولى أن يخرج الجولاني. أو يخرج بعد مسلم الجولاني.”

من الردود اللافتة ما قاله عبدالله المحيسني الذي كان شرعياً في الهيئة ثم انفصل عنهم في سبتمبر ٢٠١٧، ثم اتخذ موقفاً تركياً ومحايداً من الهيئة. هذه من المرات النادرة التي يُلمح فيها بنقد الهيئة. قال عن الشيشاني: “لو أن مثله هاجر لبلدي وقد غزاني … العالم وترك أهله وولده لأعطيته صدر منزلي وبت خارجه.”

الموالون للهيئة، ومنهم أبو محمود الفلسطيني تساءلوا عن هذه الحظوة للمهاجرين. قال: “الشرع لا يميز بين مهاجر وأنصاري، الكل سواسية… المسيء يُعاقب، والعمل هو المعيار وليس المكان.”

الشمالي الحر نقل عن حساب ابن الشهباء قوله: “مسلم الشيشاني لا يملك إلا مجموعة صغيرة ولا يرابط إلا في نقطة واحدة -باردة- من كل المحرر، وقد طُلب منه العمل ضمن العمليات المشتركة وتفعيل مجموعته على الجبهات كما فعلت جميع فصائل الساحة تجنبًا للعشوائية العسكرية والتصرفات غير المضبوطة ولكنه رفض … في كل مرة يُطلب منه المشاركة والعمل كان يتحجج -لدي معسكر، أقوم بالرصد حاليا، يوجد لدي ترتيب.” هذا الكلام كان بتاريخ٢ يوليو. ورواية التفعيل العسكري هذه تختلف تماماً عن رواية مكتب الهيئة الإعلامي.

هوية طالبان

يواصل تنظيم طالبان الاستحواذ على مزيد من المحافظات في أفغانستان زاحفاً باتجاه العاصمة كابول. أنصار القاعدة مبتهجون وكأن هذا انتصار لهم، غير عابئين ببنود الاتفاق مع أمريكا الذي يطالب طالبان بقطع العلاقة مع القاعدة وضمان عدم شن هجمات على أمريكا أو حلفائها من أفغانستان. وهذه مسألة مهمة جداً. إن تمكّنت طالبان من كابول وأتمّت القوات الأجنبية الانسحاب في سبتمبر المقبل، بعد شهرين؛ عالم الجهادية سيكون مختلفاً. كيف ستتعامل طالبان مع القاعدة ومع داعش؟ وهذا أمر يؤرّق بعض الجهاديين.

فمثلاً، لفت هذا الأسبوع، ما قاله حساب عائد احتفت به حسابات وازنة مثل رد عدوان البغاة والدرر السنية التابعة للمقدسي. حساب شبل أسامة أعاد نشر فيديو أعده ترجمان الأساورتي الداعشي وفيه يتحدث شير محمد عباس ستاناك-زاي عن رفض استخدام أفغانستان منطلقاً لهجمات ضد الجوار.

يكذّب الحساب ما جاء في الفيديو ويقول: “إن كان هذا الكلام المترجم صحيحًا حتمًا يحمل معاني ومظاهر الموالاة ضد المسلمين … ولو خرج عن الطالبان هذه التصريحات لعلمنا بها.”

هذا الكلام موجود في الاتفاقية. وفي كل المقابلات التي يجريها كبار طالبان. موجود بالعربية في موقع طالبان، في بياناتهم الأخيرة. وفي مقال الملا عبد الغني برادر، رئيس المكتب السياسي، بتاريخ ٢٠ يونيو يقول فيه إن طالبان “لن تسمح لأي أحد أن يستخدم أرض أفغانستان ضد أمن الآخرين.”

هذه العلاقة بين طالبان والعالم أمر مهم لأنه يحدد الصفة والمهام الجهادية المتعلقة بـ طالبان. هل ستظل طالبان جماعة جهادية؟ أم تكتفي بأن تكون هيئة سياسية؟ هل ستلاحق فلول القاعدة وحتى داعش حماية لأمن دول الجوار؟ في عرف الجهاديين، لا بُدّ من قتال الآخر حتى نهاية العالم.

هذا من ناحية، من ناحية أخرى، أي شكل من التحالفات ستمثلها هذه العلاقة بين طالبان والعالم؟

المحيسني كتب يدعو إلى تحالف تركي طالباني بالنظر إلى الأنباء عن أن تركيا تنوي أن تبقى في كابول لتأمين المطار والسفارات وأن طالبان أرسلوا استفسارات إلى أنقرة. تركيا موجودة في أفغانستان كجزء من قوات الناتو.
حساب الدرر السنية التابع للمقدسي انتقد المحيسني واستنكر الدعوة إلى تحالف مع دولة علمانية.

وكان لافتاً كيف تعامل أبو قَتادة الفلسطيني مع مسألة العلاقة بين طالبان والعالم. أبو قتادة له ملاحظات كثيرة على الاتفاق مع أمريكا والمحادثات المفترضة بين طالبان والحكومة الأفغانية. في تعليقه هذا الأسبوع يتجاوز مسألة الهوية الجهادية لدى طالبان. في تعليقه أمران. الأول، يتساءل: “لماذا تخرج أمريكا من أفغانستان؟” والثاني وهو الأهم يخلص فيه إلى أن طالبان تفعل خيراً إن تحالفت مع الصين بهدف تغيير واقع المسلمين هناك” مقابل السماح للصين بالاستثمار في أرض أفغانستان “الشهية.” مرة أخرى، هذا يشكل معضلة للجهاديين: التحالف مع دولة غير مسلمة؛ دولة كافرة.

وفي عدد شهر يونيو من مجلة الصمود التي تصدر عن طالبان، لفت جزء من مقال عن “استراتيجية الصبر القاتل،” وفيه نقل “محللين” يبدو أنه يطابق توقعات طالبان. ومن ذلك أن طالبان ستترك العاصمة “وحيدة حتى اللحظة الأخيرة،” حتى تستفيد طالبان من تراكم “الدعم” العسكري الذي لا تزال أمريكا تقدمه للحكومة الأفغانية.

وفي العدد، إعادة نشر مقال قصير كتبه أبو حفص الموريتاني بعنوان: “نظام كابل، هل بدأ الانهيار؟” أبو حفص الموريتاني كان شرعي القاعدة إبّان هجمات سبتمبر. فرّ مع من فرّوا إلى إيران وظل هناك إلى أن أطلق سراحه وأعيد إلى موريتانيا حيث يعيش اليوم. ومن المراجعات التي قدّمها بعد هذه التجربة انتقاده أسامة بن لادن وقيامه بهجمات سبتمبر جالباً الهلاك والدمار على أفغانستان.

إنسباير

نشرت مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية للقاعدة في شبه جزيرة العرب العدد السادس من مجلة إشادات وإرشادات وعنوانها العريض هو جريمة كولورادو التي وقعت في مارس الماضي. المجلة تشيد بمرتكب الجريمة، أحمد العيسى، الذي قتل ١٠ أشخاص في متجر. المجلة لم تشر إلى أي علاقة بين التنظيم والعيسى.في الجزء الثاني من المجلة إرشادات إلى “الذئاب المنفردة” مثل أن يحرصوا على بثّ جرائمهم على الإنترنت من خلال فيسبوك؛ أو أن يُكثروا من التكبير.

داعش تطوي صفحة شيكاو

في العدد ٢٩٣ من صحيفة داعش الأسبوعية، النبأ، تفاصيل عن قتل شيكاو. وهي التفاصيل التي كانت متوقعة منذ نهاية مايو على الأقل. شيكاو، زعيم بوكو حرام، قُتل في ١٨ مايو بعد مواجهة مع داعش غرب إفريقيا بزعامة أبي مصعب البرناوي.

لفت في التفاصيل التالي:

١) أن شيكاو “نكث بيعته علانية (أي البيعة لداعش في ٢٠١٥) … وخرج على جماعة المسلمين وأعاد العمل باسم جماعته الملغاة وكفّر مخالفيه.” والحقيقة أن ما سمعناه من الخبراء، ومن الدكتور جيكوب زين تحديداً الأسبوع الماضي، هو أن شيكاو لم يتراجع عن بيعته لداعش وإنما أراد أن تتفهم قيادة داعش خلافه مع البرناوي.
٢) اعتراض داعش على أن شيكاو “هاجم المساجد والأسواق!” وهنا علامة استفهام كبيرة. في يونيو ٢٠٢٠، تفاخر داعش باغتيال الملا إياز نيازي وهو يؤم بالناس في مسجد بكابول؛ وفي مايو الماضي، وفي أيام العيد، قتلوا أكثر من ١٠ مصلين أثناء تأدية صلاة الجمعة في مسجد آخر بكابول.
٣) عن تفاصيل قتل شيكاو نفسه، قال داعش إنه كان مختبئاً مع سبعة من حراسه. استسلم منه ستة. وعندما قُتل السابع، فجر هو سترته الناسفة “فقتل نفسه وطوى صفحته.” يختلف هذا عمّا روي سابقاً، ونقلناه في هذا البرنامج، بأنه قتل نفسه وقائداً من داعش كان يحاول إقناعه بتسليم نفسه.

زكّور ذراع الجولاني

كشف حساب مزمجر الشام على تويتر عن هوية أبي أحمد زكور، قائد جيش حلب التابع للهيئة، ومسؤول الدائرة الاقتصادية سابقاً. يُقال إنه الآن ينسق مع جماعة درع الفرات التابعة للجيش الوطني (الجيش الحر) المدعوم تركياً. مزمجر نشر صورته واسمه الحقيقي: جهاد عيسى الشيخ. وهذا استفز الشيخ، فنشر سيرته الذاتية. الأحداث ذاتها في الحسابين مع اختلاف التفاصيل. فمثلاً، يقول مزمجر إنه تتلمذ على أبي القعقاع محمود أغاسي الذي قيل إنه ثبت تورطه مع المخابرات السورية. الشيخ/زكور يقرّ بذلك ويقول إنه خُدع. هذا الأخذ والرد أعاد الحديث عن “تحالف” الهيئة مع “الجيش الوطني” الذي وصفه الجولاني سابقاً بأنه مرتد. وتساءلوا كيف يستقيم معه التحالف مع مرتد؟

المعابر

قال مزمجر الثورة السورية إن ٩٣ شاحنة مساعدات إغاثية أممية دخلت إدلب من معبر باب الهوى على أن تذهب إلى النازحين وسكان المخيمات إلا أنهم لا يرون منها شيئاً، حيث أن جماعة الجولاني يأخذونها أو يعيدون تغليفها وبيعها في الأسواق.

مزمجر نشرفرق الأسعار عند حكومة الجولاني في إدلب وعند الجيش الوطني في درع الفرات. أسعار إدلب أغلى.

البريطاني والأمريكي

وصل أبو حسام البريطاني إلى مناطق درع الفرات التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني هرباً من بطش هيئة الجولاني. أبو حسام كان معتقلاً لدى الهيئة أثناء الانقضاض على حراس الدين وغرفة عمليات فاثبتوا قبل حوالي عام.
أبو حسام يتبع بلال عبدالكريم الأمريكي الذي كان أيضاً معتقلاً لدى الهيئة وخرج في فبراير الماضي خروجاً مشروطاً بألّا يتطرق للهيئة فيما يفعل أو يقول على الأقل مدة ثلاثة أشهر. ما إن انقضت المدة حتى خرج من إدلب.

الوزير الخليف

نقل معارضو الهيئة أن الهيئة أعدمت أحد المتهمين بقتل الوزير فازي الخليف وزير التعليم العالي. حساب أبو يحيى الشامي قال إن هؤلاء “ظُلموا” بحرمانهم من حق الدفاع عن أنفسهم في محاكمة علنية.

غايسو ياري

بالعودة إلى موضوع طالبان، نرحب بالآنسة غايسو ياري، المفوضة في الهيئة المستقلة للإصلاح الإداري والخدمة المدنية. هذه الهيئة معنية بضمان الشفافية في تعيينات الحكومة وإدارتها وإخضاعها للمساءلة. الآنسة ياري عملت كذلك طويلاً في تقييم أثر الحرب في مناطق مختلفة من أفغانستان. للآنسة ياري معرفة شاملة بما يحدث في بلدها.

مرصد الجهادية: ما هو المزاج العام في بلدك مع اقتراب انتهاء الانسحاب الأمريكي وتسارع زحف طالبان باتجاه العاصمة. ما هو المزاج العام في الشارع؟

الآنسة ياري: مشاعر مختلطة. هذا هو الواضح. مشاعر مختلطة تجاه الانسحاب الأمريكي وتجاه الحرب التي تؤججها طالبان خاصة في المناطق التي كانت خارج سيطرتها. أعتقد أن الشعب الأفغاني وخاصة في كابول والمدن الكبرى كانوا يعلمون بأن هذا الأمر سيحدث لا محالة. كانوا مستعدين ذهنياً للانسحاب الأمريكي وأن أمريكا لن تبقى في أفغانستان إلى الأبد. إنها فوضى عارمة. وأحياناً تتحول إلى قلق خاصة بالنسبة للجيل الذي ولد خلال العشرين عاماً الماضية. ماذا سيحدث في البلد بعد أن تنسحب أمريكا. الأمر الوحيد الذي ربما يمنحنا الأمل قليلاً هو الإلتزام من جانب القوات الأمنية لصد القتال. إن نظرنا إلى الأشهر الستة الأخيرة نجد أن السردية العامة في البلد تغيرت ما تسبب في المزيد من القلق من أثر الانسحاب الأمريكي على أفغانستان عسكرياً وسياسياً. السردية كانت أننا نحتاج إلى مفاوضات السلام وإلى إنجاح المفاوضات وتحقيق المصالحة حتى نشعر بأثرها قبل الأنسحاب الأمريكي. لكن السردية خلال الأشهر الماضية تغيرت. صرنا بحاجة إلى دعم القوات الأمنية. الناتو ودول أخرى وعدت بدعم الحكومة سياسياً ولوجستياً. هذه سردية الحرب. سردية من سيقاتل طالبان بدلاً من سردية إنجاح عملية السلام. لقد تضعضعت عملية السلام.

السردية تتغير وبسرعة شديدة. وهذا أكثر ما يقلنا هذه الأيام. ثم أن الحرب النفسية التي تقوم بها طالبان قوية جداً. إنهم يلعبون لعبة مختلفة على السوشيال ميديا مختلفة عمّا يحدث على أرض الواقع. ساعطيكي مثلاً. على تطبيق club house دعا شاهين المتحدث باسم طالبان إلى مخاطبة الناس ووعدهم بأن أمراً لن يتغير وأن طالبان لن تؤذينا وأن على الشباب ألاً يهاجروا من البلد لأن طالبان ستؤمن لهم الأمن والأمان. ولكن عند سؤاله عن التفاصيل تغيرت روايته خاصة ما يتعلق بالمرأة. أول سؤال سألته امرأة كان: هل تؤمن بعمل النساء. قال: فقط إن كان ضرورياً. ماذا يعني هذا؟ أحدهم أعطى مثلاً أن له بنات وزوجة ولن يرضى أن تذهب بناته وزوجته إلى طبيب. ولهذا مسموح للنساء أن تصبح طبيبات. ولكن غير مسموح لهن ممارسة أعمال أخرى. السؤال الثاني الذي طُرح عليه كان: هل تؤمن بالديمقراطية والانتخابات؛ فأجاب: لا. لا نؤمن بالديمقراطية أو الانتخابات. هذه الرسائل المختلطة التي تأتي منهم تدل على أنهم لم يتغيروا خاصة ونحن لا نزال نسمع قصصاً من المناطق التي خضعت لسلطة طالبان حيث يأمرون الرجال بأن يلبسوا العمم وأن يطلقوا اللحى وأن تلتزم النساء المنازل. وفي منطقة فراه حرقوا المدارس وأغلقوها. أساليبهم على الأرض لم تتغير، لكنهم يلعبون بالعقول حتى يطمئن الناس ويقبلون بهم. الشعب الأفغاني والشباب الأفغان ليسوا ضد السلام. نحن نحتاج إلى إنجاح السلام. وعلى الأفغانيين أن يجتمعوا ويتحدوا حتى يجدوا حلاً للوضع السائد في البلد اليوم.

مرصد الجهادية: منذ فترة، نُشرت مادة طويلة في إحدى المراكز البحثية الأمريكية تشيد بالحياة في ظل طالبان. أنتِ كنتِ في الثامنة عندما حكم طالبان أول مرة، وكنت في الـ ١٣ عندما هاجمت أمريكا أفغانستان. لا بد تذكرين كيف كانت الحياة في ظل طالبان. هل ممكن أن تصفي لجمهورنا مشهداً من تلك الحياة؟

الآنسة ياري: بالطبع. الحياة تحت حكم طالبان لم تتغير. لم تغير طالبان أساليبها وستظل هي ذاتها في المناطق التي تسيطر عليها. ذكرتِ كندهار. حصلنا على صوتيات وصور وفيديوهات من هناك يظهر فيها تدمير العمارة، و المستشفيات والمدارس الأمر الذي سيؤثر على الاقتصاد وسيتسبب في تعطيل التنمية في المدارس والنظام الصحي. هكذا كان الحال عام ١٩٩٦. أنا عشتُ في ظل حكم طالبان وشهدت دخول الأمريكيين إلى أفغانستان في ٢٠٠١. أجبرت على زواج دُبّر لي وأنا في السادسة من عمري. فقدت والدي وتسعة من أقرباء والدتي. هذا الضغط النفسي الذي تعرض له أبناء جيلي أثقل كاهلنا. جيلي تعب من الحرب وطالبان تعبوا من الحرب والشعب الأفغاني تعب من الحرب. نعم. الألم شديد. لكن الحل لا يكمن في الحرب والمعاناة. يجب ألا يموت شباب اليوم في هذه الحرب. يجب أن نلتقي معاً ونتفاوض. نسمع أن الحياة رهيبة في المناطق التي تسيطر عليها طالبان. عائلتي في محافظة غزني. وكلما انتقلوا من مكان لآخر أوقفهم طالبان واضطروا لدفع مبالغ كبيرة لطالبان حتى يعبروا. هذه الأمثلة على قسوة الحياة في محافظات الشمال موجودة حيث لا سبيل للحصول على تعليم أو طبابة أو الحاجات الحياتية الأساسية بما يختلف عن الحال في المدن التي لا تسيطر عليها طالبان.

مرصد الجهادية: أنتِ كبرتِ في محيط شيعي. الهزارة تحديداً. و”الشيعة” موضوع مهم في الخطاب الجهادي. وطالبان يؤكدون أنهم لن يتعرضوا للأقليات. إلى أي درجة تثقين بهذا الكلام؟

الآنسة ياري: لا نثق بهم. الأمثلة كثيرة على أساليبهم التي يطبقونها على الأرض بما يضرُّ بمجتمع الهزارة في هذا البلد. وُلدت في منطقة مأهولة بالهزارة. أهلي من الهزارة الشيعة. أذكر داعش في العراق وسوريا ومعاملتهم للشيعة. ونحن هنا نعاني من خطر طالبان على أقلية الهزارة الشيعية. وكذلك يوجد خطر داعش. الشهر الماضي وقع انفجار غرب كابول. شهداء المدارس وحجم المأساة التي يعيشها الهزارة فقط لأنهم هزارة. حتى عندما ينتقلون من منطقة لأخرى يتعرضون للمضايقات الجسدية والشفهية من جانب طالبان. تستطيع طالبان أن تطلق الوعود الشفهية ولكن في الحقيقة لا توجد ضمانات أنهم سيحمون الهزارة. ما تفعله طالبان الآن هو أنهم يستخدمون أساليب حتى يضمنوا أن الهزارة لن ينقلبوا ضدهم. لأنه لو حدث هذا لأصبحت الحرب أصعب على طالبان.

مرصد الجهادية: نحن في الشرق لا نعرف الكثير عن أفغانستان. لكن يبهرنا مستوى التعليم الذي تظهر به الأفغانيات. أنتِ كبرتِ في وقت الحرب ودرستِ في أمريكا ولكن اخترتِ العودة إلى بلدك في وقت حساس ووصلتِ إلى هذا المنصب القيادي. ماذا سيحدث للشباب والشابات في بلدك الذين لم يعيشوا الحرب؟ أو ولدوا بعد ٢٠٠١؟

الآنسة ياري: هذا سؤال مهم. ويتعلق بالمشاعر المختلفة التي نشعر بها. جيل كامل جاء بعد الحرب ولم يختبر من الحرب شيئاً. شابات همهم في الحياة أن يتعلمن وأن يعملن وأن يصبحن جزءاً من التنمية في هذا البلد. الحرب مصدر قلق لهن ولهذا الجيل. أنا اختبرت الحرب. تجرعت طعم المعاناة وأعرف ما يعنيه أن أضطر لترك بلدي وأعيش في أمريكا ثم أعود إلى بلدي. أنا جربت كل هذا. عندي من النضوج ما يؤهلني للتعامل الذهني والنفسي مع كل هذا. لكن الشباب وضعهم مختلف. يقلقون من مستقبلهم ضاع. في نفس الوقت، يستطيع هؤلاء الشباب أن يقدموا الكثير لهذا البلد لو أتيحت لهم الفرصة. لكن إن تعمقت الحرب وانهارات المؤسسات فسيضيع الأمل. أنا شخصياً سأظل أعمل وأكافح من أجل بقاء المؤسسات. نعم، ثمة فجوات في العمل المؤسسات على مدى ٢٠ عاماً من الانقطاع. وثمة فساد. ولكن الشعب عازم على العمل من أجل الأفضل. تشكل النساء ٢٩٪ من القوة العاملة في الحكومة سواء في الولايات أو في العاصمة؛ وهنّ مستعدات للعمل. لن يتركن العمل في المؤسسات. لكن طبعاً بحسب طالبان فالمسموح هو العمل كطبيبة وليس كسياسية. هذه ليست بيئة تشجع أحداً على العمل. ويشكل هذا مصدر قلق للنساء وأتمنى أن يتغير هذا الحال.

مرصد الجهادية: تأملين أن يتغير شيئ. يبدو أنه لا توجد خطة. ماذا ستفعلين بعد شهرين؟

الآنسة ياري: سُئلت مرة إن كنت سأغادر البلد. أستطيع أن أغادر البلد. عائلتي تستطيع مغادرة البلد. نساء كثر يستطعن مغادرة البلد. ولكن العلاقة التي تجمعها ببلدنا قوية بحيث لا يستطع أحد أن يمنعنا من بلدنا. طالبان يقولون للشباب لا تتركوا البلد نحن بحاجة للطاقات من أجل البناء وحكم البلد ولكن لا توجد أي ضمانات لهذا. نحن لا نثق بطالبان. سوف نستمر في الدفاع عن حقوق المرأة سواء وصلت طالبان للحكم أم لا. المرأة الأفغانية تعرف كيف تكافح من أجل حقوقها. وثمة نماذج في دول كثيرة تكافح فيه النساء من أجل الحصول على حقوقهم وسط حكم ضيق الأفق. لن نموت ونحن ندافع عن حقوقنا. أسمع قصصاً عن نساء انتظمن في جماعات وحملن السلاح وهنّ مستعدات للدفاع عن مجتمعاتهن. هذه أفعال قوية وجريئة. وهذا يمنحنا الأمل. قد لن نقاتل بالسلاح ولكننا بالتأكيد سنقاتل بأصواتنا. قد تموت نساء في المناطق التي تسيطر عليها طالبان. ولكن هذا يجب ألا يقطعنا من الأمل. أنا شخصياً لا أستطيع أن أعيش إن فقدت الأمل. مسؤوليتي هي أن أظل أعمل حتى لو كان عملاً بسيطاً لأن كل عمل مهم.

مرصد الجهادية: أنت غادرت أفغانستان قبل أن تبلغي ١٨ سنة للدراسة في الخارج وكنت تهربين من زواج مدبر من رجل حليف لطالبان.

الآنسة ياري: في الصف الثاني عشر كنت أبلغ من العمر ثماني عشرة عاماً. وكانوا يعدون لحفل زفافي ويُعدّون لذهابي إلى بيت الرجل الذي سيتزوجني وكان ابن زعيم حرب. في نفس الوقت حصلت على فيزا من أمريكا لحضور مؤتمر. ذهبت ولم أعد طوال ثماني سنوات. عدت في عام ٢٠١٨.

لمتابعة النسخة التلفزيونية: