الذهب والعملات الرقمية.. أيهما آمن؟

تشهد الاستثمارات المالية تحولات عدة في هذه الفترة، فبعد أن بلغت موجة التضخم ذروتها في العالم، بدأ الحديث عن قرب حدوث حالات ركود، أو ركود تضخمي، لذلك يبحث الجميع عن حماية أصولهم المالية.

الركود التضخمي هي حالة نمو اقتصادي ضعيف تصاحبها بطالة عالية، أي ركود اقتصادي، يرافقه تضخم، وتحدث هذه الحالة عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد لكن في الوقت ذاته هنا ارتفاع في الأسعار.

تحدث هذه الحالة، في وقت قيام “ثورة على الدولار”، كما يسميها بعض الاقتصاديين، من خلال قيام بعض الاقتصادات الناشئة بدراسة التحول التجاري بعملات محلية بديلة عن الدولار، الذي أصبح قويًا بفضل رفع أسعار الفائدة في السنة الأخيرة.

يرى روتشير شارما، الرئيس الحالي لـ Rockefeller International، أن 30% من بلدان العالم تواجع عقوبات من نوع ما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة، ارتفاعًا من 10% في أوائل التسعينيات.

لذلك، بحسب شارما، تفكر 110 دولة، وهي تمثل 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في البحث عن بدائل للدولار، وبدأ بعضها في تجب اختيار الدولار كاحتياطي نقدي لصالح بدائل، من بينها الذهب والعملات الرقمية.

مع مخاوف الركود التضخمي.. هل يصبح الذهب والعملات الرقمية ملاذًا آمنًا؟

الذهب

في الأيام الأخيرة، أدى ارتفاع الطلب على المعدن الأصفر إلى حد دفع سعره القياسي لأكثر من 2،075 دولارًا أمريكيًا للأونصة خلال الستة أشهر الماضية بعد أن كانت الأونصة بـ1،710 دولارًا أمريكيًا.

قال بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش في تقرير بعنوان الحالة الجديدة للذهب إن الذهب هو “هذا الشيء النادر، وهو تحوط غير مرتبط بمكافحة التضخم المصحوب بالركود”، أو ما يعرف بالركود التضخمي.

يُنظر إلى المعدن الثمين منذ سنوات على أنه ملاذ آمن في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية. لكن الاستراتيجيين قالوا إنه في هذه الأيام، مع انخفاض أرباح الشركات، وبقاء التضخم مرتفعًا وفقدان العملات الرئيسية لقيمتها، يبدو الأمر جذابًا بشكل خاص.

كانت أسعار الذهب تتجه صعوديًا مع تزايد الاستثمار فيه خوفًا من تباطؤ الاقتصادات وزيادة ضغوط الائتمان والمخاطر الجيوسياسية.

ويعتبر البنوك المركزية من كبار المشترين للذهب، وقد ارتفعت عمليات شرائهم للذهب في عام 2022 بنسبة 150% لتصل إلى أعلى مستوى في 55 عامًا.

وقال المحللون الاستراتيجيون في بنك أوف أميركا: “إذا استمرت البنوك المركزية في الشراء وزادت التدفقات إلى صناديق الذهب المتداولة في البورصة، فمن المفترض أن يمتد صعود الذهب”.

الدافع الآخر للطلب هو المخاوف بشأن الدولار الأمريكي، فقد أصبح المستثمرون قلقين بشكل متزايد بشأن بقاء العملة الأمريكية، والتي تواجه ضغوطًا من المنافسة العالمية وأعباء الديون المتزايدة.

في غضون ذلك، تتلاشى فرصة حدوث رياح معاكسة أو تراجع محتمل للذهب، ويتوقع المحللون الاستراتيجيون في بنك أوف أميركا سعرًا قدره 2200 دولار أمريكي للأوقية بحلول الربع الأخير من هذا العام.

يدعم تحليلهم الفني هذا الارتفاع ويتوقعون أن الأسعار قد تصل إلى 2543 دولارًا أمريكيًا.

مع مخاوف الركود التضخمي.. هل يصبح الذهب والعملات الرقمية ملاذًا آمنًا؟

العملات الرقمية

بسبب التحولات المالية والجيوسياسية، اكتسبت العملات الرقمية، التي كان ينظر إليها باعتبار استثمار متقلب، قيمة توازي قيمة الذهب.

تعزز الارتباط بين العملات الرقمية والمعدن الثمين بشكل تدريجي منذ مارس، مما وفر للمستثمرين ملاذًا آمنًا في مواجهة الأزمة المصرفية المتزايدة وارتفاع أسعار الفائدة.

مع استمرار اهتزاز النظام المالي بسبب الأزمة المصرفية، يلجأ المستثمرون إلى البيتكوين كملاذ آمن لأموالهم.

يتم تداول بيتكوين حاليًا بالقرب من 30،000 دولار ووفقًا لشركة Kaiko لتحليلات السوق، فإن ارتفاع الطلب على بيتكوين يرجع إلى زيادة ارتباطها بالذهب.

منذ مارس، عندما أغلق المنظمون البنوك الصديقة للعملات المشفرة، مما أدى إلى أزمة مصرفية، تعزز الارتباط بين العملة الرقمية والذهب بشكل تدريجي. نتيجة لذلك، تحول المستثمرون إلى بيتكوين كبديل أكثر موثوقية للذهب.

نظرًا للتغيرات المتكررة في الأسعار والافتقار إلى الرقابة التنظيمية، يُنظر إلى بيتكوين منذ فترة طويلة على أنها استثمار خطير. ومع ذلك، فقد ظهر مؤخرًا كأصل ملاذ آمن للمستثمرين الذين يبحثون عن تحوط ضد مخاطر السوق النموذجية.

على عكس العملات الورقية والأصول التقليدية الأخرى، لا تخضع بيتكوين لسيطرة البنوك المركزية، مما يجعلها أقل عرضة للتضخم والتدخل الحكومي.

علاوة على ذلك، فإن الطبيعة اللامركزية للبيتكوين تمنح المستثمرين سيطرة أكبر على أصولهم وتحد من تعرضهم للمخاطر النظامية.

كما أن العرض المحدود والندرة الرقمية تجعله تحوطًا من التضخم، حيث لا تتأثر قيمته بالسياسة الحكومية أو قوى الاقتصاد الكلي. نتيجة لذلك، نمت شعبية بيتكوين كأصل آمن، لا سيما خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات السوق.

مع مخاوف الركود التضخمي.. هل يصبح الذهب والعملات الرقمية ملاذًا آمنًا؟

عملة بتكوين الرقمية (غيتي)

أيهما أفضل للتحوط؟

يحدث التضخم عندما يكون هناك زيادة في مستوى الأسعار العامة للسلع والخدمات في الاقتصاد. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للنقود وتقليل القيمة الحقيقية للمدخرات، لذلك يُنظر إلى الذهب تقليديًا على أنه وسيلة تحوط ضد التضخم لأن سعره غالبًا ما يرتفع عندما تنخفض قيمة النقود.

في حين أنه من الصعب التنبؤ بما إذا كان الذهب سيكون فئة الأصول الأفضل أداءً في السنة المالية 2024، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تشير إلى أنه يمكن أن يوفر عوائد إيجابية على المدى الطويل، وتشمل هذه العوامل دوره كملاذ آمن وتحوط ضد التضخم، فضلا عن قدرته على الاستفادة من العجز التجاري وانخفاض قيمة العملة.

أما بالنسبة للعملات المشفرة، فقد تكون مرتفعة هذه الأيام، بسبب زيادة الطلب عليها، وقد تحقق مكاسب على المدى القصير، بسبب زيادة الطلب، لكنها بطبيعة الحال تسير ضمن سوق متقلب، فقد تنهار في يوم وليلة بسبب زيادة المبيعات وجني الأرباح، وقد يستمر ارتفاعها لأرقام كبيرة.

وبشكل عام ينصح الخبراء الاقتصاديين عدم وضع كل ثروتك في أصل واحد، ويوصي معظم المستشارين الماليين بحيازة ما لا يزيد عن 5٪ إلى 10٪ من محفظتك الاستثمارية في المعادن الثمينة، وهذه النسبة تنطبق أيضًا على العملات الرقمية.

تتيح لك هذه النسبة تعويض أي خسائر في قيمة العملات، وفي نفس الوقت تحميك من تقلبات سوق العملات الرقمية، أو انخفاض الذهب المفاجئ نتيجة ارتفاع الدولار.