يبدو أنّ الصين قرّرت ضرب “إمبراطورية” رجل الأعمال الصيني جاك ما، وذلك بعدما فتحت السلطات في البلاد، مؤخراً، تحقيقاً ضد مجموعة “علي بابا” التي يملكها الملياردير الشهير، بشبهة قيامها “بممارسات احتكارية”.

وخلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، علقت الصين طرح شركة تكنولوجيا الدفع الإلكتروني الصينية “آنت غروب” للاكتتاب العام في شنغهاي وهونغ كونغ بصورة مفاجئة.

ويأتي تعليق الاكتتاب، بعد أن كانت مجموعة “آنت” تستهدف جمع 35 مليار دولار في أكبر عملية اكتتاب في الأسواق العالمية. وتقول السلطات أنها اكتشفت في وقت متأخر مجموعة من أوجه القصور التي تتطلب إصلاحاً في المجموعة المالية الصينية، على حد قولها.

جاك ما ليس أكبر من الحزب الشيوعي

أساس حرب الصين ضدّ ”جاك ما“.. ”الخضوع للحزب الشيوعي أولاً وأخيراً“

صورة لرجل الأعمال الصيني جاك ما. المصدر: getty

وفعلياً، فإنّ الإجراءات التي تتخذها الصين ضدّ جاك ما تشيرُ إلى أنها تسعى لضرب كل من لا يخضع تماماً لمصالح الحزب الشيوعي الصيني، كما أنها تريدُ إحباط نجاح كل الأشخاص الذين ينتقدون سياسة بكين خصوصاً في الاستثمارات ويوجّهون سهامهم نحوها.

وبحسب وكالة “بلومبيرغ“، فإنه مع اخضاع “إمبراطرويته” للتدقيق، نصحت الحكومة الصينية جاك ما بالبقاء في البلاد، وذلك وفقاً لشخص مطلع على الأمر. وبينما يتم كبح ثروته ونفوذه، فإن ما ليس على وشك السقوط الشخصي، وبدلاً من ذلك، فإن توبيخه العلني هو تحذير من أن بكين قد فقدت صبرها مع القوة الهائلة لأقطاب التكنولوجيا لديها، والتي يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها تهديد للاستقرار السياسي والمالي الذي يحظى به الرئيس شي جين بينغ.

وكانت شركات التكنولوجيا حشدت مئات الملايين من المستخدمين في الصين وكسبت التأثير عليهم، غير أن السلطات هناك لن تسمح لأي جهة بالتفوق عليها أو بأخذ الأضواء منها.

وتقول رانا ميتر، الأستاذة المتخصصة في السياسة الصينية في جامعة أكسفورد: “يحاول الحزب الشيوعي الصيني توضيح أن جاك ما ليس أكبر من الحزب، إلا أنه يريدُ أيضاً إظهار أن الصين مكان جيد للقيام بأعمال تجارية، وهذا يعني أن الحزب بحاجة إلى إظهار أن رجال الأعمال يمكن أن ينجحوا”.

وكان المكتب السياسي الصيني، الذي يعدّ أعلى هيئة صنع قرار للحزب الشيوعي، قد أكد في ديسمبر/كانون الأول، على الحاجة إلى اشراف أقوى لمكافحة الاحتكار ومنع التوسع غير المنضبط لرأس المال، وهي إشارة إلى أن الشركات الخاصة يمكن أن تتوقع ضوابط أكثر صرامة.

ولطالما صقل جاك ما صورته كمُتمرّد يقاتل النظام الصيني، ودائماً ما كان يعزز وجوده وقوته في المعارك التي يخوضها، كما أن شركاته اشتبكت مع مجموعة كبيرة من الكيانات القوية خصوصاً تلك المدعومة من الدولة. وشهدت العلاقات بين رجل الأعمال الشهير وحكومة بلاده سنوات من الشد والجذب بسبب النمو السريع لشركاته التي تعمل في المجال الرقمي والتكنولوجي.

وفي 24 أكتوبر، عندما ألقى “جاك ما” كلمته في منتدى مالي في شنغهاي حضره كبار المنظمين والسياسيين والمصرفيين، قال إن “الاكتتاب العام الأولي لشركة “آنت” معجزة”، لكونه صفقة ضخمة تجري بعيداً عن نيويورك. وحينها، كان من بين الحضور نائب الرئيس الصيني ” وانغ كيشان” ، ومحافظ البنك المركزي “يي جانج “وبعض كبار المسؤولين التنفيذيين في البنوك الحكومية.

وحينها، انتقد جاك ما خلال خطابه حملة بكين للسيطرة على المخاطر المالية، وقال: “لا توجد مخاطر أكيدة في النظام المالي الصيني”، أضاف “التمويل الصيني ليس له نظام”.

كذلك، استهدف جاك ما المنظمين بالقول أنهم “ركزوا فقط على المخاطر وتجاهلوا التنمية”، متهماً البنوك الصينية الكبرى بـ”عقلية الرهن”. وتابع: “هذا أضر بالكثير من رواد الأعمال”.

ومع هذا، قال ما” إنه “يريد المساعدة في حل المشكلات المالية للصين من خلال الابتكار”، لكنه انتقد التكتم على بعض المعلومات التي تعيق تطوير التكنولوجيا وتقدم الاستثمار هناك.

وانتشرت تصريحات جاك ما على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، حيث أشاد بعض المستخدمين بجرأة الملياردير الشهير على التحدث علانية. وبعد ذلك قرر الرئيس الصيني إغلاق الطرح العام الأولي لمجموعة “آنت”، وفق مسؤولين، ما أدى إلى تعليق صفقات الاكتتاب في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويبرز جاك ما كواحد من أقوى رجال الأعمال الصينين، ويصنف ثالث أغنى رجل في الصين، وفق ما كانت أعلنته مجلة “فوربس” الشهيرة بثروة إجمالية تقدر بـ 60 مليار دولار. وبذلك يكون جاك ما متفوقاً على العديد من الشركات التكنولوجية الصينية، ومن أبرزها “هواوي” التي تبلغ ثروة مؤسسها “رين تشينغ في” نحو مليار، و400 مليون دولار فقط.

وإزاء كل ذلك، فإن جاك ما يخضع لعقوبات قاسية من قبل الرئيس الصيني وأمين عام الحزب الشيوعي شي جين بينغ كونه طلب مجموعة بيانات حول الأسواق ، وانتقاده لسياسة التعامل مع المستثمرين.

وتعتبرُ القضية التي يواجهها جاك ما دليلاً واضحاً على أن الحزب الشيوعي الصيني يريدُ إحكام سيطرته على الشركات، وجعلها خاضعة لسيطرته بشكل كامل والتحّكم بها كما يحلو له. كذلك، فإنّ هذه الشركات لا تتمكن من رفض أي طلب للحزب، ما يجعل منتجاتها خصوصاً التقنية تحت سيطرة الحزب الذي يمكنه استخدامها لأغراض خبيثة.

ويقول مسؤول صيني رفيع المستوى لـ “وول ستريت جورنال”: “الرئيس الصيني لا يهتم من أين أتيت بالثروة .. هو يهتم فقط بما تقوم به بعد أن تصبح ثرياً وهل اهتماماتك تتواءم مع مصالح الصين من وجهة نظره”.

الصين وكورونا.. جيوش الكترونية لإخفاء “الحقيقة المرة” على الصعيدين الرقمي والميداني

أفضل نظام للمعلومات المضللة في العالم ليس في موسكو، بل في بكين. ويُظهر تسريب جديد كيف سحبت بكين البرامج المتخصصة، والرقابة والمتصيدون والمخبرون، وكذلك الشرطة للسيطرة على نشر أخبار فيروس كورونا، في حين أنّ الضوابط كانت تستهدف الجمهور الصيني في المقام الأوّل، وكان المسؤولون على دراية بسعيهم إلى استخدام الرقابة للتأثير على الآراء في الخارج.