أخبار الآن | دمشق – سوريا (قيس الدمشقي)

دمشق بلا ضجيج، قد يكون الأمر في ظاهره إيجابيا قبل أن نعرف أن سبب هذا الصمت الذي سيطر على أحياء وشوارع المدينة يعود إلى أزمة الوقود والمحروقات الخانقة التي تعيشها سوريا في أسوأ مظاهر هذه الأزمة منذ ست سنوات على الرغم من تكرارها بين الحين والآخر، حيث ينحصر الضجيج عند أطراف محطات الوقود التي يتوفر فيها كم يسير من البنزين والذي لايكفي لطوابير مئات السيارات الواقفة على قوائم الانتظار. 

وخلف تلك الطوابير حكاية تقول: فتش عن الإيراني. 
 
فهذه الأزمة القديمة الجديدة التي تعيشها البلاد أخذت شكلا تصاعديا مع وجود عجز شبه تام من الحكومة لتأمين المواد المفقودة، خاصة وأنها استهلكت بشكل شبه كامل جميع احتياطاتها من البنزين والديزل والغاز بعد أن فقدت جميع مصادر الطاقة التي سيطر داعش على آخر آبارها وحقولها في ريف حمص الشرقي وصولا إلى تدمر وخاصة في جحار والمهير وحيان. 

كان البديل يأتي على عجل من خلال مايعرف باتفاقيات خطوط الائتمان بين النظام وإيران، تلك الأخيرة التي كانت تأخذ على عاتقها استمرار خطوط الإمداد واستيراد البواخر المحملة بجميع مصادر تشغيل الطاقة والوقود وشحنها إلى موانئ طرطوس واللاذقية، ولكن المصادر من داخل وزارة النفط مع مصادر متقاطعة من ميناء اللاذقية، أكدت أن جميع الشحنات الإيرانية متوقفة منذ أربعة أشهر، وذلك لسببين رئيسيين. 

الأول اقتصادي يتمثل بتخوف طهران من تفاقم الديون وعجز النظام عن سدادها إن كان عبر البضائع أو نقدا، فهذه الديون تجاوزت المليارات العشرة من الدولارات، ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط إلى ضعفين تقريبا، وقد عزز هذه المخاوف اطلاع إيران الوثيق على حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي نفذ تقريبا، ولم تعد قنوات الدعم من هنا أو هناك قادرة على تغطية النظام اقتصاديا، ماينذر بانهيار اقتصادي شامل. 

القلق الإيراني اقتصاديا حاول رئيس الحكومة عماد خميس تبديده أو التخفيف من وطأته خلال زيارته الشهر الماضي للعاصمة الإيرانية، حيث أبرم اتفاقيات جديدة بمنح إيران مزايا في قطاعات النقل والصناعة والاتصالات وحق تشغيل الشركة الثالثة من مجال الخليوي، وغيرها من المزايا الأخرى. 

وبناء عليه وعدت إيران باستئناف إمدادات المحروقات والنفط، وهو مايبرر الوعود المتكررة من وزراء الحكومة السورية المعنيين  بأن البواخر في طريقها إلى الموانئ كترجمة للوعود الإيرانية التي لم تنفذ حتى إعداد هذا التقرير. 

وهذا يأخذنا إلى التخوف الإيراني الأبعد من الواقع الاقتصادي، والذي تمثل بإحساس طهران أن ثمة طبخة روسية ليست ببعيدة عن أصابع النظام لتحجيم دور إيران في سوريا وفق صفقة واسعة مع تركيا والولايات المتحدة في عهد إدارة دونالد ترامب. 

طهران وصلتها تقارير تفيد بأن النظام على استعداد لبيعها في لحظة دفء مع أمريكا وتركيا، وحتى لا نبالغ في شكل هذا البيع، فإن المعلومات الواردة تتحدث عن رسالة بلغها بشار الأسد لروسيا بأنه منفتح على أي تقارب مع أنقرة وواشنطن وفق ماتراه موسكو مناسبا. 

وبالتالي فإن طهران تبلغت الرسالة بأن الانفتاح على تركيا سيكون حتما في الشمال حيث هناك حلب التي استنزفت الضباط والعناصر الإيرانيين وعناصر حزب الله وكافة الميليشيات العاملة تحت إمرة الحرس الثوري، الأمر الذي اعتبرته طهران طعنة عميقة في ظهرها، على الرغم من محاولات الأسد إقناع إيران بعكس ذلك من خلال الوفود الإيرانية التي لاتكاد تخلو من مكتب الرئاسة في قصر الشعب. 
 
هذا الأمر ولّد حالة من انعدام ثقة طهران بالنظام، وبدأت مبكرا بإرسال الرسائل العقابية شديدة التأثير لتقول من خلالها أنها قادرة على خنق النظام اقتصاديا وعسكريا بعد أن عملت طوال سنوات على مسك خيوط اللعبة بأيديها، وقد جاءت الخطوة الإيرانية بحرمان النظام من الإمدادت النفطية في وقت خبيث ومدروس تزامن مع ذروة الحاجة للمحروقات في فصل الشتاء. 

إضافة إلى سيطرة داعش على مصادر الطاقة المتبقية، وهذا ماجعل بعض المحللين 1يذهبون بعيدا بأن إيران كانت تريد لداعش أن يسيطر على آبار النفط والغاز قرب تدمر لرفع مستوى تأثير عقوباتها التي نجحت في تحويل مناطق سيطرة النظام إلى نقاط عمياء بعد أن وصل تقنين الكهرباء إلى ساعة تشغيل مقابل 8 ساعات انقطاع ( وهذا في المناطق المميزة )، فبعض المناطق الملاصقة للعاصمة قد لا ترى الكهرباء أكثر من ساعة أو ساعتين كحد أقصى يوميا.

أما عن التدفئة فحدث ولا حرج، حيث أصبحت بضع ليترات من المازوت رفاهية يحسد عليها من يجدها ويشتريها بثلاثة أضعاف ثمنها، وكذلك اليوم هو حال البنزين، ولا يمكن أن نسمي مايحدث بلعبة عض الأصابع بين النظام وإيران، فالنظام صرخ وجعه في أذن طهران مبكرا، وهو من سيّدها عليه عسكريا وسياسيا واقتصاديا، ولايجد مفرا من الذهاب إلى بيت الطاعة.

 

اقرأ أيضا:
الحرس الثوري يطلق مناورات عسكرية تشمل اطلاق صواريخ في ايران

إيران تعلن أنها سترد بالمثل على العقوبات الأمريكية