لم يكن الحكم على الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي بالسجن عشرين عاما، إلا تذكيرا للعالم بجرائم نظام طهران، لكن المفارقة أن محاكمة أسدي، جاءت في وقت يُتهم فيه أحد الأطراف الموالية لإيران بارتكاب جريمة أخرى أودت بحياة الناشط السياسي اللبناني لقمان سليم، والذي وجد مقتولا بالرصاص في منطقة العدوسية، جنوبي لبنان.

ويُعد سليم من أكثر المعارضين لجماعة حزب الله وله مواقف كثيرة ضد سياسة الحزب، وقد تعرض لحملات تخوين من قبل المقربين من الحزب والصحافة الناطقة باسمهم، لدرجة وصلت حد التخوين والاتهام بالعمالة لأطراف خارجية.

تزامن المحاكمة مع حادثة القتل، أعاد للأذهان الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني ضد معارضيه سواء داخل البلاد أو خارجها في الفترة الأخيرة، رغم الإدانات الإقليمية الدولية، فمن مناطق الأهواز إلى العراق، مرورا بسوريا، وصولا إلى لبنان؛ لكن ما كان يخطط له أسدي نقل الجريمة الدولية إلى مستوى آخر تقنيا وجغرافيا.

أسد الله أسدي

اعتقل أسدي وثلاثة إيرانيين آخرين، بعد اتهامهم بالتخطيط لزرع قنابل في تجمع لمعارضين يعيشون في المنفى بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس عام 2018.

وألقي القبض على أسدي في ألمانيا بعدما سافر من النمسا، التي كان يتخذها مقرا ويتمتع فيها بالحصانة الدبلوماسية.

ويقول الادعاء إن أجهزة الاستخبارات الإيرانية كانت تقف وراء الخطة المزعومة، لكن طهران نفت بشدة هذا الأمر.

واعتقلت الشرطة البلجيكية اثنين من المتهمين، في حين قُبِض على المتهم الرابع في فرنسا.

وأثارت جريمة أسدي الحديث حول جرائم طهران عبر شبكات ميليشيات إيران المتشعبة في مناطق ممتدة حول العالم.

لقمان سليم

في اليوم ذاته الذي حكم فيه على أسدي بالسجن لمدة عشرين عاما، فزع اللبنانيون على خبر وفاة الناشط السياسي، لقمان سليم، الذي عُثر على جثته مقتولاً داخل سيارته في جنوب لبنان.

وأفادت وسائل إعلام محلية أنه قتل برصاصتين في الرأس، وكانت عائلة لقمان أطلقت ليل الأربعاء، رسالة استغاثة، طالبة من يعرف عنه شيئا التواصل معها.

وكان المعارض الشيعي، من أشد المنتقدين لحزب الله المدعوم من طهران، معتبرا أن أجنداته خارجية، تقدم مصلحة إيران على مصلحة البلاد.

وكان سليم قد تعرض لحملات تخوين من قبل أنصار الحزب وحركة أمل، وصلت إلى دخولهم العام الماضي حديقة منزله، تاركين له رسالة تهديد، وملوحين برصاص وكاتم صوت، ما دفعه لإصدار بيان حمل فيه مسؤولية تعرضه لأي اعتداء إلى أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وحركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

حبل المشنقة على رقاب الإيرانيين

أعلنت السلطات الإيرانية قبل أيام، تنفيذ حكم الإعدام ضد الناشط البلوشي جاويد دهقان، على الرغم من المناشدات الدولية العديدة، بما فيها الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية.

وجاء إعدام دهقان ليزيد حصيلة الإعدامات الإيرانية، خلال الأسابيع الماضية، إلى ما لا يقل عن 19 مواطناً بلوشياً في مدينتي مشهد وزاهدان، كانت 4 منهم بتهم سياسية.

إضافة إلى ذلك، أعلنت السلطات الإيرانية، تنفيذ حكم الإعدام ضد المواطن الأهوازي علي المطيري في سجن شيبان بالأهواز، بتهمة قتل اثنين من عناصر ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري قبل عامين.

العراق.. الهاشمي في مقدمة ضحايا إيران

في 6 يوليو/ تموز 2020، اغتال مسلحون الخبير العراقي في الشؤون الأمنية هشام الهاشمي أمام منزله في حي زيونه ببغداد، قبل أن يلوذ الجناة بالفرار بعد تنفيذ عملية الاغتيال.

قبيل ذلك بنحو أسبوعين كانت قوات الأمن العراقية قد شنت حملة مداهمة في بغداد على مقر كتائب حزب الله العراقي وألقت القبض على 14 عنصرا بسبب إطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء.

وظهر الهاشمي آنذاك على العديد من القنوات الإعلامية العراقية والأجنبية مدافعا عن موقف الحكومة في مواجهة هذه الجماعة.

خلّف مقتل الهاشمي صدمة في جميع أنحاء العراق، ويعتقد كثيرون أن ذلك كان تحدياً لمحاولات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كبح جماح الميليشيات الشيعية.

وسلط تحقيق استقصائي لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، الضوء على اغتيال الهاشمي، وتضمن التحقيق، بحسب بي بي سي، شهادات، تشير إلى أن الهاشمي قد قُتل على يد إحدى الميليشيات الشيعية التي كان يوجه لها انتقادات لاذعة.

ويشير التحقيق إلى أن الهاشمي كان واحدا من بين عدد متزايد من النشطاء الذين قُتلوا منذ بدء الاحتجاجات التي هزت العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019، في البصرة، والذين وصل عددهم إلى أكثر من 50 عراقياً بسبب انتقادهم العلني للميليشيات، أو لداعمها إيران، بحسب بي بي سي.

سوريا.. لجرائم طهران وجوه كثيرة

لم تتوقف جرائم النظام الإيراني في سوريا، عند استهداف المدنيين، وتأجيج الحرب والتسبب في طول أمدها، ونشر السلاح والتجارة فيه، بل امتد الأمر لمحاولات لتغيير ديموغرافية المنطقة بالكامل، عبر تجنيد الآلاف من أبناء الشعب السوري.

واستمرت طهران في تجنيد السوريين لصالح الميليشيات الموالية لها، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، بهدف تعزيز وجودها على الأراضي السورية.

وأكد المرصد السوري المعارض لحقوق الإنسان، انضمام حوالي 18 ألف شخص مؤخراً للميليشيات الموالية لإيران.

وأوضح المرصد المعارض أن عمليات التجنيد تأتي على وقع المحاولات المستمرة لإضعاف وجود إيران في سوريا وجرها للانسحاب من البلاد سواء عبر الاستهدافات الإسرائيلية المستمرة أو تعزيز الروس لدورهم في مناطق نفوذ ميليشيات إيران.

ولفت المرصد إلى استمرار قادة القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها في عمليات التجنيد لا سيما في الجنوب السوري ومنطقة غرب الفرات، وذلك بسلاح السخاء المادي واللعب المستمر على الوتر الديني والمذهبي.

وتتم هذه العمليات في مدينة الميادين وباديتها وضواحيها ومنطقة البوكمال وغيرها بريف دير الزور غرب نهر الفرات.

ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تعداد “المتطوعين” في صفوف الإيرانيين والميليشيات الموالية لها في الجنوب السوري ارتفع إلى أكثر من 9600 شخص.

كما ارتفع إلى نحو 8350 عدد الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مؤخراً ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور.

اليمن.. جرائم الحوثيين نهج يومي

لا يختلف العالم على بشاعة ما ترتكبه ميليشيا الحوثي في اليمن، ولا يختلف العالم كذلك على أن تلك الجرائم تأتي بغطاء إيراني.

مؤخرا، أقرت قيادات حوثية عقوبات جديدة على نشطاء وناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي بمناطق سيطرتها تصل حد السجن 4 أعوام لأي تدوين ينتقد سلوكها الإجرامي أو تناول لانتهاكات عناصرها الإرهابية.

ويأتي هذا بالتزامن مع تحذير أممي من استمرار إيران في إرسال أسلحة إلى ميليشيا الحوثيين في اليمن، في تقرير يحذر من تدهور الأوضاع في البلاد وعواقب وخيمة على السكان المدنيين.

ويقول تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تظهر أن الأفراد أو الكيانات داخل إيران متورطة في إرسال أسلحة وقطع أسلحة للحوثيين في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة.

وتشمل الأدلة صواريخ موجهة مضادة للدبابات وبنادق قنص وقاذفات تحمل علامات تتفق مع تلك المصنوعة في إيران.

ويتهم التقرير بتحويل السلطات نحو 423 مليون دولار من الأموال العامة إلى تجار الأسلحة غير أن البنك المركزي اليمني ينفي هذه المزاعم.

ويرسم تقرير الأمم المتحدة صورة قاتمة بأن “الوضع في اليمن مستمر في التدهور، وأن العواقب وخيمة على المدنيين”.

جرائم الإهمال في إيران لا فرق فيها بين طير وبشر

المفارقة الغريبة بالنسبة للتحركات الإيرانية، تكمن في الفارق بين المساعي الإيرانية السخية خارج البلاد، وما يعانيه الشعب في الداخل من إهمال لا يتسق تماما مع الإنفاق الإيراني الضخم على تسليح الميليشيات في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط

فبسبب الإهمال البيئي، وبحسب تقارير إعلامية فقد نفق الآلاف من الطيور، مؤخرا، نظرا لتلوث الهواء في إيران.

وكانت منظمة بيئة مازندران، أعلنت ارتفاع حصيلة نفوق الطيور المهاجرة في منطقة ميانكاله الرطبة بنسبة “150٪” ومنعت الناس من دخول هذه المنطقة.

وفي بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، تقول جامعة طهران للعلوم الطبية إن تلوث الهواء يحصد أرواح 40,000 إيراني سنويا.

هذا ويُعرض السياسيون في حكومة طهران أرواح ملايين الإيرانيين، وتحديدًا أهالي طهران للخطر، في إطار اتخاذ قرار متعمد يقضي باستخدام المازوت كوقود لمحطات توليد الطاقة، على الرغم من أنه أكثر المواد التي تسبب تلوث الهواء.

وتعاني بعض المدن الإيرانية، هذه الأيام من ارتفاع كثافة التلوث في الهواء، في وقت يحاولون فيه النجاة من وباء كورونا، الأمر الذي يزيد من خطر الوباء عليهم أكثر من ذي قبل.

وتأتي تلك المعطيات في وقت بلغت فيه حصيلة وفيات كورونا في البلاد أكثر من 58 ألف شخص، فضلا عن إصابة ما يقارب المليون ونصف المليون شخص.