نقاش افتراضي وعلى أرض الواقع حول حرية التعبير بعد انتشار فيديو شادن فقيه

لا تكفّ شظايا الأزمات السياسية والاجتماعية والدينية عن التساقط فوق رؤوس اللبنانيين، فبعد موجة الجدل التي أحدثتها عصابة اغتصاب الأطفال على تيك توك، وبعد زوبعة الرشوة التي ترافقت مع هبة المليار يورو للبنان، ها هي الكوميديا تشغل الرأي العام وتعيد النقاش حول الحريات وخطوطها الحمر إلى الواجهة.

في التفاصيل، انتشر فيديو يعود لعرض “ستاند أب كوميدي Standup Comedy” تقدّمه الكوميدية شادن فقيه، يتناول موضوع صلاة الجمعة لدى المسلمين. وكان الفيديو، الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، يتضمّن تعليقات ساخرة وعبارات نابية، وهو أسلوب اشتهرت به فقيه وسبق أن أثار موجات من الجدل والانتقاد.

شادن فقيه.. كوميدية تثير جدلاً في الشارع اللبناني لسخريتها من الدين ودار الفتوى تتحرك

وأشار البعض إلى أن الفيديو ليس جديداً بل يعود إلى عرض سابق أُقيم في صالة، عادةً ما يطلب قيّموها من الجمهور أن لا يصوّروا، ويعتبرون أن من لا يتقبّل نوع المزاح والكوميديا التي تقدّمها فقيه لا يجدر به الحضور أصلاً.

وفي غضون ساعات، بات الفيديو على كل لسان، وأصبح وسم أو هاشتاغ “#شادن_فقيه” ترند على منصة إكس، وتوزّع على الغروبات والحسابات اللبنانية الشهيرة على فيسبوك وانتسغرام.

وانقسمت آراء اللبنانيين بين مدافع ومنتقد لشادن، فالبعض تضامن معها معتبراً أن لبنان يكفل حرية التعبير عن الرأي لأي شخص، فيما طالب البعض الآخر بمعاقبتها لأنها تعرّضت للدين ومسّت بالمقدسات.

المدافعون ركّزوا على فكرة أنه كما لفقيه الحرية بإطلاق النكات، كذلك الحرية لكل فرد من الشعب اللبناني بأن لا يستمع إلى نكاتها.

وتوقّف بعض اللبنانيين عند مسألة التركيز على الهجوم على شادن فقيه عوض التركيز على محاسبة السياسيين المسؤولين عن الوضع المتردي في البلد.

 

في السياق، رأى بعض المغرّدين أن نشر الفيديو في هذا التوقيت ليس عملاً بريئاً بل هدفه إشعال بلبلة طائفية، وإلهاء اللبنانيين عن القضايا الأساسية التي تبدأ بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور، ولا تنتهي عند الـmini حرب الدائرة في الجنوب والتي تهدد بالتوسع إلى مناطق أخرى.

 

أما بالنسبة للمعارضين وهم كثر، فقد تحدّثوا عن هبوط مستوى الكوميديا الذي تمثّله شادن فقيه ومجموعة مماثلة جديدة على الساحة اللبنانية، وأكّدوا أن تسلية الجمهور وإضحاكه لا تتطلب اللجوء إلى مواضيع مبتذلة، بل تتطلب ذكاءً وحساً للفكاهة.

 

 

كما شدد معارضو الشابة المثيرة للجدل أن ما تقدمه ليس كوميديا بل تعدٍ على الأديان وانحطاط.

دار الفتوى تتحرك.. وكذلك الشارع

الفيديو الموضوع حرّك الشارع واستدعى تحركّاً قضائياً من دار الفتوى، إذ تقدّم أمين الفتوى في الجمهوريّة اللّبنانيّة الشّيخ ​أمين الكردي​، بناءً لتوجيهات مفتي الجمهوريّة اللّبنانيّة الشّيخ ​عبد اللطيف دريان​، بإخبار ضدّ شادن فقيه، بـ”جرم الإساءة والتّجديف في حقّ العزّة الإلهيّة والرّسول محمد، والمسّ بالدّين الإسلامي الحنيف وشعائره، وإثارة النّعرات الدّينيّة والطّائفيّة والنّيل من الوحدة الوطنيّة”.

كما أقدم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على تقديم شكوى جزائية بوجه فقيه “وفقاً لأحكام المواد 317 و 473 و 474 من قانون العقوبات اللبناني، والتي تعاقب على الأفعال الجرمية المتمثلة بجرائم التجذيف باسم الله وتحقير الشعائر الدينية وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية.”

وعلى الأرض، قُطعت مساء الخميس طريق كورنيش المزرعة، الواقعة في العاصمة بيروت، من قبل شباب استنكر ما ورد في الـ”ستاند أب كوميدي”، كما نفّذ عدد من أبناء مدينة طرابلس الشمالية وقفةً احتجاجيّة في ساحة النور ، اعتراضاً على ما ورد في الفيديو، معتبرين أنّه يشكّل إساءة إلى الدين.

وإذ طالب المحتجّون المرجعيّات الدينيّة والقضاء بمحاسبتها، ذهب البعض منهم إلى حد التهديد باقتحام منزل الكوميدية وضربها.

ماذا يقول الدستور اللبناني والمنظمات؟

النقاش بشأن حرية الرأي والتعبير من جهة، والتعرض للأديان من جهة أخرى استند فيه اللبنانيون إلى ما يرد في الدستور.

ففي حين تنص المادة 13 من الدستور على أن حرية الفرد بالتعبير عن آرائه شفوياً وكتابياً وحرية الصحافة وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات مكفولة في الحدود التي يضعها القانون، وتؤكد مقدمة الدستور على أن “لبنان ملتزم بمواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان”، تشير تنص المادة 474 من قانون العقوبات، في الوقت نفسه، إلى أن “من أقدم (..) على تحقير الشعائر الدينية التي تُمارس علانية أو حثّ على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عُوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.

شادن فقيه.. كوميدية تثير جدلاً في الشارع اللبناني لسخريتها من الدين ودار الفتوى تتحرك

أي أن هاتين المادتين في القانون اللبناني، تزخّران الاختلاف بين اللبنانيين. وهنا يُطرح السؤال: هل حرية التعبير هي مطلقة ولا حدود لها أو ضوابط؟ هل تشمل فعلاً وبحسب النهج الأوروبي والغربي، السخرية من الأديان، وانتقاد المسؤولين والشخصيات الدينية والقدسة، أم أنها تقف عند بعض الخطوط الحمراء التي ترسمها المجتمعات؟