أخبار الآن | بغداد – العراق (سكاي نيوز)

الفوضى التي ضربت أخيرا البرلمان العراقي، تؤكد أن طهران تمارس، بنجاح، لعبة ترسيخ مفهوم "اللادولة"، وتعمل على خنق أي محاولة للتغيير قد تضرب نفوذها المستند بالدرجة الأولى على استراتيجية المحاصصة والفساد.

وعملية إقالة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري غير الدستورية بالنسبة للبعض، وما أعقبها من اعتصام نواب داخل البرلمان، تأتي في إطار اللعبة الإيرانية التي نجحت على ما يبدو في وضع العراقيل لمنع الإصلاحات الحكومية.

وبعد أن كان ملف الإصلاحات الحكومية القائم على حكومة تضم وزراء تكنوقراط لا يرتبطون عضويا بالتيارات السياسية، يتصدر المشهد العراقي، باتت الخلافات التي تعصف بكتل برلمانية موالية بأكثرها لطهران هي العنوان الأبرز.
والتفسير الوحيد لهذه الخلافات أن ضابط الإيقاع الإيراني ينتهج سياسة توزيع الأدوار وخلق نزاعات وهمية لضرب ما تبقى من مؤسسات دستورية والإبقاء على نظام المحاصصة ومنع أي محاولة للعبور إلى مرحلة جديدة تفقده نفوذه المتعدد الأبعاد.

والأزمة الطارئة بدأت بتعليق الجبوري جلسة برلمانية كانت منعقدة الثلاثاء بهدف التصويت على لائحة من 14 مرشحا لعضوية الحكومة، قدمها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بعد التفاوض مع رؤساء الكتل السياسية الذين أقحموا بشخصيات موالية.

وكان نواب قد رفضوا التصويت على هذه اللائحة، مطالبين بالعودة إلى لائحة أولى كان عرضها العبادي، تضمنت أسماء 16 مرشحا من تكنوقراط ومستقلين فقط، لكنه اضطر إلى تعديلها بضغط من الأحزاب السياسية.

وخريطة الانقسامات داخل البرلمان العراقي تشير إلى أن الأمر لا يتخطى حدود اللعبة الإيرانية، فكتلة الأحرار التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر تؤيد الاعتصام والمطالب المتمثلة بحجب الثقة عن العبادي والجبوري والرئيس العراقي فؤاد معصوم.

والصدر، الذي من غير الممكن أن يغرد خارج السرب الإيراني، كان أول من نجح في استغلال المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاحات، ليظهر أمام الرأي العام بصورة المدافع الأول عن الحرب على الفساد، إلا أن مراقبين يرون أنه يسعى فقط إلى زيادة شعبيته.

وتؤكد الزيارة الأخيرة للصدر إلى لبنان بالتزامن مع وجود من يحاول وصفه بخصمه اللدود، ألا وهو رئيس الوزراء العراق السابق، نوري المالكي، على أن ضابط الإيقاع الإيراني يدير لعبة مشبوهة عبر وكيله اللبناني، حزب الله، المصنف جماعة إرهابية.

وكتلة دولة القانون، التابعة للمالكي الموالي لإيران، تشهد انقساما حادا في "الظاهر"، فبعض قيادييها في الكتلة أيدوا الاعتصام داخل البرلمان، ومن أبرزهم خالد الأسدي وحسن السنيد وعالية نصيف، في مشهد يؤكد على لعبة طهران بتوزيع الأدوار.

والخلافات طالت حتى كتلة المواطن بزعامة عمار الحكيم، المرتبط بدوره بطهران، فمحمد نيازي أوغلو انضم إلى صف المعتصمين في البرلمان، رغم أن الغالبية الساحقة من نوابها وقياداتها تقف بشكل واضح ضد الاعتصام ومطالبه.

أما القوى الكردية فقد اتخذت موقفا مضادا للاعتصام، وبحسب معلومات ذكرتها قنوات مقربة من حكومة كردستان فإن رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، أصدر تعليمات خلال اليومين الماضيين للنواب الأكراد برفض أي إقالة لأي شخصية وعدم التدخل الأزمة.

وكتلة الوطنية بزعامة إياد علاوي أعلنت تأييدها للاعتصام ومطالبه إذ يشارك معظم نوابها في الحراك، في حين وقف تحالف القوى العراقية، الممثل الأكبر للسنة داخل مجلس النواب، بشكل واضح ضد الاعتصام وعملية إقالة رئيس البرلمان.

ورغم أن رئيس التحالف، أحمد المساري، اعتبر إقالة الجبوري "استهدافا مباشرا للمكون السني" فإن شخصيات سنية أخرى بارزة أيدت الاعتصام وتقوده، وشاركت في عملية الإقالة، بينهم النائبان أحمد الجبوري وعدنان الجنابي.

والخريطة المعقدة داخل البرلمان العراقي ليست إلا صورة مصغرة عن الخريطة الأكبر في المشهد السياسي، وتؤكد أن البلاد محكومة، منذ عام 2003، باستمرار الفوضى وأعمال العنف تحت المظلة الإيرانية.