أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

تمنع السلطات الكرواتية حوالي 70 مواطناً سورياً من عبور حدودها مع صربيا، رغم أنها تتيح عبور مواطنين سوريين آخرين ومواطنين من جنسيات مختلفة من نقاط العبور التي يستخدمها اللاجئون القادمون من الشرق الأوسط وآسيا للوصول إلى دول أوربا الشمالية والغربية. وتبين في ما بعد أن القاسم المشترك الوحيد بين اللاجئين الذين تم منعهم من عبور هذه الحدود هو أنهم من محافظة "الرقة السورية" بحسب ما تظهره أوراقهم الثبوتية، لكن من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان موطن هؤلاء المُهجرين هو السبب الوحيد لمنعهم من مواصلة رحلة اللجوء.

رحلة متكررة من مصاعب الهروب

وقد شهدت محافظة الرقة السورية نزفاً متواصلاً لسكانها منذ مطلع العام 2013، عندما نجحت مجموعة من كتائب الجيش السوري الحر وفصائل مسلحة أخرى من اقتحام المدينة وطرد النظام منها بشكل متدرج انتهى في العام 2014. فإلى جانب قصف النظام السوري بالصواريخ بعيدة المدى والطيران الحربي، عانى سكان الرقة من عسف ووحشية داعش الذي دفع مئات الآلاف إلى النزوح إما نحو مدن سورية أخرى أو باتجاه المدن التركية القريبة من الحدود السورية التركية، فيما اختارت نسبة أقل من الرقيين الهجرة باتجاه أوربا.

السيد "موسى هنداوي"، وهو معلم طرده النظام السوري من التعليم في العام 2012،  يقوم الآن برحلة هجرة مع عائلته المكونة من زوجته وأطفالهما الأربعة، ويصف أهم محطاتها: "دخلنا جزيره متاليني اليونانية منذ ثمانية عشر يوماً، عملنا "خارطية" يونانية "أي ورقة عبور أو طرد" واتجهنا الى أثينا، ومن ثم باتجاه الحدود اليونانية المقدونية، توقفنا ثلاثة أيام في أحد المخيمات القريبة من الحدود ثم عبرنا الحدود إلى مقدونيا، ثم أقلَّنا القطار المتجه إلى صربيا، وكنّا نظاميين في كل هذه المراحل "أي الدخول والخروج بالأوراق الثبوتية اللازمة عبر المنافذ الرسمية وتحت اشراف السلطات المعنية". بقينا في صربيا لمدة ثلاثة أيام للاستراحة، ثم توجهنا إلى منطقة "شيد" على الحدود الصربية الكرواتية كي نستقل منها القطار الذاهب إلى كرواتيا، وهناك فوجئنا بمنعنا من اجتياز الحدود وإعادتنا".

المهاجرون الرقيون في الانتظار

ويقول: "بينما عبر الحدود لاجئون من مناطق آمنة في سورية، مثل جبلة واللاذقية، منعونا نحن القادمين من الرقة". ويضيف أن لاجئين آخرين من العراق "من الموصل عبروا أمامنا دون أي إعاقة من قبل السلطات الكرواتية، معظم اللاجئين العراقيين من الأكراد".

وفيما يشير بعض متابعي هذه الرحلة إلى أن عدد الرقيين الممنوعين من اجتياز الحدود الصربية الكرواتية يقارب السبعين شخصاً، يقول السيد هنداوي "إن عددنا اليوم "3 آذار 2016" حوالي المائة شخص، كلنا عائلات ومعنا امرأة دُمر بيتها بالقصف وقُطعت إحدى رجليها، ومعنا شخص فقد ثلاثة أفراد من عائلته، نأكل السردين والطون وحسب، ومعنا أطفال يعانون من الإسهال وارتفاع درجة حرارة أجسامهم".

يأمل السيد "هنداوي" وغيره عشرات الآلاف من السوريين الوصول إلى إحدى دول أوربا الشمالية والغربية، ألمانيا أو النمسا في حالته، بحثاً عن أمان وسلام افتقدوه في بلادهم. لكن ما لم يكن بحسبانه وحسبان المئات من أبناء الرقة أن تتحول أوراقهم الثبوتية، التي يفترض بها أن تسهل مرورهم بشكل قانوني إلى حيث يقصدون، إلى عقبة وتهمة تحول بينهم وإنهاء رحلة لجوئهم. فمن الواضح أن الصورة التي عمل داعش على خلقها عن "الرقة" بوصفها معقلاً له وعن مجتمعها كحاضنة بشرية قد بدأت تؤثر فعلياً على قرارات الدول الواقعة على طريق رحلة اللجوء الطويلة والقاسية والمكلفة، ما ينعكس سلباً أبناء هذه المحافظة.

هذه الصورة التي يعمل إعلام نظام الأسد وبعض الإعلام العربي والدولي على تكريسها دون النظر في تأثيراتها الإنسانية على أبناء هذه البقعة المنكوبة، والتي تحولت في الآونة الأخيرة إلى أخطر بقعة على وجه الأرض، ليس بسبب ممارسات داعش فحسب، بل بسبب تعدد الفاعلين والقوى العسكرية التي تستهدفها لأغراض شتى وتحت مبررات متعددة.