أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا (محمود وهب)

المفاوضات السورية/السورية التي من المفترض أن تبدأ في الثالث عشر من نيسان الجاري، تبدو جديَّة، وأن القرار الأممي 2254 في طريقه إلى التطبيق، على نحو أو آخر، رغم التباين في فهم بنوده الرئيسة. إنَّ ما تتناقله وكالات الأنباء من تصريحات لمسؤولين كبار في الدولتين الكبريين، وفي الأمم المتحدة، على الأقل، يشير إلى ذلك. ويرى بعضهم أنَّ جدية المفاوضات تأتي من أنَّ دول العالم المعنية، كبرى وإقليمية، قد حلَّت مشكلاتها، ونالت ما سعت إليه بهذا الشكل أو ذاك، وإن كان ذلك قد جرى على حساب الدم السوري، فسورية المطلوب تدميرها وتشويه وجهها ومحتواها قد تحقق فيها ما كان قد رسم من قبل، وقد تكفل العالم بذلك، وقد لا تهم الأدوات ولا الأشكال ولا الأطر التبريرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الشعب السوري قد أرهق فعلاً، ووصل إلى حال لا يطلب معها إلا الأمن والسلام، وتوفير سبل العيش بأبسط أشكالها، وعودة من تغرّبَ أو تهجَّر إلى دياره، ليعاود العيش والإعمار، فيما تبقى بين يديه، إن كان قد تبقى شيء..! فيما يرى آخرون أن المسألة ليست بهذه البساطة، إذ هي أعقد مما يتصوّر! وخصوصاً ما خلّفته الحرب خلال خمس السنوات على الأرض من شروخ اجتماعية وإنسانية وخراب شامل لا بد أن يكون ثمة مسؤول عنه..!.

فهل ستقود المفاوضات السوريين إلى حل يعيد الأمن والسلام لهم ولبلدهم؟! وهل يمكن أن تعطي المفاوضات النتائج المرجوة من غير هيئة انتقالية كاملة الصلاحية؟!.

عدد من السوريين المهتمين بالشأن العام يتابعون واقع بلدهم يوماً بيوم، ومن مواقع مختلفة.

الحل السلمي هو الأمضى

الأستاذ "علاء الدين زيات" ناشط في هيئات المجتمع المدني يقول في هذا الشأن: "تدير الحرب رحاها وفق موازين قوى معقدة، لطالما كانت دول ذات تَوَضُّع خاص وتاريخية ما مركزاً لصراعات أوسع منها بكثير. هذا حالنا اليوم، وهو أمر لا يتعلق بالأمن والعسكر بل وبالأساس بالسياسة، وذلك على أرضية تقاسم نفوذ دولي لا يستقر عقد ليختل آخر. طوال فترة الأزمة السورية كان الفاعلون الأكبر يتحدثون عن الحل السياسي كخيار عقلاني، وبالمقابل كان تجسيد ذلك مزيداً من أسراب الطائرات والتسلح والطلعات الجوية، هل أصبح ذلك عبثياً واختار الكبار لعبة طاولات التفاوض، ربما، ولكن الهدف الأسمى من مشروع التغيير، هو الناس: حاضرهم وحركتهم المقبلة. وهو ما بقي مغيباً إلى حد كبير، تغييباً لسبب أمني قبل ٢٠١١. فسحة صغيرة في ٢٠١١ حتى منتصف ٢٠١٢. ثم التغييب من جديد، واليوم يجري الحديث عن أحقية الشعب "المغيب" في تحديد مستقبله، في حين تصاغ مبادئ دستورية بين لكنتين سلافية، وأنجلو سكسونية، يمكن أن تترجم بعدها إلى اللغة العربية خارج أيِّ خيار سوري. مع ذلك لا خيار للسوريين غير الحراك السلمي، والضغط لاجتذاب فئات متجددة إليه، واعتماده آلية مشروع التغيير المقبل، سواء ببقاء الحكومة الأمنية الحالية أو بالخلطة العجائبية لحكومة الفئات العنيفة في المجتمع السوري أو حتى بمفاجأة غير متوقعة كما تعودنا في تعامل الغرب مع بلداننا. في كل الحالات نقطة قوة مشروع التغيير في اجتذاب الفئات المستفيدة غير المدركة لأهمية انخراطها فيه وعتقها عبره. مشروع التغيير هو الهدف، فإن كانت هيئة الحكم بوابته فيا مرحباً. أمَّا إن كانت مساحيقَ لدولة الاستبداد. فالمعركة مستمرة، ولكن بوسائل سلمية حتماً".

 شكوك تثيرها عقدة الأسد

 الأستاذ "أيمن أبو هاشم"، رئيس هيئة اللاجئين الفلسطينيين في تركيا:  "هناك شكوك كبيرة حول إمكانية تحقيق الأمن والسلام في سورية عن طريق المفاوضات الجارية، والسبب الرئيسي كما أعتقد هو غموض مصير الأسد وغياب الضمانات الدولية بخصوص رحيله من السلطة، فلا يمكن تصور نجاح تلك المفاوضات مع بقائه في المرحلة الانتقالية بمختلف توصيفاتها، لأنه المسؤول الأساسي عن الوضع المأساوي الذي يعانيه الشعب السوري، ولا يمكن نجاح أي تقدم في المسار التفاوضي دون حل عقبة رحيله عن السلطة، والعقبة الثانية هي في تحوير وتغيير مفهوم هيئة الحكم الانتقالية بصلاحياتها الكاملة لأنها الضامن الوحيد للقطع مع السلطة الحاكمة، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية ديمقراطية، بما يلبي طموحات الشعب السوري الثائر على النظام وكافة أشكال التطرف..!"

مصالح متناقضة وغياب الإرادة الدولية

الأستاذ "علي محمد شريف" محام ومدرب في لجان حقوق الإنسان: إنّ المشكلة الحقيقية التي يعانيها السوريّون هي غياب إرادة دوليّة للحلّ تستند إلى النزاهة والقيم الإنسانية وإلى مبادئ العدالة التي، لو توافرت، لكانت بلا شك ستفضي إلى حقن الدماء، وإيقاف مسلسل التدمير، وإلى تحقيق حلم السوريين بالخلاص من الاستبداد والطغيان والانتقال بسوريّة نحو التغيير الديمقراطي المنشود".

يبدو من شبه المؤكد أن الانفراج في سورية مسألة بعيدة التحقق بوجود المصالح المتنازعة إقليميّاً ودوليّاً على الموقع الجيوسياسي لها، وفي ظل تعنت النظام المدعوم روسيّاً وإيرانيّاً، وفي عدم إمكانيّة العودة عن مطالب الثوّار في التغيير الجذري، وفي محاكمة المسؤولين عن تدمير سورية وقتل أبنائها وتهجيرهم..! لكنّ المؤكد أنّ المأساة السورية أصبحت عبئاً على الجميع وأنّ أوان التخلّص منه قد حان.

ليس ثمّة خيار للسوريين في أن يخوضوا المفاوضات إلى أقصاها، أو أن يمتنعوا عن السير بها، ومن غير المسموح أن تنتصر الثورة في سوريّة عسكريّاً أو من خلال المفاوضات السياسية، وأن تؤسس دولتها الديمقراطيّة المدنية الحديثة أي دولة المواطنة والعدالة وحقوق الإنسان.

أعتقد أنَّ المفاوضات بكل ما تحتويه من تعقيدات، وبما يرافقها من تصعيد عسكري وإعادة تموضع، تخفي "سيناريو" أممي يراد فرضه على السوريين عبر ابتزاز وضغوط، وإملاءات ومساومات لإعادة ترتيب الوضع في سوريّة، وبما ينسجم مع كتلة التفاهمات التي يجري الاتفاق عليها بين اللاعبين الرئيسيين أميركا وروسيا.

لا أعتقد أن بإمكان رفض الصيغة الأممية أو تعديلها، إلاّ إذا استطاع السوريون استعادة دورهم المفقود في قضيتهم عبر وحدة صفوفهم السياسية والمدنية والعسكرية، والتمسّك بالمطالب الرئيسة والمبادئ الأساسية التي قامت الثورة لأجلها، والإصرار على هيئة حكم بصلاحيات كاملة، وفترة انتقالية لا دور لبشار الأسد فيها.. حينها يصحّ القول بأنّ الأمن والسلام والاستقرار مرحلة يمكن الوصول إليها في المستقبل القريب.

المشكلة في عامل الزمن

د. "محمد جمال طحان" ناشط سياسي: لاشك أن المفاوضات ستؤدي إلى حل المسألة السورية، لكن عامل الزمن هو الغامض في هذه القضية فنحن لسنا متفائلين بأن يكون ذلك في القريب العاجل، وذلك لتعنّت السلطة السورية وداعميها بشأن مصير الأسد، في حين أن السوريين ليس لديهم سوى التمسك بثوابت الثورة التي تفضي إلى نهاية نظام الأسد بشكل حاسم وفق تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بعد توضيح بعض نقاطه الغامضة. ومن ذلك الإصرار على هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحية لنخرج من مطبات إرهاب الدولة وإرهاب الفصائل المتطرفة. إن الإذعان لحكومة مشتركة أو انتخابات مبكرة كلّ ذلك سيفضي إلى تأخير الحل/ ولن يحلّ الأزمة. إنها مسألة لي أذرع وتكسير عظام، ولم يسبق، ولن يحدث أن يتمكن حكم، مهما بلغ في استبداده، أن يتغلّب على إرادة شعب اختار طريق الحرية.

هي آراء تتقارب وتبتعد لكنها في النهاية تتلمس مواجع الشعب السوري وتدرك تماماً عقدة الحل الكامنة فيمن أوكأها منذ الأيام الأولى للثورة بإدارته الظهر لقيامة الشعب، ومجابهتها بعنف غير مسبوق.! لكنها تثق بصدق الثورة وقوة الشعب.