أخبار الآن | إدلب – سوريا (سونيا العلي)

لم يكن القضاء قبل الثورة بمنأى عن الفساد، الذي كان وباءً مستشرياً في أنحاء البلاد حتى طال معظم القطاعات، والذي كان من أهم أسبابه هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وتحكم الأجهزة الأمنية في قراراتها حتى أصبحت بمثابة أحد الأذرع الأمنية للنظام السوري، يستخدمها في قمع الشعب اعتقالاً تعسفياً وتعذيباً وإساءة معاملة وأحكاماً جائرة.

أسباب افتتاح معهد القضاة

بدأت المحاكم الشرعية، بعد الثورة، بالانتشار في المناطق المحررة لحفظ الأمن وتأمين سير حياة الناس، لذلك افتتح "معهد إعداد القضاة" لرفد المحاكم بقضاة متخصصين وملء الفراغ القضائي الحاصل وتعويض نقص الخبرة ووضع صورة أقرب للواقع أمام أصحاب الخبرات الحقوقية والقانونية، وتمكينهم من مساعدة التشكيلات الحالية والمحاكم على تجاوز ما يمكن من السلبيات والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وحماية مبدأ العدالة التي تعد أحد أهم المطالب المحقة التي طالب بها الشعب السوري في ثورته المباركة.

تجربة رائدة في المنطقة

مدير المعهد السيد "ابراهيم الحسون" 35 عاماً، يتحدث عنه قائلاً: "افتتح المعهد بتاريخ 29 آذار عام 2013 بناء على الحاجات والضرورات الثورية الملحة، في البداية اقتصر الأمر على دورات مهارية للعاملين في الهيئات القضائية للمساهمة في سد بعض النقص الذي كان يعانيه قضاة هذه الهيئات من ناحية الصنعة القضائية، لإفادة من هو على رأس عمله وإكسابه بعض المهارات، ثم ما لبث أن أصبح اختيار المستفيدين يتم بناء على المؤهل العلمي والمقابلة التي يجريها المعهد مع المتقدمين ويقتصر على خريجي الشريعة والحقوق، ثم يدرس الطالب خلال سنة كاملة مواد علمية ومهارية عددها 14 مادة موزعة على فصلين، وقد تم اعتماد المواد من اختصاصيين من العالمين العربي والإسلامي وبمعايير جامعات عالمية".

ويشير السيد "الحسون" إلى أن الخريج يكون مؤهلاً للعمل كقاضٍ أو مساعد قاضٍ أو عضوا في لجنة تحكيم، وللمعهد ثلاثة فروع "الشمال- غوطة دمشق- حوران". أما المدرسين في المعهد فهم من خريجي كليتي الشريعة والحقوق من أصحاب الخبرة في العمل القضائي، فبعضهم يحمل شهادات عليا متخصصة كالدكتوراه في الفقه أو دبلوم عالٍ في القضاء أو محامين ذوي خبرة طويلة في العمل القضائي، وتتم الاستعانة أحياناً بخبرات قضائية من خارج سوريا، وقد بلغ عدد خريجي المعهد  من برنامج الدبلوم الخاص بالخريجين الجامعيين 263، أما من الدورات التخصصية القصيرة للعاملين في السلك الذين رشحتهم المحاكم فقد تجاوز العدد 293.

تجاوب وعوائق

يتميز المعهد بعلاقات طيبة مع الهيئات القضائية العاملة في المناطق المحررة، ووقع اتفاقيات مع عددٍ منها يتم بموجبها توظيف الخريجين في هذه المحاكم.

ومن أكبر العوائق التي تعترض عمل المعهد هو فقدان الأمان، بحسب الحسون، حيث تم تغيير مكان المعهد بسبب القصف، وإلغاء بعض الدورات والنشاطات التي يقيمها، إضافة إلى العوز المادي، فقد كانت هناك محاولات لاستقطابه ودعمه مادياً من قبل المنظمات والفصائل ولكن بما أن اختصاص المعهد دقيق وحساس جداً، وخوفاً من انحياز القضاء لصالح جهة معينة رفض التبعية، كما أن الفقر الشديد المنتشر في الداخل السوري وعدم قدرة الطلاب على التفرغ يمنع الكثير من الدارسين من متابعة الدراسة.

تأهيل القضاة

المحامي "وليد العاهي" 40 عاماً، من مدينة معرة النعمان، له باع طويل في العمل كحقوقي، وبعد افتتاح المعهد وجد فيه فرصة لتطوير عمله، يقول: "اكتسبت من المعهد الكفاءة المهنية والقانونية وأصبحت أعمل مساعد قاض في المحكمة الشرعية في المعرة، وأستفيد من الندوات التشاورية التي يتم عقدها باستمرار داخل المعهد".

لدى المعهد نشاطات عديدة، منها إعداد البحوث والدراسات في الشأن القضائي وعقد المحاضرات التوعوية والندوات التشاورية بين المتخصصين والمهتمين، إضافة إلى تقديم المشورة القضائية للمحاكم الشرعية من قبل اللجنة العلمية في المعهد، كما يصدر المعهد مجلة "قضاة الشام" وهي أول مجلة تهتم في الشؤون القضائية في سوريا.

لم يكن افتتاح المعهد في هذه الأوقات بالأمر السهل أمام الأوضاع الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة من حصار وقصف يومي ونزوح معظم الخبرات العلمية والأكاديمية، لكن الحاجة الملحة إليه قدمت من حداثة التجربة القضائية في المناطق المحررة والعقبات التي تواجه المحاكم، بالإضافة إلى كثرة النوازل والمشاكل التي تحتاج إلى قضاة أكفاء وتخريج قضاة مهنيين مؤهلين للعمل داخل المحاكم، وضرورة انتخابهم على قاعدة الكفاءة المهنية والقانونية والسوية الأخلاقية لتتحقق النزاهة والعدالة، وتجنب الفساد وانعدام الاستقلالية وانتهاك حقوق الإنسان.