أخبار الآن | السّلمية – سوريا- (نجوى بارودي)

يؤكد رجال حكومة النظام مرارا وتكرارا أنّهم يعملون على اتخاذ إجراءات جديدة لتوزيع مازوت التدفئة ومخصصات وسائل النقل والزراعة والأفران، إضافة إلى ضبط عمليات التلاعب، واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المخالفين، سواء أكان من أصحاب المحطات أم من أصحاب سيارات التوزيع الخاصة.

ولكن يدرك السوريون، في غالبيتهم، بأن الحكومة عبارة عن شريط تسجيل تالف ومتكرر بعباراتها الرنانة ووعودها الكاذبة، وأزمة الوقود والتدفئة هي جزء من مجمل الأزمات التي يعانيها السوري منذ الأزل وليس بعد قيام الثورة أو "الأزمة" كما يدّعون.

وهذا الشتاء ..

الشتاء هذه السنة أظهر عيوب ما خططته الحكومة في سورية منذ عشرات السنين، والتي كانت في السنوات السابقة فرادى. ولم تجتمع الأزمات مع بعضها في وقت واحد كما يحصل الآن في غياب الاستراتيجيات الواضحة لدى الجهات المعنية وتقاعسها في تحمل المسؤوليات.

وقف المواطن حائرا في الطريقة التي يجب أن يتبعها لتأمين مصدر التدفئة في ظل الدخل المحدود والذي بالكاد يكفي لإطعام مسكين. ولأن المازوت هو وسيلة التدفئة المتعارف عليها في سورية، إلا أن المواطن "السلموني" لم يذهب إلى هذا الخيار لأن أسعاره مرتفعة وبالكاد يستطيع تأمينه، فارتفاع سعر الليتر الواحد إلى 150 ليرة سورية رسمياً وأكثر من 300 ليرة سورية فعلياً لدى المحطات وعمولات الصهاريج، والنقص والتلاعب بالعدادات حوّله من مصدر للدفء إلى حلم في ظل ارتفاع الاسعار ومحدودية الدخل.

وسائل بديلة بدائية للتدفئة ..

يقول "أبو محمد" وهو عامل في "العتالة": "قمت بإشعال أقراص مصنوعة من تفل زيت الزيتون وهي البقايا والمخلفات بعد عصر الزيتون، وثمن القرص الواحد 70 ليرة سورية يكفي للتدفئة لمدة ساعتين ولكنه متوفر لفترة مؤقتة بسبب زيادة الطلب عليه وقلة عصر الزيتون في منطقة السلمية".

أما "رائد" فيستعين بالحطب والفحم: "وهو أيضا أصبح غير متوافرا بكثرة في الأسواق لزيادة الطلب عليه علما أننا حولنا جميع المدافئ التي كانت تستخدم سابقا على المازوت إلى مدافئ حطب وهذا أيضا سبّب لنا تكلفة مادية إضافية لأننا نعجز عن شراء مدفأة حطب ثمنها يفوق أجورنا بكثير".

تقول "سعاد": "صرنا نجول الشوارع ليلا بحثا عن أعواد الشجر أو الأوراق وحتى بحثنا بين القمامة كي نجمع ما قد نستطيع حرقه والحصول على القليل من الدفء" وأكدت قريبتها أنها تستخدم الألبسة البالية والأحذية غير المستخدمة لإشعال المدفئة في ليالي سلميّة ذات البرد القارس.

كما يقول "أبو أسعد" أن فضلات الحيوانات التي قد يجمعها من البراري المنتشرة حول السّلمية هي الحل الأمثل له مع غياب الدخل بسبب هجرته من حمص وخسارته لعمله، وأكد أن جاره أيضا اعتمد تلك الطريقة في التدفئة حين رأى فاعليتها بإشعال نار تدفئ أجسادهم الباردة.

أمراض سببها تلوث الطقس

حين تسير في أي شارع من شوارع السّلمية، وخصوصا في الليل، تشم وبوضوح روائح البلاستيك الذائب والحطب ومخلفات الشوارع، حتى أن البعض امتنع تماما عن استخدام أي وسيلة للتدفئة بسبب الأمراض التي أصابته لاستخدامه وسيلة التدفئة تلك. يقول الطبيب المختص بالأمراض الصدرية "سامر. ع": "تراجعنا العشرات من الحالات يوميا متأذية بسبب وسائل تدفئتهم غير الصحية، وكثرة تعرضهم للضباب الأسود القاتل، وتلوث الهواء بالغبار والدخان وغازات ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكبريت والتي تعتبر من الأسباب الرئيسية للسرطانات والربو وخصوصا كبار السن والأطفال".

وسرقة علنية

قام البعض من سكان سلميّة بالادخار طوال الصيف على حساب الكثير من احتياجاتهم لشراء مادة المازوت وتعبئة برميل على الأقل، ولكن معظم من التقينا بهم اشتكى من استغلال بعض أصحاب الصهاريج وتقاضي أسعار زائدة والتلاعب بالكميات المعبأة والنقص الواضح فيها مع غياب الرقابة الفعلية للجهات الرسمية، وأشار البعض أن الكثير من أصحاب "الكازيات" يقومون ببيع البنزين والمازوت بأسعار مرتفعة لبعض المتعاملين معهم لبيعها بدورهم بأسعار مرتفعة على الطرقات.

هكذا يقال؟!

تؤكد نقابة النفط، وفي كل اجتماع رسمي، أن المادة موجودة ومتوفرة ولكن أغلب المواطنين استبدلوها بمادة الحطب لسهولة الحصول عليها ولرخص ثمنها، وتؤكد أيضا أنها حريصة كل الحرص على إغلاق المحطات التي قد تتلاعب بالمادة وثمنها، ولكن كما قلنا سابقا يدرك السوري أن هذا مجرد كلام في اجتماعات لا أكثر لأن لسان الواقع مختلف عن التصريحات الكاذبة.

وتعرف مدينة السلمية ببردها الشديد باعتبارها من المناطق الصحراوية، ويدرك المواطن أن الحكومة تعد وتكرر وعودها في كل أزمة يمر بها المواطن السوري ولكن دون جدوى ليكون الدفء مجرد حلم قد يراه، وليصبح "اللحاف" هو الوسيلة الوحيدة التي قد تبقى له.