أخبار الآن | دمشق – سوريا (أنس المصري)

لا تقتصر طرق هرب السوريين من مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق على الطرق الفرعية التي لا تطالها سلطة أجهزته الأمنية بشكل مباشر، سواءً باتجاه تركيّا شمالاً، أو باتجاه لبنان غرباً، او حتى الأردن جنوباً.

فعلى الرغم من الصعوبات والأخطار المحدقة برحلة الهروب "غير النظامية" من مناطق سيطرة النظام إلى دول الجوار، إلى أن رحلة الخروج "النظامية" من دمشق باتجاه الأراضي التركية مروراً بلبنان تحمل العديد من التفاصيل التي تستحق السرد.

طريق الخروج النظامي من دمشق

بعد إيقاف الرحلات الجوية بين سوريا وتركيا منذ بداية الثورة السورية، وإيقاف الرحلة البحرية بين مينائي طرطوس ومرسين قبل أكثر من عام، أصبح مطار "رفيق الحريري الدولي" في العاصمة اللبنانية بيروت محطة إجبارية للسوريين الراغبين بالمغادرة من مناطق سيطرة النظام في الجنوب والساحل السوري إلى تركيا، التي مازالت حتى اليوم لا تفرض تأشيرة دخول على السوريين الراغبين في الدخول إلى أراضيها.

"سمير" تخرّج مؤخراً من كلية هندسة العمارة في جامعة دمشق روى لأخبار الآن تفاصيل رحلته التي أوصلته مؤخراً إلى مدينة إسطنبول التركية: "لم أتّخذ القرار بالرحيل عن دمشق إلّا بعد الإجراءات الأخيرة التي باتت تطال كل شاب يمشي في شوارع العاصمة، وعلى الرغم من أني وحيد لأبويّ، وبالتالي لا يترتّب عليّ أي خدمة في جيش النظام، إلا أنني آثرت الهروب من سوريا خوفاً من أي إجراء مفاجئ قد يطال حتى الشباب المعفى من الخدمة".

يتابع سمير في سرد تفاصيل رحلته التي بدأت بمكاتب شركات الطيران في حي المرجة وسط العاصمة دمشق. العديد من هذه المكاتب وضع لافتات على واجهته تفيد بتأمينه لدخول المسافرين من دمشق إلى إسطنبول عبر مطار بيروت، وذلك بسبب التعقيدات التي يواجه بها عناصر الأمن العام اللبناني السوريين الراغبين في الدخول إلى الأراضي اللبنانية بناءً على تذكرة السفر إلى تركيّا.

الخروج على وقع رعب الاعتقال

عند الدخول والاستفسار يشرح لك المكتب عن التنسيق المسبق بينه وبين الأمن العام اللبناني، والذي يضمن للمسافر دخول الأراضي اللبنانية، ولكن ذلك يعني خروج جميع المسافرين في باص واحد من دمشق باتجاه بيروت قبل اثنتي عشر ساعة من موعد الرحلة في مطار بيروت.

"وبالفعل استدنت ثمن البطاقة التي وصل إلى أكثر من 150 ألف ليرة سورية، وودّعت عائلتي وركبت في الباص الخارج من أوتوستراد المزة باتجاه الأراضي اللبنانية"، يتابع سمير: "حين صعدت أكّد السائق على اصطحاب جميع الشباب لدفاتر العسكرية، وكل الأوراق الثبوتية المتعلّقة بها. وبعد لحظات فهمت أن جميع من في الباص كان متوجّهاً مثلي إلى إسطنبول".

"المحطّة الأولى في الرحلة كانت الأكثر رعباً بالنسبة للجميع وهي التوقّف على حاجز الفرقة الرابعة. فعلى الرّغم من أحداً لم يكن مطلوباً لأحد الأفرع الأمنية ولكنّ الإجراءات التي يتخّذها الحاجز من تفتيش دقيق للسيارات، وتفتيش شخصي للركاب كان كفيلاُ ببث الرعب، ناهيك عن الوقت الطويل الذي يستغرقه الوقوف على الحاجز، والذي تجاوز ساعة كاملة".

باص "أردوغان"!!

"بعد التفتيش الدقيق والكثير من المضايقات من عناصر الحاجز للركّاب الذي يعلمون أنهم سيتوجّهون للأراضي التركية، أو أراضي العدو (بحسب عناصر الحاجز) توجّهنا مباشرة إلى نقطة الجمارك السورية عند معبر "جديدة يابوس".

كان الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة ليلاً حين وصلنا إلى صالة ختم الجوازات. لمسنا في أعين الشرطة وقوعهم على صيد ثمين "إجا باص أردوغان" قال أحد العناصر منادياً على زملائه من الداخل. بعد عشر دقائق من الانتظار الطويل، قدم من الداخل شرطيان من فرع الهجرة والجوازات، وعنصر ثالث بلباس عسكري. جلس كل من الشرطيين إلى جهاز كومبيوتر، وانتظمنا في صفّين. الذكور في صف، والإناث في صف آخر، ووقف الرجل باللّباس العسكري وراء الشرطي الذي سيختم لنا نحن الذكور".

"استغرقت عملية ختم أوراقنا ساعتين كاملتين، اعتقل خلالهما ثلاثة شبّان بحجة الخدمة الاحتياطية، كما منع شابان آخران من السفر على الرغم من حملهما لتأجيل دراسي بحجة أنه سينتهي بعد أشهر قليلة، كما اضطررنا جميعاً لدفع مبلغ 500 ليرة سورية للموظف الذي كان يختم الأوراق كي لا نتعرض لمضايقات كبيرة بخصوص تدقيق أوراق الخدمة، ومع ذلك تعرضنا للمضايقة".

ينهي سمير حديثه بقوله إن المراحل التالية من الرحلة كانت أقلّ خطراً ولكن أكثر إذلالاً على حد تعبيره، حيث روى تفاصيل عن تعامل موظفي مطار بيروت الدولي بجلافة مع المسافرين السوريين المتوجهين عبر طائرة شركة طيران لبنانية إلى إسطنبول.

بعد وصوله بسلامة إلى الأراضي التركية، أخبرني سمير أن الجزء الوحيد المضحك خلال الرحلة كان عند الهبوط في مطار "صبيحة غوكشن" الدولي، حيث حذّر ضابط أمن الطائرة المسافرين من سرقة سترة النجاة المخصصة للطوارئ، في إشارة إلى معرفته بأن عدداً كبيراً من ركّاب هذه الرحلة سيتخذ طريق اللجوء إلى الأراضي الأوروبية انطلاقاً من تركيا.

ربّما تبدو تفاصيل رحلة دمشق إسطنبول "النظامية" أقلّ خطراً من عشرات الطرق التي يسلكها السوريون في حياتهم اليومية، إلا أنّ تفاصيل الخوف والترقّب المتعلقة بتلك الرحلة لن تنسى بسهولة بالنسبة لأولئك الذين عاشوها.