أخبار الآن | الغوطة الشرقية – ريف دمشق – سوريا – (محمد صلاح الدين)

تزداد الحياة صعوبة وقساوة على مئات الآلاف القاطنين في غوطة دمشق الشرقية حيث الحصار بأقسى أشكاله خصوصا بعد أن أغلقت قوات الأسد معبر مخيم الوافدين – دوما والذي كان منفذا وحيدا للبضائع و المواد الغذائية.

وعلى الرغم من أن النظام كان يفرض ضريبة (جمركية) كبيرة على كل كيلوغرام من المواد الغذائية يدخل الغوطة، إلا أن ذلك كان أمرا أكثر قبولا من أهالي الغوطة المحاصرين قياسا بالواقع الحالي الذي ينذر بكارثة اجتماعية على كافة المستويات بعد أن وصلت الأسعار حدا لا يطاق حيث وصل سعر كيلو السكر إلى 2500 ليرة والرز إلى 1800 وكذلك المعكرونة ومواد أساسية أخرى.

ولكن، ليس النظام وحده من يتحمل مسؤولية ما يحدث، فالتجار المتحكمين بموارد الغوطة وقوت يوم الناس لهم نصيب من دعوات الأمهات اللائي لا يجدن ما يطعمنه لأطفالهن والآباء الذين يقفون عاجزين عن تأمين احتياجات أسرهم البسيطة.

اتفاقيات ومصالح متبادلة
أسابيع مضت والمعبر مغلق، الأسعار بارتفاع والبضائع تختفي تدريجيا من على (بسطات) البيع، و يرى الحاج عبدو أن إغلاق المنفذ الوحيد إلى الغوطة يتم باتفاق غير معلن بين التجار من جهة وبين ضباط الحاجز من جهة أخرى بهدف كسب أرباح مالية كبيرة حيث يعمد التجار إلى تجفيف منبع البضائع (مخيم الوافدين) وهو ما يعني ارتفاعا مباشرا لأسعار السلع المخبأة في مخازنهم وإذا ما أوشكت البضائع المخزنة على النفاد يفتح الطريق من جديد ويعاد السيناريو ذاته.

ويخشى الحاج عبدو أن تستمر الحال على ما هي عليه لتشابه مأساة الشتاء الماضي الذي وصلت فيه الأسعار إلى أعلى معدلاتها وكان من الصعب على أي أسرة أن تحصل على احتياجاتها مهما كان دخلها المادي جيدا.

الحاجة أجبرت الآلاف على اللجوء إلى التسول للحصول على الطعام
من جهة ثانية تقول أم عامر إنها لم تعد تملك شيئا تسد به رمق أطفالها الثلاثة وزوجها المقاتل في إحدى كتائب الجيش الحر لم يحصل على راتبه البسيط منذ عدة أشهر، لم تجد سبيلا غير الدفع بابنتها ذات العشرة أعوام حتى تطرق أبواب البيوت وتسأل المارة في الشوارع عن أي شيء يساعدها وأخواها الصغيران على الاستمرار في الحياة والتغلب على الجوع الذي فتك بعشرات قبلهم حالها حال كثير من السائلين الذين باتت مصادفتهم في أي شارع أمرا محتما لكل من يمشي في طرقات الغوطة.
 
فوضى محتملة وغضب شعبي يلوح في الأفق
أما أحمد فيرى أن الناس لن يسكتوا هذه المرة و إذا ما استمر التجار في تنفيذ مخططهم الهادف لكسب أرباح كبيرة سيكون عقابهم كبيرا ولو كلف ذلك أن تعيش الغوطة الشرقية حالة من الفوضى غير المنضبطة، إذ يعتبر أحمد أن الكثير من الناس يعرفون التجار المحتكرين ويعرفون المستودعات التي تملؤها بضائعهم وهم مستعدون لحشد الشارع الشعبي باتجاه اقتحام تلك المستودعات وتفريغها من محتوياتها وليس فقط في الخروج في مظاهرات تطالب بمحاسبة المحتكرين.

وعلى الرغم من أن ذلك يهدد بوقوع اشتباكات بين مسلحين مرتزقة مستفيدين من التجار وبين الأهالي إلا أنه لن يمنعهم ذلك من البحث عن حل يؤمن الطعام لأطفالهم الجياع.

مؤخرا وعلى خلفية مظاهرات شعبية طالبت المعنيين بمحاسبة التجار تدخل القضاء الموحد في الغوطة الشرقية وأصدر بيانا أمهل من خلاله التجار أسبوعا واحدا حتى يعيدوا البضائع إلى السوق وطلبوا من الأهالي إبلاغهم عن المستودعات و التجار المحتكرين لكن أحمد يعتبر ذلك أمرا غير كاف في ظل غياب السلطة التنفيذية لدى القضاء وهو ما يعني أن أحدا لن يلتزم بقرارات لا أحد يستطيع فرضها.

بين الأهداف الربحية للتجار والحصار الذي يفرضه نظام الأسد يعيش السكان في الغوطة الشرقية مأساة حقيقية يشهد عليها العالم الذي فشل في تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنص على ضرورة تحييد المدنيين عن الصراعات العسكرية وفشل أيضا في تأمين ممرات إنسانية لإيصال المساعدات لنحو مليون محاصر داخل الغوطة.