تلامس الخطر غالباً.. أخبار الآن تكشف وجهاً جديداً لكلاريسا وارد

فما ابرز المحطات واصعب اللحظات؟

أخبار الآن | دبي - 1 فبراير 2024

كلاريسا وارد (Clarissa Ward) صحافية ميدانية عملت كمراسلة على الخطوط الأمامية في أماكنِ التوتر منذ حوالي العشرين عاماً وهي اليوم واحدة من أكبر المراسلين الدوليين في شبكة CNN الأميركية. هي ليست غريبةً على ميادين التغطيات وتعتبر رفيقةً لعدسة الكاميرا التي ترافقها أينما تذهب لنقل الصورة والحقيقة إلى العالم حتى باتت تُعرفُ أيضاً من قبل السياسيين حول العالم ونموذجاً ناجحاً للشباب الغربي والعربي الذي يحب مهنةَ الصحافة والمراسلِ الميداني تحديداً

في مهنة المتاعب هذه، وفيما يحاول الصحافي المتمرّس أن يكون دائماً مصدر المعلومة للناس من دون زيادة أو نقصان حفاظاً على سمعةٍ عملَ على بنائها على مرّ السنوات، قد تسقط منه أشياء سهواً أو من دون قصد فتكون غلطة الشاطر بألف

مؤخراً وبالتزامن مع حرب غزة، انتشر مقطع فيديو لكلاريسا، وهي تحاول الاحتماء من الصواريخ بالقرب من حدود قطاع غزة، لكن مع تسجيل صوتي مزيف يرافقه. وانتقد العديد من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، شبكة سي إن إن، زاعمين أن مشاهد كلاريسا وارد مبالغ فيها ومشكوك في صحتها أو تحتوي على إثارة. فيما أكدت "سي أن أن" أنّ الصوت "ملفق وغير دقيق ويشوه بشكل غير مسؤول حقيقة اللحظة التي غطّتها (سي أن أن) على الهواء

ولتعود من جديد تتصـدر الترند بمقطع فيديو مع الناشطة المصرية رحــمة زين التي صرخت بوجه كلاريسا وطالبت  بنقل الحقيقة للشعوب الغربية. وتفاعل مســـــتخدمو مواقع التواصل مع ما حدث

في ذلك السياق توضح كلاريسا لـ "أخبار الآن" ما حدث معها وما كانت ردة فعلها حينها تجاه مقطع الفيديو قائلةَ: "عندما رأيت رحمة للمرة الأولى، قالت لي "أنت الممثلة" وهنا كانت تشير إلى كليب تمّت فبركته بشكل يمثلني أختبىء من القصف الصاروخي في جنوب إسرائيل وقد أظهرني هذا الكليب المفبرك أنني أتعرض لقصف صاروخي وأنني كنت أتبع إرشادات شخص موجود في غرفة تحكم تلفزيونية في نيويورك أو أتلانتا وقد تسبب هذا الكليب بأضرار جسيمة لأن كثراً اعتقدوا أنه حقيقي

وتابعت: "كانت أول ردة فعل قمت بها عندما قالت لي "أنت الممثلة" أنني تنهدت بهذا الشكل لأنه كيف تدافع عن نفسك حيال أمر كان مفبركاً وغير حقيقي ولكن بما أنها واصلت الصراخ، فهمت أن صراخها لا يتعلق بي أو بالكليب بل كان بسبب سنوات طوال من الخيبات العميقة والألم والأسى وشعورها الصادق بأنّ وسائل الإعلام الغربية لم تكن تسمع ولم تكن تسرد القصص ولم تكن تضفي طابعاً إنسانياً على أهل غزة والشعب الفلسطيني بشكل أوسع. ما أن أدركت ذلك، فكرت في أن هذا الاتصال يشكل لحظة قيمة للحديث إليها والاستماع لها والسماح لها بأن تستعمل صوتي ومنصتي وأن أحرص قدر الإمكان أن تصل هذه المخاوف وهذا الغضب والأسى والخيبة إلى مسمع الشعب الأميركي والغرب وسكان العالم بأسره"

وشدّدت كلاريسا على أهمية النزاهة وعدم التأثر بالضغوط الاجتماعية، مع التفكير في الانتقادات واستيعابها دون التخلي عن معايير الأخلاق الشخصية والنزاهة الصحفية قائلةً: "الأهم هو العودة إلى العمل والنظر فيه والتفكير في التقرير الذي أنجزته والتأكد من شعورك بالراحة تجاهه والشعور بأنك قمت بعمل جيد وكنت عادلاً، أنا شخصياً أمضي الكثير من الوقت في التفكير في كلماتي وفي انتقاء القصص التي أصوّرها وفي الحرص على أنني أنجز تقارير جيدة وبالتالي بالحديث عن هذه الحالة، أعتبر أنني شعرت براحة كبيرة حيال القرارات التي اتخذتها والرسائل التي قمت بها ولكن ذلك لا يعني أنه ليس عليك التوقف لتسمع من الناس كيف يرون الأمور أو كيف يشعرون حيال ليس فقط كلماتك بل كلمات الأشخاص الذين تمثلهم

"بسبب موقعي في شبكة سي أن أن يراني كثيرون كرمز ليس فقط لهذه الشبكة بل للإعلام الغربي والإعلام الأميركي وبالتالي أنا أحاول حقاً الاستماع إلى النقد وحتى لو شعرت بعدم الإنصاف حيال تقرير قمت به، أحاول أن أستمع إليهم منطلقة من وجهة نظر بأنهم لا يستهدفونني شخصياً بل هناك نقد أوسع لوسائل الإعلام الكبرى بشكل عام

"عليك أن تفهم أن وظيفتك لا تتطلب منك أن تتمتع بشعبية كبيرة في كل لحظة بصفتك مراسلاً وأن تكون محبوباً دوماً. في الحقيقة، إن كنت تقوم بعملك جيداً حقاً، ستجد أن كثيرين لن يحبونك وأنك ستتلقى انتقادات من الجانبين ومن كل طرف بحسب القصة التي تقوم بتغطيتها. لذلك استمع إلى الانتقادات وفكر فيها وانقلها ولكن لا تسمح لها بأن تملي عليك كيف تتصرف وتتحمل مسؤولياتك كصحفي" 

شرحت كلاريسا لـ "أخبار الآن" أنّ: "الشفافية والصدق هما الأمور الأكثر أهمية بالنسبة لوسائل الإعلام، خاصة في ظلّ فقدان الثقة، ويجب على الصحفيين توضيح كيفية حصولهم على الأخبار والاعتراف بالأخطاء بشكل شفاف، خصوصاً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي الذي يشكل تحديات جديدة للصدق والدقة في نقل الأخبار

"إنّ الأهم برأيي خصوصاً بالنسبة إلى وسائل الاعلام المؤثرة الكبرى نظراً لفقدان الثقة الكبير الذي حصل والأمر الأكثر حيوية لنظهر للرأي العام بأننا أهل للثقة هو أن نتحلى بشفافية كبيرة. وهكذا عندما نحصل على قصة ما، نخبر المشاهد كيف حصلنا عليها وكيف دخلنا إلى مجمّع معين. وعندما نرتكب خطأً كما ورد في سؤالك، نخبر المشاهد بأننا أخطأنا بقولنا مثلاً العام 1963 بينما المقصود هو العام 1965 أو أننا ارتكبنا خطأً أكبر إن ذكرنا ما جاء على لسان شخص اكتشفنا لاحقاً أنه يكذب

"هناك أنواع مختلفة كثيرة من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الصحفيون فنحن بشر في النهاية وبالتالي لا عيب في ارتكاب خطأ طالما أنت شفاف بشأن الأخطاء التي ترتكبها. في الوقت عينه، أقول دوماً لزملائي الصحفيين عندما نتحدث عن تحديات عملنا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي  هذا وفي ظل استقطاب الجميع. إن عصر وسائل التواصل الاجتماعي  يعني أن كل شخص موجود في غرفة صدى خاصة به وأن الأشخاص الذين يسردون قصصاً على وسائل التواصل لا يخضعون لأطر وأخلاقيات واحدة ونظام واحد للتحقق من الوقائع ولا يسردون وجهة نظر الجانبين في أي خبر. لذلك الأهم بالنسبة إلينا هو ألا نتحسر على صعوبة حياتنا كصحفيين في يومنا هذا والأهم هو أن نضاعف جهودنا لتفادي الأخطاء ونبذل قصارى جهدنا لنتحلى بالدقة في نقل الخبر بشكل دقيق ومنصف وأن نتحلى بالصدق إن لم نتمكن من تلبية هذا المعايير

الإسراع في نشر الأخبار يشكل خطراً كبيراً، حيث أنّ الأهمية تكمن في الدقة وليس في أن يكون المرء أول من ينشر الخبر، هذا ما شدّدت عليه كلاريسا في حديثها لـ "أخبار الآن" قائلةً: "المرء لا يحب ألا يكون أول من ينشر السكوب بل يحب أن يكون سباقاً في نشر الخبر لأنه خبر مهم ولكن ليس هناك متسع من الوقت لذلك فلنسرع. عندما عملت لصالح سي بي أس نيوز لا يمكنني أن أنسى ما قاله لي سكوت بيلي مذيع النشرة المسائية وكان مراسل برنامج "60 دقيقة" إذ قال لي "كلاريسا، لا أحد يذكر أول مَن نشر الخبر لا بل لا أحد ينسى من نشر خبراً خاطئاً" وقد انطبعت كلماته هذه في ذاكرتي إلى الأبد. عندما أشعر بإغراء بسيط للاسراع في نشر خبر ما، أتذكر بسرعة أن لا أحد سيذكر من نشر الخبر أولاً ولكن لن ينسى أحد إن ارتكبت خطأً

وأوضحت أنّ الحياة الصحفية مليئة بالتحديات، حيث عبرت عن تجربتها الطويلة وصعوبة مواكبة الأحداث العالمية المتسارعة، مشيرة إلى تغيرات كبيرة في العالم في الفترة الأخيرة، مثل الانتقال من حقبة دونالد ترامب إلى انسحاب أفغانستان وغزو أوكرانيا ومؤخراً حرب غزة وعبّرت عن تأثرها بالتغيرات المستمرة وأهمية التفكير في التكيف مع الأحداث الكبيرة. يختم بتذكير بالانتخابات الأميركية ويصف الفترة الحالية بأنها حقبة تغييرية شديدة في العالم، مع التأكيد على أهمية التفرغ للحياة اليومية وتقديم عمل صحفي يوضح الجوانب الإنسانية للأحداث العالمية

" الأهم بالنسبة إلينا هو ألا نتحسر على صعوبة حياتنا كصحفيين في يومنا هذا والأهم هو أن نضاعف جهودنا لتفادي الأخطاء ونبذل قصارى جهدنا لنتحلى بالدقة في نقل الخبر بشكل دقيق ومنصف"

كلاريسا وارد
كبيرة المراسلين الدوليين لشبكة CNN

خلف الكواليس 

لقد ذهبنا إلى إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول لتغطية هجمات حماس المريعة وفي غضون أسبوع أو اثنين، أدركنا أنه يحتم علينا الذهاب إلى غزة لتغطية الرد المرعب الذي كان يحصل ففكرنا في إيجاد طريقة لدخول غزة لأن المعابر الإسرائيلية والمصرية قد أغلقت كما تعلمون. فالمصريون يقولون أن لا شيء يدخل إلى غزة من دون موافقة الإسرائيليين وقد سمح الاسرائيليون بدخول بعض الصحفيين مع مواكبة من قوات الدفاع الاسرائيلية ولكننا لم نجد أن هذا ممكن بالنظر إلى طريقة عملنا الصحفي بوجود مواكبة من قوات الدفاع الإسرائيلية. فتركز اهتمامنا على إيجاد سبيل لدخول غزة. وبالتالي اتصلنا بمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود والأردنيين والإماراتيين والأميركيين. اتصلنا بالجميع وبكل من كان قادراً على إدخال أي كان إلى غزة أو إخراجه منها. فسألنا "هل يمكننا الدخول من فضلكم؟" و"كيف تمكنتم أنتم من الدخول؟". في النهاية، أسس الإماراتيون مستشفى ميدانياً بالقرب من معبر رفح الحدودي. فعملنا معهم لفترة معينة لمحاولة زيارة ذلك المستشفى وفي النهاية نجحنا. ولكن صدقني كريم، لقد استغرقنا شهرين لا بل 6 أسابيع إن جاز القول في المحاولة يومياً وفي التفكير ملياً وفي الشعور بالإرهاق لأننا نعرف واجباتنا كصحفيين ونعرف أنه علينا أن نكون على الأرض ليس لأن الصحفيين الموجودين داخل غزة لا يقومون بعمل رائع ولا يدفعون ثمناً باهظاً مروعاً على مستوى معدل الوفيات في صفوفهم وهو الأعلى كما أظن منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين تسجّل الأرقام. هذا أمر غير مسبوق. ولكن بالإضافة إلى العمل الحيوي الجبار الذي يقوم به كل هؤلاء الصحفيين في غزة، من القيم بالنسبة إلينا أيضاً  أن نتمكن من أن نكون على الأرض لنساعد الآخرين على سرد الأخبار وأن نشعر ونشمّ ونرى بأم عينينا كيف هو الوضع حقاً على الأرض. لذلك أظن أن هذا المثل جيد لك عما يحصل عندما تركز فكرك واهتمامك بأمر ما وتعرف ما عليك فعله وتعرف أن هذه أفضل طريقة للقيام به ولكن يبدو أنه أمر مستحيل ولكن إن كنت مركّزاً جداً ولا تقبل بأي جواب بالرفض، فستنجح في النهاية إن شاء الله

الأمور الرئيسية والمعدّات الأساسية أثناء رحلة كلاريسا

 أصطحب معي بضعة أمور في كل رحلة مثل البطاريات الضرورية لشحن هذه الهواتف التي تنفذ بطارياتها بسرعة كبيرة، لذلك لا بد من اصطحاب بطاريات ها أنا أملك واحدة موضوعة هناك. فهي تسمح لك بشحن هاتفك عندما تكون في السيارة. كما أنك بحاجة للكثير من الأسلاك والكابلات لشحن هاتفك من بطارية السيارة. عليك أن تحرص دائماً على وجود مصباح أمامي معك لأنك غالباً ما تذهب إلى مكان لا يتوفر فيه التيار الكهربائي وقد يصبح الوضع معقداً وخطراً في الليل. إذن لا بدّ من وجود مصباح أمامي ومعدات للتواصل يمكن تشغيلها ليل نهار فمن غير المقبول أن تنفذ بطاريتك أو أن تفقد التيار الكهربائي. ما عدا ذلك، عليك أن تكون مزوداً بدرعك الواقي بحسب طبيعة المهمة. هذه هي بالإجمال الأغراض الأساسية. و إحرص على انتعال حذاء مريح أيضاً ولكن هذا هو الأساس

أكثرُ تجربة صحافية صعبة مررت بها

أعتقد أن إحدى التجارب الميدانية الأكثر صعوبة التي عشتها كانت خلال الحرب في سوريا التي غطيتها عن كثب من العام 2011 حتى العام 2016 فقد كنت موجودةً كثيراً على الأرض في وقت كنت فيه الوحيدة هناك. وكنت متخفية بمفردي في دمشق وكنت أعيش مع بعض الناشطين وكنت أعبر الحدود مع تركيا بشكل غير شرعي لكي أختلط بالثوار. وكنت أجتمع بمفردي مع مقاتلين جهاديين غربيين

إذن لقد اختبرت عدة تجارب في غاية التعقيد والصعوبة من وجهة النظر الأمنية واللوجستية المتعلقة بتنفيذ واجبنا وسرد الخبر والتمكن من نشره. أعتقد أنني تعلمت منها أولاً أن الأمن هو الأولوية فلا يجدر بك أن تصور خبراً تعتقد أنه يستحيل عليك إنجازه بشكل آمن. هناك أوقات لا بد عليك أن تقبل فيها بوجود مخاطر حقيقية ولكن عليك أن تتأكد من تخفيف وطأة هذا الخطر عن طريق الإكثار في التخطيط والتحضير والتفكير الملي. لقد خسرت أصدقاء كثر لي في سوريا. لقد تعرض الكثير من أصدقائي للخطف والقتل وكانوا صحفيين سوريين وأجانب. وبالتالي هذا ناقوس خطر لأنه ليس لعبة أو مجرد  تحدٍ بل هو حياة أو موت وبالتالي أهم ما عليك فعله هو أن تأخذ وقتك في التفكير وأن تتأكد من أنك قادر على تنفيذ القصة بطريقة يوجد فيها معدل منطقي من الأمان حتى لو ما زال يحافظ على طابع الخطورة. هذا ما أقوله للصحفيين الشباب. عليكم أن تركزوا على الجانب الأمني وعليكم أن تفتشوا عن الموارد أو إن كنتم تعملون لصالح شركة تقدم لكم هذه الموارد سواء كانت تدريباً على بيئة معادية أو تأمين المعدات الواقية لكم مثل السترة الواقية والخوذة أو حتى التأكد من تأمين فريق مناسب على الأرض فالسكان المحليون هم مَن يفهم أفضل منك المناطق الخطرة واي حواجز عسكرية عليكم تفاديها. أي لا بد من الاستماع لكل الأشخاص الذين يملكون خبرة أكبرعلى الأرض والحرص على أنكم قمتم بواجبكم لتنفيذ المهمة وسرد الأخبار بأكثر السبل أماناً

التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي

أعتقد أنه تحدّ حقيقي ولكنه في الوقت عينه فرصة هائلة. إنه عبارة عن تحدّ لأن الناس بالطبع يريدون أن يسمعوا أخباراً تتناغم مع معتقداتهم ولا يريدون أن يتعرفوا على حقيقة الآخرين وعلى ألمهم خصوصاً إن كان ألمهم الشخصي يشكل مصدر قلق لهم. وبالتالي من الأسهل عليهم أن يختاروا على وسائل التواصل الاجتماعي أنهم يحبون هذا الشخص المعين وهذا وذاك وسأتبعهم لأنهم يرددون افكاري ولكن المشكلة هي أن الحقيقة الكاملة لا تصلهم بالضرورة.

وهكذا برأيي يميل الأشخاص لرفض وسائل الإعلام الرئيسية لأنها تخصص وقتاً طويلاً جداً في حديثهم عن موضوع معين بينما أريد أن أسمع أخباراً عن موضوع آخر. يشكل هذا الأمر تحدياً لنا. فكيف نتصرف؟ لا يكمن الجواب في أن نحاول أن نصبح مثل وسائل التواصل ونختار موقعاً نعتبره يستقطب شعبية ونحاول استغلاله. ما تدركه هو أن هناك فرصة في ذلك لأن كثيرين يشعرون أيضاً بأنهم يشاهدون كماً كبيراً من التقارير وهي تنشر فكرة معينة ولكنني أفتش عن شخص يجمع كل هذه الأفكار معاً في إطار واحد ويعطينية نظرة شاملة. لا أدعي أننا نعطي نظرة صحيحة كل مرة ولا أدعي الكمال ولكن بعض مؤسسات الإعلام الرئيس هذه كشبكة سي أن أن تملك موارد عالمية ومراسلين منتشرين في كل أنحاء العالم قادرين على إنجاز عمل ملموس وعلى أن يكونوا على قدر عظم الخبر وعلى أن يتمكنوا من تكوين هذه النظرة الشاملة.

الذكاء الاصطناعي 

يشكل ذلك مصدر قلق عظيم وخطراً جسيماً ليس فقط على الصحافة وعلى وسائل الإعلام ولكن على مجتمعنا بكل صراحة فنحن نقترب من عالم يقول البعض أننا سبق أن دخلنا فيه حيث بات من الصعب للغاية إيجاد فكرة الحقيقة و يتهددها خطر كبير بسبب وجود كم هائل من التضليل والتشويه الإعلامي وما أن نتمكن من كشف خبر مضلل معين، نجد أن ناشري هذه الأخبار يجدون سبلاً أخرى أكثر تعقيداً لنشر الأخبار المضللة واليوم بوجود الذكاء الإصطناعي سيصبح مستحيلاً تقريباً حتى بالنسبة لأشخاص مثلي متخصصين في فرز الأخبار وإيجاد المصادر ومحاولة التأكد بسرعة جداً إن كان الخبر دقيقاً أو مضللاً.

سيصبح ذلك مستحيلاً علينا جميعاً. كما سيصبح مستحيلاً علينا أن نتحكم بمظهرنا الجسدي حتى لأن شخصاً قد يخلق كلاريسا وورد مزيفة بالكامل أو يخلق كائناً يمثلك أو يمثل زميلاً لك ويجعلهم يقولون أموراً مختلفة. من الواضح أن هناك أشخاصاً في صناعة التكنولوجيا والحكومات من حول العالم الذين يفكرون كثيراً بشأن هذه المسائل ولا أعتقد أنهم وجدوا حلولاً أو استراتيجيات فعلية وبالتالي سيكون المستقبل صعباً ووعراً وعلينا أن نستعد له وأن نعمل معاً للتوصل إلى إطار من أجل الدفاع عن فكرة الحقيقة. وهنا لا أتحدث عن الرأي لأنه من حقنا أن نملك آراءً مختلفة ولكن لا يمكن أن يكون لدينا وقائع مختلفة. فاثنان زائد اثنان يساوي أربعة. إن كنا قادرين على الموافقة على هذه النتيجة وعلى أن نبقى كذلك، فهذا يعني أنه ما زال هناك بعض الأمل. على مستوى الإيجابيات سيكون للذكاء الاصطناعي فوائد هائلة بمعنى وجود قاعدة بيانات هائلة مكونة من وقائع ومعرفة بمتناول اليد.

أعتقد أنه لربما ستصبح قادراً على النظر إلى عالم يمكنك الحديث فيه مع "شخص ما" عندما تستيقظ في الصباح كأن تسأل "مرحباً سيري، ماذا حصل في البحرين البارحة؟" "ماذا حصل في البحر الأحمر مع خطف الحوثيين سفينة جديدة؟"  وهذا الشخص الممكّن من الذكاء الاصطناعي ومن الواضح أنه ليس شخصاً بل لنقل أنه محرك سيقول "بحسب صحيفة نيويورك تايمز، هذا ما حصل ولكن شبكة بي بي سي تضع ما حصل في خانة أخرى  وبالنسبة إلى رواد التواصل الاجتماعي في اليمن هذا ما يقولونه أو لديهم رواية أخرى. يمكنك إذن أن تركب سيناريو يجعلك قادراً على ولوج كم أكبر من المعلومات بسرعة أكبر تكون بمتناولك بطريقة ذات طابع شخصي أكبر مما يسهل على الجميع الحصول على المعلومات عندما يكون هناك ضائق من الوقت لا يسمح لهم بالاستغراق في قراءة الصحيفة بكاملها أو مشاهدة شبكة سي أن أن لمدة ساعة.

لقد فكرت ببعض الفرص ولكن هناك حتماً فرص أخرى كثيرة للأخبار المحلية في بعض الأماكن يفتقدون فيها للموارد المالية الكبيرة لتشييد قاعدة كبيرة لبناء منصة إعلامية أكثر تقليداً ولكن اعتماد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيسمح لهم داخل مجتمعاتهم لنشر أخبار بسرعة عما يدور حولهم.

التوازن بين العمل والحياة

لم أجد بعد التوازن الكامل فأحياناً أكون رائعة في عملي وأحياناً في عملي كأم ولكن نادراً ما أكون رائعة في العملين في الوقت عينه تماماً ولكنني وجدت شيئاً لطالما عانت النساء لإيجاده على مر سنوات وهو قبولي لعيوبي كأم وللتحديات الفعلية الناجمة عن كوني والمنعكسة على وظيفتي. 

أحياناً أتلقى اتصالات هاتفية في منتصف الليل كما حصل مثلاً في 7 أكتوبر/ تشرين الأول فقد وصلني اتصال في الخامسة فجراً وقيل لي أن هجوماً حصل وأنه لا بد أن أركب الطائرة. بالطبع أول ما فكرت فيه كان ما القصة؟ ماذا حصل؟ وكيف سأركب الطائرة؟ أما ثاني أمر فكرت فيه فقد كان "مَن سيعتني بأطفالي الثلاثة بما أننا كنا في عطلة نهاية الأسبوع؟ إذ لا يمكنني أن أدعهم كلهم مع زوجي. " 

أعتقد أنه علينا أن نقول صدقاً كأمهات أن الأمر في غاية الصعوبة ويضم الكثير من التعب المضني وأحياناً قد ترتكب أخطاءً ولكن لا بأس. عليك أن تسامح نفسك وتقبل نفسك وتواصل المحاولة مهما كانت صعبة. وإن كان الحمل ثقيلاً جداً، أقول أيضاً إنه ليس كل امرأة تريد أن تنجب طفلاً ولا بأس بذلك. كما أنه ليس كل امرأة تريد أن تبني مسيرة مهنية ولا بأس. لذلك عليك أن تجد ما تحبه وما يشعرك بالاكتمال وتنطلق منه وتفعل ما يناسبك وليس ما يناسب الآخرين. 

الصحة العقلية 

مسألة الحفاظ على الصحة العقلية أمر صعب جداً، وبرأيي كان ذلك شاقاً خصوصاً في الأشهر الثلاثة الماضية. فرحلتي إلى غزة كانت مروعة وقد كانت مدتها قصيرة جداً ومنحتني رؤية خاطفة عن الجحيم الذي يعيش فيه السكان هناك ولكن كأم على وجه الخصوص لأن قلبي قد انفطر. كما أن رؤية الصور بشكل متواصل على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والشعور المستمر بالتوتر والحقد والتسييس والاستقطاب الجاري يضنيك بكل صراحة كصحفي أو ككائن بشري يشاهد هذه الصور. وهذا شعور يبقى معك ولا يفارقك. 

من المهم للغاية بالنسبة لي على مر السنوات الطوال التي مارست فيها وظيفتي أنني تعلمت آليات للتعامل مع ما يجري سواء عن طريق الصلاة أو ممارسة اليوغا أو القيام بنزهة أو قضاء الوقت مع عائلتي والخروج مع صديقاتي لتناول الغداء والضحك والحديث عن أمور تافهة بهدف المرح عوضاً عن البقاء في ظروف التوتر الشديد وعليك أن تكون قادراً على اختبار الفرح والحب والمرح وإلا يصبح التوازن غير مستدام. فمن الشائع جداً لدى الصحفيين الذين يغطون النزاعات أن يتعرضوا للارهاق ويدمنوا على مواد معينة ويجدوا صعوبة في المحافظة على علاقات سليمة فعالة. كما هناك نقطة مهمة أخرى وهي أن يدرك المرء أنه لدى عودته من أي رحلة، سيتعرض للانهيار إن كان يتنقل بسرعة هائلة في ظروف من التوتر الفائق والتشويق الكبير. فهو سينهار ما أن يصل إلى منزله. وما من مجال لتفادي الانهيار. فهو محتم وهذه هي سنّة الحياة. هناك توازن وهناك نجاحات وإخفاقات وهناك سرعة وبطء.

لذلك ما يمكنك فعله إن حصل لك هذا الأمر مراراً هو أن تحرص على تأمين أرضية لك قبل أن تنهار.هنا أستعمل المعنى المجازي مجدداً ولكن ما أعنيه هو أنه لا بد أن يعتني المرء بنفسه ويعاملها بلطف ويأخذ قسطاً من الراحة لبضعة أيام ويأكل كميات كبيرة من البطاطا المقلية إن كان يرغب بذلك ويشاهد البرامج التلفزيونية التافهة إن كان بحاجة لذلك أي إسمح لنفسك جسدياً ونفسياً بعد عودتك إلى المنزل بالراحة ولا تحاولي أن تكوني فوراً أفضل أم في العالم ولكن حاولي أن تخففي الضغط وتطلقي التوتر وأعيدي بناء نفسك شيئاً فشيئاً وأعيدي التزود بالطاقة إلى أن تتمكني من الوقوف على رجليك مجدداً ومعاودة عملك

مثلي الأعلى

في مسيرتي المهنية تطلعت إلى أشخاص كثر كنت أعتبرهم قدوةً لي وهذا ما أكرره على مسمع الصحفيين الشباب. جدوا مرشدين لكم وأشخاصاً تتطلعون إليهم واطرحوا عليهم أسئلة. يمكنكم أن تتعلموا الكثير من أشخاص على استعداد بتخصيص وقت لكم للعمل معكم والإجابة على أسئلتكم والسماح لكم بمرافقتهم ومشاهدة طريقة عملهم. كان لديّ أشخاص كثر من هذا النوع في مسيرتي المهنية ممن كانوا يقولون لي "تعالي يا فتاة، يمكنك أن تقتربي وتشاهديني كيف أعمل". 

قد يبدو ذلك عملاً بسيطاً لكنه كبير المعاني لأنه حتى لو كنت تملك أحلاماً كبيرة وتتحلى بإيمان قوي في النفس، ستشعر في الخامسة والعشرين من عمرك أنك لا تعرف كيف تنجز عملاً معيناً لأنك لا تعرف ما يفترض بك فعله بالتحديد. لذلك أقول بشكل عام وقد يبدو كلامي كشعار مبتذل لكنني أعنيه صدقاً. إن الأشخاص الذين يشكلون أكبر مصدر إيحاء لي على مستوى قوة التحمل من أجل مواصلة سرد الخبر ودفعي إلى العمل بشكل مكثف لمنحهم العدالة وسرد الأخبار بكرامة هنّ مراسلات ميدانيات تعملن في مناطق حرب. 

مراراً وتكراراً لقد شعرت بالتواضع أمام صلابتهم وشجاعتهم وقوتهم وكرمهم الروحي. لقد رأيت من نساءٍ يعشن في الجحيم ويتعرضن للقصف يومياً وما زلن قادرين على التحرك وسط الخوف ويستجمعوا قواهم من أجل منح أطفالهم شعور بالفرح داخل المنزل وطبيعية حيث هو ممكن ومن أجل تخصيص 5 دقائق لتسريح شعر الطفل حتى لو لم أنم طيلة 3 أيام. هذا هو ما يشكر أكبر مصدر وحي لي ويمنحني دفعاً بحيث اقول في نفسي "إن كن قادرين على النجاح، فأنا أيضاً قادرة

كيف غيَّرت مسيرة كلاريسا المهنية فيها كشخص؟

أصبحت أكثر تواضعاً وتقبلاً واستعداداً للاستسلام للكون بمعنى أنه بغض النظر عن الوقت الذي أمضيه بالعمل على خبر ما، فهذا لن يغير بالضرورة شيئاً في الأحداث على الأرض ولربما لن يفعل ذلك. وعليك أن تقبل ذلك. عليك أن تكون قادراً على حشد كل قواك لسرد خبر ما ومن ثم تقبل بأنه عندما تسلمه للكون، سيفعل ما يريد فعله وهذا خارج تماماً عن سيطرتك. 

وبالتالي ككائن بشري، عندما تعيش ذلك مراراً وتكراراً، وعندما تشعر بالإحباط والألم الذي قد يرتبط بعدم القدرة بإحداث وقع إيجابي، تصبح أكثر سلاماً وهدوءاً بقليل وأكثر تواضعاً بكثير وتتلذذ بالانتصارات الصغيرة وتدرك كم هي مهمة. مثل أن يصلك بريد الكتروني من شخص ما يجعلك تغيّر رأيك بموضوع معين. لقد أثرت اهتمامي بتلك الطفلة. 

مؤخرا قال شخص كان موجوداً بقربي إنه موّل خروج 3 فتيات من أفغانستان وإرسالهن إلى البرتغال لمتابعة علمهن بعد أن شاهد إحدى قصصي. فقد ظهرت هؤلاء الفتيات الثلاث في أحد تقاريري. 

حسناً لم أطلب ذلك ولكنني بذلت قصارى جهدي لسرد قصة هؤلاء الفتيات ولكن الأحداث الجيدة ستحدث إن ركزت نواياك على المكان المناسب أحياناً. عليك برأيي أن تكون مثابراً ومصصماً ومركزاً لإنجاز القصة ولكن عليك أيضاً أن تقدّر بأنك غير قادر على السيطرة على كل شيء.وهذا ما جعلني مع مرور الوقت كما آمل وأعتقد  شخصاً أكثر تواضعاً وحكمةً.

نصيحة لصحافي طموح 

وظيفتك لا تعني أن تتحول إلى ناشط أو أن تنتقي جانباً وتسرد قصصاً تظهر لماذا هذا الجانب على حق أو هذا الجانب رائع أو هذا الجانب على خطأ أو أياً كان بل عملك هو ألا تتبع أجندة معينة بل أن تسرد قصصاً بطريقة عادلة ولكن هذا لا يعني أن تحاول أن تكون رسائلك محايدة أو أن تتظاهر بأن الطرفين متشابهان . 

كلا، ليس هذا ما أعنيه ولكن أرى الكثير من الشباب الذين يطلقون على نفسهم أنهم صحفيون ويلقون خطابات عن الأخطاء التي ترتكب. أفهم الرغبة وراء هذه الخطابات ولكن هذا ليس صحافة بل الصحافة تعني سرد الأخبار ومساءلة الأشخاص وترك الخبر يتطور من دون تدخل وليس كما تظن أنه عليها أن تتطور وليس كما أردت

Item 1 of 5

شاهدوا أيضاً: