جولة محادثات جديدة تعقد في القاهرة على وقع استمرار المعاناة في قطاع غزة
أعلنت الولايات المتحدة أنّ إسرائيل قبلت مبدئيًّا بنود مقترح هدنة في حربها ضدّ حماس في قطاع غزّة، فيما يُتوقّع وصول ممثّلين لحماس إلى القاهرة لإجراء محادثات في شأن المقترح.
ويسعى الوسطاء جاهدين قبل شهر رمضان الذي يبدأ في 10 أو 11 آذار/مارس، للتوصّل إلى هدنة في الحرب المستمرّة منذ خمسة أشهر تقريبًا والتي أدّت إلى تدمير قطاع غزّة المهدّد بمجاعة.
مع تدهور الظروف الإنسانيّة ووسط تصاعد العنف، أعلنت وزارة الصحّة في القطاع المحاصر وفاة أكثر من عشرة أطفال بسبب سوء التغذية في الأيّام الأخيرة.
في واشنطن، قال مسؤول أمريكي للصحافة طالبًا عدم كشف اسمه إنّ “الإسرائيليّين قبلوا مبدئيا عناصر الاتّفاق. والكُرة الآن في ملعب حماس”.
ولم تؤكّد إسرائيل بعد قبولها خطّة التهدئة.
في الأثناء، قال مصدر قريب من حماس لوكالة فرانس برس إنّ وفدًا من حماس توجّه من قطر إلى مصر.
وأضاف “سيُسلّم الوفد ردّ حماس الرسمي” على المقترح المُتمخّض عن محادثات الوسطاء مع المفاوضين الإسرائيليّين في باريس نهاية الشهر الماضي.
بدورها، نقلت قناة “القاهرة الإخباريّة” عن مصدر “رفيع” أنّ محادثات التوصّل إلى الهدنة في غزّة “تُستأنف الأحد في القاهرة بمشاركة جميع الأطراف”.
مجلس الأمن قلق
توازيًا، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم البالغ “إزاء تقارير تُفيد بأنّ أكثر من 100 شخص فقدوا حياتهم وبأنّ مئات آخرين أصيبوا بجروح في حادثة اشتركت فيها قوّات إسرائيليّة في تجمّع كبير محيط بقافلة مساعدات إنسانيّة جنوب غرب مدينة غزّة”.
وفي بيان صحافي صدر مساء السبت، جدّد أعضاء المجلس التشديد على “ضرورة أن يمتثل جميع أطراف النزاعات لالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء”.
ودعا أعضاء المجلس جميع الأطراف إلى “الامتناع عن حرمان السكّان المدنيّين في قطاع غزّة من الخدمات الأساسيّة والمساعدات الإنسانيّة الضروريّة لبقائهم، بما يتّفق مع القانون الإنساني الدولي”.
وأعرب أعضاء مجلس الأمن عن “قلقهم البالغ إزاء تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التي تُشير إلى أنّ جميع سكّان غزّة- البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة- سيُواجهون مستويات مثيرة للقلق من انعدام الأمن الغذائي الحادّ”.
في وقت سابق السبت، أعلنت الولايات المتحدة التي تزوّد حليفتها إسرائيل مساعدات عسكريّة بمليارات الدولارات، أنّها بدأت إنزال مساعدات جوًّا في غزّة.
وجاء بدء عمليّة الإغاثة الأمريكيّة غداة إعلان الرئيس جو بايدن هذه الخطوة، متحدّثًا عن “الحاجة إلى بذل المزيد” لتخفيف الأزمة الإنسانيّة الأليمة.
لكنّ المسؤول الأمريكي الذي طلب عدم ذكر اسمه قال السبت إنّ إنزال المساعدات جوًّا أو احتمال نقلها بحرًا في المستقبل “لا يمكن أن يشكّل بديلا للإدخال الضروري للمساعدات عبر أكبر عدد ممكن من الطرق البرّية، فهذه هي الطريقة الأكثر فعاليّة لتوصيل المساعدات على نطاق واسع”.
إطلاق نار “غير قابل للتبرير”
وتُواجه غزّة تراجعًا في تسليم إمدادات الإغاثة عبر الحدود البرّية، خصوصًا معبر رفح مع مصر، وتُرجع منظّمات الإغاثة ذلك إلى القيود الإسرائيليّة.
وقالت القيادة العسكريّة المركزيّة الأمريكيّة في بيان إنّ العمليّة الجوّية نُفّذت بالاشتراك مع الأردن وشهدت إنزال طائرات “أكثر من 38 ألف وجبة على طول ساحل غزّة، ممّا يسمح بوصول المدنيّين إلى المساعدات الحيويّة”.
ونفّذت دول عربيّة وأوروبّية عدّة، عمليّات إنزال جوّي للمساعدات في غزّة منذ تشرين الثاني/نوفمبر، لكنّ عمليّة الثلاثاء هي الأولى التي تُشارك فيها الولايات المتحدة.
في خضمّ ذلك، أعلنت وزارة الصحّة في غزة السبت أنّ 13 طفلًا على الأقل توفّوا بسبب “سوء التغذية والجفاف”، بعد يومين على مقتل عشرات الفلسطينيّين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات من قافلة شاحنات إغاثة في مدينة غزّة.
وقالت وزارة الصحّة إنّ القوّات الإسرائيليّة أطلقت النار على المدنيّين. وأقرّ الجيش الإسرائيلي بحدوث “إطلاق نار محدود” لكنّه رجّح أنّ معظم الضحايا قضوا نتيجة تدافع أو دهستهم الشاحنات.
من جهته، أفاد فريق تابع للأمم المتحدة زار مجمّع الشفاء الطبّي بمدينة غزّة، بأنّه شاهد “عددًا كبيرًا” من الجروح الناجمة من أعيرة ناريّة لدى مرضى وصلوا المستشفى في أعقاب المأساة.
بدوره، قال مدير مستشفى كمال عدوان في مدينة غزة حسام أبو صفية إنّ جميع الضحايا الذين وصلوا إلى المنشأة أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي.
في السياق، دعا منسّق السياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبّي جوزيب بوريل السبت إلى إجراء “تحقيق دولي محايد” في الواقعة، معتبرًا أنّ “إطلاق الجنود الإسرائيليّين النار على مدنيّين يحاولون الحصول على مواد غذائيّة هو أمر غير قابل للتبرير”.
وقالت وزارة الصحّة التابعة لحماس في غزّة السبت إنّ عدد القتلى في حادثة الخميس وصل إلى 118 على الأقلّ.
وأشار المتحدّث باسم الوزارة أشرف القدرة في بيان إلى “ارتفاع حصيلة مجزرة شارع الرشيد التي ارتكبتها قوّات الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس إلى 118 شهيدًا و760 إصابة” بعد انتشال جثّتَين إضافيّتَين.
وتابع “لا يزال عشرات المصابين في حال الخطر، ما قد يرفع عدد الشهداء في أيّ لحظة، نتيجة عدم توافر الإمكانات الطبّية لإنقاذ حياتهم”.
وأثارت المأساة إدانة دوليّة واسعة.
وساهم سقوط هؤلاء القتلى في رفع حصيلة ضحايا الحرب في غزّة إلى 30320 قتيلًا، معظمهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحّة.
“قيود هائلة”
وقال المتحدّث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة (أوتشا) ينس لاركه الجمعة إنّ “المجاعة تكاد تكون حتميّة” في غزّة إذا لم يتمّ التعجيل بإدخال كمّيات كافية من المساعدات.
وأشار إلى التوقّف شبه الكامل للواردات الغذائيّة التجاريّة، ومحدوديّة عدد شاحنات المساعدات الغذائيّة التي تسمح إسرائيل لها بدخول القطاع، و”القيود الهائلة” التي تحول دون التنقّل داخل غزّة.
من جهتها، قالت لجنة الإنقاذ الدوليّة إنّ مجرّد التفكير في عمليّات الإنزال الجوّي للمساعدات “يُعدّ دليلًا على التحدّيات الخطرة التي تواجه الوصول” الإنساني.
وأضافت المنظّمة الإنسانيّة غير الحكوميّة أنّ الإنزال الجوّي للمساعدات يتطلّب الكثير من الوقت والجهد مقارنة بـ”الحلول المثبتة للمساعدة على نطاق واسع”.
وأظهرت مقاطع مُصوّرة لوكالة فرانس برس أشخاصًا يركضون ويتحرّكون بسرعة على درّاجاتهم الهوائيّة مرورًا بمبانٍ تضرّرت بفعل القنابل على طريق تُرابي متعرّج للوصول إلى المساعدات التي أنزلت في مدينة غزّة.
وقال هشام أبو عيد (28 عاما) من حيّ الزيتون بمدينة غزة “الله رزق بكيسين طحين من المساعدات التي وصلت يوم المجزرة”، مضيفًا “الكلّ يعاني من المجاعة، والمساعدات التي تصل غزّة نادرة ولا تكفي لعدد قليل”.
وبينما يسعى الوسطاء للتوصّل إلى اتّفاق قد يشمل مزيدًا من المساعدات لغزّة وإطلاق رهائن، يتعرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لضغوط داخليّة متزايدة بشأن مصير الأسرى المتبقّين في غزّة.
في هذا الصدد، وصل متظاهرون إسرائيليّون إلى القدس السبت في ختام مسيرة استمرّت أربعة أيّام من حدود غزّة للضغط على الحكومة.
وقال المسؤول الأمريكي الذي طلب عدم كشف اسمه إنّ وقفا للنار لستّة أسابيع مطروح على الطاولة و”يُمكن أن يبدأ اليوم… إذا وافقت حماس على إطلاق سراح فئة محدّدة من الرهائن المعرّضين للخطر… المرضى والجرحى وكبار السن والنساء”.
“دمار وشهداء وإصابات”
في رفح، حيث لجأ مئات الآلاف من سكّان غزّة بسبب الحرب، قالت وزارة الصحّة إنّ قصفًا إسرائيليًّا أصاب مخيّمًا خلّف 11 قتيلًا على الأقلّ.
وأضافت أنّ القصف الذي وقع قرب مستشفى الهلال الإماراتي خلّف أيضًا “نحو 50 جريحا بينهم أطفال”.
وقال الجيش الإسرائيلي إنّه نفّذ “ضربة دقيقة” في منطقة المؤسّسة الصحّية استهدفت عناصر من حركة الجهاد الإسلامي و”لم تُلحق أيّ أضرار بالمستشفى في المنطقة”.
وشاهد صحافي في فرانس برس جرحى ينقلون إلى مستشفى آخر في رفح.
وقال شاهد العيان بلال أبو خجلة لفرانس برس “كنّا جالسين عند صيدليّة (المستشفى) الإماراتي. فجأة وقع انفجار كبير”. أضاف “فجأة وجدنا الزجاج والأحجار فوق رؤوسنا والنيران مشتعلة”.
وتحدّث عن وقوع “دمار وشهداء وإصابات” بأعداد كبيرة.
من جانبه، اعتبر المدير العام لمنظّمة الصحّة العالميّة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عبر منصّة إكس أنّ القصف “مُشين ولا يوصَف”.
وقُتل الطفل محمد خالد زيد (13 عامًا) “متأثّرًا بإصابته برصاص قوّات الاحتلال الإسرائيلي مساء السبت قرب مخيّم الجلزون شمال رام الله”، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينيّة “وفا”.
وبحسب “وفا”، نفّذ الجيش الإسرائيلي ليل السبت الأحد “مداهمات في أنحاء عدّة من الضفّة الغربيّة، ولا سيّما في قرى وبلدات تقع قرب مدن قلقيلية وجنين ورام الله ونابلس وطولكرم”.