لماذا أفرج تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا عن المعتقلين دون مقابل؟

علامات استفهام كبيرة صاحبت القرارات الأخيرة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتحديداً بعد الإفراج عن المعتقلين الأجانب في الساعات الماضية.

فبعد أن أفرج التنظيم عن الصحفي الفرنسي أوليفيه دوبوا، بات هناك سؤالاً يطرح نفسه بقوة لماذا أقدم التنظيم الإرهابي على مثل هكذا خطوة بدون أي مقابل أو أي صفقات تبادلية؟

كانت الحكومتان الفرنسية والأمريكية لديهما التزام معلن بعدم دفع فدية لتحرير الرهائن. فما قد يكون الدافع إذاً وراء إطلاق سراح الرهائن أخيراً؟

ما قد يجنيه تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا وغربها ممثلاً بالقاعدة في المغرب الإسلامي وتحالف جبهة نصرة الإسلام والمسلمين في هذه الحالة بالذات هو أن التنظيم قدّم نفسه على أنه طرف يمكن أن يتحدث مع المجتمع الدولي ويصغي ويفاوض وفي نهاية الأمر يُلبي ويحافظ على الحياة. طرف يستطيع صحفي أن يصل إلى قيادته وأن يحصل على مقابلة معه.

فإطلاق سراح الرهينتين الأمريكي (ودكي) والصحفي الفرنسي (دوبوا)  جاء بعد أسبوعين تقريباً من مقابلة صوتية أجراها الصحفي وسيم نصر مع زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي أبي عبيدة العنابي. وكان واضح في المقابلة التي نشرتها الأندلس، الذراع الإعلامية لـ القاعدة في المغرب الإسلامي، أن العنابي يريد أن يوصل رسالة إلى العالم وفرنسا تحديداً بأنه يقبل الحوار فيما يتعلق بـ أوليفييه وفي أمور أخرى حقيقة. هذا لا يُقدر بثمن.

ومن الممكن أن نضيف هنا أنه في كثير من الأحيان، إطلاق سراح الرهائن لا يكون بدفع الفدية وإنما ربما بإطلاق سراح شخصيات تهم القاعدة كما حدث في أكتوبر 2020 عندما أطلق سراح أكثر من 200 عنصر من القاعدة في الساحل في صفقة تحرير الرهينة صوفي بيترونا. ونتذكر صور إياد أغ غالي زعيم تحالف نصرة وهو يستقبل ”المحررين“ ولا شك أن هذا عزز حضوره وحظوظه في المنطقة.

 

أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه في هذا الصدد فهو يتعلق بما حدث في سوريا، حيث تطور موقف الجولاني من قيادي في القاعدة إلى معادي للقاعدة وكان ذلك بالتوازي مع دور إيجابي قامت به (هيئة تحرير الشام) في العثور على رهائن أجانب وتحريرهم. فما هي إمكانية أن هذه الخطوة الأخيرة من جانب تحالف نصرة وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي تشبه ما قام به الجولاني حتى ينسلخ عن القاعدة ويصبح منظمة محلية؟

حوادث الرهائن عند جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام لم تتطرق إلى مقابل قد يوحي بعلاقة مع القاعدة. لم يحدث أن النصرة طالبت بإطلاق سراح عناصر من القاعدة في أي مكان من العالم مثلاً. ما كان مهم لهم هو المال و“السمعة الحسنة“ بين قوسين: جهة يمكن للمجتمع الدولي أن يقبلها كضامن للحياة أو الأمن أو السلام؛ وبالتالي يتعين على هذه الجهة أن تكون ”محلية“ الهوى لا تهدد الجوار أو ما بعد الجوار.

في غرب إفريقيا، ثمة مؤشرات تقول إن إياد أغ غالي وجماعته في تحالف نصرة يسعون فعلاً إلى شكل محلي من الحوكمة. في أكتوبر 2021، قال المجلس الإسلامي الأعلى في مالي إنهم تلقوا طلباً من الحكومة لبدء حوار مع أغ غالي. صحيح أن ذلك الحكومة نفت ذلك الخبر بطريقة مريبة. لكن المهم أن دعوات الحوار بين الحكومة وأغ غالي ليست جديدة وليست غريبة. حتى إن أغ غالي من خلال الزلاقة الذراع الإعلامية لتحالف نصرة نشر في مارس 2020 أي قبل أكثر من سنة على حادثة الأخبار المتضاربة الخاصة بالمجلس الإسلامي، قال في ذلك البيان وكان رقمه 152إنه من حيث المبدأ لا يرفض الحوار ولكن بشروط. في تلك الفترة لنتذكر، كانت طالبان قد وقعوا اتفاق الدوحة الذي هو الآن أساس سيطرتهم في كابول. هل يأمل أغ غالي أن يحكم رقعة جغرافية كما حال طالبان؟ لا شك. ولربما كان إطلاق الرهينتين الأخير هذا مقدمة لحوار على مستوى أعلى. لأنه في الحقيقة بعد أنباء وساطة المجلس الأعلى، أطلقت الحكومة المالية الـ 200 من عناصر القاعدة مقابل صوفي بيترونا وصوميلا سيسي (الذي بالمناسبة دُفع مقابلة حوالي 6 مليون دولار). مسألة أخرى مهمة هنا هي أن أمادو كوفا مثلاً زعيم كتائب ماسينا إحدى مكونات تحالف نصرة له ”محلة“ يحكم فيها تقع شمال باماكو.

 

أما السؤال الثالث الذي نسعى للإجابة عليه في هذا الصدد، هل أمادو كوفا أو زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي العنابي من الذكاء بحيث يبتعدان بتنظيميها عن الإرهاب العالمي أم أن هذه فرصة قد تُترك للنواب الأكثر دهاء؟

أمادو كوفا معروف بأنه رجل أعمال في الدرجة الأولى. يريد أن يكون حاكماً كما كانت مملكة ماسينا السابقة. وبالفعل، هو بدأ مفاوضات مع الحكومة ليكون حاكماً على ”محلة“ شمال باماكو عاصمة مالي.

أما العنابي، فهو معروف بأن من أهم نقاط الخلاف بينه والزعيم السابق للقاعدة في المغرب الإسلامي عبدالملك دروكدال كان أن العنابي يعارض توجه دروكدال إلى العولمة. العنابي يؤمن أن وجودهم في الجزائر يجب أن يكون محصوراً في الجزائر. هو لم يكن موافقاً على مبايعة القاعدة.

مسألة أخرى مهمة في هذا الملف.صعود داعش في غرب ووسط إفريقيا صعّب الأمور على القاعدة. العلاقة بين التنظيمين ظلت ”ودية“ على نحو غريب حتى مطلع 2020. ونذكر أن المتحدث باسم داعش أبو حمزة القرشي كشف ولأول مرة في مايو 2020 عن اقتتال عنيف بين الطرفين. اليوم، وتحديداً منذ خريف العام الماضي، المعارك بين تحالف نصرة القاعدة وبين داعش في ميناكا – مالي وصلت الذروة والتنافس على ولاء القبائل هناك أيضاً وصل الذروة. نذكر صور إياد أغ غالي مع طوارق الأزواغ في فبراير بعد أن ظهر الأزواغ في فيديو آخر يبايعون داعش. فهل يملك تحالف نصرة أن يقاتل داعش والحكومة مثلاً؟ على الأرجح لا. وعليه يبدو التفاوض مع الحكومة ونبذ عولمة القاعدة خياراً استراتيجياً مناسباً خاصة أيضاً بعد ”نجاح“ بين قوسين طالبان في هذا التوجه.