مؤتمر هرتسليا تناول المشروع النووي الإيراني وميليشيات طهران

عندما ينعقد المؤتمر الأمني الإسرائيلي السنوي المعروف باسم مؤتمر هرتسليا، ترتفع وتيرة التوقعات والاحتمالات جراء التصريحات والبيانات المتعلقة بالأمن الإسرائيلي وأمن الشرق الأوسط عمومًا.

وفي العادة فإن ما يطرح في هذا المؤتمر من أفكار، وما ينشر فيه من معلومات يكون ذا أهمية بالغة خصوصًا وأن تسريبات عديدة يتم من خلالها توجيه رسائل للأصدقاء وللأعداء يجب أن تؤخذ على محمل الجد.

كان أبرز محورين تناولهما المؤتمر هما المشروع النووي الإيراني وميليشيات إيران في المنطقة وبشكل خاص ميليشيات حزب الله اللبناني.

وقد أثارت خطابات المشاركين في المؤتمر انتباه المعلقين في معظم أنحاء العالم، ولفتت الأنظار إلى ما يمكن أن يصبح صراعًا كبيرا وطويل الأمد بين إيران وإسرائيل.

وقد حذر العسكريون والمدنيون الإسرائيليون المشاركون في المؤتمر من خطورة ما يجري ونبهوا إلى أن إسرائيل لن تصبر طويلا على ما تقوم به إيران من تطوير لبرنامجها النووي بعيدًا عن أعين المجتمع الدولي؛ الأمر الذي سيتيح لها إنتاج سلاح نووي في وقت قصير.

بدت التحذيرات التي أطلقها بعض قادة الجيش الإسرائيلي في المؤتمر ذات خطورة عميقة. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حذر بأن تطورات سلبية محتملة قد تقود إسرائيل إلى اتخاذ إجراء ما إزاء المشروع النووي الإيراني. وكان تشديده واضحًا بأن إسرائيل قد تتحرك ضد إيران بعد أن فشلت الدول الغربية والولايات المتحدة في اتخاذ إجراء حاسم.

مؤتمر هرتسليا يغير قواعد اللعبة بين إسرائيل وإيران

أما مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فقد وجه تحذيره إلى أمين عام حزب الله بأنه يقترب من ارتكاب غلطة استراتيجية، وفي هذه الحالة سيجر عليه الويلات. لكن ما يجري على الأرض وما يتردد من تصريحات وبيانات كلها تثير الريبة وتنشر القلق بأن أحوال الشرق الأوسط ليست على ما يرام. لماذا؟ لقد أبدت إسرائيل شكوكا تجاه قدرة الولايات المتحدة على الضغط على إيران للقبول باتفاق جديد لوقف برنامجها النووي في الوقت الذي فشلت فيه كل الجهود الدولية لمنع إيران من الاستمرار في هذا البرنامج. وهذه التصريحات الإسرائيلية دفعت المعلقين للاعتقاد بأن إسرائيل قد تتصرف وحدها وبدون التشاور مع الولايات المتحدة عند القيام بعملية عسكرية ضد منشآت إيران النووية.

كان خطاب القادة الإسرائيليين الذين شاركوا في مؤتمر هرتسليا متشابهًا تقريبًا في التأكيد على بضع نقاط يمكن القول أنها تشكل التوجه العسكري الإسرائيلي لهذه المرحلة. فرئيس أركان الجيش الإسرائيلي يؤكد أن لدى إسرائيل القدرة على ضرب إيران بينما يرى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي أن مواقع إيران المحصنة جيدا تحت الأرض يمكن الوصول إليها.

لكن هل تملك إسرائيل بالفعل قدرة تمكنها من الوصول إلى المنشآت العميقة تحت الأرض. بعض الخبراء الأجانب يشككون في القدرات الإسرائيلية. فالولايات المتحدة وحدها تملك القنبلة العملاقة القادرة على اختراق المخابىء الأكثر تحصينا تحت الأرض وهي المعروفة باسم جي بي يو 57 وقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا بعض صور هذه القنبلة لكنها ما لبثت أن أزالتها.

ما أثار الانتباه ليس إزالة الصورة من الموقع الإلكتروني للجيش الأمريكي، ولكن توقيت نشرها قبل إزالتها. فنشر صورة لهذه القنبلة العملاقة في وقت يتصاعد فيه التوتر بين إسرائيل وإيران وتعلن فيه إيران عن تجربة صاروخ بالستي جديد يصل مداه إلى الفي كيلومتر قادر على الوصول إلى إسرائيل هو ما يثير الانتباه بالفعل.

تزامن مؤتمر هرتسليا وتصريحات القادة الإسرائيليين مع ثلاثة أحداث مهمة كان الأول في جنوب لبنان وهو مناورات حزب الله والثاني إعلان إيران عن تجربة الصاروخ الباليستي بعيد المدى. أما الثالث فكان توجه وزراء إسرائيليين إلى واشنطن للتشاور.

رد القادة الإسرائيليون على مناورات حزب الله بالقول أن أي خطا يرتكبه الحزب سيقابل برد لا مثيل له. ويرى مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن التهديدات في الجبهة الإسرائيلية الشمالية في ازدياد.فهل يلعب الحزب بالنار فيحرق لبنان؟ يعتقد الحزب أن انشغال إسرائيل بالأوضاع الداخلية هو عامل ضعف يمكن استغلاله ولذلك كثف نشاطاته.

مؤتمر هرتسليا يغير قواعد اللعبة بين إسرائيل وإيران

كانت مناورة حزب الله التي نفذتها كتائب الرضوان بالنسبة للقادة الإسرائيليين جرس تنبيه خصوصا أنها تحاكي ما كان قد هدد به زعيم الحزب سابقا بغزو الجليل وخطف جنود إسرائيليين. وقد حشد الحزب ممثلي وسائل الإعلام لمتابعة المناورة قاصدا توجيه رسائل بأنه لا يزال يحتفظ بقوة ردع وانه جاهز لمساعدة إيران عند الحاجة وأخيرا القول للشعب اللبناني إن سلاحه موجود لحماية لبنان.

أما الحدث الثاني فكان الكشف عن تجربة إيران لصاروخ باليستي جديد بمدى الفي كيلومتر يمكنه الوصول إلى إسرائيل حاملا الفا وخمسمئة كيلوغرام من المتفجرات. كذلك كشفت صور الأقمار الصناعية أن إيران أقامت منشاة نووية جديدة تحت الأرض على عميق يصل ما بين ثمانين إلى مئة متر وهذا يشكل كابوسا امنيا مرعبا قد يفجر تصاعدا خطيرا إذ إن وجود منشـأة على هذا العمق يمكن أن تكون خارج نطاق سلاح التدمير الأمريكي المتوفر حتى الآن وهو القنبلة العملاقة جي بي يو 57.

أما الحدث الثالث فكان توجه وزراء إسرائيليون إلى الولايات المتحدة للتباحث مع الإدارة الأمريكية بخصوص هذه التطورات. لكن إسرائيل ترفض الاتفاق مع الولايات المتحدة على خطة عمل ملزمة للطرفين لأنها لا تريد أن تلزم نفسها بأي مواقف أميركية لأنها قد تتصرف وحدها.

بحسب ما تم تداوله في مؤتمر هرتسليا فإن إيران اقتربت من اختراق الخطوط الحمر وأي تصعيد الآن سيزيد من مخاطر النزاع. ويرى قادة إسرائيل أنهم إذا ما توصلوا إلى استنتاج بأنه لا يمكن تفادي العمل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن هذا العمل سيتم.

ما يثير فزع إسرائيل الآن هو الشعور بأن السياسة الأمريكية تجاه المشروع النووي الإيراني باتت غير واضحة وأن انخفاض اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وعدم قدرتها على الحسم النهائي بشأن المشروع النووي الإيراني اعطى إيران الفرصة والتشجيع للتمادي في تطوير منظومة صواريخها وقدراتها النووية.

مع ذلك لا تزال الولايات المتحدة مصرة على أنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي تحت أي ظرف فهل معنى ذلك أنها ستقوم بعملية عسكرية ضد إيران أم ستسمح لإسرائيل بذلك؟ لا يمكن الجزم بأي شيء فمصادر الاستخبارات الأمريكية سربت للإعلام أنها لا تملك أي معلومات مؤكدة بخصوص نوايا إسرائيل تجاه إيران ولا تعلم ما إذا كان لدى إسرائيل أي خطط بهذا الشأن.

لقد سبق أن هددت إسرائيل بأن مرحلة مناعة إيران من الضربات الإسرائيلية انتهت أو شارفت على الانتهاء وان إسرائيل ستقوم بنقل المعركة إلى الساحة الإيرانية. فهل تبقى الأمور في نطاق التهديدات المتبادلة وحرب التصريحات أم يمكن أن تتطور إلى حد المواجهة الفعلية؟