كيف سيبدو تنظيم القاعدة تحت الرعاية الإيرانية؟

أهلاً بكم إلى أخبار الآن. في غزة، ”هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت؛ لا وَقْتَ للوقت؛ نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى (السماء): ننسي الأَلمْ.“ (محمود درويش – حالة حصار). في عالم الجهادية، الوقت ينفد أمام منظري الجهادية لتجاوز المأزق الإيراني. وإلى التفاصيل حلقة المرصد رقم 231.

القاعدة بحلّة إيرانية

نعود إلى الرسالة التي نُسبت إلى الشيخ أبي محمد المقدسي المؤرخة في 1 يناير 2024، بعنوان ”عسى ولعل! بتدبير الله وألطافه وأقداره؛ لا بأهواء الذين لا يعلمون.“

في تلك الرسالة، يأخذ الكاتب على تنظيم القاعدة تحديداً ”فرحهم“ بفعل حماس في 7 أكتوبر ويعتبره ”توريطاً.“ فالمعضلة هي أن القضية الفلسطينية تستقطب تأييداً من الجهاديين بالرغم من أن الفاعلين كما في 7 أكتوبر هم حماس المعروفون بجنوحهم الشرعي ومن ذلك تبعيتهم لإيران. وبالتالي، فإن لم يجد الجهاديون بداً إلا أن ”يفرحوا“ فعليهم أن يكتموا ذلك الفرح من باب ”إن بليتم فاستتروا.“

لماذا نعود إلى تلك الرسالة؟

الحساب الجهادي المخضرم، أنباء جاسم، أعاد قراءة الرسالة وتجرأ بأن قال المسكوت عنه. بداية، يحسم أنباء جاسم الجدل حول نسبة الرسالة إلى المقدسي ويقول إن ليس ثمة شك في أن المقدسي هو كاتبها. ومن هنا تأتي أهمية النقد الموجه إلى تنظيم القاعدة في هذه الرسالة على خلفية طوفان الأقصى.

يعود أنباء جاسم إلى موقف تنظيم القاعدة الرسمي مركزاً وفروعاً المؤيد ”لطوفان الأقصى“ ومن قام عليها – حماس – تصريحاً وتلميحاً. ويعتبر أن هذا الموقف المؤيد ”يتسق مع تغيرات في سياسة القيادة العامة (للقاعدة) ممكن وصفها بنوع من التجديد والعودة مجدداً لبراجماتية تنظيم الجهاد.“

هذه البراغماتية تتمثل في ”التعاون“ مع إيران كما حدث في حقبة سابقة من تاريخ الجهادية. وهكذا، يرى أنباء جاسم أن تنظيم القاعدة على هذه الحال بات يبتعد أكثر من ”السلفية المقدسية؛“ الأمر الذي قد ينتهي بأن ”يفقد المقدسي والشيوخ الآخرون ما تبقى من نفوذهم وقدرة تأثيرهم في التنظيم.“

 

المرصد رقم 231| أنباء جاسم: القاعدة تقترب من إيران على حساب ”السلفية المقدسية“

لم يتحدث المقدسي بعد في مسألة العلاقة بين القاعدة وإيران من خلال سيف العدل، القيادي القاعدي المخضرم ساكن طهران لأكثر من عقدين في ظروف مريبة، فالمقدسي وغيره من منظري القاعدة يؤجلون الحديث في هذه المعضلة على أساس أن التنظيم لم يحسم بعد قتل زعيمه أيمن الظواهري وبالتالي ليس ثمة ما يدعو إلى وكز عش الدبابير بحسم الموقف من تولي سيف العدل زعامة التنظيم.

والحقيقة، أن تولي سيف العدل زعامة التنظيم مسألة إجرائية شكلية، فغياب الظواهري لوفاة أو مرض مهم لحسم مسألة البيعة وهي مسألة عقدية يتشدق بها الجهاديون؛ لكنه لا يصحح الخلل في هيكلة القيادة. فكيف يُعقل أن يكون أكثر من نصف هرم قيادة التنظيم رهناً بالقرار الإيراني؟ كيف يُعقل أن يقيم نائبا زعيم التنظيم – أبو محمد وسيف العدل – في طهران لأكثر من عقدين؟.

وعليه إن حسم التنظيم مصير الظواهري، هل سيتجرد سيف العدل من صلاحياته القيادية في التنظيم؟ وماذا يعني أن يحتفي إعلام التنظيم هذه الأيام بسيف العدل بشكل غير مسبوق؟ هل يتغاضى التنظيم عن هذه العلاقة ويمضي إلى ”البراغماتية“ كما وصفها أنباء جاسم؟.

في المحصلة، إن لم يقطع منظرو القاعدة الشك باليقين، فقد يفوتهم القطار، أو كما قال أنباء جاسم، سيفقدون مسوّغ وجودهم.

الحرب بالوكالة

إذاً، كيف سيبدو تنظيم القاعدة تحت الرعاية الإيرانية؟ كيف ستستغل إيران التنظيم لتنفيذ أجندات الملالي؟ ثمة نموذج أمامنا اليوم – حماس. ونستدل على هذا السيناريو من خلال مقالات الجهادي المخضرم مصطفى حامد أبي الوليد، صهر سيف العدل، الذي يعيش أيضاً في طهران وما انفك يدافع عن الأجندة الإيرانية.

من نافلة القول أن ما تسعى إليه إيران هو حرب في المنطقة لا تكون هي طرفاً مباشراً فيها، بحيث تحقق مكتسبات من دون أن تقدم ذريعة لنقل الحرب إلى أرضها. ولهذا تحتاج إيران إلى حماس. ولهذا تعتبر إيران الحرب في غزة فرصة نادرة تكاد تكون مصيرية كما جاء في مقالات مصطفى حامد المنشورة في موقع مافا الإيراني.

في الأسبوع الأول للحرب كان حامد متحمساً ”لطوفان الأقصى،“ واعتبرها فرصة سانحة لحلفاء إيران بالتحرك سريعاً واجتياح المنطقة مقدمة للسيطرة ليس فقط على القدس وإنما على مكة والمدينة من خلال السيطرة على البحر الأحمر وحسم حرب المضائق.

المرصد رقم 231 | أنباء جاسم: القاعدة تقترب من إيران على حساب ”السلفية المقدسية“

وسرعان ما أفصح حامد عن خطة شيطانية لحسم الحرب: ضرب مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي في صحراء النقب. فإن وجهت حماس صواريخها في اتجاه المفاعل، ستجبر إسرائيل على إخلاء المنطقة. لكن ماذا عن الفلسطينيين؟ ألن يتضرروا إن تضرر المفاعل؟ بالنسبة لحامد، فليمت الفلسطينيون. فهم ميتون لا محالة.

يقول: ”إذا لم تعد فلسطين إلى أهلها فإنها لن تذهب إلى اليهود.“ فلنتخيل إذا هذه الصورة: صحراء النقب منطقة غير صالحة للحياة. الدمار يمتد إلى ما بعد النقب. تنشغل إسرائيل بذاتها. الفلسطينيون وغيرهم في المنطقة إلى الجحيم. لكن طهران ستظل بعيداً في أمان وستكون المستفيد الوحيد من هذه الكارثة.

لكن بعد أسبوعين على الحرب، ومع بدء تواصل حماس مع المحيط العربي، اعتبر حامد أن ”قيادة حماس في غزة تخلت بسرعة عن حلفائها في جنوب لبنان وإيران بشكل مهين لهؤلاء الحلفاء.“ نفهم في المحصلة أن ما يريده حامد هو أن تنتقل قيادة حماس من قطر إلى طهران وأن تضغط باتجاه توسيع الحرب بشكل لا يمكن السيطرة عليه من دون أن تطال إيران مباشرة.

في 26 يناير، كتب حامد أن ”المطلوب“ من حماس هو ”التنسيق الاستراتيجي“ مع ”الشركاء“ أي إيران، بدلاً من ”توريط“ هؤلاء الشركاء ”بطلب من قطر وإسرائيل.“ في هذا المقال يعتبر حامد أن حماس لن تستجيب للمطالب الإيرانية بضرب مفاعل ديمونة واهمين بأن إيران هي من ستضرب المفاعل لحسم الحرب، الأمر الذي سيعطي أمريكا والناتو مسوّغاً لضرب إيران وحلفائها ”

”عقاباً لهم على ضرب أهداف إسرائيلية حساسة.“ وفي هذا السيناريو، ستتمكن أمريكا من ”تحطيم القدرات الإيرانية العلمية والعسكرية والاقتصادية … وطرد حزب الله خارج لبنان.“

وعليه، بحسب حامد، إيران تدرك هذا المخطط ”فلن تغامر“ بالوقوع في هذا الفخ الذي نصبته حماس!

بعبارة أخرى، تريد إيران ضرب ديمونة بشكل غير مباشر عن طريق حماس فلا تتحمل مسؤولية مباشرة تستدعي ضرب الإيرانية. حتى الآن، أمريكا تضرب مصالح إيرانية في لبنان أو سوريا أو العراق، ولما يجد المجتمع الدولي مسوغاً لضرب الداخل الإيراني. وهذه هي خطة حامد.

مع توالي الأيام، اتضح لحامد أن قيادة حماس السياسية اقتربت أكثر من قطر وابتعدت عن إيران. كيف إذاً سيتحقق لإيران ضرب ديمونة وإيلات وحيفا؟

في تاريخ 30 يناير، يبرر حامد أن غزة ”سوف تسقط“ لا محالة، وأن أهلها سيموتون موتاً بطيئاً لا محالة. وعليه، أمام ”محور المقاومة“ خياران. الأول هو رفض ”التورط“ بضرب أهداف حساسة في إسرائيل. وفي هذه الحالة ستعتبر إسرائيل غزة ”نموذجاً للدمار يرعب كل قرية عربية وإيرانية؛“ وهنا خطّان تحت ”الإيرانية.“ والثاني هو أن ”يغامر“ هذا المحور بضرب تلك الأهداف ”بعيداً عن قادة حماس،“ ولتمت المنطقة ”موتاً سريعاً وربما نووياً.“

حماس هدّمت المُعمّر

لفتت هذا الأسبوع سلسلة منشورات من وسط غزة تنتقد سلوك حماس في هذه الحرب.

هذه المنشورات تقدم صورة نادرة من داخل القطاع مغايرة لما يُروج له في الخارج.

ومع فارق البعد المكاني، تتوافق هذه المنشورات مع ما انفك يكتبه المنظر الجهادي طارق عبدالحليم من كندا. يقول: ”ما فعلته حماس، كان بلا دراسة ولا وعي بالنتائج، ولا استعداد للمعركة الطويلة.

فغزة ليست أفغانستان، لا جغرافيّاً ولا عدداً، لتصمد للقتال عشرين عاماً. … ولا نقول المقاومة ليست ضرورة، لكن لم تٌعَدُ لها العدة المطلوبة لعمل بهذا الحجم، على الإطلاق.. فكان أن قضى السنوار على شعبه وعلى القطاع! بل وعلى القضية لفترة لا يعلم مداها إلا الله! واليوم، هدفهم إيقاف القتال الذي كان متوقفاً إلى حد كبير، وإعادة الإعمار لغزة التي كانت عمرانة فعلاً! بعد 35 ألف شهيد بإذن الله، ونزوح ملايين، وقتل وأسر مئات في الضفة وتدمير قرى هناك… فمتى نرى سوء التوقيت، وغباء المبادرة .. بعيدا عن انبهارنا بالضربة الأولى التي فرحنا بها جميعاً!؟“

هل تتجاوز هتش مطب العملاء؟

في آخر تطورات ملف العملاء في هيئة تحرير الشام، أطلقت الهيئة سراح دفعة جديدة من المتهمين؛ فيما وردت أنباء عن أن الهيئة دفعت مبالغ لهؤلاء من باب تطييب الخاطر بعد تعرضهم للتعذيب والإهانة؛ وفيما وردت أنباء أخرى عن أن الهيئة تتحضر للإفراج عن أبي ماريا القحطاني القيادي الرفيع الذي كان من أوائل من تم اعتقالهم وتأكيد تورطهم بالتخابر للخارج. من مقدمات ذلك أن أطلقت الهيئة سراح مقربين من القحطاني منهم مرافقه أبو مصعب الشامي.

في المقابل، يتساءل المعارضون عن القيادي الآخر في الهيئة ورفيق القحطاني، أبي أحمد زكور، الذي قال إنه سينشر شهادته على ”الجهاد الشامي“ ومنه أسرار الهيئة، ولما ينشر شيئاً بعد.

وفيما رفضت الهيئة مبادرة أطلقها مشايخ بإجراء محكمة تحقيق مستقلة؛ لا يزال معارضون يعتبرون ما حدث أنه ”أخطر“ مرحلة يمر به الحراك السوري منذ انطلاقه في 2011، باعتبار أن ”العملاء المخترقون للهيئة وصلوا إلى صفوف القيادة .. واتخاذ القرار.“

وفي موازاة هذا الخطر، لا تزال تتوارد أنباء عن أن كتلاً وأفراداً في الهيئة ”يعدون للانشقاق،“ احتجاجاً على التخبط في ملف العملاء.

قاعدة اليمن وهوليوود

نشر تنظيم قاعدة اليمن عدداً جديدة من المجلة المصورة إنسباير الناطقة بالإنجليزية. في هذا العدد، يتحدث القيادي إبراهيم القوصي خبيب السوداني داعياً ”الذئاب المنفردة“ إلى شن هجمات انتصاراً لغزة، مذكراً بهجمات منفردة رعاها التنظيم سابقاً.

الباحثة المتخصصة في قاعدة اليمن، الدكتورة إليزابيث كيندال، لاحظت أن ”القاعدة كثيراً ما تحاول إضفاء الشرعية على جهادها من خلال توصيفه ضمن سلسلة أحداث تاريخية وقف فيها المسلمون ضد الكافرين. وهنا (في إنسباير) يبدو أن قاعدة اليمن استعانت بمقاطع من هوليوود؛ وربما من فيلم مملكة السماء ومشاهد المعركة بين أورلاندو بلووم مع صلاح الدين.“