داعش يدعو إلى فوضى التقتيل في العالم على هامش الحرب في غزة

في غزة، تدخل الحرب شهرها الرابع وتقترب من يومها المائة. أربعة من كل مائة غزيّ إما قتيل أو جريح أو مفقود. 70٪ من القطاع مدمّر غير قابل للحياة يخيّم عليه شبح مجاعة كاسحة.

في عالم الجهادية، داعش وجد عنواناً جديداً لفوضاه القديمة. القاعدة عبثاً تبحث عن مكان وسط أدبيات اليوم. ولا تزال علاقة حماس بإيران شوكة في حلق أشد المتحمسين لغزة، وإلى تفاصيل الحلقة الجديدة من المرصد.

داعش الفوضى

يوم الخميس 4 يناير، أطلق تنظيم داعش ما أسماه ”غزوة وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ،“ فكان ذلك عنوانَ هجماتهم في الأيام التالية.

جاء هذا بعد كلمة للمتحدث الجديد باسم التنظيم أبي حذيفة الأنصاري حملت العنوان ذاته.

الكلمة التي بثتها مؤسسة الفرقان هي الثانية لأبي حذيفة، الأولى كانت في 3 أغسطس الماضي وفيها أعلن أبا حفص الهاشمي القرشي زعيماً خلفاً أبي الحسن الهاشمي القرشي، كما أعلن اعتقال هيئة تحرير الشام المتحدث السابق أبي عمر المهاجر.

لا تختلف هذه الكلمة عن افتتاحيات النبأ فيما يتعلق بالموقف من الحرب على غزة، فداعش يرفض القتال من أجل وطن وأرض؛ ويعتبر أن الكل في هذا العالم أعداء ما لم يتبعوا منهجهم؛ وأن جماعة التنظيم هم وحدهم من يسير على الطريق الصحيحة.

يقول أبو حذيفة: ”إنّ تحرير الأرض لا يعني تحريرها من حكومة علمانية إلى أخرى ديمقراطية، ولا يعني تحريرها من حكومة تحكم بالدستور اليهودي إلى أخرى تحكم بالدستور الفلسطيني، فالقانون الذي يحكم فلسطين ودويلة اليهود واحد، وضعه البشر.“

وبالتالي، يدعو التنظيم إلى فوضى التقتيل. يقول: ”طاردوا فرائسكم من اليهود والنصارى وحلفائهم، في شوارع وطرقات أمريكا وأوربا والعالم، اقتحموا عليهم بيوتهم، واقتلوهم ونكّلوا بهم بكل وسيلة تقدرون عليها … لا تفرقوا بين كافر مدني أو عسكري، فكلهم كفار وهم في الحكم سواء.“

بعد الكلمة بساعتين، أطلق التنظيم عنوان ”وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ“ على هجماتهم التي كانت فاتحتها أن أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجيري مدينة كرمان الإيرانية الذي وقع قبل يوم، الأربعاء.

على هامش الحرب في غزة.. داعش يدعو إلى فوضى التقتيل في العالم

التنظيم فصّل أن اثنين من مقاتليه فجّرا نفسيهما في جموع مشيعين احتشدوا قرب قبر قاسم سليماني قائد فيلق القدس بمناسبة مرور أربعة أعوام على قتله في قصف أمريكي في بغداد عام 2020. الانتحاريان فجرا نفسيهما بفارق عشرين دقيقة ما أوقع أكبر عدد ممكن من الضحايا.

منشورات التنظيم بررت الهجوم بأن سليماني تورط ”بعشرات المجازر بحق مسلمي العراق وسوريا،“ وأنه جاء إحباطاً لمحاولات ”أطراف عدة التسويق للمشروع الإيراني في المنطقة.“

إعلان داعش هذا عارض تصريحات إيرانية اتهمت إسرائيل بتنفيذ الهجوم. وحتى بعد ذلك، حاول أنصار إيران تكذيب الإعلان فقالوا إنه مزور مستدلين بأن داعش لا يستخدم لفظ ”شيعة“ بل ”رافضة.“

الباحث آرون زيلين من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أوضح أن لداعش ”وكالة“ أخبار رسمية هي أعماق تستخدم مفردات مجردة، فتقول شيعة ولا تقول رافضة. أما ناشر نيوز، فهي وكالة للبروباغاندا تستخدم المفردات بما يعبر عن رؤية التنظيم فتقول رافضة لا شيعة.

هذا هو ثاني هجوم لداعش داخل إيران في عام تقريباً ففي 26 أكتوبر 2022، أطلق داعشي النار على مصلين في مسجد مرقد شاه جراغ في مدينة شيراز.

حماس والعبء الإيراني

في الأسبوعين الذين انتصفا العام، اغتيل قياديان في صلب العلاقة بين حماس وإيران. الأول كان رضي موسوي القيادي في الحرس الثوري الإيراني واغتيل في دمشق في 25 ديسمبر، والثاني كان صالح العاروري القيادي في حماس واغتيل في بيروت في 2 يناير.

أما في الحادث الأول، فقد عزّى مسؤولو حماس بموسوي ووصفوه بالشهيد ”على طريق تحرير القدس؛“ ما أثار حفيظة جهاديين مثل طارق عبدالحليم الذي كتب: ”فليقل لنا واحدٌ فردٌ من المؤيدين لقيادات حماس والفصائل التي معها … فقط نريد أن نعرف مبرر هذا المديح العجيب، الذي يرفع إثم ما يفعلون (الإيرانيون) ويعتقدون إلى اليوم؟!“

وهذا موقف متوقع بالنظر إلى الانقسام الحاد في أوساط الجهاديين حول علاقة حماس بإيران. لكن اللافت ما تعلق بردود الفعل بين الجهاديين على اغتيال العاروري.

فرع القاعدة في شبه القارة الهندية أصدر بيان تعزية بالرجل بوصفه ”أحد مؤسسي كتائب القسام“ البيان لم يُشر إلى العاروري باعتباره نائبَ رئيس المكتب السياسي لحماس.

كما لفت خلاف في أوساط مسؤولي ومؤيدي هيئة تحرير الشام حول أحقية العاروري بالعزاء.

عبدالرحيم عطون، رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في الهيئة، قال عن العاروري: ”هنيئاً لمن نال الشهادة مقبلًا غير مدبر، في مواطن الدفاع عن شرف هذه الأمة.“

على هامش الحرب في غزة.. داعش يدعو إلى فوضى التقتيل في العالم

معارضو الهيئة انتقدوا هذا التصريح بكلام قليل تعليقاً على صور للعاروري مع قادة النظام الإيراني وحزب الله.

هذا متوقع. لكن غير المتوقع ما جاء في حساب طاهر العمر، الصحفي الموالي للهيئة. كتب: ”مواقف بعض المحسوبين على الثورة السورية والجهاد في سوريا، بخصوص حماس وغيرها من ذيول حكومة إيران، تمثلهم ولا تمثل ثوار سوريا و لا مجاهديها. خصوصاَ من عزّى قيادة حماس الموالية لملالي إيران ومليشياتها : التي قتلت الملايين من المسلمين السُّنة في سوريا والعراق واليمن.“

أدبيات السحاب في يوميات غزة

في نوفمبر الماضي، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي وخاصة التيكتوك برسالة نُسبت إلى أسامة بن لادن عنوانها ”رسالة إلى أمريكا“ وأصبح هاشتاغ #lettertoamerica في قائمة الترند إذ وصلت مشاهداته في التيكتوك – حيث جيل اليافعين GenZ – إلى 15 مليون؛ ما اضطر الغارديان يوم 15 نوفمبر إلى حذف النسخة المترجمة من نص الرسالة المنشورة أصلاً في 24 نوفمبر 2002.

اضطرت الغارديان لذلك بسبب ازدياد الترافيك ومشاهدة الرسالة على موقعها، ما سبب الحرج للصحيفة العريقة إذ يقع ذلك ضمن الترويج لأدبيات إرهابية.

الرسالة تبرر هجمات سبتمبر باعتبار دعم أمريكا لإسرائيل في احتلالها الأراضي الفلسطينية. تبين لاحقاً أن كاتب الرسالة كان أيمن الظواهري وليس أسامة بن لادن.

المهم هو أن أحد المشاركين في ترجمة الرسالة من العربية إلى الإنجليزية، وهي الصيغة التي ظهرت في الغارديان، كان محمد نعيم نور خان، أحد أوائل ”المجاهدين“ الباكستانيين الذين انضمّوا إلى أسامة بن لادن؛ وأحد مؤسسي السحاب. قُتل في غارة على منزله في غزني بأفغانستان في 2020.

وهكذا، نبشت السحاب تقريراً كان كتبه نور خان عن الأسير الأمريكي وارن وينشتاين الذي أسرته القاعدة في لاهور بباكستان في أغسطس 2011 وكان يبلغ من العمر 70 عاماً.

السحاب نشرت التقرير تحت عنوان ”قصة إسلام وارن وينشتاين وتحوله إلى الشهيد إسحاق بن سيدني.“ جاء في المقدمة أن نور خان كان مكلفاً من قيادة القاعدة بملف وينشتاين ”اليهودي الأمريكي“ الذي عمل مسؤولاً في الوكالة الأمريكية للتنمية USAID. يفصل التقرير كيف اعتنق وينشتاين الإسلام وكيف اقترح نور خان خططاً لمفاوضة الأمريكيين على إطلاق سراحه.

قُتل وينشتاين في غارة بطائرة من دون طيار عام 2015.

إنسباير 2.0

يحاول تنظيم القاعدة أن يجد مكاناً له ولأنصاره في أدبيات اليوم.

في يناير، استأنف تنظيم القاعدة في اليمن إصدار مجلة إنسباير بنسختها الأصلية، الإنجليزية، بعد انقطاع دام ستَّ سنوات.

على هامش الحرب في غزة.. داعش يدعو إلى فوضى التقتيل في العالم

في 2010، أصدر القيادي في التنظيم، أنور العولقي، العدد الأول ليكون مرجعاً محرضاً لغير الناطقين بالعربية. وحتى العام 2017، صدر من المجلة سبعة عشر عدداً تُرجمت إلى العربية.

هذا العدد رقم 18 جاء في شكل فيديو بعنوان ”ما لم تتوقعه أمريكا والغرب: القنبلة الخفية.“ يحرض على تنفيذ هجمات في الغرب انتقاماً لحرب غزة. ويمكن اعتبار هذا العدد النسخةَ الفيديوية من العدد الأول الذي فصّل خطوات إعداد قنبلة في المنزل.

ومن نافلة القول أن إنسباير تحتل مكانة مرموقة بين أدبيات الجهادية ومن ذلك أنها كانت ربما الملهم لمجلة تنظيم داعش ”دابق“ سيئة الصيت في أوّجه.

الجولاني وكابوس الانقلاب

في تطورات ملف ”الانقلاب“ في هيئة تحرير الشام بإدلب، أطلقت الهيئة سراح يوسف عربش أبو حسن، شيخ قبيلة البكارة الذي اعتقل في 19 ديسمبر ضمن حملة ضد القيادي المنشق عن الهيئة أبي أحمد زكور.

قبل هذا، نقلت حسابات معارضة أن مصادر مقربة من الهيئة سربت ”بعض اعترافات“ أبي ماريا القحطاني القابع في سجون الهيئة ومنها أنه جُنّد للعمل لصالح التّحالف منذ عام 2018 ضمن ما يُسمى ”غرفة أربيل“ التي كانت تضمّ أكثر من جهة استخباراتية، وأنّ عمله كان على حرّاس الدّين والدّواعش.

ونُقل قوله: ”بعد الانتهاء من (حرّاس الدين) لم يأتِ أمرٌ من التّحالف بالعمل على هيئة تحرير الشّام، وجاءنا أمرٌ ببدء عمليات التّجنيد داخل صفوف الهيئة تمهيداً لعمل انقلابٍ داخليٍّ ‘انقلاب العملاء‘ والسّيطرة على الشّمال المحرّر بالقوّة ليصبح قراره خالصاً بيد التّحالف.“

شككت حسابات وازنة في الشمال السوري بهذه الرواية. صالح الحموي، أحد مؤسسي جبهة النصرة، قال من خلال حساب أس الصراع في الشام: ”لو كان الأمر سهلاً وصحيحاً قصة انقلابه (القحطاني) على الجولاني، لأرسل أبو ماريا إحداثيات تواجد الجولاني لأي اجتماع في أي مكان ليقصفه التحالف حينها سيستلم أبو ماريا إمارة الهيئة.“

بحسب رواية الحموي، كان القحطاني يتواصل مع ضابط من الموصل ”من نفس عشيرته“ بهدف رفع الهيئة من قوائم الإرهاب وذلك بالعمل فعلاً على التصدي للقاعدة وداعش. يقول الحموي: ”

وهذا ما تأكد منه الجولاني في حينها، لذلك استغل الجولاني هذا الأمر ليُسقطه (القحطاني) أمام مريديه ومحبيه وعشيرته أنه عميل للتحالف، لأنه أصبح زعيماً في أعينهم، وهذا ما يزعج الجولاني، مع العلم الجولاني هو من رشح للتحالف أبو ماريا، لذلك اصبح هاجس الانقلاب من أبو ماريا ضده، والخوف الحقيقي من أبو ماريا هو أن يكشف أسراره كما يفعل أبو أحمد زكور حالياً.“