زراعة القهوة تتأثر بأزمة المناخ وتحديداً الجفاف

  • ارتفعت أسعار القهوة بنسبة 70% بعد أن دمر الجفاف والصقيع المحاصيل في البرازيل وذلك  بين شهري أبريل 2020 وديسمبر 2021
  • التقديرات تشير إلى أن ما يصل إلى 120 مليون شخص من السكان الأفقر في العالم، يعتمدون على إنتاج القهوة لكسب أرزاقهم.
  • يُعد شرب القهوة كنظام حياة يومي أمراً أساسياً لنحو ما يقدَّر بمليار شخص حول العالم
  • البرازيل هي أكبر دولة منتجة لحبوب البن في العالم. ويمثل إنتاجها أكثر من ثلث جميع الإمدادات العالمية
  • حوالي 70% من نباتات البن البرازيلية هي من أنواع أرابيكا باهظة الثمن، وتستخدم في تصنيع القهوة الطازجة، أما الـ30% المتبقية فهي من نوع روبوستا،
  • في البرازيل انخفض المحصول السنوي للبلاد بمقدار الربع تقريباً بسبب الجفاف في المنطقة الرئيسية لزراعة البن
  • منتجو البن لجأوا إلى التكنولوجيا من أجل تفادي انخفاض انتاج القهوة في المستقبل
  • حيث بدأوا في استخدام تطبيق بأجهزة استشعار الأرض، وصور الأقمار الصناعية  تحليلاً مرئياً للمزرعة والنباتات عبر جهاز لوحي، أو كمبيوتر محمول
  • من خلال البيانات الدقيقة التي يوفرها التطبيق، يمكنهم بعد ذلك تنفيذ أساليب بعينها مثل الري بالتنقيط أو مكافحة الآفات بسرعة

باتت أزمة المناخ يؤثر على تكلفة القهوة التي يشربها الملايين حول العالم، وتعتبر جزءاً رئيسياً من الروتين اليومي لديهم، فكيف يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دوراً مهماً لتقليل مخاطر عدم توفر المشروب الأشهر عالمياً؟

وتؤثر الظروف المناخية القاسية على تكلفة القهوة، إذ إنه بين شهري أبريل 2020 وديسمبر 2021، ارتفعت أسعار القهوة بنسبة 70% بعد أن دمر الجفاف والصقيع المحاصيل في البرازيل، التي تُعد أكبر بلد منتِج للقهوة.

ويمكن أن تكون التداعيات الاقتصادية عميقة، نظراً إلى أن التقديرات تشير إلى أن ما يصل إلى 120 مليون شخص من السكان الأفقر في العالم، يعتمدون على إنتاج القهوة لكسب أرزاقهم.

ويُعد شرب القهوة كنظام حياة يومي أمراً أساسياً لنحو ما يقدَّر بمليار شخص حول العالم. لكن على الرغم من ذلك فإن ما قد لا يعرفه الكثير من محبي القهوة، هو أنهم غالباً ما يشربون قهوة مصنوعة، على الأقل جزئياً، من حبوب البن القادمة من البرازيل، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

120 مليون شخص من السكان الأفقر في العالم، يعتمدون على إنتاج القهوة لكسب أرزاقهم

وبشكل عام، يواجه العالم ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الغذائية الرئيسية كالقمح، كما يهدد أزمة المناخ باختفاء محاصيل زراعية كالفلفل الحار والقهوة والتفاح والشوكولاتة أيضاً، بحسب تقرير لصحيفةThe Guardian البريطانية بعنوان “من الفلفل الحار حتى القهوة.. كيف تتسبب أزمة المناخ في نقص الغذاء؟”.

والمقصود بمصطلح أزمة المناخ، هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة، وهطول الأمطار بغزارة؛ مُسببةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة، وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار نقص الغذاء.

وقال كريستيانو بورجيس، رئيس أكبر مزارع حبوب القهوة في البرازيل، والمعروفة باسم إيبانيما كوفي: “حبوب القهوة البرازيلية لها خصائص تتمتع بشعبية كبيرة، فهي معروفة بقوامها الخاص وحلاوتها”، مضيفاً لـ”بي بي سي”: “لهذه الأسباب بالتحديد تستخدم العديد من خلطات القهوة في العالم قهوتنا البرازيلية كأساس لها”.

والبرازيل هي أكبر دولة منتجة لحبوب البن في العالم. ويمثل إنتاجها أكثر من ثلث جميع الإمدادات العالمية، وعلى وجه التحديد والدقة، فإن إمداداتها العالمية بلغت 37% عام 2020. وتأتي في المرتبة الثانية فيتنام بنسبة 17% من الإمدادات.

وحوالي 70% من نباتات البن البرازيلية هي من أنواع أرابيكا باهظة الثمن، وتستخدم في تصنيع القهوة الطازجة، أما الـ30% المتبقية فهي من نوع روبوستا، والتي تستخدم بشكل أساسي لصنع القهوة سريعة الذوبان.

تكمن المشكلة بالنسبة للبرازيل، وإمدادات البن العالمية بشكل عام، في أنه في العام الماضي انخفض المحصول السنوي للبلاد بمقدار الربع تقريباً بسبب الجفاف في المنطقة الرئيسية لزراعة البن، والتي تتمركز في ولايات ميناس غيرايس الجنوبية الشرقية، وساو باولو، وبارانو.

كان لذلك أثر ضار كبير، تمثل في الانخفاض العالمي في إمدادات حبوب البن، ومضاعفة أسعار الجملة لاحقاً منذ ذلك الوقت من العام الماضي.

التكنولوجيا والزراعة

وفي ظل الدور الكبير الذي تلعبه التكنولوجيا في جميع مجالات الحياة البشرية حالياً، يبدو بديهياً أن يلجأ منتجو القهوة إليها؛ للبحث عن حلول لمواجهة الكوارث الناجمة عن الأزمة المناخي وتداعياته على الزراعة بشكل عام، وإنتاج القهوة بشكل خاص.

وفي هذا السياق، وفي محاولة للتخفيف من أي انخفاض محتمل في الإنتاج في المستقبل، يتجه أكبر منتجي البن في البرازيل نحو التكنولوجيا؛ لمساعدتهم على زراعة حبوب القهوة بنجاح، والتوصل لأفضل محصول ممكن، من حيث الحجم والجودة.

وتقول إحدى هذه الشركات، وهي شركة أوكوياما Okuyama، إنها تستثمر الآن ما لا يقل عن 10% من إيراداتها في التكنولوجيا. ويقع مقر الشركة في ميناس غيرايس، ولديها مزارع بن تغطي 1100 هكتار (2718 فداناً).

يتجه أكبر منتجي البن في البرازيل نحو التكنولوجيا لمساعدتهم على زراعة حبوب القهوة

ويستخدم موظفوها تطبيق كمبيوتر يسمى كروبوايز بروتيكتر Cropwise Protector، والذي تصنعه شركة التكنولوجيا الزراعية السويسرية الصينية سينجينتا Syngenta.

يرتبط التطبيق بأجهزة استشعار الأرض، وصور الأقمار الصناعية، ويوفر لعمال المزرعة تحليلاً مرئياً للمزرعة والنباتات عبر جهاز لوحي، أو كمبيوتر محمول.

ومن خلال البيانات الدقيقة التي يوفرها التطبيق، يمكنهم بعد ذلك تنفيذ أساليب بعينها مثل الري بالتنقيط أو مكافحة الآفات بسرعة على منطقة محددة قد تحتاج إليها، بدلاً من استخدام تلك الوسائل على حقل كامل أو على المزرعة بأكملها.

الفكرة هي أن هذا النهج من الاستهداف المحدد والمباشر هو أسرع بكثير وأكثر لطفاً على البيئة. وفي هذا الصدد، قال برونو هيرويتي، مدير إنتاج حبوب البن في شركة أوكوياما لهيئة الإذاعة البريطانية: “هناك تحدٍّ جديد كل عام، وهذه التقنيات تساعدنا بشكل كبير في التغلب على تلك العوائق”.

وأضاف: “لقد استثمرنا أيضاً في تقنيات عملية تجفيف القهوة، حيث يمكننا مراقبة درجة الحرارة المطلوبة، والتي يتم تحديدها حسب نوع القهوة التي نجففها”.

هل تخيلت يوماً أن يتم زراعة القهوة عبر الحاسوب؟ هذا ما فعلته التكنولوجيا لمواجهة أزمة المناخ

التكنولوجيا والتصنيع

تجفف شركة أوكوياما بعضاً من حبوب البن في سخانات أسطوانية بعد الحصاد مباشرة، لمنعها من التلف أثناء تخزينها قبل تحميصها. ويُعد تحديد درجة الحرارة والتوقيت الصحيح من الأمور الضرورية لتجنب الهدر، سواء من حيث حبوب البن أو الطاقة المستخدمة لتشغيل السخانات، بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية.

أما شركة إيبانيما كوفيز Ipanema Coffees، التي تمتلك نحو 4300 هكتار من المزارع في ثلاثة مواقع في ميناس غيرايس، يقول بورجيس إنها اتبعت بشكل كبير مسار التكنولوجيا في السنوات الأخيرة: “لقد وضعنا استثمارات ضخمة في الري شبه الآلي، حيث يقيس النظام عجز المياه والظروف الجوية – ويعطينا توصيات لما ينبغي القيام به في كل منطقة”.

ويضيف أن الاستثمارات تساعد الشركة على الحد من تأثير أزمة المناخ: “لدينا مشاكل مناخية مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة العالمية… ونظام الري ساعدنا على تحسين إنتاجيتنا … وأصبح بمثابة تأمين مناخي لنا”.

تقول شركة إيبانيما إنها تمتلك أيضاً أجهزة تعقب على جميع جراراتها لقياس الإنتاجية، وهي مستخدم آخر لتكنولوجيا كروبوايز بروتكتر Cropwise Protector. يقول غوستافو ميكالسكي Gustavo Michalski، منسق الزراعة في الشركة: “يساعدنا ذلك في مراقبة الآفات الزراعية، من خلال استخدام الأجهزة اللوحية فقط”.

ويضيف: “إنه يسمح لنا بإدارة المشكلة واتخاذ قرارات أكثر حزماً وأكثر استدامة، حيث يمكننا مراقبة المؤشرات التي تعطينا موقع وشدة [مشكلة معينة] في كل منطقة”.

بعد حصاد حبوبها، استخدمت شركة إيبانيما، لعدة سنوات، آلات انتقاء تلقائية، تختار الحبوب الناضجة حصراً، وهي تلك الحبوب ذات اللون الأصفر والأحمر.

يقول رودريغو فيريرا، المدير الصناعي للشركة: “نضبط الآلة عن طريق برمجة الألوان التي نحتاجها.. بمجرد وضع الحبوب في حزام النقل، يتم طرد الحبوب التي ليست من اللون الذي حددناه بواسطة نفاثة هواء”.

تقول فلورا فيانا، مديرة التسويق العالمي للزراعة الرقمية في شركة سينجينتا، إن منتجي البن البرازيليين “لم يعد بإمكانهم زيادة إنتاجيتهم بمجرد شراء مزيد من الأراضي”. وتضيف: “لقد وصلنا إلى الحد الأقصى من المناطق المتاحة، يحتاج المنتجون بدلاً من ذلك إلى تحسين عملية الإنتاج لحبوب القهوة”.

يضيف بورجيس أنه على الرغم مما سلف ذكره، فإن التكنولوجيا تعتمد على وجود موظفين مدرَّبين: “من غير المجدي أن تكون لدينا تقنية رائعة إذا لم يكن لدينا فريق متحمس ومستعد لها. لدى إيبانيما 800 موظف، وغالباً ما يذهبون إلى الكلية لتلقي التدريب المناسب”.

لكن هذا الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا ليس عاماً بالنسبة لمنتجي البن البرازيليين. إذ إنه في حين أن التكنولوجيا قد تم تبنيها بالفعل من قبل اللاعبين الكبار في الصناعة، مثل شركتي إيبانيما وأوكوياما، فإن عدداً لا يُحصى من المنتجين الصغار الذين ينتجون 66% من محصول البلاد ما زالوا متخلفين عن الركب.

لكن الأمل يكمن في أن يؤدي طرح شبكات الهاتف المحمول تقنية 5G إلى تحسين اتصالات الإنترنت في المناطق الريفية، مما يجعل تكنولوجيا مثل تطبيق كروبوايز بروتكتر Cropwise Protector أكثر انتشاراً وشيوعاً.