هربوا من المدرسة فوجدوا أنفسهم عالقين على جزيرة مهجورة لـ 15 شهراً

في عام 1966 مر قبطان سفينة استرالي بقارب صغير على جزيرة مهجورة اسمها "أتا" وعندما أخرج منظاره لاحظ وجود دخان وسط أشجار الغابة واستغرب بشدة وفضوله شده أكثر أن يقترب ويكتشف مصدر الدخان لأن جزيرة "أتا" غير مأهولة بالسكان!

فجأة ظهر شخص شعره طويل ولا يرتدي إلا ما يخفي عورته وقد بدا أنه من السكان الأصليين؛ وبمجرد رؤية الشخص للقارب بدأ يلوح بيديه ويصرخ، بعدها رمى نفسه في البحر وبدأ بالسباحة نحو القارب.

هنا أحس القبطان بالخوف من هذا الشخص وأخرج بندقيته وجهز نفسه لمواجهته، وعندما وصل الشخص للقارب تبين للقبطان أنه مجرد طفل مراهق.

الولد أخبره: اسمي ستيفن وهناك 5 أولاد غيري في الجزيرة، لقد علقنا هنا في هذه الجزيرة المعزولة منذ 15 شهرا!

قصتنا تبدأ سنة 1995 في دولة تسمى تونغا وهي عبارة عن مجموعة جزر في المحيط الهادي شرق استراليا وأبطال قصتنا هم 6 أولاد: سيوني، مانو، ستيفن، كولو، ديفيد ولوك.

هؤلاء الأولاد كانوا طلابا في مدرسة دينية كاثوليكية وهي عبارة عن مدرسة داخلية يدرس فيها الطلاب ويعيشون فيها، يأكلون ويشربون وينامون في هذه المدرسة.

ما يميز هذه المدرسة أنها كانت مدرسة منضبطة وصارمة جدا وتضيق على حريات الأولاد، فلا يُسمح للطلبة الخروج منها إلا مرة واحدة فقط في الأسبوع وتحت إشراف الأساتذة، الذين كانوا رهبانا وراهبات.

ويُقال أن معاملة الأساتذة للطلاب كانت صارمة جدا، وأحيانا يتم تعريض الطلاب لعقوبات قاسية عند خرق القوانين.

وأبطال هذه القصة الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما أحسو بضيق شديد بسبب هذا الوضع، وكانت أغلب أحاديثهم عن حياة الحرية والمتعة ويحلمون بعالم ثانٍ مختلف عن العالم الذي يعيشون فيه؛ وفي يوم من الأيام وبينما كانوا يتناولون وجبة الغذاء طرح أكبرهم سنا وهو "سيوني" فكرة الهرب!

فتساءل أصدقاؤه عن المكان الذي يمكن أن يهربو إليه .. فأخبرهم "سيوني" أن هناك جزيرة اسمها فيجي تبعد عدة كيلومترات عن تونغا وهي جزيرة أكبر وأكثر تطورا، ولكنها بعيدة بالنسبة لهم نوعا ما!

هنا بدأ الأولاد بالتخطيط لطريقة تمكنهم من الهروب إلى جزيرة "فيجي"، فأول شيء سيحتاجونه لتنفيذ خطتهم هو قارب، فقرروا سرقة أحد القوارب من رجل عجوز لطالما كانت هناك مناوشات بينه وبينهم حتى لا يحسو بالذنب الكبير.

ثم قرر الصبية الهرب في الليل حتى يستطيعون الاختفاء دون أن يتم كشف أمرهم، فبعد ساعة من نوم زملائهم تسللوا من المدرسة توجهوا لمكان القارب وقامو بسرقته ثم انطلقو في رحلتهم، وحملو معهم بعض الفواكه والطعام وموقد غاز ليطبخوا عليه الأسماك التي سيصطادونها من البحر.

ولكن لم يفكر أي أحد منهم في أن يحضر معه بوصلة أو خريطة!

ومرت ساعتان على إبحارهم واختفى الشاطئ خلفهم ولم يعد يبدو لهم سوى أفق المحيط، ومع بزوغ الفجر بدأت علامات التعب تظهر على الأولاد الذين لم يناموا ليلتهم وهم المعتادين على النوم باكرا في مدرستهم، ليتغلب عليهم النوم واحدا تلو الآخر ولم يبق منهم أي مستيقظ، والقارب شراعه مفتوح للرياح تحركه في اتجاهات مختلفة وعشوائية!

ولم يستيقظ الأولاد بعدها إلا على صوت الرعد ليتفاجأوا بعاصفة ضخمة وسط المحيط، وحاولوا رفع الشراع ولكن العاصفة مزقته ورمته بعيدا، حينها كان هدفهم هو عدم السقوط في الماء والتشبث بالقارب حتى تمر العاصفة.

بعد أن مرت العاصفة بسلام وتحسن الجو وجد الأطفال أنفسهم في وضع مأساوي، فهم لا يعلمون أين هم بالضبط ولا يستطيعون التحكم في مسار قاربهم.

بل وظلو على هذه الحال لمدة 8 أيام، ترميهم أمواج البحر من مكان لمكان، وهمهم الوحيد هو النجاة بحياتهم، وبدأ طعامهم ينفد، أما فكرتهم عن صيد الأسماك فلم تكن بتلك السهولة لأنهم لم يستطيعوا صيد أي سمكة، والمياه الصالحة للشرب كذلك بدأت تنفد وأصبحوا ينتظرون مياه الأمطار لملأ أنصاف ثمار جوز الهند التي احضروها معهم.

وفي اليوم التاسع من المعاناة لمح الأولاد جزيرة في الأفق وهي أول قطعة أرض يرونها منذ خروجهم من جزيرتهم، وبما أن الشراع قد أُتلف في العاصفة، بدأ أبطال قصتنا يجدفون بأيديهم لتغيير مسار القارب نحو الجزيرة وفي النهاية ساعدتهم الأمواج في الوصول، وقفزوا في البحر وسبحوا نحو الشاطئ تاركين القارب خلفهم.

وعند وصولهم لأرض اليابسة رمى الأولاد أنفسهم على الأرض وغطوا في نوم عميق بسبب التعب، ولم ينهضوا إلا بعد طلوع شمس اليوم التالي، لتبدأ من هذه الجزيرة رحلة نجاتهم.. وهي رحلة أطول بكثير من تلك التي قضوها في عرض المحيط.

الجزيرة التي وصل لها الأولاد تسمى "آتا" وهي جزيرة كانت مهجورة منذ 100 عام، وقبل المئة عام كان يعيش عليها مئات السكان الأصليين ولكن فجأة أغار عليهم تجار العبيد وأخذوهم كلهم وباعوهم ولم يتركوا أي شخص منهم.

جزيرة آتا

صراع البقاء على قيد الحياة

وأثناء إقامتهم في الجزيرة بحث الأولاد عن الطعام وصنعوا حرابا حادة اصطادو بها السمك ولكن مع غياب النار وعدم قدرتهم على إشعالها كانوا يأكلون السمك نيئا، وعلى سوءه فيعتبر السمك نيئا حلا لأزمة الطعام لتبقى مشكلة العطش التي لم يجدو لها حلا، وبحثوا عن مصدر ماء لكن لم يجدوا، لذلك اضطروا لصيد طيور النورس وشرب دمائها، كما أنهم كانو يأخذون بيضها ويشربونه، فبالنسبة لهم أي شراب أو طعام مهما كان سيئا فهو نعمة كبيرة.

وبعد أيام من استكشاف الجزيرة وجد الأولاد مكانا كان يقيم فيه السكان الأصليون وحصلوا منه على بعض الأدوات التي تساعدهم، حيث استطاعو ان يجمعوا بعض السكاكين والأواني الفخارية كما أنهم وجدو عددا من الدجاجات.

وتمكنوا من إشعال النار بعد محاولات دامت لأيام، وبما أن النار كانت ثمينة فقد وضعوا برنامجا للحفاظ عليها مشتعلة عبر مناوبات لتغذية هذه النار بالحطب ومنعها من الانطفاء، وفي الليل كانوا يجتمعون حولها ويمسكون أيديهم ويبدأون في الغناء.

بعدها بدأ الأولاد في التأقلم وبنو أكواخا من السعف، كما أنهم قامو بزراعة الموز والفول، كما أقاموا ملعبا لكرة الريشة التي تشبه التنس، بل وصنع أحدهم ڤيتارة بألواح جوز الهند، وبما أنهم مراهقين فقد كانت تحدث هناك شجارات، ولكنهم وضعوا قانونا لهذه المشكلة، فمن يتشاجر عليه الافتراق عنهم حيث يبتعد كل متشاجر إلى طرف من الجزيرة.

ورغم تأقلمهم كان كل يوم يقضونه على هذه الجزيرة بمثابة عذاب نفسي، لذلك حاولوا صناعة طوف لعبور البحر ولكنهم لم ينجحوا، فقرروا البقاء حتى يأتي الفرج، وقسموا الأدوار بينهم حتى يشغلوا أنفسهم، فمنهم من كان مهتما بالنار ومنهم من كان منهمكا في رعاية المزرعة ومنهم من كان يعتني بالحيوانات، ومنهم من كان يراقب البحر، وهذا ساعدهم في الابتعاد عن الاكتئاب.

ومر 15 شهراً على تواجدهم بالجزيرة، وفي يوم من الأيام كان دور ستيفن في مراقبة البحر، وكان يقف على هضبة مرتفعة لعله يرى سفينة أو قاربا ورغم أن هذا الاستطلاع لم يسفر عن النتيجة طوال الشهور الـ 15 الماضية، إلا أن ستيفن لمح قاربا أخيرا، فنزل مسرعا للشاطئ وبدأ يلوح ويصرخ عليه، ليقوم بعدها بالسباحة نحو القارب حتى وصل عنده، وعند صعوده وجد قبطان القارب يوجه بندقية نحوه.

عندها رفع ستيفن يده، وقال له: انا اسمي ستيفن وهناك 5 أولاد غيري في الجزيرة ونحن ضائعون وعالقون هنا منذ 15 شهرا.

القبطان أنزل بندقيته وعرف عن نفسه، وهو صياد سمك استرالي اسمه "بيتر وورنر"، وأخبر ستيفن أنه شاهد دخانا وسط الجزيرة واقترب ليعرف القصة، لأنه يعلم أن هذه الجزيرة نائية وغير مأهولة.

بعدها التحق باقي الأولاد الخمسة وركبو القارب، ليقوم "بيتر" بكتابة أسمائهم، واتصل بمركز خفر السواحل، ليؤكدوا له أن هؤلاء الأولاد فعلا مفقودون منذ أكثر من 15 شهرا.

وتأثر بيتر لأنه كان سببا في إعادة الأولاد للحياة واعتبر لحظة إنقاذهم أكثر لحظات حياته إنجازا، وبعد أن تيقن الأولاد أنهم سيعودون لأهلهم غمرتهم فرحة لا توصف لدرجة أنهم وصفوا تلك اللحظة بأنها لحظة دخولهم الجنة!

وللمفارقة.. بعد وصولهم مباشرة تم اعتقالهم لأن العجوز الذي سرقوا منه القارب أبلغ عنهم الشرطة.

ولكن قام "بيتر" بمساعدتهم بحكم علاقاته كابن رجل ثري في استراليا، فقد أخبر القناة السابعة الأسترالية بقصتهم وعرض عليها أن تقوم بتصوير فيلم وثائقي عنهم، وقبلت القناة وقدمت لبيتر مبلغا من المال قام من خلاله بالدفع للعجوز صاحب القارب حتى يسحب شكواه، فتم إطلاق سراحهم.

واعتبر هؤلاء الصبية أمواتا بالنسبة لذويهم بل وأقيمت جنائز لهم، إلى أن توجه بيتر ومصورو القناة رفقة الأطفال لأهلهم حيث وثقوا لحظة إنسانية مؤثرة وهي لقاء الأولاد بعائلاتهم في مشهد مليء بالدموع والمشاعر، بعدها عمل الأولاد مع بيتر في الصيد وشق كل منهم طريقه في الحياة.