إيران تغرق العراق بالإرهاب الأبيض

المخدرات مصدر لتمويل مليشياتها وإبقاء نفوذها

أخبار الآن | العراق - 31 يناير 2024

يوثّق تحقيق استقصائي لفريق "أخبار الآن" كيف تحوّلت المخدرات في العراق إلى مصدر تمويل أساسي للجماعات المسلّحة المدعومة من إيران، التي استحوذت على تجارتها تهريباً وتسويقاً، بما سمح لإيران بتوجيه أموال أكبر إلى برنامجها النووي.

ويقدّم التحقيق

أدلّة عن ترويج جهات إيرانية لأنواع مختلفة من المخدّرات في العراق، بل ودعم زراعتها وفتح معامل ومصانع خاصة لصناعتها، من خلال جماعات مرتبطة بفصائل مسلّحة خاضعة لإرادتها، وأحياناً تحت إشراف مسؤولين في مجاميع مرتبطة بالحشد الشعبي.

ويظهر التحقيق

أنّ الترويج يأتي من خلال سياسة ممنهجة للحرس الثوري وعبر وكلائه في العراق، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وتحويل العراق إلى بيئة خصبة للجريمة المنظّمة، إلى جانب توفير أموال كبيرة لجهات إيرانية نافذة، خصوصاً في ظلّ العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ويكشف التحقيق

التسهيلات التي تجري لتهريب المخدّرات إلى الداخل العراقي، عبر نقاط سيطرة حدودية تخضع لسلطة الفصائل الموالية لإيران، ومنها إلى المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية لتُباع بأسعار مخفضة بالمقارنة مع أسعارها في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية.

ويثبت التحقيق فشل كلّ الجهود الحكومية وعجز العمليات الأمنية للقوّات العراقية، عن الوقوف في وجه تلك الفصائل الموالية لإيران والمنخرطة في الحشد الشعبي، والتي تلعب دوراً رئيسياً في الترويج لها عبر عمليات الزراعة والصناعة والتسويق، خصوصاً في مناطق تخضع لسيطرتها كان قد تمّ طرد سكانها منها بحجة الحرب على تنظيم داعش، وباتت أراضيها حقولاً منتجة للمواد المخدّرة.

 وقد انتشر تعاطي المخدّرات في السنوات الأخيرة بشكل لم تعد فيه مدينة تخلو من تجّار ومصادر لترويجها، وبعدما كانت البلاد في السابق مجرّد ممر لها من إيران باتجاه الدول الخليجية، فإنّها باتت تمثل سوق رائجة تباع فيها مختلف أنواع المواد المخدّرة في ظلّ عدم ضبط الحدود التي تمتد مع إيران لنحو 1400 كلم، ومع وجود أكثر من 20 معبراً بعضها غير رسمي، فضلاً عن الحدود السورية التي تنشط أيضاً فيها عمليات تهريب وتجارة المخدّرات المنتجة في سوريا، ولا تخضع كلّ تلك الحدود لمتطلبات المراقبة والضوابط الأمنية الصارمة.

وتتمتع إيران بنفوذ كبير في المحافظات الجنوبية، وذلك ما يساعدها على إنتاج وصناعة المخدّرات في تلك المناطق بمساعدة فصائل في الحشد الشعبي، وبشكل خاص كتائب حزب الله ومنظمة بدر، بينما تواجه نوعاً من الصعوبة في القيام بذلك في المحافظات السنية مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين، لذلك عمدت إلى الاعتماد على القيادات الأمنية الموالية لها في تلك المناطق لتهريب المخدّرات إليها، وهو ما يتم عادةً باستخدام سيارات داكنة الزجاج تابعة لفصائل الحشد وتعبر نقاط السيطرة الأمنية من دون تفتيش ورقابة.

ويوجد في العراق نحو 70 فصيلاً مسلحاً منخرطاً في الحشد الشعبي، لكن مصادر مطلعة تؤكّد أنّ 5 فصائل تعتبر الأكثر تحكّماً بملف المخدّرات في العراق وتسيطر على زمام الأمور، وذلك لارتباط تلك الفصائل بالحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر، وهي تتلقى منه الأوامر خصوصاً مع إيمانها بما يعرف بولاية الفقية، وهي (منظمة بدر التي يرأسها هادي العامري، و عصائب أهل الحق ورئيسها قيس الخزعلي، وحركتا النجباء وأنصار الله الأوفياء، وأيضاً كتائب حزب الله).

الفصائل العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر

منظمة بدر
يرأسها هادي العامري

حركتا النجباء و أنصار الله الأوفياء

كتائب حزب الله

عصائب أهل الحق

وقد باتت تجارة المخدّرات التجارة الأكثر ربحية في المحافظات الجنوبية بعدما أصبحت تخضع لنوع من الحماية السياسية حيث يشرف عليها مسؤولون نافذون في البلاد، كما تقول 5 مصادرأمنية لـ"أخبار الآن".

وتكشف المصادر وجود طريقين لنقل المخدّرات من إيران إلى جنوب العراق ومنها إلى دول الخليج:

الأوّل عبر منفذ الشلامجة في محافظة البصرة، ثمّ إلى سفوان ومنها إلى الكويت.

الثاني عبر منفذ الشيب الحدودي، ومنه إلى المحافظات الجنوبية والوسطى في العراق.

وتشير المصادر إلى أنّ منفذ الشلامجة تسيطر عليه قوّة تابعة لمنظمة بدر، وهي تتولى أعمال التهريب المختلفة عبره باتجاه العراق وبالعكس (أي إلى إيران)، ومن ضمن تلك الأعمال إدخال المواد المخدّرة.

أمّا منفذ الشيب، فتتولى بعض العشائر ذات النفوذ في محافظة ميسان وبعض الأحزاب زمام الأمور فيه، فكلّ عشيرة وحزب لديه فترة محدّدة في إدارته، لكن الغلبة بذلك المجال هي لحركة "أنصار الله الأوفياء" التي تستحوذ على الحصة الأكبر من إدارة المنفذ.

وتعتبر محافظة البصرة ذات الغالبية الشيعية طريقاً رئيسياً لعبور المخدّرات باتجاه الخليج والمتاجرة بها داخل المدينة. وتفيد المصادر الأمنية ذاتها بأنّ المحافظة تحتوي على 3 مصانع مختصة بمادة الكريستال المخدّرة تشرف عليها فصائل وجهات ضمن الحشد الشعبي.

كذلك يقول مصدر مسؤول حكومي لـ "أخبار الآن" إنّ محافظة ميسان ذات الأغلبية الشيعية أيضاً، يوجد فيها 5 معامل لصناعة الكريستال يديرها مختصون بعضهم من إيران، وهؤلاء يتمتعون بحماية أمنية وسياسية كبيرة، حيث القوّات الأمنية تواجه صعوبة في الإطاحة بهم أو الاقتراب منهم بسبب النفوذ الذي يتمتعون به وعلاقاتهم مع القيادات السياسية والأمنية في بغداد.

ويشير المصدر الحكومي إلى أنّ عمليات توزيع المخدّرات شهدت نقلة نوعية، حيث بات يتمّ الاعتماد على موظفين في نقلها بين المحافظات وداخل المناطق السكنية في الجنوب، وهؤلاء يستخدمون صفاتهم الوظيفية وعلاقاتهم التي تضمن سهولة التنقل، وقد تمّ مؤخّراً ضبط موظفين ينقلون مخدّرات بسيارات حكومية بزجاج داكن، أي عائدة لمسؤولين.

ويقول ضابط كبير في أحد الأجهزة الأمنية العراقية لـ "أخبار الآن" - اشترط أن لا يكشف اسمه في التحقيق حفاظاً على سلامته - إنّ "انتقالة نوعية قام بها تجّار المخدّرات في إدارة صفقاتهم جعلت القوّات الأمنية في حيرة من أمرها، حيث باتت تواجه صعوبة في تحديد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا متورّطين بعكس السابق حيث كنّا نراقب أصحاب السوابق".

ويؤكد السياسي العراقي المعارض انتفاض قنبر أنّ "عائدات تجارة المخدرات في العراق تذهب لتمويل البرنامج النووي الايراني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر". ويشرح ذلك بالقول إنّ "الأموال التي تُجنى من بيع المخدّرات تموّل المليشيات التابعة لإيران مثل حزب الله اللبناني وغيره، وبالتالي ذلك يقلّل من المدفوعات الإيرانية لتلك الفصائل، وبذلك تستطيع إيران الاحتفاظ بأموال أكثر لبرنامجها النووي وبرامجها الإرهابية في كلّ العالم".

انتفاض قنبر - سياسي عراقي

انتفاض قنبر - سياسي عراقي

انتفاض قنبر - سياسي عراقي

وعن سبب سعي إيران لإغراق العراق بالمخدّرات، بقول إنّ "هناك جانباً اجرامياً تنفذه إيران التي تعاني من مشاكل كبيرة في الداخل، فهناك فساد هائل وانتشار كبير للجريمة المنظّمة مع تراجع شعبية ولاية الفقيه، فيما هي قوية في الخارج ومصدر قوتها يكمن في سياسة إضعاف الآخرين عبر إغراقهم بالمشاكل، كما أنّ جزءاً من عائدات المخدّرات تذهب إلى الطبقات الفاسدة، وذلك يديم نفوذها".

ويؤكّد قنبر أن "تجارة المخدرات أصبحت وسيلة لتمويل المليشيات، وهي بذلك تعوّض تمويل أذرعها الموجودة في لبنان واليمن"، مشيراً إلى أنّ إيران "تعتاش على تدمير المجتمعات بخلق الفتن فيها كما تفعل في المجتمع العراقي حتّى يسهل لها السيطرة من خلال تفكيك الشباب وشغلهم بتلك السموم الخطيرة التي معها يصبحون آداة سهلة بيد إيران".

ويكشف السياسي العراقي المقيم في أميركا، عن مهمتين رئيستين للفصائل المسلّحة والمليشيات في العراق، الأولى هي إنتاج المخدّرات داخل البلاد، والثانية وهي الأكبر، تتمثل بإدخال تلك المخدّرات إلى العراق والسعودية والكويت وباقي دول الخليج".

وعن كيفية تحقيق ذلك، يضيف: "هناك بؤر إجرامية مشاركة في ذلك الموضوع، وهناك تواطئ من الحكومة العراقية والقوّات الأمنية، وممكن أن يصل الأمر إلى تقديم رشاوي لهذه الجهات وتهديدها بقوّة السلاح التي تملكها، ومنها المعروفة بتهريب المخدّرات مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء".

انتشار المخدّرات بشكل كثيف وتسببها برفع معدّلات الجريمة المنظمة إلى مستويات قياسية، دفع محمد شياع السوداني رئيس الحكومة إلى التحذير من مخاطرها المهدّدة "بتفكيك النسيج الاجتماعي" والتسبب بخسائر اقتصادية ورفع مستوى الجريمة، معلناً عن خطة لـ"عراق خالٍ من المخدرات"، متعهداً بالتعامل مع الملف على أنّه "تهديد إرهابي".

تحذير السوداني جاء في كلمة له في المؤتمر السنوي لمكافحة المخدّرات، الذي عقدته المديرية العامة لشؤون المخدّرات والمؤثرات العقلية في وزارة الداخلية في 9/12/2023. وقال إنّ "المخدّرات باتت تمثل تهديداً حقيقياً، وخطراً داهماً يطال الأمن الداخلي والقومي للدول، وتعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، وتترتب عليها خسائر اقتصادية، وتوفر بيئة للجريمة، فضلاً عن خطرها على مستوى الأمن القومي، إذ أصبحت تجارة المخدّرات معضلة دولية، تشترك فيها عصابات ومنظمات عابرة للحدود، وأحد أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، ما يتطلب تعاوناً وتنسيقاً على مستوى عالٍ بين الدول لتحجيم خطرها".

وكان وزير الداخلية العراقي السابق عثمان الغانمي، قد كشف عن حجم مشكلة المخدّرات، وذكر في حوار تلفزيوني في أكتوبر/تشرين الأوّل العام 2020 أنّ "50 % من الشباب في العراق يتعاطون المخدّرات، مع فشل كلّ الجهود الحكومية في معالجة تلك الآفة أو الحد منها على الأقل ومنع زيادتها".

ووصف أعضاء في البرلمان العراقي وخبراء في القانون، الإجراءات الحكومية لمواجهة ظاهرة تجارة وتعاطي المخدّرات بأنّها كانت خجولة لغاية العام 2017 حين صدّق مجلس النواب على قانون مكافحة المخدّرات رقم 50 الذي قضى بتشكيل مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية.

وحدّد القانون مهام المديرية، بمكافحة المخدّرات والمؤثرات العقلية وجرائم التعاطي والاتجار بها ونشر التوعية على مخاطرها، وذلك من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية والتواصل مع دول الجوار للحدّ من عمليات تهريب المخدّرات، والوصول إلى المهرّبين والأشخاص الذين يرتبطون بهم.

ويصنّف قانون مكافحة المخدّرات الأطراف المتورّطة كـ"متعاطين وتجار"، ويُحاكم المتعاطون عادة وفق المادة 32 التي تنصّ على حبسهم بين سنة و3 سنوات مع دفع غرامة قدرها 5 ملايين دينار (3400 دولار)، وفي حال عدم دفع المدان المبلغ تمدّد العقوبة 6 أشهر إضافية.

أمّا عقوبة المتاجرة، فتخضع للمادة 28 التي تقضي بالسجن بين 5 سنوات والسجن المؤبّد (مدى الحياة) مع دفع غرامة تبدأ بـ10 ملايين دينار (6800 دولار) وصولاً إلى 30 مليون دينار (10200 دولار). كما وتشمل المادة 27 العقوبات من المؤبد إلى الاعدام لمن يستورد المواد المخدّرة أو يصدّرها.

محمد السوداني - رئيس الحكومة العراقية

محمد السوداني - رئيس الحكومة العراقية

محمد السوداني - رئيس الحكومة العراقية

عثمان الغانمي- وزير الداخلية العراقي السابق

عثمان الغانمي- وزير الداخلية العراقي السابق

عثمان الغانمي- وزير الداخلية العراقي السابق

البرلمان العراقي

البرلمان العراقي

البرلمان العراقي

وتنفذ القوّات العراقية بمختلف تشكيلاتها وصنوفها الأمنية والعسكرية، حملات واسعة ومتلاحقة ضدّ عصابات وتجّار ومتعاطي المخدّرات، تؤدّي إلى توقيف الآلاف منهم سنوياً، لكنّ عضواً في مجلس النواب - طلب عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة - يؤكّد لـ"أخبار الآن" فشل كلّ تلك الحملات الأمنية في محاربة مافيات المخدّرات الكبيرة، وذلك لأنّها مرتبطة بفصائل مسلّحة في الحشد الشعبي التي تعمل لتحقيق أجندات سياسية واقتصادية لصالح طهران على حساب العراق ومستقبل أجياله.

من جانبه، يشير النائب المستقل هادي السلامي إلى خطورة توسّع ظاهرة تجارة المخدّرات، فيقول إنّها "أصبحت تجارة دولية تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة"، مؤكّداً "وجود علاقات وغطاء لتجّار المخدّرات مع بعض المجاميع المسلّحة غير الشرعية وغير النظامية، وذلك يزيد من حجم التحدّيات، ما يستوجب أن تكون هناك عمليات مشتركة من كلّ الأجهزة الأمنية لمكافحة تلك المافيات".

النائب المستقل هادي السلامي

النائب المستقل هادي السلامي

النائب المستقل هادي السلامي

ويكشف النائب عن "وجود نحو 30 معبراً غير رسمي في شمال العراق بالمحاذاة مع إيران، تتم عبرها عمليات غير شرعية كثيرة، وقد تحوّلت إلى بوابة لإدخال المخدّرات وغيرها من المواد من دول الجوار عن طريق المافيات الدولية".

وقد ألقت قوّات الأمن العراقي العام 2023 القبض على أكثر من 15 ألف متهم بتجارة وتعاطي المخدّرات، وبلغ عدد المحكومين منهم 8 آلاف تقريباً، وتمّ ضبط 4 أطنان من المواد المخدّرة، و15 طناً من المؤثرات العقلية، وفقاً لوزارة الداخلية العراقية.

في حين كان أُلقي القبض على 6074 متهماً بتجارة وتعاطي المخدّرات العام 2019، وعلى 7514 شخصاً العام 2020، مع ضبط أكثر من 300 كيلوغرام من المواد المخدّرة وأكثر من 14 مليون حبّة كبتاغون.

وقد ارتفعت الأعداد أكثر العام 2021 ببلوغ عدد المقبوض عليهم 12822 شخصاً، بينهم 60 % كانوا تجّار مخدّرات، وتمّ ضبط 481 كيلوغراماً من المواد المخدّرة ونحو مليوني حبّة كبتاغون.

كما حصلت زيادة كبيرة العام 2022، إذ تمّ اعتقال 16851 متهماً بتجارة وترويج المخدّرات، تراوحت أعمار أغلبيتهم بين 18 و30 سنة، بينهم 500 دون سن الـ18، و250 إمرأة وفتاة، مع ضبط 490 كيلوغراماً من مادة الكريستال و15 مليون حبّة كبتاغون.

كذلك قامت السلطات العراقية العام 2023 بعمليات إتلافٍ كبيرة للمخدّرات والمؤثّرات العقلية قامت بها لجنة الاتلاف المشكّلة بموجب المادة 42 من قانون المخدّرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، حيث بلغت المواد المخدّرة المتلفة فيها أكثر من 17 طنّاً من المواد المخدرة والمؤثّرات العقلية والسلائف الكيمياوية.

كما تمّ ائتلاف 10323261 قرصاً مخدّراً و68 عبوة من مادة الكودائين المخدّرة و4199 أمبولة من مادة الترامادول المخدّر إضافةً إلى إتلاف كميّات من مادتي الميثادون والحشيشة المخدّرة والميدرابيد.، وفقاً لمدير عام دائرة المنظمات غير الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية أشرف الدهان.

ويقول مصدر أمني رفيع المستوى -طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته- عن أكثر أنواع المخدرات رواجا والتي تدخل العراق من ايران عبر محافظتي  ميسان والبصرة وتنتشر في الجنوب هما الهيروين والحشيش، وفي مناطق غرب ووسط العراق تنتشر حبوب الكبتاغون وبعض المؤثرات العقلية التي تدخل من سوريا عبر محافظة الأنبار وتحت سطوة بعض الفصائل والمليشيات التابعة للحشد الشعبي.

ويقول المصدر الأمني إنّه "يتمّ بيع كيلو المخدرات من مصدره بمبلغ يتراوح بين 4 إلى 6 مليون دينارعراقي، أي 2700-4000 دولار أميركي، لأصحاب النفوذ من قيادات في الفصائل، فيما يتمّ تصريفه في الأسواق من قبلها بـ15 إلى 16 مليون دينارعراقي، أي 10 آلاف إلى 10 آلاف و600 دولار أميركي.

وقبل ظهور تنظيم داعش العام 2014، كان انتشار المخدّرات محدوداً في محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية، والتي كانت على خلاف دائم ومستمر مع الحكومة العراقية، وقد تكوّنت فيها إثر تلك الخلافات ما يعرف بساحات الاعتصام ضدّ ما عُرف بالحكومة الشيعية في بغداد.

لكن عقب تحرير المحافظة العام 2016، ازداد انتشار المخدّرات بشكل كبير مع تزايد نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي فيها، خصوصاً بعد سيطرتها على الحدود مع سوريا، وقد باتت المخدّرات تستخدم كآداة للانتقام منها.

وتقول 4 مصادر أمنية مطلعة إنّه "منذ العام 2016 والسنوات التي تلتها، أصبحت الأنبار مركزاً لدخول أطنان من المخدّرات، فالحشد الشعبي خصوصاً لواء 45 من كتائب حزب الله فرضت سيطرتها على معبر القائم الذي تدخل منه الحبوب المخدّرة وتوزّع على التجار في مدن المحافظة المختلفة".

وبعد سنوات ونتيجة الضغط على الحشد الشعبي من الحكومة العراقية، خصوصاً من محافظ الأنبار، علي فرحان الذي كتب إلى الحكومة العراقية عشرات التقارير عن نشاط الحشد الشعبي وإدخاله المخدّرات من سوريا إلى المحافظة، قام الحشد وتحديداً لواء 45 بفتح معبر آخر غير رسمي مسيطر عليه بالكامل من قبل كتائب حزب الله، وهو مَنْ يدخل الحبوب المخدرة إلى المحافظة ويسيطر على ذلك المعبر المدعو كرار عبد الحسين الخفاجي، والاسم المشهور به هو أبو هدى البصراوي، وهو قيادي في كتائب حزب الله، وكان يشغل منصب مسؤول أمن قضاء القائم، بحسب شهادات المصادر الأربعة.

وتكشف تلك الشهادات عن وجود "اتفاق مع عدد من التجّار في الرمادي والفلوجة والقائم وهيت الذين لهم علاقة ممتازة بالحشد الشعبي، لبيع الحبوب المخدّرة في عدة أماكن، أوّلاً الصيدليات، ويوجد عدد من الصيدليات المشبوهة التي تبيع تلك الحبوب ومعروفة لدى المتعاطين، وكذلك في الكافيهات والمقاهي المعروفة، حيث يتمّ توزيعها مع الأراكيل وبيعها على المتعاطين، وهناك تجّار مسؤولون عن تلك العملية، أبرزهم شخص يدعى أبو محمد العلواني، وهو من أهل الرمادي، وهشام عبد الخالق المرعاوي، وآخرون".

شهادات المصادر الأربعة تشير إلى أنّ قائد شرطة الأنبار السابق الفريق هادي رزيج قام بحملة أمنية واسعة، وأغلق على إثرها صيدليات وكافيهات كما ألقى القبض على تاجر مخدّرات أدخل مليون حبّة إلى المحافظة، لكن بعد أقل من شهر صدر قرار بإعفائه من منصبه ونقله إلى مكان آخر.

الشهادات تؤكّد أنّ "قرار إعفائه صدر من وزير الداخلية بعد ضغط مارسه قادة الحشد الشعبي، خصوصاً مسؤول أمن الحشد الشعبي المدعو أبو زينب اللامي، كون رزيج بات يقف ضدّ تحركات الحشد وتجارته المربحة. وبعد أشهر قليلة صدر قرار بنقل قائد عمليات الأنبار نومان الزوبعي وتعيين قائد جديد في مكانه قريب من الحشد، ولذات السبب".

يكشف الشيخ عبدالله الجغيفي رئيس حزب أحرار الفرات سابقاً عن اسم المعبر الذي تتخذه فصائل مسلّحة منضوية في الحشد الشعبي، إلى جانب معبر القائم لإدخال المخدّرات، وهو ما يسمى بـ "المنفذ الأسود"، ويقول إنّ تلك المجاميع تقوم باستخدامه للتجارة غير الشرعية وتكسب منه ملايين الدولارات.

ويشير إلى وجود استهداف متعمّد لمحافظة الأنبار ذات الغالبية السنية بإغراقها بما يسميه بـ"الارهاب الأبيض"، بعدما ذاقت الويلات على يد الارهاب الدمومي الداعشي. وسأل: "لماذا الارهاب يستهدف محافظة الأنبار السنية على وجه الخصوص منذ العام 2003، وأصبح الانتقام منها كبير جدّاً"؟ وأرفق ذلك السؤال موضحاً سبباً آخر لانتشار المخدرات فيها، وهو قربها من الحدود السورية التي تتحكم في داخل سوريا أحزاب ومليشيات معروفة.

ويستند الجغيفي بحديثه عن وجود استهداف سياسي مبرمج من أطراف معينة ضدّ محافظة الأنبار عبر إغراقها بالمخدّرات إلى اعطاء مسؤولية إدارة وحفظ الحدود إلى مَنْ هم من غير سكان المحافظة، وتحديداً بعض المنتمين إلى الحشد الشعبي الشيعي.

"لماذا الارهاب يستهدف محافظة الأنبار السنية على وجه الخصوص منذ العام 2003، وأصبح الانتقام منها كبير جدّاً"؟
عبدالله الجغيفي - رئيس حزب أحرار الفرات سابقاً

ويقول مصدر آخر، وهو ضابط برتبة مقدّم كان قد حقق مع الكثير من المتهمين بتجارة وتعاطي المخدّرات ألقي القبض عليهم في محافظة الأنبار - شرط عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامة حياته - إنّ "الميليشيات الولائية لإيران لعبت دوراً رئيسياً في نقل وبيع المخدرات في الداخل العراقي مع محاولات  لتهريب المخدرات إلى السعودية والكويت كمرحلة أولى، والأردن ثانياً".

ويضيف: "لزيادة الطلب عمدت تلك الفصائل وبأوامر إيرانية إلى إنشاء مصنعين لإنتاج الكبتاغون في العراق، الأوّل في جرف الصخر وبإدارة وعمّال من حزب الله اللبناني، كما تمّت أيضاً زراعة الأراضي في منطقة جرف الصخر بزهرة أو عشبة الخشخاش المخدّرة".

ويقع المعمل الثاني "في عكاشات جنوب القائم وأيضاً بإدارة وعمّال من حزب الله اللبناني، وإنتاج ذلك المصنع موجّه إلى الداخل العراقي وبتركيز عالٍ على الأردن، وكلّ المخدّرات التي تمّ ضبطها قبل الدخول إلى الأردن، هي من ذلك المصنع".

ويقول الضابط الذي تمّ نقله لاحقاً إلى جنوب العراق، وهو من محافظة الأنبار، لأنّه رفع تقارير أمنية إلى وزارة الداخلية تكشف أسماء الجهات المتورّطة في تجارة المخدرات، إنّ "الطريق الممتد من جنوب القائم إلى شمال الرطبة والذي يسمى طريق المشاريع، ويبلغ طوله 280 كم، تمّت السيطرة عليه بشكل كامل بعد عام 2014 من قبل ميليشيا حزب الله العراقي وميليشيا عصائب أهل الحق، ويمنع مرور أي مدني عليه سوى المتعاونين والمتعاملين معهم، وقد سمّي طريق المشاريع لأنّ امتداد الطريق على اليمين واليسار وبالعمق، هي أراضٍ صالحة للزراعة، الأمر الذي استغلته الميليشيات وقامت بزراعته بنبتة الخشخاش".

ويكشف الضابط عن أهمّ الفصائل التي تعمل بالمخدّرات وهي ميليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء والنجباء. ويقول استناداً إلى شهادات المتهمين الذين حقّق معهم شخصياً، إنّ "ايران تسعى جاهدة إلى تفشي الإدمان بين الشباب العراقي خصوصاً في المناطق السنيّة وبدرجات اقل في المناطق الشيعية المسيطرة عليها عقائدياً ومذهبياً وثقافياً وطائفياً، لمنع نهضة العراق ولمنع عودته بلداً قوياً في المنطقة، وحتى تُحكم سيطرتها عليه سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ويبقى تابعاً ذليلاً لها".

أمّا أهم المناطق التي تنتشر وتزرع فيها المخدّرات فهي

"منطقة المشاريع جنوب القائم غرب العراق، وأيضاً منطقة جرف الصخر جنوب بغداد، وأيضاً محافظة الديوانية، ومحافظة البصرة في ابو الخصيب".

واوضح أنّ المخدّرات "تحولت إلى مصدر مهم لتمويل الميليشيات بعد مقتل قاسم سليماني الذي كان يُحكم قبضته على تلك الميليشيات، ويعطيها نسبة 1 ‎%‎ ممّا تزرع وتعمل وتروج وتبيع وتهرب، ولكن تلك الميليشيات بعد موت سليماني أصبحت هي تعطي نسبة 5 ‎%‎ فقط للبديل قاآني الذي بذل مجهوداً كبيراً حتى أوصل النسبة إلى 10‎ %‎".

ويوضح أنّ "الميليشيات التي تعمل على زراعة المخدّرات وتصنيعها في العراق هي ميليشا حزب الله اللبناني الذين يجيدون تصنيعها، ثمّ جماعات أفغانية تخضع للحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر لأنّهم أيضاً يجيدون زراعتها وتصنيعها".

ويبين أنّ "سعر الكيلوغرام الواحد من المخدرات يباع في وسط وجنوب العراق بسعر نحو 15 ألف دولار، في حين أن الكيلوغرام يباع في المحافظات الغربية (الأنبار ونينوى وصلاح الدين) بسعر 3000 $ فقط لأنّ الغرض نشر وتفشي تلك الآفة المدمّرة بين شباب المحافظات ليسهل السيطرة عليهم.

ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل في محافظة البصرة الدكتور نبيل المرسومي، لـ"اخبار الآن"، إنّ "المخدّرات باتت ثالث أكبر تجارة في العالم بعد النفط والسلاح، وبالتالي هي مصدر دخل كبير للمافيات والجماعات المسلحة التي يمتلك قسم منها الحماية لأنّ لديها نفوذاً في الدولة عبر الغطاء السياسي".

ويضيف "العراق بات معبراً للمخدرات من أفغانستان وإيران ثمّ دول الخليج"، مشيراً إلى وجود "صناعة وزراعة للمخدرات في العراق". ويوضح أنّ "المخدرات باتت تضرب ثلث الشباب العراقي لاسيما في الجامعات والمدارس والمراكز الترفيهية والكافيهات، وتحديداً في المحافظات الجنوبية مثل البصرة بسبب تفشي البطالة فيها، والتي تجاور 3 دول وهي إيران والسعودية والكويت، وهي معبر مهم للمخدّرات باتجاه الخليج".

 الدكتور نبيل المرسومي

الدكتور نبيل المرسومي

الدكتور نبيل المرسومي

ويؤكّد أنّ "المخدّرات باتت تنتشر بشكل خطير جدّاً في العراق، وهي تفتك بالشباب ضمن عملية تخريبية منظمة لدفع الشباب لهذا الطريق".

وكما الأنبار والمحافظات الجنوبية، تعتبر محافظة ديالى الحدودية التي لمنظمة بدر برئاسة هادي العامري سلطة واسعة فيها، واحدة من أكثر المناطق انتشاراً للمخدرات في العراق.

وتؤكّد 3 مصادر مسؤولة رفيعة المستوى لـ"اخبار الآن" وجود 3 ممرات للتهريب من إيران الى المحافظة وهي ضمن مناطق (ترلساق، تلهاوه، عيون جعفر) وتتمّ من خلال أشخاص على خبرة في جغرافية الأرض وبعضهم معروف وهولاء يمثلون شبكات محلية تنشط على الحدود بين إيران والعراق".

وتشير إلى "وجود 3 مافيات تهيمن على عالم المخدرات بين ديالى وكرمنشاه الإيرانية واحدة عراقية، وإثنتان ايرانيتان يديرهما شخص متنفذ يدعى أبو سجاد، وهو اسم متداول لكنّه أشبه بالشبح، وهو على الأغلب مرتبط بالحرس الثوري الايراني.

وتؤكد المصادر أنّ "20 % من تجارة المخدّرات في العراق تتمّ عبر ديالى، وتحول بعضها إلى الاستهلاك المحلّي ما أسهم في زيادة الإدمان في المحافظة بنسبة 13 % وفقاً لتقارير أمنية غير معلنة، والتي تتحاشى عن كشفها السلطات لتورّط جهات ومسؤولين كبار في الفصائل المسلّحة، خصوصاً من منظمة بدر فيها".

وتوضح أنّ "لدى ايران نفوذاً قوياً في معبري مندلي والمنذرية من خلال سيطرتها على ما يعرف بالساحة الدولية التي من خلالها يجري التبادل ونقل البضائع، وهناك 4 فصائل مسلّحة متورّطة بتجارة المخدّرات بشكل غير مباشر من خلال أشخاص يدعون الانتماء لمنظمة بدر".

وتقول إنّ "60 % من المخدرات يجري تهريبها من الحدود عبر الطائرات المسيرة التي يستطيع بعضها حمل بين 20 و30 كيلوغراماً، إلى جانب الحمير التي تسير بين المنخفضات بالإضافة الى الشاحنات لكن الأخيرة محدودة".

المصادر الثلاثة تبيّن أنّ نقل المخدّرات من أطراف مناطق مندلي وقزانية "يتم بمركبات بعضها يحمل صفة رسمية إلى حدود بغداد ومنها إلى الجنوب"، مؤكّدةً أنّ "هناك أكثر من 30 تقريراً خطيراً حول ملف المخدّرات في ديالى رفعت في السنوات الأخيرة حول هوية المتورّطين وطرق التهريب، لكن يجري التكتّم عليها بسبب تورّط جهات سياسية بها".

زيادة آفة المخدّرات في العراق يأتي في وقت تفتقر البلاد إلى مصحّات نفسية أو مراكز لمعالجة المدمنين مع عدم وجود استراتيجية لإعادة تأهيلهم للاندماج مع المجتمع والتخلّص من آفة الإدمان.

وتكشف تقارير ومصادر طبية ومنظّمات معنية بحقوق الانسان، أنّ أكثر المتعاطين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 30 عاماً، مع اشارتهم إلى حالة خطرة جدّاً تتمثل في زجهم بالسجن مع المجرمين المحكومين بجرائم جنائية مختلفة، ومنهم تجار المخدرات، وذلك ما يجعل منهم مشاريع إجرامية مستقبلية، في ظلّ عم توفير أماكن اعتقال خاصة بالمحكومين بتهمة التعاطي بمعزل عن المحكومين بجرائم جنائية أخرى.

وتحذّر من أنّ انتشار المخدّرات في العراق لاسيما في الجامعات والمدارس ودوائر الدولة سيكون له تأثير سلبي على الأداء العام والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع العراقي.

ويقول الطبيب المختص في الجهاز العصبي ورئيس مجموعة DHR الدولية لحقوق الانسان الدكتور علي البياتي، إنّ "رواج تجارة المخدّرات في المنطقة وتسهيل تهريبها عبر الحدود قد يكون جزءاً من استراتيجية أو خطة لتدمير الشباب وإضعاف المجتمع العراقي بشكل عام".

الدكتور علي البياتي

الدكتور علي البياتي

الدكتور علي البياتي

ويؤكد الطبيب الذي يرأس مؤسسة "حملة صحتك أهم" الافتراضية للتوعية على مخاطر المخدرات والعلاج النفسي، أنّ "وجود مافيات إقليمية ومحلية مرتبطة بجهات مسلّحة داخل العراق، يعدّ تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار في البلاد، وتعمل تلك المافيات على تهريب المخدّرات وغيرها من السلع غير المشروعة، ما يؤدّي إلى زيادة الجريمة والفساد وتفشي العنف". ودعا الحكومة العراقية إلى اتخاذ "إجراءات صارمة لمكافحة تلك المافيات وتعزيز الأمن والقانون في البلاد".

ويشير إلى أمثلة إقليمية وعالمية شبيهة بالعراق لدول مثل المكسيك وكولومبيا وأفغانستان وسوريا في ما يتعلق بتجارة المخدرات، حيث أنّها تعاني من وجود بيئة غير مستقرة وضعف البنية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في تلك  الدول، حيث تتأثر تلك الدول بشكل كبير بتدخلات الدول المجاورة لها وفرض مصالحها بما يهدد البنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لتلك الدول.

ويوضح أنّه في حالة أفغانستان وسوريا والعراق، فإنّ تجارة المخدّرات واحدة من العوامل المؤثّرة على تدهور الأمن، وتدخلت العديد من الدول الأخرى في تلك البلدان بسبب مصالحها الاقتصادية والسياسية، ما أدّى إلى تفاقم الصراعات فيها وتدميرها اقتصادياً.

وكما باقي المحافظات الجنوبية، تدخل المافيات المرتبطة بإيران المخدرات إلى العراق عبر المحافظات الشمالية في كردستان أيضاً، ومن خلال المسالك الجبلية الوعرة والمعابر والتجمّعات السكانية على جانبي الحدود كمحطات لتسويقها، والتي تشهد سنوياً زيادة تدريجية ولافتة لاسيما خلال العقد الأخير مع ازدياد أعداد المهرّبين والكميّات التي يتمّ إدخالها.

فريق أخبار الآن الإستقصائي قصد الأماكن الحدودية التي يتمّ عبرها تهريب المخدرات. وفي الحقيقة الأمر لم يكن بتلك السهولة، وتلك واحدة من الصور التي التقطها فريق أخبار الآن لمعبر مشروب بشكل خفي. وهذه المنطقة تقع على الحدود الشمالية للعراق - قضاء بنجوان محافظة السليمانية – وهي أراض زراعية في قضاء بنجوان يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، وخلف التلال الظاهرة توجد قوات إيرانية، كما أنه لم يمكن من الممكن عبور تلك الطريق الترابية نظراً لخطورة الأمر ووجود قناصين، إذ أنّ 90 % من المخدّرات تدخل من هنا.

كما وتوجد عدّة مناطق تدخل فيها المافيات الإيرانية المخدّرات إلى العراق في القسم الشمالي منه، وتحديداً عبر المعابر الحدودية في قضاء بينجوين ومن ثمّ توزع على المحافظات الأخرى.

وتشكل تلك المناطق الحدودية بجبالها العالية وأوديتها العميقة، بيئة جيدة للمهربين، سواء قرب بلدة جومان ونزولاً عند كويسنجق التابعتين لمحافظة أربيل أو عبر مناطق محافظة حلبجة.

وتوجد منطقة تسمى محلياً بمعبر مشروب تسيطر عليها جماعة حزب العمال الكردستاني التي تغض النظر عن حركة المهربين بما فيهم تجار المخدرات ومهربيها الى اقليم كردستان.

ومن أكثر الأنواع التي تدخل من إيران إلى العراق عبر محافظات إقليم كردستان  هي الهيروين والحشيش والحبوب المخدرة والكريستال، مع ازدياد أعداد المستهلكين والمتاجرين بالمخدّرات سنوياً.

وتكشف 6 مصادر لفريق "أخبار الآن" الإستقصائي عن وجود عدة أساليب لإدخال المخدّرات من المعبر المذكور إلى الجانب العراقي، ومنها مع صناديق الفواكه والأجهزة الكهربائية وداخل علب السجائر ووضعها داخل لعب أطفال أو علب العصائر أو المفروشات، إلى أن تطوّر الأمر لديهم مؤخّراً بابتكار طريقة غريبة جداً وهي وضع المخدّرات داخل صناديق أفراخ الدجاج الحيّة التي تدخل منها يومياً آلاف الافراخ ومعها كميات كبيرة من المخدرات.

وتؤكد المصادر الستة وجود من 20- 25 تاجراً عراقياً يتجارون بالمخدّرات في المنطقة المذكورة، مع نحو 40 تاجراً إيرانياً في الجانب الإيراني وتحديداً في مناطق (بانه، سقز) ويخضع الأخير لإشراف الحرس الثوري الايراني.

وتؤكّد عدة مصادر مطلعة أنّ كميّات المخدرات التي يتمّ إدخالها من إيران إلى العراق عبر كردستان، تصل أحياناً إلى أكثر من 100 كلغ، مع وجود عدة طرق لإدخالها منها عبر الشاحنات والبغال والحمير وغيرها.

وتنشط عمليات التهريب في المناطق الجبلية من خلال الحمالين الذين يعبرون الحدود مشياً لساعات عبر قمم وأودية جبلية وعرة ومزروعة بالألغام، حاملين بضاعتهم التي يضعونها أحياناً داخل أجهزة كهربائية أو مواد منزلية والبضائع والأخرى.

وتسخدم مافيات المخدّرات في تلك المناطق أثناء فصل الشتاء وتساقط الثلوج واشتداد البرد سيارات ضخمة تتمتع بقوّة دفع كبيرة لعبور الأودية والتلال من دون أي مشاكل.

وتبيّن أنّ "1 غرام من المخدرات يباع من التجار الايرانيين الى التجار العراقيين بـ33 ألف تمن ايراني، الذي يعادل نحو نصف دولار، بينما الكيلو الواحد من مخدر الترامادول الذي يوضع داخل كراتين في كل واحد منها 3 كلغ يباع بـ( آلاف دولار)".

ويكشف ضابط كبير في الأمن الكردي عن اعتقال 991 متهما بتجارة وتعاطي المخدرات في عام 2023 داخل اقليم كردستان، منهم 84 تاجراً، و653 متعاطياً، و254 بائعاً إلى جانب ضبط 398 كلغ من مختلف المواد المخدرة.


في ظل كل ما ما سبق، ما هي الحلول لضبط الحدود ووقف تدمير الشباب العراقي؟

لا شك أنّ المسألة في غاية الصعوبة خصوصاً أنّ الأمر يتعلق بجعل الشباب العراقي يدمنون على المخدّرات، ومن هنا فإنّ الإمساك بالحدود أمر يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار بالدرجة الأولى، مع تشديد الرقابة ليس على المنافذ الحدودية الرسمية فقط، وإنّما بتسيير دوريات على تلك الحدود إضافةً إلى المعابر غير الشرعية، ونصب الكمائن الفعاّلة التي يمكن أن توقف عمليات إدخال وتهريب المخدّرات.

كما أنّ التوعية الفكرية للمواطن العراقي ومساعدته مسألة مهمّة، كما حثّه على التعاون من أجل الإبلاغ عن التجّار والمروّجين والمتعاطفين معهم.

أمّا على الصعيد القانوني، فذهب أعياد الطوفان إلى ضرورة صدور قوانين رادعة مثل عقوبة الإعدام، لكل من تسّول له نفسه العبث بمشتقبل الشباب العراقي، ومعاقبة التجار وناقلي تلك المواد وكذلك المروّجين، فيما يجب أن يخضع كلّ مَنْ يُراد تعينه في مناصب الأجهزة الأمنية أو الوظائف المدنية، إلى فحص دقيق لتبيان تعاطيه المخدرات أم لا.

وفي المحصّلة يجب أن يحصل تعاون كبير بين المجتمع المدني والأجهزة الأمنية كافة تحت كافة مسمياتها، بموازاة قانون رادع وقوي وصارم لاجتثاث تلك الافة التي لم يكن يعرفها العراق إطلاقا قبل العام 2003، وفق الخبراء والمراقبين