أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (غرفة الأخبار)

في الحادي والعشرين من يونيو 2017، أقدم تنظيم داعش على جريمة هزت العراق، بتدمير المسجد النوري، ذو المئذنة الحدباء بمدينة الموصل. أحد أشهر المعالم الإسلامية والتاريخية في مدينة الموصل.

الجريمة التي فشل التنظيم في ربطها بالتحالف الدولي، أصبحت شاهداً على وحشية داعش وتجاوزه كل الخطوط الحمر. إذ إنكشف الوجه القبيح للتنظيم أمام ملايين المسلمين، حين وجدوا أن داعش الذي يتحدث أنصاره طويلاً عن “حكم الله”، يستهدف بيوت الله نفسها، وينسف رموزها التي بقيت لقرون تحكي تاريخاً قاوم الصليبيين والتتار والإهمال، حتى نسفته “داعش”.

  • تاريخ عريق

في العام 568 هجرياً، بدأ نور الدين محمود زنكي مؤسس الدولة الزنكية، أحد أشهر القادة العرب الذين واجهوا الحملات الصليبية، ببناء المسجد في منطقة واسعة بمدينة الموصل، ليكون بعمارته الفريدة ومئذنته المائلة (المعروفة باسم المئذنة الحدباء)، أحد أقدم الشواهد التي تحفظ تاريخ الموصل والدولة الزنكية، ودورها في مواجهة الحملات الصليبية على الشام.

كان المسجد معلماً أساسياً لمدينة الموصل، وذكره العديد من الرحالة في كتابتهم، ومنهم ابن بطوطة وياقوت الحموي، وأبدوا إعجابهم بعمارته الفريدة وبنيانه الضخم.

ومثل مسجد النوري الكبير بملحقاته، شاهداً على فصول كثيرة من تاريخ العراق والمنطقة. فبعد دخول التتار إلى الموصل وتدميرها في 1258 ميلادية، تعرض المسجد العملاق للتخريب على أيدي المغول، لتكون المحنة الأولى التي يتعرض لها المسجد الكبير. ويقاومها وينتصر عليها.

وتوالت محاولات ترميم المسجد التاريخي، إذ أطلق حسين باشا الجليلي، حاكم ولاية الموصل في 1150 هجرياً، عملية ترميم للحفاظ على المبنى التاريخي وملحقاته، لكن يد الإهمال عادت لتطال المسجد التاريخي، ما أضطر وزارة الأوقاف العراقية في الأربعينيات لإعادة البناء وأعمال الترميم للحفاظ عليه.

  • استغلال وتفجير

في 2014، سقطت مدينة الموصل بالكامل في قبضة تنظيم داعش، وحين أراد التنظيم إعلان دولته المزعومة، وتنصيب أكبر قادته “خليفة”، لم يجد أفضل من مسجد النوري الكبير، ليعلن من منبره تولي أبو بكر البغدادي دفة القيادة.

استغل التنظيم الإرهابي المسجد التاريخي إلى أبعد مدى، لكن كل ذلك تغير فجأة. فبعد 5 سنوات، وحين اشتد الخناق على الدواعش، وبدأ العد التنازلي لإنهاء كابوس تحكمهم في الموصل، قرر التنظيم تنفيذ جريمته الأكبر.. تفجير المسجد.

وضع الإرهابيون خطة للتمويه على الجريمة، إذ حاولوا تصوير الواقعة، باعتبارها استهداف من التحالف الدولي الذي تشكل لمواجهة داعش، لمسجد تاريخي كبير. لكن التحالف سارع إلى نفي قصف المسجد، وأعلنت الحكومة العراقية أن داعش هو من نفذ الجريمة البشعة، ونسف المسجد بالكامل وهدم مناراته التاريخية، ونشرت السلطات العراقية مقطع فيديو يوضح تفاصيل جريمة الدواعش في بيوت الله.

العبادي: تفجير داعش لمنارة الحدباء ومسجد النوري إعلان رسمي لهزيمتهم

  • نهاية الوهم

لم يكن مسجد النوري الكبير، إلا جزء من سلسلة من جرائم التنظيم تجاه بيوت الله، نفذها في سوريا والعراق ومصر، إذ استهدف المساجد حتى والمصلين داخلها ليقتل المئات في عدة دول بذرائع مختلفة.

لكن المختلف في واقعة مسجد النوري بالموصل، أن التنظيم قرر نسف “لحظة البداية”، فذات المكان الذي انطلقت منه خلافته المزعومة، أصبح حطاماً، ولم يمر وقتٍ طويل، حتى أصبح داعش نفسه وهماً تبدد بعد حملة عسكرية واسعة أطلقتها القوات العراقية لتطهير الموصل ومناطق تمركز التنظيم.

ولم يختلف مصير “خليفة تفجير المساجد” عن مصير تنظيمه الذي تداعى. إذ أجبرت الملاحقات الأمنية البغدادي، على الهروب من إلى شمال سوريا، لترصده الطائرات الأمريكية، ويموت قتيلاً في السابع والعشرين من أكتوبر 2019.

ترامب يؤكد مقتل البغدادي في عملية خاصة للقوات الأمريكية

  • مبادرة التعمير

اعتبرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، أن تفجير مسجد النوري في الموصل “جريمة بشعة” ضد أثر تاريخي بارز. فيما أعلنت دولة الإمارات إطلاق مبادرة بالشراكة مع اليونيسكو، لإعادة بناء المسجد التاريخي، تحت شعار “إحياء روح الموصل”.

https://twitter.com/MosulEye/status/1274635403446845441

بناء جامع النوري القديم في الموصل يدخل المرحلة الثانية

ومن بغداد، أعلنت الإمارات على لسان وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية، نورة الكعبي، إطلاق مشروع إعادة بناء وترميم مسجد النوري الكبير ومئذنته الحدباء، ليكون المشروع الأضخم من نوعه في العراق، بالشراكة مع منظمة اليونيسكو ووزارة الثقافة العراقية، والمركزي الدولي لدراسة صوت وترميم الممتلكات الثقافية “إيكروم”. وخصصت الإمارات للمشروع بـ 50 مليون دولار.

أكثر من 50 مليون $ لإعماره.. قصة مسجد النوري كاملة (صور)

ولم تقتصر المبادرة الإماراتية على بناء المسجد التاريخي الكبير وترميميه وصيانته، لكنها امتدت أيضا لإعادة بناء كنيستي الساعة والطاهرة، بهدف “نشر الأمل وتعزيز التلاحم الاجتماعي بين أنباء الموصل.

وقالت نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات “وام” إن إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء يحمل بين طياته السلام والتعايش في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والثقافات.

وتابعت الوزيرة الإمارتية أن مشاهد جامع النوري بعد استهدافه من تنظيم “داعش” الإرهابي تسببت في ألم للجميع لاسيما أهالي الموصل في العراق الذين فقدوا معلما يمثل روح مدينتهم العريقة فجاءت مبادرة دولة الإمارات بالعمل على إعادة بناء هذا المعلم التاريخي والثقافي العريق.

وأكدت أن المشروع يستثمر بشكل أساسي في مهارات وقدرات الشباب الموصلي حيث أطلقنا بالتعاون مع منظمة الإيكروم برنامجا تدريبيا لبناء قدرات 100 شاب عراقي في مجالات الاثار والعمارة والحرف اليدوية.

(مصدر الصورة: وام)

للمزيد: 

جامع النوري ومنارته الحدباء.. صمد 844 عاماً ونجا من المغول فدمره داعش