مقتل مهسا أميني على أيدي الشرطة الإيرانية أشعل تظاهرات مناهضة للنظام في كل المناطق الإيرانية. والرصاص الحي لم يردع الإيرانيين من مواصلة تحركاتهم المطالبة بإسقاط نظام الملالي. فماذا تقول مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؟

  • قمع النظام الإيراني للمرأة وقتلها جهاراً يعود للعام 1979 مع إستيلاء الخميني على الحكم
  • في العام 2009 فضح قتل الصحافية ندى آغا سلطان استبداد النظام الإيراني أمام العالم
  • مفوضية حقوق الإنسان لأخبار الآن: نوثق ارتكابات النظام الإيراني ونطالبهم الكفَّ عن استهداف النساء

مهسا أميني، الشابة الإيرانية البالغة من العمر 22 عاماً التي قضت يوم الجمعة 16 سبتمبر، بعد دخولها في غيبوبة على وقع الضرب المُبرح الذي تعرضت له من قبل عناصر تابعة لما يُعرف بـ “شرطة الآدب” الإيرانية،  ليست المرأة الإيرانية الأولى التي تُقتل على أيدي الدولة جرَّاء شكل الحجاب الذي ترتديه، وقد لا تكون الأخيرة فيما يواصل النظام الإستبدادي الحاكم البطش وكلّ أنواع الجرائم المعروف منها والمستور. إلا أنَّ الجريمة التي ارتُكبت بحق أميني لا زالت تداعياتها تتوالى فصولاً وسط خروج الإيرانيين عن صمتهم ضد الظلم والفقر والسياسات الحكومية التي اختارت التدخل في شؤون عدد من العواصم العربية ودخولها كالاخطبوط لإفسادها الحكم فيها، عوض معالجة شؤون المواطنين الذين يعانون الفساد المستشري الذي وضع إيران ضمن قائمة الدول الحمراء أي الأكثر فساداً بحسب منظمة الشفافية الدولية، بالإضافة إلى اضطهاد  السلطة بنظامها الديكتاتوري المستبدَّ الذي استولى على الحكم منذ عام 1979 ونَكَّل بكل الإيرانيين.

لذلك، يرى مراقبون أن قتل مهسا أميني شكَّل شرارة لن تنطفئ هذه المرة مع تفاقم موجات القمع واشتداد الفقر والعوز، وبالفعل على الرغم من مواجهة السلطات الايرانية للاحتجاجات بالقوة وفتح النار على المتظاهرين، إلا أنَّها استمرت أكثر عزماً رغم مقابلتها بالسلاح، لتصل إلى أكثر من 15 مدينة إيرانية من ضمنها مدينة قم الواقعة في جنوب غرب طهران، مسقط رأس المرشد علي خامنئي الذي أُحرقت صوره وطالته هتفات آلاف المتظاهرين في كل المدن الذين هتفوا “الموت للديكتاتور – الموت لخامنئي”.

من ندى آغا سلطان العام 2009 إلى مهسى أميني العام 2022.. إيران تواصل جرائمها

محتجون يحرقون صور قيادات النظام الإيراني إحتجاجاً على قتل مهسا أميني – 21 سبتمبر 2022

من ندى آغا سلطان إلى مهسا أميني

فيما تسعى دول العالم إلى تمكين المرأة في مختلف المجالات وتعمل الحكومات جاهدة لتعزيز حضورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حيث نجدها تتألق في سماء المال والأعمال والفن والأدب والسياسة، إلّا أنّ تلك النهضة النابعة من الإيمان بحقوق الإنسان والتي طالت معظم دول العالم، لم تحط في إيران أبداً، حيث مازالت المرأة الإيرانية تعاني انتهاك أبسط حقوقها ليصحَّ القول إنّ المرأة الإيرانية في حالة استبداد عارم وقمع متواصل من قبل السلطات الإيرانية منذ قيام الثورة الإيرانية إلى اليوم. وهذا ما تؤكده منظمة العفو الدولية (Amnesty International) التي أعلنت في تقرير لها أنَّ إيران هي أخطر دولة للمرأة بحيث لا مكان أخر يقتل فيه عدد أكبر من النساء وفقاً لإحصاءاتها، وذلك يعود لطبيعة النظام القائم على التحيز الجنسي ضد المرأة.

من ندى آغا سلطان العام 2009 إلى مهسى أميني العام 2022.. إيران تواصل جرائمها

مهسا أميني تضاف إلى قائمة الإيرانيات اللواتي قضين جراء عنف النظام

مهسا أميني، أُضيفت اليوم إلى قائمة الإيرانيات اللواتي قضين جراء عنف النظام، لكن فعلياً هي ليست السيدة الإيرانية الأولى التي تواجه ذلك المصير المشؤوم قبلها المئات من الإيرانيات، منهنَّ ندى آغا سلطان (Nada Agha Sultan)، صحافية إيرانية قُتلت في يونيو العام 2009 إثر إصابتها بطلقٍ ناري في الصدر من مسافة قريبة بالقرب من تظاهرة وذلك أثناء عودتها إلى سيارتها خلال الإحتجاجات على النتائج المزورة للإنتخابات الرئاسية الإيرانية العام 2009. ندى كانت تبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً وحينها شكّل وفاتها صدمةً إنسانيةً لتصبح رمزاً للمتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والمناهضين للنظام الإستبدادي في إيران حيث أُطلق النار عليها برصاص قناص يرتدي ملابس مدنية، بعد أن كان علي خامنئي قد أعطى  الإشارة الخضراء للحرس الثوري، وقوات أمن الدولة في اليوم السابق من التظاهرات لسحقها وقمع المتظاهرين.

انتشر المقطع القصير من اللحظات الأخيرة لندى آغا سلطان المسجل على هاتف محمول، والذي وثَّق بربرية الحكم الإيراني بأجهزته الأمنية والسياسية والعسكرية وتحول وجه ندى التي قضت بعيون مفتوحة إلى رمز لانتفاضة الشعب الإيراني ضد حكم الملالي القمعي ودقَّ نقوس الخطر حول حقيقة ما يجري في إيران.

 

من ندى آغا سلطان العام 2009 إلى مهسى أميني العام 2022.. إيران تواصل جرائمها

مكتب مفوض حقوق الإنسان يطالب إيران بتحقيق شفاف

من ندى آغا سلطان العام 2009 إلى مهسا اميني العام 2022 وما بينهما، الجريمة نفسها يرتكبها النظام الإيراني علناً وفي وضح النهار، والتوقعات، مع الأسف، أن لا تكون مهسا أميني أخر ضحايا النظام الإيراني الذي له تاريخاً أسوداً حافلا بقتل النساء في شتى الطرق.

في ذلك السياق، قالت المتحدّثة باسم مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة رافينا شمدساني (Ravina Shamdasani) في مقابلة خاصة مع أخبار الآن حول مقتل الشابة مهسا أميني، “قد عرفنا أنّه تمّ اعتقال أميني وضربها وضُرب رأسها بالسيارة على يد ما يعرف بشرطة الأخلاق، ونتيجة لذلك فارقت الحياة، بعد أن كانت قد دخلت إلى المستشفى، إلا أنَّ السلطات قالت إنّها توفيت لأسباب طبيعية نتيجة نوبة قلبية، لكن في العديد من إفادات الشهود التي سمعناها تناقض ذلك القول مع الواقع، ونحن قلقون جدّاً من أنّ إدعاء العنف ضدّها قد تمّ رفضه بسهولة جدّاً من قبل السلطات”.

وأضافت شمدساني، “نطالب بتحقيق حيادي في حادثة موتها، فنحن رأينا السجلات الطبية التي تقول إنّ الرأس تعرّض للضرب، ونحن نعرف أنّ ذلك يناقض الإدعاءات الرسمية التي تقول إنّها توفيت نتيجة أسباب طبيعية، وهناك أيضاً ادعاءات عائلتها وأشخاص آخرون كانوا برفقتها وأقاربها”, موضحة أنَّ مكتب مفوض حقوق الإنسان لا يستطيع التحدّث عن كل التفاصيل التي لديه في السياق ولا الإشارة إلى مصادره التي تؤكد موت أميني على يد القوات الرمسية وذلك خوفاً على حياتهم.

شمدساني دعت إيران عبر أخبار الآن الإلتزام بالمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية انطلاقاً من واجبها بذلك، ويكون ذلك عبر تحقيق شامل ونزيه مع الإشارة إلى كون ذلك مطلب المتظاهرين الذين يتظاهرون منذ مقتل مهسا أميني، لكنَّ شمدساني استدركت قائلةً “لسوء الحظ ما رأيناه في السابق يظهر لنا بأنَّه على الرغم من صدور بيانات تؤكد اجراء تحقيقات إلا أنَّ ذلك لم يحدث”.

الأمم المتحدة تدين النظام الإيراني بسبب قتل أميني

شمدساني أكَّدت لـ أخبار الآن العمل الذي يقوم به مكتب مفوضية حقوق الإنسان حول الواقع في إيران، متحدثة عن التقارير الدورية التي يصدرها المكتب تعليقاً على الانهاكات التي تسجلها السلطات الإيرانية الرسمية بحق المواطنين في ما يخص حقوق الانسان. وعن حالة مهسا أميني قالت شمدساني “أردنا أن نتحدث فوراً وأن لا ننتظر كتابة تقرير ولذلك أصدرنا ذلك البيان الصحافي من القائم بأعمال المفوض السامي لحقوق الإنسان،و الذي ندين فيه أعمال العنف ونطالب بتحقيق وبإعادة النظر بتلك القوانين المتعلّقة بالحجاب الإجباري، كما نطالب السلطات بالتوقّف عن مضايقة واعتقال واستهداف النساء اللواتي لا يلتزمن بتلك القوانين، والنساء اللواتي يرفضنها، والنساء اللواتي  يتظاهرن ضدّها، إذاً بدلاً من كتابة تقرير محدّد حول ذلك الموضوع، شعرنا أنّه من المهم إصدار نداء عاجل على شاكلة بيان صحفي”.

ورداً على طرح أخبار الآن الذي قضى بإبلاغ شمدساني أنَّ هذه الحالة ليست الأولى من نوعها لمعرفة المعلومات التي لدى الأمم المتحدة في هذا الإطار قالت شمدساني، “نعم، إنّها ليست أوّل حادثة قتل لكن أيضاً تلك ليست أوّل حالة تُعاقب فيها النساء بسبب الحجاب، حصلت حادثة أخرى مع سابيدي راشنو (Sepideh Rashno)عمرها 28 عاماً وهي كانت فنانة ومحررة وقد تمّ اعتقالها في شهر يوليو هذه السنة، وكما فهمت هي أيضاً أُدخلت إلى المستشفى بينما كانت في عهدة الدول، مما يدل أيضا إلى أنَّها تعرضت لمعاملة سيئة، ليتمّ إطلاق سراحها بكفالة مالية في 30 أغسطس من هذا العام، وهي تنتظر محاكمتها”.

أضافت شمدساني “هذه قضية رمزية أخرى عن تعرّض النساء للمعاقبة بسبب قوانين لا يجب أن تكون موجودة أساساً لأنَّ اعتبار اختيار إمرأة لزي ما جريمة، أمرٌ غير مقبول، لذا نحن نمارس الضغط علناً كما تحدثنا بشكل خاص مع السلطات حول تلك المواضيع، والآن الشعب الإيراني نزل بشجاعة إلى الشارع ويتظاهر ضدّ ما حدث، ونحن نطلب من السلطة الإستجابة لتلك المطالب”.

 

من ندى آغا سلطان العام 2009 إلى مهسى أميني العام 2022.. إيران تواصل جرائمها

وأكَّدت شمدساني أنَّ مكتب مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يُوثّق كل الإنتهاكات التي تقوم بها السلطات الإيرانية بحق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص، ولفتت إلى أنَّ تلك الانتهاكات في تزايد كبير إذ قالت “فى السنوات الأخيرة خصوصاً في الأشهر الأخيرة، لاحظنا أنّ العنف قد ازداد في تطبيق القوانين المتعلّقة بإلزامية الحجاب، رغم أنّ تلك القوانين موضوعة منذ زمن طويل، وهناك قوانين تحدّد ما الذي يجب أن ترتديه النساء وهن في سيارتهن، وهناك قانون وضع قيد التنفيذ يفرض على النساء دفع مخالفة في حال عدم وضعهن الحجاب في السيارة أيضاً، تلك هي الأمور التي نوثقها، مشاكل سياسية، مشاكل قانونية والقضايا الرمزية”.

شاهدوا أيضاً:  ستيفن مكجاون.. 6 سنوات مع القاعدة