يفقدون حياتهم في البحر والغابات مخاطرين بكل شيء في سبيل الوصول إلى أوروبا

يستغل تجار البشر أوضاع المهمّشين والفقراء فيصطادونهم مؤخراً عبر منصات وسائل التواصل الإجتماعي مستغلين نقاط ضعفهم وأحلامهم بالهجرة إلى مجتمعات آمنة ومستقرّة في أوروبا، فيروّجون لرحلات الهجرة غير الشرعيّة، يصفونها بالآمنة والمريحة ويقولون إنها تتحقّق بأسرع الطرق وأقل التكاليف.

ويبدو أن منصة Tik Tok هي إحدى تلك المنصات التي يستغلها المهرّبون حالياً، فالمنصة تحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور الأصغر سناً ويستخدمها أكثر من 800 مليون شخص حول العالم.

يتباهى المهرّبون عبر إعلاناتهم على المنصة أنهم “ملوك الطرق”، ويمكن مشاهدة الحشود البشرية التي تستفيد من خدماتهم بوضوح بعد الترويج لإعلاناتهم عبر المنصة. فما مدى صحة الوعود التي يطلقها ملوك الطرق؟ وهل بإمكان المهاجر الوثوق بها؟

تواصل فريقنا الاستقصائي مع عدد من حسابات المهرّبين على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة Tik Tok تحديداً، وتواصل متخفياً بالمهرّبين لمعرفة السبل التي يقومون عبرها بتهريب الناس، كما قام بالتدقيق بالفيديوهات التي تُغرق تلك المنصات عارضة طرق التهريب التي تصوّر موضوع الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي وكأنه شيء مضمون وسهل للغاية.

وبحسب مشاهدات فريقنا الإستقصائي طوال ثلاثة أشهر، لجأ مهربو البشر بشكل متزايد إلى تطبيق Tik Tok للإعلان عن خدماتهم التي تشمل “السفر بلا حدود” مقابل 3000 دولار أميركي، حيث يمكن لأحدهم اصطحابك إلى اليونان؛ البوابة الرئيسية لأوروبا.

وتستعرض المقاطع الترويجيّة المنشورة على المنصة من قبل المهرّبين، قدرتهم على اختراق الحدود مؤكدة للعملاء المحتملين بأن وصولهم إلى أوروبا سيكون سهلاً.

فيديوهات تشير بشكلٍ واضح الى تزايد نشاط المهرّبين في تشجيع المهاجرين على المخاطرة بحياتهم وربما فقدانها.

ويكشف تلفزيون الآن عبر هذا التحقيق الإستقصائي استغلال المهرّبين لمنصة Tik Tok لترويج خدماتهم أو الإعلان عنها وتسهيلها، فهل يسهّل استغلال هؤلاء للمنصة فعلاً عمليّات التهريب والإتجار بالبشر واستغلالهم؟

تعلن عشرات الحسابات أسبوعياً عبر تطبيق Tik Tok عن رحلات إلى تركيا واليونان براً وبحراً مقابل 3000 دولار أميركي. وقد أغرت تلك الفيديوهات وغيرها بلال بيوش، وهو ناشط وصحافي في عقده الثاني، مع حوالي 25 شخصاً بشق طريقهم في البحر عبر قارب مطاطي دفعوا ثمنة آلاف الدولارات الأميركيّة بهدف الوصول إلى جزيرة رودس اليونانيّة.

محطتهم الأولى كانت في بحر إيجه غير أن قاربهم المطاطي الذي حصلوا عليه من المهرّب، علق وسط البحر بدون محرّك وبدون أي وسيلة تمكّنهم من النجاة.

وقد قال بيوش لفريق العمل أثناء تعرقل الرحلة في البحر “نحن هنا منذ ساعتين في وسط البحر، وننتظر خفر السواحل التركي أو أي جهة يمكن أن تساعدنا وتنفذنا لأن الموج بات عالياً ومعنا أطفال ونساء في القارب، بجانبا يخت ونحاول أن نطلب منه مساعدتنا… نحن ننتظر حتى الآن أي جهة يمكن أن تنقذنا مما نحن فيه”.

يرسل المهربون إلى الراغبين بالسفر فيديوهات تشير إلى أن طريقهم سيكون سهلاً وعبر “يخت سياحي”، والطريق المعتمد الأكثر شهرة هو طريق شرق المتوسط والذي يقع بين تركيا والجزر اليونانيّة في بحر إيجة.

يحاول المهرّبون بعث الطمأنينة بالمهاجرين، فينشرون فيديوهات دعائية يدّعون فيها وصول مهاجرين غير شرعيين إلى الجزر اليونانية، إلاّ أن عشرات اللاجئين الذين التقينا بهم في مناطق جغرافية مختلفة أكدوا وقوعهم ضحية للمهربين خصوصاً وأنه تم وضع عشرات اللاجئين في قوارب مطاطية يبلغ طولها بضع أمتار، مصمّمة في الأساس لنقل 10 أشخاص بأمان كحد أقصى.

ومن بين هؤلاء الضحايا بيوش الذي أشار إلى وجود عدد من القوارب إلى جانبهم “ولكن لا نعلم إذا كان هؤلاء من خفر السواحل، ثمّة طفلة في القارب مع أمها لقد تمت احاطتنا لكن لم يأتي أحد لمساعدتنا”.

معاناة الهاربين

ازداد عدد الراغبين بالسفر بطرق غير شرعية إلى أوروبا بفضل الفيديوهات التي يتمّ ترويجها من قبل مهرّبي البشر، وهو ما شجع هؤلاء إلى دفع المزيد من القوارب إلى مساحات شاسعة من البحر المتوسط وقد حمّلوها بضعف قدرتها، ما يعرّض طالبي اللجوء في البحر على متن تلك القوارب إلى مخاطر تودي بحياتهم وتقودهم للموت.

يشرح المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي محمد أبو شرفو مسألة استغلال المهرّبين لوسائل التواصل الإجتماعي مشيراً إلى أن “مهربي البشر أو أصحاب عمليات الاحتيال يستفيدون من الإنتشار الواسع لوسائل التواصل الإجتماعي ووصولها إلى كل فئات المجتمع.

تقدّم شبكات المهربين مجموعة من الخدمات التي تساعد المهاجرين في الوصول إلى مقصدهم في إحدى الدول الأوروبيّة بطريقة غير مشروعة مقابل مبالغ ماليّة

ففي الفترة الأخيرة بدأ مهربو البشر باستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي لرحلاتهم غير الشرعية لتركيا أو أوروبا، وباتوا يركزون مؤخراً على Tik Tok بسبب الرقابة الضعيفة على ذلك التطبيق إذ لا يوجد قيود ممكن أن تحدّ من استخدامه أو أن تميز بين الفيديو الطبيعي أو الفيديو الذي يحتوى على انتهاكات.

هذا الشيء أدى الى سهولة استخدام المنصة من قبل المهربين الذين اعتمدوا عليها بشكل رئيسي لعمليات الترويج الخاصة بهم. وإن أي محتوى يواجه قيوداً لنشره على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي يمكن مشاهدته على Tik Tok وذلك لعدم وجود قيود”.

وتقدّم شبكات المهربين مجموعة من الخدمات التي تساعد المهاجرين في الوصول إلى مقصدهم في إحدى الدول الأوروبيّة بطريقة غير مشروعة مقابل مبالغ ماليّة.

ويتمّ عرض تلك الخدمات عبر وسائل التواصل الإجتماعي ومنصة  Tik Tokوذلك في محاولة لجذب المزيد من الراغبين باللجوء وتحقيق مكاسب ماليّة من قبل المهرّبين مستغلين أوضاع الراغبين بالهروب الإجتماعيّة والإنسانيّة.

تلك الأوضاع هي نفسها التي جعلت بيوش يلجأ إلى المهربين إذ أكد أنه قرّر “الذهاب إلى أوروبا بعد أن ساءت الأوضاع كثيراً في مدينتي كفربنل فبعد أن سيطر عليها النظام لم يعد في استطاعتي البقاء، فمكثت في المخيمات وكنت أفكّر كثيراً بطريقة أصل فيها إلى أوروبا. وبما أنني ناشط على وسائل التواصل الإجتماعي فقد رأيت مقاطع فيديو تقول أن الطريق جيد فانتظرت لم شمل عائلتي وتشجعت كتيراً للذهاب ورفاقي شجعوني أيضاً عندها قررت أن أهاجر لتأمين مستقبلي ومستقبل أولادي”.

الهاربون من أزمات بلدانهم يقعون فريسة لتجار البشر

وأضاف “تقررت الطلعة إلى أوروبا في بداية الشهر الثامن وكان الطريق في بدايته صعب، وكان من المقرر أن أصل إلى تركيا وأكمل من هناك الى أوروبا عبر التهريب. كانت الصعوبة والمشقة كبيرة، وكان هناك الكثير من التشدّد من قبل الحرس التركي فقد مات البعض على الحدود بسبب إطلاق حرس الحدود التركي النار على طالبي اللجوء. ومع ذلك كنت أعيد مشاهدة الفيديوهات وكنت أرى أن ثمّة أشخاص قد وصلوا بالفعل وهناك من تمكنوا من العبور وهو ما شجعني مجدداً على خوض تلك التجربة. استغرقت الرحلة أكثر من ١٦ ساعة وكنت خائفاً من أن يتم إلقاء القبض علينا في أي وقت. الحمد لله أنني تمكنت بعد رحلة شاقة من الوصول الى انطاكيا في تركيا”.

تحقيق الأرباح على حساب الأرواح

رغم نفي المهرّبين تعريض حياة المهاجرين للخطر إلا أن عمليات إرسال المهاجرين بطرق غير شرعية تعرّضهم إلى مخاطر كثيرة، من بينها غرق القوارب بسبب الوزن، أو جعلهم يسيرون في طرق جبلية شاقة ووعرة بدرجة حرارة منخفضة ما قد يسبّب الموت لبعضهم كما حصل مع عدد من اللاجئين في طريقهم للعبور باتجاه أوروبا.

تجار البشر

وقد أوضح جيان، أحد المهرّبين الذين يستغلون تطبيق Tik Tok للترويج للرحلات غير الشرعيّة أنه يستخدم Tik Tok “للترويج لعملي في التهريب إذ ساعدني التطبيق في زيادة أعداد الزبائن. نحن نقوم بتصوير الطرقات وتصوير وصول الناس الى تركيا واليونان ونعمل على دمج تلك الفيديوهات ونشرها كي يصدق الزبون بشكل أكبر. كنا في السابق نعتمد على الفيسبوك لكن نتيجة الرقابة الشديدة التي فرضها التطبيق وبسبب عمليات الحظر اضطررنا لنقل نشاطنا الى برنامج الـTik Tok ذو الرقابة الأقل”.

وفي آلية تنفيذ عملية التهريب، يقوم المهرّب الأساسي بتوظيف وسطاء لجذب الأشخاص الذين يريدون الذهاب إلى أوروبا بشكل غير شرعي، ويستفيد المهربين من عمل الوسطاء أو ما يعرف بالسماسرة لجذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص عبر نشر فيديوهات بشكل شبه يومي على منصات وسائل التواصل الإجتماعي.

وعندما تنظم السلطات حملات أمنيّة، غالباً ما يتم القبض على الوسطاء، وبالتالي ثمّة صعوبة في الوصول إلى المنظمين الرئيسيين.

ويقول المحامي والخبير القانوني المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء زكريا الميلاجي إن عملية صيد الضحايا تتم غالباً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي “استطاع المهربون استخدام تلك الوسائل بشكل ذكي وخبيث إذ يقوم هؤلاء عبر جهات مجهولة المصدر بنشر فيديوهات من أجل صيد الزبائن عبر المنصات الأكثر تفاعلاً وشهرة.

ففي السابق مثلاً كانوا ينشرون الفيديوهات على فيسبوك عبر مجموعات كانت تدّعي أنها تساعد اللاجئين على الوصول إلى أوروبا بشكل سهل، ومؤخراً ظهر تطبيق Tik Tok الذي انتشر بشدة بين فئة الشباب، فأصبحت تلك الشبكات تعمل على نشر وبث فيديوهات ترويجيّة بين فئة الشباب وتدّعي أن تلك الفيديوهات ترشدهم إلى كيفيّة الوصول الى أوروبا وهي بلاد الأحلام بالنسبة للاجئين الهاربين من الحروب والفقر في بلادهم”.

المهرّبون يعتمدون على كسب ثقة الاشخاص الراغبين بالهروب إلى أوروبا ويستغلون الفيديوهات كوسيلة إقناع

وأضاف “إن هذا الاستغلال لشبكات التواصل الاجتماعي ليس استخدام عشوائي إنما هو استخدام منظّم ومدروس، وفي الغالب ثمّة جهات هي بمثابة اليد الخفية التي تدير عملية تهريب البشر وبث الأفكار المتعلقة بتهريب الضحايا أو الناس المستهدفين”.

وتلتقي تصاريح الميلاجي مع ما يقوله خبراء حقوقيّون عن أن صفحات مهربي البشر على وسائل التواصل الإجتماعي ومنصة Tik Tok هي النافذة التي تطل من خلالها عصابات شبكات التهريب على المجتمع، وإن عملهم ينموا بشكل يومي بسبب استغلالهم لوسائل التواصل الإجتماعي متجاهلين كل الأرقام المخيفة عن حوادث الغرق والموت في طرق اللجوء غير الشرعي حيث وثقت منظمة الهجرة الدوليّة عدد حالات الوفاة المسجّلة بين المهاجرين منذ العام 2014 إلى اليوم، بأكثر من 45 ألفاً و400 حالة وفاة.

ويقول شرفو إن “المهرّبين يعتمدون على كسب ثقة الاشخاص الراغبين بالهروب إلى أوروبا ويستغلون الفيديوهات كوسيلة إقناع، فيتم تصوير أشخاص قد يكونوا تابعين لهم، فيقولون إنهم وصلوا الى أوروبا بخير وسلامة. عندما يرى الراغبين بالسفر تلك الفيديوهات يقتنعون فيقومون بالتواصل مع المهرب”.

وأضاف “إن المهرّبين يعتمدون على منصات وسائل التواصل الإجتماعي لكسب المزيد من الزبائن. كانوا في السابق يعتمدون على التواصل الشخصي أما اليوم فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يساعدهم في الوصول إلى عدد كبير من الزبائن وبالتالي تلك هي الحيلة التي يستخدموها”.

نظام العمل ضمن شبكات التهريب

في نهاية شهر نوفمبر الماضي، طالبت فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا باتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد عصابات تهريب الأشخاص، وطالبت المسؤولين عن منصات التواصل الإجتماعي “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تويتر” و”تيك توك” بإزالة المنشورات ومقاطع الفيديو التي تروّج لعمليّات التهريب لأنها قد تساهم في تشجيع المهاجرين على المخاطرة بحياتهم وربما فقدانها. وعلى الرغم من تلك المطالب، لا تزال الفيديوهات الدعائيّة تعرض على وسائل التواصل الإجتماعي لليوم كوسيلة لإقناع المستخدمين بأن الرحلات التي ينظمها المهربون آمنة ومضمونة.

ويقول ميلاجي إن “مسألة تهريب البشر من بلدان بعيدة إلى غرب أوروبا مسألة أكبر من أن يقوم بها شخص واحد مهما بلغت إمكانيات ذلك الشخص. ففي الواقع تقوم تلك العملية على شبكات متخصّصة وهي شبكات مترابطة ومنظمة. يتولى بعض أعضائها الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي لاصطياد الضحيّة ومن ثم يتم إحالة الضحية إلى المرحلة الثانية المرتبطة بالتنسيق والاتفاق وبحث الأجور وهنا يتولى تلك المرحلة آخرون ضمن الشبكة. وبعد أن يتم الإتفاق ثمة جهة عليا تضمن الحقوق المالية من أجل آلية دفع المبلغ وتسليمه. لكل مرحلة من تلك المراحل أشخاص متخصصين يقومون بتنفيذها وهي في الحقيقة حلقة متكاملة لا يمكن لشخص واحد بحال من الأحوال أن يقوم بتنفيذها”.

يمكن للاجئين أن يعثروا على مواقع التواصل الإجتماعي على ما يحتاجون لمعرفته من خلال الفيديوهات المنشورة، يمكنهم الإطلاع على كل شيء حتى الأسعار والعمولات والرشاوى التي سيضطرون لدفعها في رحلتهم المحفوفة بمخاطر جمّة من الغرق في البحر إلى الإختناق في شاحنة مقفلة.

ويقول المهرّب جيان “ثمّة طريق مثلاً تكلف ألف دولار وهي طريق غير مضمونة تسلك طريق السياج الحدودي والجدار، إن نتيجة المحاولات التي من الممكن أن يقوم بها الزبون قبل النجاح غير معروفة. أما الطريق الثانية فهي أكثر أماناً من الطريق الأولى وتكلف 2500 دولار للشخص الواحد. تكون المرحلة الأولى من سوريا إلى تركيا ومن بعدها يتم نقل الزبون من تركيا إلى اليونان وتحدد التكلفة بحسب عدد أفراد العائلة فكلما زاد العدد قلّت التكلفة على الشخص الواحد. ونحن لا نستلم أي مبلغ من الزبون قبل وصوله الى الجهة المحدّدة وذلك بضمانة طرف ثالث”.

إن وصول تلك الفيديوهات إلى شريحة كبيرة من المهاجرين وتأثيرها بهم، جعل المهرّبون ينشرون أيضاً الكثير من الإجابات على استفسارات الراغبين في ركوب قارب يعبر بهم إلى اليونان أو معرفة تفاصيل عن أفضل المناطق لعبور الحدود إلى عمق الإتحاد الأوروبي في مسعى لإغراء المهاجرين، متجاهلين كل المخاطر التي قد تلحق بهؤلاء نتيجة سلوكهم الطرق غير الشرعية.

ويقول أبو شرفو “لمس المهرّبون وصولاً قوياً للراغبين بالهجرة عبر منصة Tik Tok، فمن الممكن مثلاً للمهرب أن ينشر فيديو عن التهريب اليوم ليجد في اليوم التالي أن الفيديو قد حصد حوالي مليون مشاهدة ومن الصعب جداً تحقيق ذلك الرقم على انستغرام و فيسبوك وبالتالي بات المهربون يلجأون إلى Tik Tok للوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص وكسب ثقتهم متغاضين عن عمليّات التهريب التي تؤدي معظمها لوفاة الأشخاص الذين يذهبون في طريق التهريب”.

يستغل المهربون إذاً تطبيق Tik Tok للإعلان عن خدماتهم، في وقت أصبح فيه البحر المتوسط وجهة لكثر من اللاجئين الراغبين في اللجوء إلى أوروبا، وذلك بعد تشديد دول الاتحاد الأوروبي الإجراءات على حدودها البريّة، وعقدها اتفاقيات من شأنها الحدّ من تدفّق اللاجئين.

ويخبر محمد قزموز عن تجربته وهو شاب حاول الوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية بعد مشاهدة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، “بما أنه ما من طريقة شرعيّة للوصول إلى أوروبا، حاولنا الخروج بطريقة غير شرعية عبر الحدود الى تركيا وشاهدنا إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفيسبوك. تواصلت مع أشخاص عبر الماسينجر فشرحوا لي أنه يمكنهم إدخالي الى تركيا وقالوا لي إن الطريق سهل فكان العرض مغري والأسعار رخيصة. لكن الواقع كان مختلفاً تماماً وبقينا أسبوعاً على الحدود تحت الخطر إذ كان ممكن بأي لحظة أن نفقد حياتنا بسبب استغلال المهربين لنا وتعبئة جيبوهم فقط من المال واستغلال الناس”.

وقد علّق محمد بدوي المتخصص بالصحة النفسية على ذلك مشيراً إلى أنه “عندما يقوم البعض بنشر النجاح وتغطية الفشل فتلك وسيلة ترويجيّة فيها شوائب وتدلّ إلى أن الإنسان الذي يقوم بها هو شخص سيئ الاخلاق. المهربون ينشرون حالة النجاح اللي حصلت والتي قد تحصل لكن يا ترى ألم يخطر في بال الشخص الذي يشاهد الفيديو كم من أشخاص قتلوا أو تم تعذيبهم أو دخلوا إلى السجون نتيجة فشل محاولة التهريب؟”.

الهاربون من أزمات بلدانهم يقعون فريسة لتجار البشر

لا تتّسع ذاكرة طالبي اللجوء خلال السنوات الخمس الماضية لقصص عن حقائب سفرهم بعد أن تحوّلت معاناتهم مع قوارب النجاة إلى هلاك مدمّر بسبب تلاعب المهرّبين بمصائر الصاعدين إليها.

ويقول بيوش “طبعاً عندما وصلت إلى اسطنبول تحدثت مع أكثر من مهرب كي أتمكن من الذهاب إلى أوروبا، أحد المهربين قال لي إنني سأكون في النمسا خلال 10 أيام فتفاءلت ورحت أشاهد الفيديوهات التي تشير بشكل واضح إلى أن من يأخذ الطريق يصل، وطبعاً يطلب المهربين كل تلك الفيديوهات من الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى أوروبا”.

وأضاف “الجميع كان يقول إن الطريق ممتاز وسهل، ولكنه لم يكن كذلك للأسف فلم يكن سهلاً أبداً وكان خطراً. بقيت 5 أشهر في تركيا أحاول دون جدوى وفي النهاية خرجت في طريق البحر وهي طريق شاقة وصعبة جداً. وصلت الى جزيرة رودس وتمت إعادتي الى تركيا عبر قارب مطاطي فكان الموج عالي وتمكنت من تخبئة هاتفي بعدما صادر خفر السواحل اليوناني كل هواتفنا فتواصلت مع عدد من الجهات من أجل إنقاذنا. وقد وصل خفر السواحل التركي بعد حوالي ساعة وربع وأخذنا. وفي المحاولة الثانية تم إلقاء القبض علينا وسط البحر من قبل حرس الحدود اليوناني وقد تمت إعادتنا إلى المياه الإقليمية وتمكنت في تلك المرة أيضاً من مناشدة خفر السواحل لإنقاذنا وكان الموج عالياً جداً ومعنا أطفال”.

تعقّب المجرمين والضحايا مسألة غير سهلة!

تواصل فريق التحقيق مع قسم الفيديو والمحتوى الإبداعي لدى منصة Tik Tok في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإعطائه حق الرد، غبر أن المتحدث الرسمي للمنصة رفض إجراء مقابلة مصوّرة مع فريق التحقيق الاستقصائي واكتفى بإرسال ردّ رسمي يشير إلى أن الشركة تمنع تصوير الأنشطة الإجرامية أو الترويج لها أو تسهيلها، بما في ذلك الإتجار بالبشر واستغلالهم أو تهريبهم، مؤكداً أن تهريب الأشخاص غير قانوني وأن المحتوى الذي يشجع على نشاط مماثل غير مسموح على المنصة.

في المقابل أوضح المهرّب جيان أنه “بالنسبة للأشخاص الذين يحاولون العبور إلى اليونان، فإن حوالي 100 شخص ينجحون بالعبور أي ما يعادل 20 أو 25% فقط أغلبهم من الشباب والفتيات. أما العائلات فالطريق صعبة بالنسبة إليهم بوجود الأطفال فهم يواجهون مع أطفالهم البرد والمطر والطريق طويل وصعب وشاق في حين أن حركة الشباب أسرع وهمتهم أكبر”.

وأوضح أن الـ Tik Tokلم يقفل أي من حساباته “لعدم وجود أي انتهاكات في الفيديوهات إذ لا يوجد مشاهد دم أو تعذيب فنحن ننشر مشاهد عن المسارات فقط دون وجود أي انتهاك لقوانين التطبيق وذلك بموافقة الناس الذين نقوم بتصويرهم في الطريق أما الفتيات والنساء فلا نقوم بتصويرهم أبدا”.

وعلى الرغم من نفي منصة Tik Tok تسهيل عمل المهربين وإزالة المحتوى الخاص بهم وبعمليات التهريب، إلا أن فريق التحقيق اكتشف بعد تلقي الرد الرسمي من Tik Tok أكثر من مئة حساب ينشط على المنصة ويستغلها لترويج آلاف الفيديوهات التي تظهر عمليات تهريب البشر والعبور بهم إلى منطقة الشنغن التي تضم 26 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، فيما تلقى تلك الفيديوهات رواجاً كبيراً.

ويشير ميلاجي إلى أنه “لا يمكن وصف عمليّة تهريب لإنسان من دولة إلى أخرى إلا أنها جريمة دولية بالتالي تقوم عمليّة ملاحقة المخالفين من الدولتين. يعود أصل الوصف القانوني إلى نقل شخص من دولة إلى ثانية بطريقة غير شرعيّة وغير قانونيّة، وبالتالي تجتهد الدول التي تكون ممراً لهؤلاء إلى ملاحقتهم نظراً لما يشكلونه بالنسبة لتلك الدول من خطر على مستوى تبييض أموال ومساس بالأمن، وبالتالي إن ملاحقتهم تستنزف جهداً من تلك الدول”.

ويؤكد ميلاجي أن تعقب الهاربين ليس مسألة سهلة بالنسبة للدّول “ففي الغالب تستهدف الفيديوهات على وسائل التواصل الإجتماعي الضحايا، فعلى سبيل المثال في المسألة السورية يتكلم الضحايا باللغة العربية وبالتالي إذا نشرت المجموعات فيديوهات باللغة العربية سيكون من الصعب على الدول تعقّب تلك المناشير من أجل إيقافها. ولكن من حيث المبدأ كل الدول تعمل على محاربة تلك الظاهرة وخصوصاً الدول المتقدمة.

الصيت الحسن يجلب الزبائن!

يطلق المهربون أو السماسرة الذين يعملون مع المهاجرين على الراغبين بالوصول إلى أوروبا صفة الركاب أو النفرات، وترافق الأغاني والموسيقى المشاهد في فيديوهاتهم المنشورة على Tik Tok وقد حوّلوا تلك المنصة إلى أداة يستسهلون عرض خدماتهم عليها وجذب المزيد من الراغبين في السفر.

ويؤكد المهرّب جيان أن تطبيق Tik Tok وفّر له “العديد من الزبائن بفضل انتشاره الواسع، لكن السمعة الحسنة هي الطريقة الأنسب لزيادة عدد الزبائن كما والمعاملة الحسنة التي نعامل الهاربين بها. فعندما نقوم بتهريب الاشخاص ويصلون الى الجهة المحددة يقومون بشرح طريقة هروبهم لأقربائهم وأصدقائهم ما يبني الثقة بيننا وبينهم. أما من يأتون إلينا بعد مشاهدة الفديوهات عبر Tik Tok فبعضهم يكون خائفاً ومنهم من يقومون بالمخاطرة نتيجة الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في سوريا وتركيا، وعندما تنجح محاولتهم في الوصول الى أوروبا يجلبون لنا زبائن جدد”.

الهاربون من أزمات بلدانهم يقعون فريسة لتجار البشر

وينطوي تهريب المهاجرين كما هو محدد في بروتوكول تهريب المهاجرين، على تسهيل دخول شخص ما بصورة غير شرعيّة إلى دولة ما، للحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى. وبالرغم من أنها جريمة ضد دولة ما، إلا أن المهربين يمكن أن ينتهكوا حقوق الإنسان لأولئك الذين يقومون بتهريبهم، بدءاً من الاعتداء الجسدي إلى حجب الغذاء والماء عنهم.

ويشدد ميلاجي مجدداً على أن “عملية تهريب البشر بحد ذاتها وفق كل القوانين الدولية والمحلية في معظم الدول هي جريمة. وتقوم تلك الجريمة على ركنين: الأول مادي والثاني معنوي. وإن معظم من يعمل في التهريب يهمّه المقابل المادي وهؤلاء كما يصح تسميتهم هم تجار تهريب البشر والهدف مما يقومون به هو سرقة أموال الناس وتحقيق المكاسب المالية بأبسط الطرق ومن أضعف الأشخاص الذين يكونون في غالب الأحيان هاربين من بلادهم ومن النيران المشتعلة في تلك البلدان”.

ورغم تكثيف الدعوات إلى إزالة المحتوى غير المقبول الذي ينشره المهرّبون والذي يشجع على عمليات التهريب والترويج لعملياتهم التي تتسبّب بمقتل المهاجرين، إلا أن خدمات التهريب والفيديوهات التي ينشرها المهربون باتت تغرق منصات وسائل التواصل.

وبحسب ميلاجي إن “معظم المال الذي تم تحصيله من هؤلاء البشر هو مال غير شرعي. وبالتالي إن استخدامات هذا المال لن تكون سليمة فمن يقوم بتهريب البشر هو مجرم وبالتالي هذا المال سيتم صرفه على جرائم ثانية ربما تكون جرائم مخدرات. أعتقد أن هناك استخدامات غير جيّدة لتلك الأموال”.

بدوره يؤكد بيوش أن “الوصول الى أوروبا صعب ولكن ليس مستحيل. هناك مشقة وصعوبة، فقد بقيت خمسة أشهر كي أتمكن من الوصول الى اليونان بوابة أوروبا. الفيديوهات توحي بأن الطريق سهل لكنه متعب وفيه مشقة وفي أي لحظة يمكن أن يفقد الشخص حياته. بعدما وصلت الى هنا سمعت عن أعداد كبيرة في البحر غرقت أو أنها لا تزال في الغابات، الوضع مزري”.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة ظاهرة الهجرة بالوسائل القانونية المتاحة أمامها، إلا أن شبكات التواصل الإجتماعي تكتسب يوماً بعد يوم أهميّة كبيرة، باعتبارها مصدراً مهماً للمعلومات في الوقت الحاضر بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين يرغبون بالهجرة، أو الباحثين عن طريقة للوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية.

الهاربون من أزمات بلدانهم يقعون فريسة لتجار البشر

وليس ذلك فحسب فإن وسائل التواصل الإجتماعي تشكل أيضاً النافذة الوحيدة التي يستغلها المهربون لترويج الهجرة غير الشرعية مستفيدين من ثغرات معينة في تلك التطبيقات، فأبو شرفو يؤكد أن “القيود الخاصة بـTik Tok ضعيفة جداً وليس لديهم فلترة وثمة صعوبة لتمييز فيديو التهريب من الفيديو الطبيعي ولا يمكن ذلك الا في حال وجود أشخاص يتابعون تلك الفيديوهات. وبالتالي من الممكن محاربة تلك الحسابات من خلال زيادة القيود الخاصة بتلك الفيديوهات”.

شبكات التهريب قد حققت أرباحا تجاوزت الـ 4 مليار يورو، وهي تستخدم معظم أرباح تهريب المهاجرين في تمويل مشاريع أخرى غير مشروعة مثل بيع المخدرات والأسلحة

رغم العقبات والمخاطر المتزايدة التي تحول دون الوصول إلى مكان آمن بالنسبة لطالبي اللجوء، فإن هؤلاء وغيرهم من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية غالباً ما يضطرون لاستخدام المهربين كوسيلة وحيدة للفرار من الاضطهاد والنزاع والعنف، وهو ما شجع المهربون على استخدام وسائل التواصل الإجتماعي ومنصة Tik Tok للوصول إلى هؤلاء عبر عرض خدماتهم إلى الراغبين في الوصول إلى الحلم المنشود وهو عمق الإتحاد الأوروبي.

وتشير التقديرات إلى أن شبكات التهريب قد حققت أرباحا تجاوزت الـ 4 مليار يورو، وهي تستخدم معظم أرباح تهريب المهاجرين في تمويل مشاريع أخرى غير مشروعة مثل بيع المخدرات والأسلحة. أرباح طائلة يجنيها المهربون بأسرع الطرق وأسهلها وذلك عبر استغلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً منصة Tik Tok التي باتت تشكل بالنسبة لهم ملاذاً يلجأون إليه لعرض خدماتهم وجذب المزيد من الراغبين في السفر عبر الحدود بلا قيود.