تقهقر وتراجع في صفوف المجموعة سببه مقتل شيكاو والصراعات الداخليّة

يطلق على نيجيريا لقب “عملاق إفريقيا”، فهي تحتل المرتبة السابعة من حيث عدد السكان في العالم، غير أنها تعاني من عدم الإستقرار السياسي غالباً، وذلك بسبب الإختلاف بين سكانها من حيث المعتقدات والممارسات وعدم المساواة، وبشكل أساسي بسبب الإرهاب الذي يقضي على الأمان فيها.

تفاقمت أزمات نيجيريا مع تأسيس منظمة “بوكو حرام” في العام 2002 بهدف تنقية وتطهير الدين الإسلامي أولاً في نيجيريا، على أن تبدأ الجهاد في فترة لاحقة عندما تصبح المجموعة قويّة بما يكفي للإطاحة بالحكومة النيجيريّة، وإقامة خلافة إسلاميّة عبر موجة من التفجيرات والاغتيالات وعمليات الخطف.

وتُحرّم الجماعة على المسلمين المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي مرتبط بالمجتمع الغربي، ويشمل ذلك التصويت في الانتخابات وارتداء القمصان والسراويل أو تلقّي تعليم علماني. وترى أن الدولة النيجيرية يُديرها الكافرون، بغض النظر عما إذا كان الرئيس مُسلما أم لا، وقد وسّعت نطاق حملتها العسكريّة لتشمل الدول المجاورة. غير أن الجماعة تعيش اليوم تقهقراً وتراجعاً بسبب الإنقسامات الداخليّة وخصوصاً بسبب مقتل زعيمها شيكاو خلال شهر نوار من العام الفائت ما أدى بكثر من أتباعها إلى الإستسلام ونكران انتمائهم إلى المنظمة.

قصص كثيرة لهاربين ومرتدين عن بوكو حرام كشفت مشاهد مرعبة عن الحياة مع أولئك الإرهابيين الذين ينتهجون القتل والإغتصاب والشر عقيدة يفرضونها على أتباعهم ويحاولون فرضها على نيجيريا.

ويعاني هؤلاء المرتدين من غضب المجتمع ونظرته إليهم وهم اليوم خائفون على مصيرهم خصوصاً مع اتخاذ الحكومة قراراً بإقفال المخيمات وإعادة هؤلاء إلى قراهم الأصلية، فهل يكون الموت على يد أهلهم مصيرهم بعد أن نجوا من القتل على يد إرهابيي بوكو حرام؟  وكيف سيكون عليه المشهد السياسي والأمني في نيجيريا خلال العام الجديد خصوصاً مع التراجع الملحوظ للمنظمة؟

مايدغوري هي إحدى المدن التي وقعت في قلب الصراع مع بوكو حرام خلال الأعوام الـ12 الفائتة، وهي موطن لـ 800 ألف إنسان هرب كثر منهم من وحشية بوكو حرام إلى المناطق الريفيّة في الشمال الشرقي وبين هؤلاء بالارابا محمّد ذات الـ29 عاماً التي اختبرت قسوة لا تحتمل على يد بوكو حرام وأخبرت قصتها بمرارة: “كنت متزوّجة منذ سنة ونصف ولدي طفلة صغيرة، وبعد ثلاثة أشهر من ولادة طفلتي قاموا بذبح زوجي ومن ثمّ قاموا بخطفنا على مرأى من الجميع من زناري، واقتادونا جميعاً إلى الغابة بعد أن قتلوا البعض. عندما أخذونا إلى الغابة علّمونا كيفيّة استخدام السلاح فرفضت الإنصياع وصبّوا النار على رجلي بسبب عنادي، فتضررت رجلي وتعافيت بعد ذلك ثم واظبوا على ممارسة الزنى معنا، ورغم كل ذلك رفضت إيديولوجيتهم لأنني أملك قلباً. تركت أعمالهم أثاراً في يدي وجسدي ووجهي، فقد أضربوا بنا النار عندما سمعوا بأننا نخطط للهروب، احتجزونا في غرفة وأضرموا بنا النار ومع ذلك استمروا بممارسة الزنى معنا”. وأضافت “جعلوني حاملاً فولدت صبياً تركوه مريضاً وتوفي ثمّ أنجبت فتاة، واظبوا على ممارسة الزنى معنا الواحدة تلو الأخرى ومن كان يريد استغلال أي امرأة كان ينام معها من دون زواج. الحقيقة أننا تعذبنا كثيراً بين أيديهم، لقد اختبرنا حياة لن ننساها أبداً”.

بوكو حرام تقتل وتخطف وتغتصب وتنشر الذعر وسط انقسامات و خلافات داخلية

بالارابا: سامحتهم لكن قلبي غير مرتاح

لا تعلم بالارابا من أين كانوا يحصلون على الطعام لكنها كانت ترى السيارات التي تنقل إليهم الطعام إلى الغابة وكانوا يحصلون على الرصاص والمتفجرات أيضاً، وتتذكر كيف كانت تفاصيل الحياة معهم “إذا قمت بخطأ صغير، فإنهم سيطلقون النار عليك أو يذبحونك. وإذا رغب أي ذكر بزوجة أحدهم وكان قائداً فسيقتلون الزوج ويأخذون الزوجة. وإذا ما تحدثت عن القدوم إلى المدينة أو الرغبة بالذهاب إلى المدرسة سيقتلونك بكل بساطة. كانوا يجمعوننا لنتعلم كيف نقرأ، كنا نذهب جميعنا إلى الإسلاميّة، وفي حال أخطأنا كانوا يحجبون عنا الطعام ليومين أو ثلاثة أيام وأحياناً ربما لأسبوع كامل. كانت الحياة هناك مرعبة للغاية، والجزء المرير منها كان قتل الأبرياء وإجبارنا على الزني”.

لا تعلم بالارابا من أين تحصل بوكو حرام على المال، لكنها رأته يصل إليهم بالسيارات. أثناء هروبها ساعدها بعض المدنيين من فرقة العمل المشتركة في الدخول إلى المستشفى لأنها كانت تعاني كثيراُ على المستوى النفسي ولا تخفي رغبتها في الإنتقام لأن الموضوع لا زال يؤلمها في قلبها فقد انضمّت بعد هروبها إلى قوة المهام المشتركة، وهدفها أن تنتقم وأن تساعد في إنقاذ المحتجزين لدى بوكو حرام، بالإضافة إلى عملها مع قوة المهام المشتركة.

تقوم بالارابا بحياكة القبعات لإطعام أولادها، ولأن ما حصل معها على يد بوكو حرام بقي وصمة عار في حياتها فإن احداً لا يريد الإرتباط بها. “إن الضرب والحرق وكل العلامات التي تركوها في جسدي سآخذها معي إلى القبر ولن أنساها. في البداية قلت إنني لن أسامحهم بسبب ما تركوه من علامات في جسدي، لقد دمّروا حياتي لدرجة أنني كلما تذكرت تلك التجارب أصاب بصداع وأتناول الدواء وأتلقى علاجاً نفسياً ويغمى علي. ولكن أيا كان الذي تسبب بالأذى إذا طلب منك الغفران وكان طلبه صادقاً عليك أن تسامحه. نحن نسيء إلى الله لكنه يسامحنا إذا طلبنا المغفرة، وبما أنهم يطلبون المغفرة فلنسامحهم، لكن لا يجوز أن يتركوا البقية خلفهم في الغابة“.

وأضافت “سامحناهم وما من شيء في قلوبنا، فليجعل الله سعيهم إلى نيل الغفران حقيقياً، إذا كان الله يغفر هفواتنا فلماذا لا نغفر نحن أبناء آدم للآخرين؟ لقد سامحناهم، وعلى الآخرين الذين تمكنوا من الهروب أن يحاولوا أن يغفروا لهم أيضاً. أنا قد غفرت لهم ولكن كلما رأيت العلامات في جسدي أتذكر ما فعلوه بي، لن أنسى تلك الأشياء التي فعلوها لكنني غفرت لهم في قلبي على الرغم من أنني كلما نظرت إلى تلك العلامات أشعر بأن قلبي غير مرتاح، حتى الآن ليس قلبي في سلام وآمل أن يهدئ الله هذا الشعور ويزيله من قلوبنا وقلوب أولئك الذين أخطأوا”.

بوكو حرام تقتل وتخطف وتغتصب وتنشر الذعر وسط انقسامات و خلافات داخلية

منطقة غووزا ضحيّة أخرى للتمرّد

يخبر محمد بوبا دادا المعروف بمالي عن أوضاع المزارعين في غووزا بعد التمرّد، فالبلدة كانت تنعم بالسلام قبل التمرّد “كانت الحياة في السوق عاديّة، وكان المزارعون يذهبون إلى المزارع، ورجال الأعمال يقومون بأعمالهم والتلامذة يذهبون إلى المدارس قبل أن يؤثّر التمرّد علينا”.

وأضاف “أشتاق إلى أشياء كثيرة مثل أبودي، وأشتاق إلى مهنتي، كنت أقوم بتصميم الفيديوهات للأعراس. أشتاق إلى الحياة والأصدقاء والعلاقات التي كانت لدي فقد خسرت علاقاتي، وخسرت أخي الكبير وأبناء عمّي، فبعضهم توفي والبعض الآخر لم نسمع بما حلّ به. لدينا خسائر بالأرواح والممتلكات والأعمال”.

وشدّد محمد على أن الشيء الوحيد الذي لن ينساه هو قتل الأبرياء وقال: “بقيت في بكاسي في مخيم النازحين وتم تدريبي على زراعة الأسماك لأعتمد على نفسي وقد تعلمت ذلك عبر الحكومة الإتحاديّة، وقمت بتدريب الآخرين بما تعلمت ليتّكلوا هم أيضاً على أنفسهم وفي النهاية قمت بتدريب نحو 50 شخصاً على زراعة الأسماك من حكومات مونغونو وغووزا المحلية”.

ويوضح محمد أنه لم ينتمي إلى بوكو حرام لأنه لم يتقبّل عقيدتهم ويقول إن “ثمّة نقص في المعرفة لدى بعض الذين انضموا إلى الجماعة، وقد تم تجنيد البعض بالقوة فيما انضمّ آخرون إليهم لأسباب دنيويّة. فكونك تقوم بخدمتهم، سيمنحونك الدعم بالمال في عملك وخصوصاً بائعي المواد الغذائيّة، وبائعي الوقود وما إلى ذلك، وقد تم إقناع كثر من خلال هذه الطريقة بالإنضمام إلى الجماعة”.

وأضاف “أتمنى أطيب التمنيات لمن لم تتح لهم الفرصة لمغادرة الأدغال، وأصلي كي يفهموا الحقيقة ويعودوا مثل الآخرين فنعيش بسلام. لقد نسينا ما حصل حتى أنهم يندمون على تصرفاتهم… نحن في علاقات جيدة مع التائبين، وإن توبتهم حقيقيّة حتى أنهم يدعون من لا يزالون بالأدغال إلى الإستسلام لان المجتمع يقبل بهم”.

شهادة قائد سابق

كان أبو فاطمة يعمل بالتجارة في المواسم الجافة أما في المواسم الماطرة فكان يمارس الزراعة وقد التحق ببوكو حرام بعد أن كان عناصرها يأتون إليه لشراء الأغراض وعندما لم يكن يملك ما يريدونه كانوا يعطونه المال ليؤمن حاجتهم من السوق. وكانوا يعطونه المال باليورو أو بالدولار ما أدى به آخر الأمر إلى ترك مهنة التجارة والإلتحاق بمهنة تصريف العملات الأجنبية لهم وفي الأخير قام بمبايعة المجموعة.

وقال “عندما التحقت بالمجموعة لم أكن قد رأيت الأسلحة من قبل مثل الـAK 47 وغيرها من الأسلحة التي تركتها في غرفتي من أجل تنفيذ العمليات. كلما كانوا يخرجون إلى الحرب كنا نعطيهم الأسلحة، وعندما يعودون مهما كانت الغنائم التي يأتون بها كانوا يتقاسمونها فيما بينهم، وكنت أحصل على حصتي وكذلك القائد، وقد تمّت ترقيتي تدريجياً إلى رتبة قائد. فقد رأوا أنني أقيم العدل وأن لدي معرفة قليلة بالتعليم الغربي وكذلك بالتعليم الإسلامي وساعدني ذلك لدى موت القائد في ترقيتي ومنحي رتبة القائد. بعد سنة من تعييني أردت أن أغادر المجموعة، غير أن عائلتي قالت لي أنه إذا تركتهم فالحكومة لن تتركني”.

ومن تفاصيل المعارك كشف بأن المجموعة “شنت الهجوم الأوّل في قرية في غووزا تدعى بيتا، فقد هاجمنا الجيش في ذلك الوقت فهربوا إلى مواقعهم، وقدمنا إلى غووزا وقد فرّ الجنود هناك أيضاً، غزونا البلدة وبقينا فيها لسبعة أشهر قبل أن يأتي الجيش ويقوم بتحريرها“.

ولفت أبو فاطمة إلى أن بوكو حرام تضمّ كل أنواع القبائل “كانوري، فولاني، شوا بودوما حتى إيغبوس وكان بين المجموعة رجال بيض. كنا نشن الهجمات مع البيض وندعم بعضنا البعض، فإذا سقط جرحى كنا نتعاون في نقلهم حتى أننا كنا نحمل الموتى ونعيدهم إلى الغابة. كان الرجال البيض كثر، مع أن اثنان أو ثلاثة منهم انضموا إلى الجبهة. كانوا يعلّموننا ما لا نعرفه كما كنا نقوم بتعليمهم ما نعتقد أنهم لا يعرفونه وكانوا عموماً  من ليبيا وباكستان والتشاد. ما من دولة في أفريقيا إلا وتضمّ المجموعة عناصر منها، من كل دولة اثنان أو ثلاثة وعندما كنا في المجموعة موحّدين كان لكل قائد نحو 100 مسلّح تحت إمرته، كانوا يختارون 5 من كل وحدة لتشكيل الجيش الذي سيطلق الهجوم”.

شارك أبو فاطمة في هجوم غيوا باراك ويخبر عن تفاصيل المعركة: “دخلنا جميعاُ وحاربنا الجيش وأنقذنا بعض الناس ببسالة، ذهبنا إلى سامبيسا وقد لحق بنا أناس كثر وكان على أولئك الذين لا يريدون التدين أو يغادروا، وكان كثر ممن أنقذناهم يتضوّرون جوعاً وكانوا يعجزون عن المشي، فأطعمناهم واهتمينا بهم إلى أن تعافوا. ثمّ جاء القائد وتوجّه بنداء طالباً من أولئك الذين يرغبون بالقتال باسم الله أن يبقوا أما على من لا يريدون التقيد بالدين أن يغادروا، فلا يوجد إكراه. في طريق مغادرتهم للغابة قامت طائرة بقصف من رفضوا البقاء، وأولئك الذين وافقوا على الإنضمام إلى الحملة نجوا”. وأضاف “لم أشارك في عملية اختطاف فتيات شيبوك، لكنني علمت بالخطة كنت مريضاً لهذا السبب لم أشارك ولكن أولادي شاركوا… نجحوا في العملية وجلبوا 280 فتاة”.

وعن تفاصيل مقتل شيكاو يقول أبو فاطمة أنه “عندما قدم عناصر الدولة الإسلامية في إقليم غرب أفريقيا من أجل المصالحة من خلال الحوار، رفض عرضهم قائلاً إن ذلك لن يتم إلا على جثته وطالما أنه على قيد الحياة ما من مصالحة. ومن ثمّ اندلع القتال واستمر لثلاثة أيام. كان سريع الغضب، وقد لبس المتفجرات في جسده وفجرها مما أدى إلى موته ومن كان حاضراً معه، ولم ينج أحد كانت المنطقة كلها مغطاة بالغبار. ذهبنا في اليوم التالي إلى منطقة المعركة ووجدنا فجوات كبيرة، ومكثنا نفتش في الغابة لثلاثة أيام ورأينا هناك جثث على الشجر، أرجل، أقدام وأعضاء بشرية أخرى منتشرة في كل مكان، جمعنا كل تلك الأعضاء وقمنا بدفنها. هكذا انتهت الحرب، والآن ثمة بضع أشخاص في الغابة”.

بوكو حرام تقتل وتخطف وتغتصب وتنشر الذعر وسط انقسامات و خلافات داخلية

لم يكن شيكاو يريد المصالحة بحسب أبو فاطمة “شكل موته نكسة للجماعة، والمسلحون الموجودون في الغابة اليوم لم يجدوا الوسيلة الأمثل للإستسلام، أنا متأكد من أنهم سيخرجون عندما يجدون الوسيلة الأفضل لذلك. بالنسبة لي كنت أخطط للمغادرة لكن عائلتي قالت إنني إن قمت بذلك فسوف يقتلونني، لكنني واظبت على الصلاة، لعامين، ثلاثة مع والدتي وزوجتي وأولادي وكنا نقدم الطعام كصدقة طلباً للتدخل الإلهي. في أحد الأيام ذهبنا إلى المزرعة مع الأولاد لزراعة الحبوب، فوجد إبني ورقة على رأس شجرة، نظرت إليها كانت تضم صوراً لعسكر ومدنيين كانت الورقة كبيرة وقد تم نشرها عبر طائرة، وضعتها في جيبي وأخذتها إلى صديق في بابا غوني كان يتقن قراءة الإنكليزية لأعرف محتواها وقلت له أن ولدي وجدها، قرأها وقال لي أن الورقة هي رسالة لأولئك الذين يرغبون بالإستسلام، فالحكومة النيجيرية ترغب في المصالحة، وتقول بأنها سوف تحمينا وسنعيش بسلام. قال لي صديقي أنه لن يأتي وإذا كنت أريد أن أذهب علي أن أخفي الورقة لأنه إذا رآها الآخرون فسوف يخبرون القائد عني وسيتم قتلي. خبأت الورقة، وبعد ثلاثة أيام اتصلوا بي من كوندوغا. غادرت في الصباح إلى تقاطع بانكي حيث قابلت القائد وقلت له أنا هنا بسبب تلك الورقة وأعطيته إياها. قرأ القائد الورقة وأكد لي المسألة وقبل بي. غير أن الناس يشكّون بي، ساعدني قائد آخر وأخذني إلى الثكنة، تم رميي بالسجن لأسبوعين ومن ثمّ أخذوني إلى ثكنة غيوا. في ثكنة غيوا كنا 600 شخص بعد ذلك تم أخذنا إلى غومبي من أجل القضاء على التطرف ومن ثمّ أفرجت عنا الحكومة وسامحتنا”.

وأضاف “بعد ان أعفت عنا الحكومة اتصلت بنا وأعادتنا إلى القرية، غير أن القرية لم تكن آمنة. قال لنا الجنرال شابا أن نعيش في أي مكان نعتقد أنه آمن لنا. لقد سامحنا الناس ونحن نعيش بسلام، حتى أنني أشارك في مناسباتهم بناء على دعوة وأقوم بدعوتهم إلى مناسباتنا العائلية، ما انقضى قد انقضى، عندما يتوب المرء توبة صادقة أمام الله تكون الأمور على ما يرام، يمكنك أن تخذع الناس غير أن الله يعرف”.

تفاصيل أمنيّة

يكشف المدير العام لخدمات الأمن في الأعضاء الخمس عثمان دنجوما عبر التحليل الأمني بعض التفاصيل المرتبطة بنشاط بوكو حرام وخططها وتمويلها ويعتبر دنجوما أن “الوضع الأمني في نيجيريا معقد نسبيًا هنا في مقاطعتنا في بورنو، ولكن في أماكن أخرى تصاعد إلى أماكن أخرى حيث لم يكن التمرد موجودًا ولكن بالنسبة لنا في بورنو هنا على الأقل لدينا سلام نسبي في الوقت الحالي. فالحكومة والجيش يبليان بلاءً حسناً ونتوقع المزيد منهم لأن الوضع لا يزال في متناول اليد وأعتقد أنه ما زال علينا بذل المزيد للحد من الوضع”.

ويقول دنجوما أن بعض عناصر بوكو حرام ليسوا نيجيريين ويمكن التأكد من ذلك بسبب ملامحهم وسماتهم الجسديّة، أما عن الرعاة الأجانب لبوكو حرام وما قيل عن إلقاء القبض عليهم وبأنهم من دبي، أكد بأنه سمع عن ذلك بواسطة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فقد سمع أن شيئاً كهذا وقع وقد تم اعتقال الأشخاص لكن ما من شيء رسمي بعد في هذا الصدد.

وتحدث دنجوما عن الإنفصال الذي وقع داخل المنظمة “فالإنفصال بدأ عندما كان هناك مشكلة بين الراحل شيكاو وابن محمد يوسف، عندما قاتلوا شيكاو وأرادوه أن يستسلم رفض الاستسلام، كان هناك من هم مع شيكاو ومن هم مع ابن محمد يوسف البناوي، لكل من هذين المعسكرين منطقته الخاصة، فالبناوي يعمل مع الجانب الشمالي من بورنو، حيث تنشط نحو 10 حكومات محلية شمالية في تلك المناطق، بينما كان شيكاو يعمل داخل السامبيسا والجانب الآخر، لذلك مع انتقالهم إلى ذلك الجانب واعتقادهم بأنهم استولوا على ذلك الجانب من السامبيسا تعرّض للهجوم وتم القضاء عليه أيضًا، فظهرت مجموعة أخرى منحت الولاء إلى زعيم آخر تولى الآن قيادة بوكو حرام، لذلك فإن عدوهم هو في المشاكل التي يواجهونها داخل معسكراتهم حول القيادة وأشياء أخرى، أعتقد أن هذا هو المكان الذي كنا نفكر بأن على الحكومة أن تنتقل إليه بسرعة واغتنام الفرصة لأنها فرصة كبيرة يجب أن نستخدمها بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي نتلقاها، لنرى كيف يمكن الإفادة من هذا الشيء على أفضل وجه ومن ثم يصبح ميزة إضافية لحكومة الاتحاد”.

أما عن الاختلاف الذي أحدث هذا الإنفصال بينهما قال: “أعتقد أن كل شيء يعتمد على المصلحة، هؤلاء أشخاص لا أيديولوجية لديهم يمكننا القول أن هذه هي إيديولوجيتهم لأن ما يطالبون به هو الدولة الإسلامية وعندما تذهب إلى العلماء، أي الشيوخ وغيرهم فإن تعاليمهم لا تتوافق مع الإسلام، ما يعني أن ثمّة مهمّة خلف ما يقولونه لم يتم الكشف عنها بعد. في الحقيقة لم أر أي فرق بينهم لأنهم جميعًا يوصفون بالإرهابيين، والإرهابي إرهابي لذلك فهم جميعًا قتلة وهم ضد حكومة اليوم، وهم ضد اقتصاد هذا البلد، لذلك لا أعتقد فعلاً أن هناك أي اختلاف والأمر نفسه بالنسبة لبقية الناس”.

عن التدريب والتمويل وقيادة شيكاو

منذ 4 أو 5 سنوات تم تدريب بعض رجال بوكو حرام في ليبيا والسودان بحسب ما أوضح دنجوما ومن هناك أيضاً حصلوا على السلاح وبالنظر إلى “معرفتهم في كيفية نصب كمين ونوع الدمار الذي يتسبّبون به ونوع العمليات التي يقومون بها فإن ذلك يظهر بوضوح أن هؤلاء الأشخاص قد تم تدريبهم من قبل خبير من خارج هذا البلد”.

بوكو حرام تقتل وتخطف وتغتصب وتنشر الذعر وسط انقسامات و خلافات داخلية

أما عن تداعيات القتال قال: “في الواقع هناك الكثير من التداعيات السياسيّة لذلك، أحدها الاقتصاد الذي لا يمكن أن ينمو في مثل تلك الظروف، فمن المستحيل لدولة تواجه حربًا أن يستثمر فيها المستثمرون بأموالهم. هذا أولاً، ثانياً إن حركة الناس بالإنتقال من المنطقة أ إلى المنقطة ب، تؤدي إلى الكثير من التفاعل وإلى إنشاء مرافق اجتماعيّة، لكن هذا لن يحدث كما أن التعليم في تلك المناطق سواء كان تعليمًا غربيًا أو تعليمًا إسلاميًا أو مهما كان نوع التعليم، لا يمكن لأحد الوصول إليه لذلك ثمّة الكثير من القطاعات التي تتدهور وثمّة مشكلة ضخمة تسبب بها تمرّد بوكو حرام”.

أما عن مصادر تمويل المنظمة قال: “إن بوكو حرام يلاحقون المصارف وأشياء أخرى فإنهم يقومون بخلع المصارف وسرقة المال، لذلك بمجرد الحصول على هذه الأموال فإنهم سيذهبون ويشترون الأسلحة بها وأعتقد أنه منذ ذلك الحين لديهم صلة مع هؤلاء الذين بايعوا دولة الإسلام في غرب أفريقيا وداعش. تعمل داعش داخل تلك المنطقة القديمة التي تمرّ عبر العراق وإيران بحيث يمكن لهذا الرابط أيضًا أن يساعدهم على الحصول على رعاة، ولكن من هم هؤلاء الرعاة ومن هم الأفراد الذين يستفيدون من ذلك؟ هذا ما لا أستطيع قوله”.

في ما يخص قيادة شيكاو للمجموعة وتأثيره عليها اعتبر دنجوما أن “الرجل قد زرع الخوف بشكل مسبق بين المقربين منه ومن ثم ثمة معلومات أخرى حصلنا عليها وهي أنه حتى عندما كان على قيد الحياة، كان هناك أشخاص يعارضون عقيدته ولكن خوفهم منه لم يكن يسمح لهم الإفصاح عن ذلك. وهذا هو السبب في أن بعضًا منهم أظهروا رغبتهم بالمغادرة فتم إدخالهم إلى سجن في منطقتهم حيث تم احتجازهم كي لا تتاح لهم فرصة القدوم إلى المدينة أو الهروب لأنهم ربما سيسلمون أنفسهم”.

وأضاف “لقد منح المقربين منه قيادة بعض المناطق ومن يحصل على امتياز قائد بإمكانه الوصول إلى الكثير من الأشياء الأخرى، والاستمتاع بالكثير من الأشياء الأخرى، لذلك اعتقدوا أنه من الأفضل لهم البقاء مع شيكاو حتى وإن كانت إيديولوجيته خاطئة، لذلك أعتقد أن هذه بعض الأشياء التي تجعلهم يبقون لفترة أطول. فور سقوط شيكاو ووفاته، شهدنا إنكار الآلاف من الناس لجماعة بوكو حرام إذ كانوا يأتون إلى الحكومة ويستسلمون وهذا يؤكد أن هؤلاء الأشخاص كانوا مستعبدين لفترة طويلة، في الواقع هم لا يريدون هذه المعركة ولكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا إذا أرادوا المغادرة سيتم قتلهم لذلك سيبقون معه على الأقل بدافع الخوف”.

ويروي دنجوما تفاصيل قصة مقتل شيكاو مشيراً إلى أن ثمة “روايتان أو ثلاثة لذلك إحداها تقول أنهم طلبوا منه الاستسلام ربما بعد أن اتفقوا على أنه ربما سيقبل التحاور، في اليوم التالي عندما أدرك أن الناس قد اقتربوا، وقد اقترب فصيل العربناوي قام بتفجير نفسه بقنبلة وقتل نفسه. البعض الآخر يقول أنه كان هناك اشتباك خطير بينهما أي بين المجموعتين وقد تم اغتياله، فعندما قُتل وبدافع من الغضب وضع البعض القنابل عليه لأنهم لا يريدون حتى رؤية جسده. إنها بعض الحقائق التي أعتقد أننا حصلنا عليها لكنني أعتقد أن الإستخبارات لهم السلطة في الحصول على المزيد من المعلومات لأن بعض الأشخاص الذين شاركوا في تلك المعارك قد استسلموا للجيش النيجيري وأعتقد أنهم سيحصلون على معلومات مباشرة منهم في هذا الصدد”.

بوكو حرام تقتل وتخطف وتغتصب وتنشر الذعر وسط انقسامات و خلافات داخلية

وعن قرار إغلاق مخيمات المستسملين الذي اتخذته الحكومة، فقد اعتبره دنجوما “قراراً خطيراً للغاية فانا أرى حماس واستعداد الحكومة لنقل النازحين إلى مناطقهم المختلفة لكني لا اعتقد أن ذلك يجب أن يتم بعجلة، فعلى هذه الأمور أن تتم بعد التشاور بين جميع المعنيين خصوصاً الجيش النيجيري والوكالات الأمنية الأخرى لأنه إذا انتقل هؤلاء الأشخاص إلى بلداتهم الخاصة، فهم بحاجة إلى الحماية وإذا كانوا بحاجة إلى الحماية فهل إن الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى على استعداد لذلك؟ هل لديهم القدرة على الاستمرار في توسيع قوتهم لتغطية تلك الأماكن؟ وشيء آخر أيضًا هل إن الناس على استعداد لتقديم المعلومات الاستخباراتية إلى وكالات الأمن بما يتعلق ربما بما إذا كان هناك شيء ما على وشك الحدوث لأن هذا العمل يحتاج إلى عمل استباقي ولا يمكنك انتظار لحظة التبليغ. أعتقد أن على الحكومة وخصوصاً محافظنا أن يجلس مع الأجهزة الأمنيّة لأنهم والناس أيضاً وعلى وجه الخصوص الأئمة ورؤساء القرى حيث ينشطون في الأماكن التي لا يستطيع الجيش تغطيتها، إذا كان الأئمة ومن ثم الأمراء يشعرون أن تلك الأماكن آمنة نسبيًا يتعين عندها على الأشخاص أنفسهم المساعدة في حفظ الأمن الذي يتم التغاضي عنه في تلك المناطق لأنه بدون تلك الحماية أعتقد أننا بنقل هؤلاء الأشخاص إلى قراهم فإننا نعرضهم للخطر”.

وأضاف “أعتقد أن على الحاكم وهو كبير ضباط الأمن في الولاية، أن يضمن أن عملية الإنتقال هذه آمنة 100 ٪ وربما يكون الجيش مصدر ذلك التأكيد كي لا نكون في عجلة من أمرنا عندها يمكننا تنفيذ عملية الإنتقال تلك على دفعات، ثم ربما بعد ثلاثة أو أربعة أشهر عندما نرى أن ذلك آمن نسبيًا، فقد نفكر في نقل أشخاص آخرين إلى منطقة آخرى”.