هل صحيح أنه في زمن السوشيل ميديا، أصبح كل شخص مراسلاً؟

– مهنة المراسل هي ببساطة مهنة وضع المشاهد في قلب الحدث مهما كان الحدث، بدأت هذه المهنة منذ وقت طويل جداً، لكنها لم تكن تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي حتى أوائل القرن الحالي، عندما أصبحت القنوات التلفزيونية تعتمد بشكل كبير على المراسلين.

بعدها، أتت وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت كل شخص يظن أنه مراسل، وليس أن يصبح مراسلاً، إذ هناك فرق كبير بين الامرين، كي تكون مراسلاً حقيقياً، لا يكفي أن تكون موجوداً في مكان الحدث، عندها تكون مجرّد شاهد عيان، المهم أن تعرف كيف تنقل للناس ما يحصل بموضوعية وحرفية وبطريقة صحيحة وأسلوب واضح.

كيف يستطيع الصحافي أن يصبح مراسلاً ناجحاً؟

– سنتحدث عن أربع خطوات أساسية:

١- الحصول على دورات متخصصة:
إذا لم تدرس في كليات الإعلام المتخصصة، فإن الحل المناسب والصحيح بالنسبة لك هو الحصول على الدورات والمحاضرات التعليمية التي يقدمها المتخصصون وهم مراسلون سابقون أو حاليون، وبالتالي فهم يمتلكون قدرات تجعلهم مؤهلين لنقل خبرتهم، والحقيقة هي أن إحدى المزايا المهمة لهؤلاء المتخصصين هي أنهم لا يقدمون المادة بشكل أكاديمي إنما بأسلوب حيوي ومباشر وبعيد عن الملل.

٢- اظهار موهبتك من خلال الطرق المتاحة:

أعرض موهبتك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، فقد أصبحت السوشيل ميديا مليئة بالمتابعين المتخصصين من مذيعين وصحافيين متمرسين الذين باستطاعتهم تقييم موهبتك وتقديم النصائح لك، جرّب هذا الامر وقد يكون باباً لتصطادك محطة تلفزيونية فتتحوّل لمراسل.

٣- استغلال فرص التدريب:
المحطات التلفزيونية تقدم أحياناً كثيرة فرص تدريب للمبتدئين ليتعلموا كيف يصبحوا مراسلين، لو كان التدريب من دون مقابل، لا تتردد بقبوله. أنت بحاجة للاستفادة من كل فرصة للتدريب والتعلم مهما كانت التضحيات، ومن الممكن في حال أثبتت نفسك خلال فترة التدريب، أن تستدعيك المؤسسة لتصبح مراسلاً لديها عندما تصبح بحاجة لمراسلين جدد.

٤- إتقان اللغة العربية الفصحى:
هذا الأمر الذي سبق أن تطرقنا إليه، ضروري للمراسل مثل ما هو ضروري للمذيع، ليصبح قادراً على التحدث أمام المشاهدين وخاصة إذا أطل في نقل مباشر أو تغطية مفتوحة لحدث كبير أو لخبر متواصل على مدى ساعات طويلة.

ما أهم الأمور المطلوبة من المراسل؟

– سنتطرق إلى ثلاثة أمور أساسية:
١- وضع المشاهد في قلب الحدث:
هي المهمة الأولى والرئيسية لمهنة المراسل، المشاهد في منزله يريد معرفة ما يحدث مثلاً في المكان الذي شب فيه حريق، ومهمتك كمراسل هي أن تخبره بما يحدث لحظة بلحظة، في المقابل، يواصل المشاهد متابعة المحطة التي تظهر عليها وبصبح تدريجياً ومع مرور الوقت يثق بك.

٢- اختبار النبض ومعرفة آخر التطورات:
في المكان حيث أنت كمراسل، عليك أن تشعر بنبض المنطقة وتنقله للمشاهدين ليعرفوا بما يشعر أهل هذه المنطقة وكيف يدبرون أمورهم على سبيل المثال بعد الفيضانات التي حصلت أخيراً، كما تحتاج كمراسل لمعرفة آخر التطورات المتعلقة بالحدث أو الموضوع الذي تغطيه، سواء من خلال طرق رسمية أو غير رسمية، فالمهم يبقى أن تحصل على معلومات جديدة وتنقلها للمشاهدين.

٣- الانتباه في مواجهة الخطر:
في بعض الأحيان، يضع المراسل حياته في خطر في سبيل مهنته، فهو قد يتعرض لوعكة صحية أو لإصابة أو للضرب خلال التغطية إذا ما كانت الظروف حيث هو صعبة أو معقدة، كما يمكن أن يتعرض للاعتقال أو أن يخسر حياته حتى، مهنة المراسل ليست دائماً سهلة، وفي معظم الأوقات يجب أن يبقى متيقظاً وأن يأخذ الاجراءات الاحتياطية، عليك كمراسل أن تجتهد وتعمل في شكل صحيح رغم الخطر، والا تحلم بالنجومية، يجب الا يكون هدفك من خلال العمل كمراسل أن تصبح نجماً كالمطربين أو الممثلين!

كيف يمكن أن يكون المراسل موضوعياً ومحايداً؟

– يجب كمراسلين أن نحافظ على توازن تغطيتنا كما نحاول أن نحافظ على نظام غذائي متوازن. مثلاً، لنفترض أنك كمراسل تقدم تقريراً عن تخلي اللبنانيين عن حيواناتهن الأليفة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، إذا خصصت دقيقة ونصف لتتكلم عن أناس تخلصوا من الهررة التي يربونها، ثم خصصت ربع دقيقة فقط لتقول أن آخرين تخلوا عن الكلاب التي كانت لديهم، فلا يمكن أن تقول إن قصتك متوازنة، فقد أوحيت أن الناس يتخلون عن الهررة أكثر من تخليهم عن الكلاب، بينما قد لا تكون هذه هي الحقيقة، لتغطية قصة بموضوعية، يجب أن يكون هناك توازن.

هذا مثل آخر عن موضوع سياسي هذه المرة..
هناك مشروع قانون جديد معروض على المجلس النيابي، يمكنك كمراسل تغطية الموضوع من النواحي التالية: من وماذا ومتى وأين ولماذا وكيف طُرح المشروع، ولكن هذا لا يكفي، فمعظم مشاريع القوانين، هناك جهات ستؤيدها وجهات أخرى ستعارضها، عليك كمراسل أن تتكلم عن الايجابيات التي يراها مؤيدو المشروع فيه، والسيئات التي يعتبر معارضو المشروع أنها ستنتج عنه، إذا كنت تريد أن تظل محايداً في تغطيتك، فإن أحد أكبر التحديات هو الكشف عن جوانب متعددة من الجدل من دون الإشارة إلى الجانب الذي تتفق معه، إذا لم يتمكن الجمهور من معرفة إلى أي جانب يميل موقفك، فهذا يعني أنك محايد.

هل يجب أن يعطي المراسل التلفزيوني الأولوية للصورة أو للمضمون؟

– الاثنان بالأهمية نفسها وفي الاعلام ما يسمّى بالكتابة للصورة، لنفترض أن مراسلاً في فرنسا يقدم تقريره من العاصمة، إذا شاهدنا على الشاشة، أشخاصاً يتناولون السندويش وهم يسيرون في شارع في باريس فيما المراسل يقول “يتناول الفرنسيون السندويش وهم يسيرون”، فهل أنا كمشاهد بحاجة إلى أن يشرح لي صورة أراها بأم العين؟ بإمكانه مثلاً أن يقول: “لا يملك معظم الفرنسيين الوقت لتناول الطعام في منازلهم”، عندها تصلني فكرة عن طبيعة المجتمع في باريس، حيث يستغل الناس أي دقيقة لأن ليس لديهم وقت فراغ في الاجمال.

هل يجب أن يحمي المراسل المصدر الذي يعطيه الخبر؟

– طبعاً على المراسل أن يحتفظ بسريّة مصادره، ولكنّ القضاء قد يطلب منه الإفصاح عن مصدره في حالات معينة كجرائم القتل، وهناك الموضوعات السياسية والاجتماعية التي يستقي المراسلون نسبة كبيرة من معلوماتهم الصحافية عنها من مصادر من دون كشفها، فيقولون مثلاً “ذكر مراقبون، وقال دبلوماسيون، وكشف مصدر رفض الإفصاح عن هويته”، المشاهد لا يحب هذه العبارات، لكن مصداقية الوسيلة الاعلامية هي الرصيد الحقيقي الذي يجعل المتلقي يصدّق وجود مصدر حقيقي وراء المعلومة.