“طباخ بوتين” يعترف: تدخلت في الانتخابات الأمريكية

فجر يفغيني بريغوجين رجل الأعمال الروسي الشهير، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفاجأة من العيار الثقيل فقد أقر مؤسس مجموعة مرتزقة “فاغنر”، والذي اتهم سابقاً بأنه يدير مجموعة من الحسابات للتأثير على السياسة الأمريكية، أنه تدخل في الانتخابات، مضيفاً أنه سيواصل فعل ذلك في المستقبل وهو الاعتراف الأول من نوعه من شخصية وضعتها واشنطن رسمياً في دائرة المتورطين في جهود التأثير في السياسة الأمريكية.

وفي السياق، اكتشف باحثون في شركات للأمن السيبراني في الولايات المتحدة حملات تضليل يدفعها روبوتات ومتصيدون يشتبه بأنهم روس، تستهدف التأثير على نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية المقررة، حسبما أفاد به موقع “أكسيوس”.

النشاط التضليلي

ووفقاً للباحثين، فإن أحد الموضوعات الجديدة التي ظهرت في حملات التضليل هذه، هو أن الولايات المتحدة “تهدر الأموال من خلال دعم أوكرانيا في مقاومتها للغزو الروسي”، كما تضمنت إحدى هذه الحملات حسابات يدعي أصحابها أنهم أمريكيين، وتستهدف المرشحين الديمقراطيين في سباقات شديدة التنافس في ولايات مختلفة.

ونقل الموقع عن شركة “ريكورديد فيوتشر” للأمن السيبراني، ومقرها بوسطن، قولها إن أحد الحسابات في الحملة، والذي تم تحديده باسم “نورا بيركا”، كان له روابط بـ”وكالة أبحاث الإنترنت الروسية”، والتي ساعدت في نشر معلومات مضللة في انتخابات 2016 و2020.

كما كشف باحثو “ريكورديد فيوتشر” عن العديد من الحسابات التي كانت مرتبطة سابقاً بـ”غرفة أخبار المواطنين الأمريكيين والأوروبيين”، وهي شبكة إخبارية يمينية مرتبط بـ”وكالة أبحاث الإنترنت الروسية”.

واكتشف باحثون في شركة أبحاث وسائل التواصل الاجتماعي “Mandiant” حملات مماثلة أيضاً، كما لفت الموقع إلى أن العديد من الحسابات التي تم اكتشافها ظلت غير نشطة بعد عام 2020، ولكن أعيد تنشيطها مرة أخرى في أغسطس وسبتمبر الماضيين.

من خلال هذا المقال نرصد أبرز القصص حول تدخل روسيا في شؤون عديد الدول حول العالم

مجموعة فاغنر والمعلومات المضللة الروسية

تنشر روسيا المعلومات المضللة عبر قارات مختلفة لتحقيق أهداف متنوعة، وغالبا ما تعمل من خلال وكلاء تم اختبارهم لدعم أهداف السياسة الخارجية للكرملين بشكل غير مباشر، مما يوفر مستوى من الإنكار. وفي بعض أجزاء أفريقيا بما في ذلك مالي مؤخرا، يستغل الوكلاء المرتبطون بالكرملين عدم الاستقرار لكسب النفوذ، وخاصة من خلال المعلومات المضللة ونشر قوات مجموعة فاغنر.

مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين

تستغل مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين، انعدام الأمن لتوسيع وجودها في أفريقيا، مما يهدد الاستقرار واحترام حقوق الإنسان. يفغيني بريغوجين، المعروف باسم “طباخ بوتين ” بسبب عقود تقديم الطعام مع الكرملين، هو من الأوليغارشية (الأقلية من رجال الأعمال الأثرياء) الروسية ومدير وممول فاغنر. وعلى الرغم من أن المسؤولين الروس يرفضون قبول الروابط مع مجموعة فاغنر، إلا أن الحكومة الروسية على الأقل على علم بمجموعة فاغنر وغيرها من الكيانات المملوكة لبريغوجين أو استخدمتها كوكلاء لنشر المعلومات المضللة وتنفيذ عمليات سرية ومسلحة في الخارج، بما في ذلك في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وليبيا وسوريا وأوكرانيا. فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات على بريغوجين، بما في ذلك من خلال فرض عقوبات تستهدف شبكة نفوذه الخبيث في أفريقيا.

فاغنر يصل إلى مالي وسط تضليل إعلامي

في أواخر العام 2021، ظهرت تقارير عن الانتشار المحتمل لقوات مجموعة فاغنر في مالي، البلد الذي شهد استيلاء عسكريين على السلطة في أقل من عام واحد واستمر في محاربة تهديد إرهابي متزايد يستغل السكان المهمشين وتاريخا من سوء الإدارة. ومن خلال الترويج لنفسها على أنها قادرة على مواجهة التهديد الإرهابي، انتشرت قوات مجموعة فاغنر في مالي في كانون الأول/ديسمبر 2021 وسط وابل من المعلومات المضللة الهادفة لإخفاء وصولها وأنشطتها.

 

 

كيف مهّد نشر المعلومات المضللة الطريق لغزو أوكرانيا؟

تمتد جهود التضليل بقيادة بريغوجين إلى أوكرانيا ايضا من خلال نشر المعلومات المضللة في أثناء الغزو الروسي للبلاد فمثلاً يسعى نظام المعلومات المضللة في الكرملين إلى إقناع الجماهير العالمية بأن العقوبات الدولية المفروضة على روسيا هي المسؤولة عن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود و تم تداول مثل هذه الرسائل بعدة لغات ، في أوروبا وجوارها وما وراءها ورددتها وسائل الإعلام الصينية وتعزيز وصولهم العالمي.

في الواقع، تستهدف العقوبات الدولية المفروضة على روسيا قدرة الكرملين على تمويل عدوانها العسكري – السبب الرئيسي لأزمة الغذاء التي تلوح في الأفق – وليس القطاع الزراعي العقوبات لها استثناءات(يفتح في علامة تبويب جديدة)فيما يتعلق بالتصدير والمعاملات المتعلقة بالمنتجات الغذائية والزراعية.

وتستخدم روسيا أيضًا المنتديات الدبلوماسية للادعاء بأن أوكرانيا تنقل الحبوب إلى الاتحاد الأوروبي ، لدفع الغرب مقابل إمدادات الأسلحة هذا يسبب مجاعة لدول أخرى ، موضحًا مرة أخرى أن الدبلوماسيين الروس أصبحوا جزءًا من آلة المعلومات المضللة للكرملين.

تزعم رسائل تضليل مماثلة أن أوكرانيا هي التي تمنع السفن في موانئها ادعاء فضحه مدققو الحقائق الأوكرانيون.

بالنسبة للجماهير الناطقة بالروسية ، تمتلك المنافذ الإعلامية الموالية للكرملين شيئًا أكثر مكرًا في المكان. على مر السنين ، أنكرت وسائل الإعلام المضللة باستمرار المجاعة التي من صنع الإنسان صممه ستالين لتدمير الفلاحين الأوكرانيين ، والذي أودى بحياة الملايين في الثلاثينيات.

التضليل الإعلامي الروسي خلال الحرب الأوكرانية

ومن المعلومات المضللة التي كانت قد نشرتها روسيا في الحرب الأوكرانية انه كان قد انتشرت منذ فترة صورة على منصات التواصل الاجتماعي لسيدة من أوكرانيا ترتدي الزي العسكري، وزعم الكثيرون أن الصورة تعود للسيدة أولينا زيلينسكي، زوجة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وتم مشاركة الصورة على نطاق واسع من قبل مواطنين أوكرانيين قائلين إنها تعود لسيدة أوكرانيا الأولى، وهي تشارك في مقاومة “الغزو الروسي” لبلادها.

ولكن فريق التحقق من الأخبار في وكالة رويترز توصل إلى أن الصورة ليست لزوجة الرئيس ولكنها تعود لجندية أوكرانية، وذكرت رويترز أن تاريخ الصورة الحقيقي هو 22 أغسطس 2021 وهي لجندية من أوكرانيا بالزي العسكري للاحتفال بمناسبة مرور 30 عاما على استقلال أوكرانيا.

وتم التقاط الصورة للجندية المبتسمة في شارع “خريشاتك” في كييف، بعدسة المصور فولوديمير زاخاروف وهو مصور أوكراني يعيش في كييف أيضا.

كما نشر حساب “في ميزان فرانس برس” على تويتر لتدقيق المعلومات الكثير من المعلومات المضللة للحرب الروسية على أوكرانيا منها مشهد انتشر على أنه استعراض لطيار روسي بطائرته الحربية في سماء أوكرانيا، بينما هو في حقيقته مجرد جزء من لعبة فيديو ، أيضا انتشرت صورة للرئيس الأوكراني بالزي العسكري أثبتت المنتصة أيضا أن الصورة قديمة وأنه مر عليها عام كامل

بيتشلر: موسكو ترى أوكرانيا شرعية فقط حينما يكون رئيسها حليفا لروسيا

إن الحرب الروسية ضد أوكرانيا هي أكثر حرب تضمنت تداول المعلومات المضللة من قبل وقوعها، حيث تم التمهيد للحرب نفسها بالمعلومات المضللة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأها بعدد كبير من المعلومات المضللة ساقها في خطاباته والذي يفندها معنا في لقائه بأخبار الآن محلل المعلومات المضللة النمساوي إديتمار بيتشلر، حيث قام بتحليل خطاب بوتين الممهد للحرب قائلا “إذا ألقينا نظرة على خطاب بوتين سنجده مثير للاهتمام للغاية كما أن بوتين قد ناقض نفسه في الخطاب ذاته، لقد ادعى بوتين أن أوكرانيا لم تكن موجودة وليس لها تاريخ كدولة ولكننا نجد أنه في عام 2014، فر فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا، وقالت روسيا إن فيكتور يانوكوفيتش هو الرئيس الرسمي والشرعي لأوكرانيا، ففي ذلك الوقت، عندما كان لديه رئيس أوكراني حليف كانت أوكرانيا دولة شرعية بالنسبة له، لذا ما يمكن رؤيته في السياسة الروسية هو أن الدول الموالية لروسيا هي فقط الدول ذات الشرعية عند روسيا والدول التي لديها سياسة مستقلة ليست شرعية.”

 

دروس التاريخ الخاصة بالرئيس بوتين تخالف التاريخ الحقيقي

ويرى بيتشلر أيضا أن الرئيس بوتين في حديثه قد طرح الكثير من دروس التاريخ، وهو ما يمكن أن أسميه دروس التاريخ الخاصة بـ فلاديمير بوتين، ويضيف بيتشلر” وهذا التاريخ الخاص بالرئيس بوتين هو ما لا يتفق معه المؤرخون الحقيقيون على الإطلاق، فهم لا يتفقون مع ادعاءاته بأن أوكرانيا ليس لديها تاريخ كدولة قومية بإلقاء نظرة على السنوات الثلاثين الماضية فإن أوكرانيا عضو معترف به في المجتمع الدولي تربطها علاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم، كما أنها عضو في الأمم المتحدة، لذلك نرى أنها دولة ويجب ألا ننساها عندما تحاول روسيا الادعاء خلاف ذلك.”

ويفند بيتشلر التضليل الذي مارؤسه الرئيس بوتين في خطاباته التمهيدية لغزو أوكرانيا فيقول “ما رأيناه أيضًا في خطاب بوتين من تضليل هو ادعاءاته بأن أوكرانيا تمثل تهديدًا أمنيًا لروسيا ، وأنها تريد أن تصبح عضوًا في الناتوحتى يتمكنوا من مهاجمة روسيا، إن بوتين أراد بذلك أن يثير الخوف في نفوس الشعب الروسي فلا شيء من هذا له أي أساس من الصحة، ولا دليل عليه لكنه لا يحتاج إلى دليل فهو دائمًا ما يخيف الشعب الروسي وعندما يخاف الناس، فإنهم يميلون إلى دعمه لذا فهو بحاجة إلى هذا التوتر في دعايته ونظامه الدعائي، ما رأيناه أيضًا في الخطاب بجانب دروس التاريخ هو شعوره بالخيانة من الغرب كلمات متنوعة حول توسع الناتو، لكنه لم يذكر أن كل الدول التي أصبحت أعضاء في الناتو فعلت ذلك بإرادتها لأنها تريد أن يتم تأمينها والآن نرى أن لديهم كل الأسباب للخوف من روسيا ،حيث أن الدول غير الأعضاء في الناتو الآن فقط هي من تعرضت للهجوم ومثال على ذلك جورجيا والآن أوكرانيا، منذ عام 2014

أكاذيب نشرتها أجهزة بوتين لتبرير غزو أوكرانيا

المعلومات المضللة قبيل انتشار القوات الروسية على الحدود الأوكرانية واستمر ذلك التضليل حتى الآن وهناك مجموعة من الأكاذيب الكبرة التي صنعت خصيصا لاستدرار تعاطف الشعوب التي لا تعلق بتاريخ العلاقات الروسية_الأوكرانية وكذلك لحشد الدعم الروسي خلف قرارات بوتين بالحرب وعن ذلك التضليل يشرح بيتشلر مفندا” من هذا التضليل انتشار ادعاء كاذب بأن أوكرانيا تريد مهاجمة الأراضي الموالية لروسيا وهذا تضليل، ونحن نعلم أن الرئيس زيلينسكي يحاول أن يكون شديد الهدوء، كما إنه يحاول تجنب أي نوع من الاستفزاز يمكن أن يشعل حربًا ولا يمكن أن يعطي روسيا أي مبرر لشن هجوم لذا فهذه واحدة من أكبر وأخطر الأكاذيب”.

إنذار كاذب: هجوم إرهابي وهجمات كيماوية

ويرصد بيتشلر المعلومات المضللة في الحرب الروسية على أوكرانيا فيقول “أيضا هناك ادعاء بأن مخربين أوكرانيين أوموالين لأوكرانيا جاءوا للمنطقة لشن هجوم إرهابي، سمعنا أيضًا عن هجمات كيماوية،هذه الادعاءات الروسية ليست جديدة، لقد سمعنا كثيرًا منها في السنوات الثماني الماضية ولكنها مثارة بشكل كبير الآن ،وهذا بالطبع أخطر بكثير لأن هناك قوات روسية موجود هناك بالفعل،

 أما الكذبة الكبيرة والخطيرة جدًا الآن تتمثل في أن الأوكرانيين يخططون لإبادة جماعية، ضد السكان الناطقين باللغة الروسية أو العرقية الروسية في دونباس هذا ليس تضليلا غبيًا تمامًا فحسب بل هو أيضًا خاطئ جدًا جدًا، لأن أوكرانيا بلد مختلط.

وكل الأوكرانيين الذين أعرفهم لدى أجدادهم جذور روسية أو بيلاروسية فأوكرانيا ليست دولة متجانسة عرقيًا وليس هناك صراع عرقي”

ويضيف بيتشلر”أوكرانيا دولة لا توجد بها حرب أهلية، هناك خلافات سياسية كما هو الحال في كل بلد لكن لا توجد حرب أهلية وهذه كذبة دعاية روسية لذلك يزعمون أنهم يريدون حماية السكان الناطقين بالروسية والسكان من أصل روسي في دونباس، بزعم أن الجيش الأوكراني خطير للغاية وهذا ليس صحيحًا فنحن نرى أشخاصًا من أصل روسي يتحدثون الروسية في جميع أنحاء أوكرانيا حتى في الغرب، خاصة في وسط كييف لا يوجد دليل على ذلك إطلاقا، وهي كذبة خطيرة جدًا تستخدم فقط لإشعال الحرب.”

لماذا نصدق المعلومات المضللة؟

يشكل التلاعب بالمعلومات إحدى أهم أدوات السياسة الخارجية التي تستخدمها روسيا من أجل المضي قدما في تطبيق أجندتها وبصفة عامة فإن انتشار المعلومات المضللة هو في حد ذاته حرب أخرى لها عقباتها وتوابعها الوخيمة وعن خطورة انتشار المعلومات المضللة بصفة عامة يقول بيتشلر” انتشار الملعوةمات المضللة أمر خطير للغاية لأننا كبشر نميل إلى تصديق ما نريد تصديقه، إذا كان الأمر يتعلق بالتضليل الروسي فأنا أتحدث عن أوروبا ولماذا ستؤثر هذه المعلومات في البعض خاصة فيوسط أوروبا، ولدينا في الأساس ثلاثة أسباب للاهتمام بالمعلومات المضللة وتصديقهاالسبب الأول هو أنه يناسب أيديولوجيتنا، وقد تكون هناك أيديولوجيات يمينية متطرفة، مفادها أننا ضد الديمقراطية، أو ضد الاتحاد الأوروبي أو ضد نظامنا أو شيء من هذا القبيل.”

ويرى بيتشلر أن هناك سبب هام لتصديق الناس للمعلومات المضللة الروسية هو أنهم يعملون مع روسيا فمثلا إذا كان للبعض مصالح اقتصادية في مجال الطاقة، فيمكن أن يكون ذلك بمثابة مهمة مدفوعة الأجر في نظام فلاديمير بوتين، ثم يميلون إلى الاعتقاد أو حتى نشر المعلومات المضللة لأنهم لا يريدون مواجهة الحقيقة. في بعض الأحيان لا يصدقون ذلك ، لكنهم يشاركونها فقط لأنه وظيفتهم وهذا هوالسبب أننا لا نستطيع فعل أي شيء حيال التضليل.

لماذا نعجز أمام المعلومات المضللة؟

كما يتم تصنيع”أنتي فيروس لكل فيروس” ، فإن مصطلح “المعلومات المضللة ” تبعه مصطلح “محو الأمية الإعلامية، ولكن هل يفيد محو الأمية الإعلامية في كل الحالات؟

يقول بيتشلر” ماذا يفعل محو الأمية الإعلامية في الصين مثلا؟، لا يساعد في حالة واحدة أو اثنتين، وإذا كان الأمر يتعلق بالأيديولوجيا، فربما نستطيع تدريب الناس أما النقطة الأكثر أهمية فهي عدد الأشخاص الذين لا يؤمنون بالمعلومات المضللة، إذا كانوا لا يعرفون ما يحدث بالفعل في أوكرانيا، وهذا خاص جدًا عندما نتحدث عن أوكرانيا، حيث لم يزر أي أوروبي غربي البلاد تقريبًا، إنها ليست دولة سياحية، ليست مثل إسبانيا أو فرنسا

وهذا يجعل من السهل جدًا نشر معلومات مضللة عنها، لإخبار الناس بأن جميع الأوكرانيين فاشيين ،أو أن اللغة الروسية ممنوعة، بالنسبة لي كان من السهل جدًا التحكم في فضح هذه الأكاذيب بنفسي لأنني زرت أوكرانيا أكثر من 40 مرة، وقضيت أيضًا الكثير من الوقت بها في عام 2014 في جميع أنحاء البلاد شرق وغرب ووسط أوكرانيا، لذلك علمت أن المزاعم الروسية غير صحيحة.”

إشاعة الإبادة الجماعية.. لماذا قد يصدقها الألمان؟

يرى إديتمار بيتشلر إن مجرد الحديث عن الإبادة الجماعية ضد العرقيات الروسية في أوكرانيا إشاعة سخيفة بالنسبة له ولكن بالنسبة للنمساويين العاديين وألمانيا، فإن دحضها أمر صعب، حتى بالنسبة لمدققي الحقائق أو لمدربي محو الأمية الإعلامية ، فعادة الناس في دول وسط أوروبا لا تمتلك الكثير من المعرفة عن أوكرانيا،لذا فمن من السهل جدًا نشر معلومات مضللة حولها،

وهذا يسهل إرباك الناس ونشر الأكاذيب مقارنة بالمواضيع الأخرى، هذا هو السبب في أن مشاريع مثل الاتحاد الأوروبي ضد التضليل مهمة جدً، لأن لديهم الخبرة في أوكرانيا .”

شهادات حية تفنّد حملات روسيا المضللة عن الأحداث في سوريا

قلب الحقائق وتزييف الأدلة، حقائق ربما ليست بالغريبة على صانعي السياسة الروسية، ولهم في ذلك باع طويل على مدار سنين خلت، ولعل قضية المعارض الروسي، أليكسي نافالني، تشكل خير دليل على ذلك.

ولكن ما يثير الاستغراب والحنق في آن معاً، أن تعمد موسكو إلى تزييف أدلة وإطلاق أكاذيب ثُبتت صحتها وفق تحقيقات دولية، مضيفة إلى سجلها الملطخ بالدماء بصمات التضليل وحملات التشويه، وهنا نتحدث عن سوريا.

ولكي لا نعيد اجترار ما بات حقيقة يعرفها الجميع، عن تورط روسيا في جرائم الحرب في سوريا، فإننا نتحدث هنا عن جديد ما كشفته “لجنة العدالة الدولية والمحاسبة بشأن سوريا” وهي منظمة غير حكومية، من أدلة تثبت تورط موسكو بحملة واسعة هدفها بث الأخبار المضللة عن الحقائق في ذلك البلد، وتزييف أدلة، وتهديد أعضاء في اللجنة، واستخدام شخصيات غربية تدين لموسكو بالولاء لمنع وصول أي مساعدات إنسانية إلى السوريين، إضافة إلى نشاط دبلوماسي روسي وظف محامين في لاهاي للتصدي لأي دعوى قضائية تقام في المحاكم الدولية ضد النظام السوري وحليفته موسكو.

وبعيداً عن التفاصيل وكيفية اختراق “لجنة العدالة الدولية والمحاسبة” لمجموعة “عمل سوريا للدعاية والإعلام”ذات الهوى الروسي، والقصة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، فإن ما يميز الأدلة الجديدة التي انطوت على وثائق عديدة، اعتراف من قلب مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام، بمحاولة تزييف الحقائق وتشويهها في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بعمل “الخوذ البيضاء” وهي مجموعة تعنى بإنقاذ السوريين الناجين من قصف النظام وحليفه الروسي لمناطق في ذلك البلد.

تستند روسيا في محاولتها التضليلية إلى التشكيك في مصداقية المعارضة السورية وعمل لجان الإنقاذ، وأبرزهم كما أسلفنا الخوذ البيضاء، وإدعاء أن لجنة تقصي الحقائق عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، لم تُثبت تورط النظام باستخدام ذلك النوع من السلاح، رغم ثبوته وفق اللجنة الدولية وشهود العيان من الناجين.

شهادات حية

كاميرا أخبار الآن استطلعت أراء بعض السوريين، حول الإدعاءات الروسية وحملة التشويه التي تطلقها ضد المنظمات الإنسانية وعمل اللجان الدولية في سوريا.

رائد كبتاوي نازح من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، عزى سبب نزوحه وأسرته إلى ما اسماه “الاحتلال الروسي الغاشم”.

وقال لأخبار الآن: نزحت من مدينة معرة النعمان منذ نحو سنة و4 أشهر، الاحتلال الروسي تسبب بنزوحنا وخراب بيوتنا، القصف الروسي من الطائرات والبوارج البحرية دمر بيوتنا ومحلاتنا وأسواقنا ومدارسنا، تسبب بوقوع الكثير من المجازر.. الأطفال حرموا من المدارس، كل ذلك بسبب هذا القصف الذي بدأته موسكو منذ أكثر من 6 سنوات”.

من جانبه، اعتبر محمود الخالد وهو شاهد عيان على القصف الروسي في مدينة أريحا، أن الطائرات الحربية التابعة لموسكو، تسببت بتهديم عشرات المدن السورية المكتظة بالسكان.

وقال: “لم يدع الاحتلال الروسي بنى تحتية من أسواق ومدارس ومستشفيات إلا قصفها.. قصف جوامع وأماكن لا يوجد فيها إلا نساء وأطفال ومدنيون عزل، هي آلة حرب مجرمة بامتياز”.

وأضاف: “كنت شاهداً على العديد من المجازر الروسية، أخرجنا أشلاء أطفال من تحت الأنقاض في مدينة أريحا ومناطق جبل الزاوية، حتى الحيوانات لم تسلم من القصف الروسي”.

غياث المحمد، سوري فقد والده في مجزرة ارتكبتها الطائرات الروسية، تحدث بحرقة كيف فقد أباه وِشُردت عائلته بسبب تعنت النظام وموسكو، وقال: “الطيران الروسي عبر القصف الهمجي تسبب بقتل الكثير من الأبرياء، أبي عمره 75 سنة قتلته غارة روسية.. ما هو الذنب الذي ارتكبه ليموت بهذه الطريقة؟!! تحول إلى أشلاء مبعثرة جراء القصف، ماهو ذنب أخوتي الصغار أن يُحرموا من والدهم؟!!”.

سلاح روسيا في مواجهة الغرب.. ”العلاقات العامة السوداء“

يركز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في معركته ضد الغرب وعلى خصومه السياسيين، على وسائل التواصل الاجتماعي وما يسمى “العلاقات العامة السوداء” لتدمير سمعة السياسيين ومواجهة القوى الغربية.

وتشمل خطة بوتين استغلال الأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب خبراء، وفقاً لتقرير من “بزنس إنسايدر” .

ويشير التقرير إلى أن أحد الأمثلة كان من فرنسا، حيث اتصلت وكالة تسويق غامضة بمؤثر فرنسي شهير يدعى ليو غراسيت، وعرضت عليه مبلغا هائلا من المال مقابل التشكيك في فعالية لقاح فايزر ضد فيروس كورونا.

وطلبت الوكالة من المؤثر نشر مقاطع فيديو تدعي بدون أدلة أن اللقاح الغربي تسبب في وفاة أكثر من 100 شخص.

واتصلت الوكالة التي تدعى “فازي”، بمؤثرين آخرين لنفس الغرض. وذكر التقرير أن سلطات مكافحة التجسس الفرنسية تعتقد أن الحملة لها علاقة بروسيا.

ولم يتم تأكيد وجود صلات للحملة بموسكو، إلا أن هذا الأسلوب في نشر المعلومات المضللة استعملته روسيا منذ عقود ويعود للحقبة السوفيتية.

وفي السبعينات، قام جهاز “كي جي بي” الروسي بحملة تضليل للترويج أن الولايات المتحدة اخترعت فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في مختبر كسلاح بيولوجي.

ما هي سياسة “العلاقات العامة السوداء”؟

ويشير التقرير إلى أن بوتين لا يكتفي بالتضليل على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل بات يلجأ إلى تكتيك آخر يعرف باسم “العلاقات العامة السوداء” لتدمير سمعة السياسيين والمسؤولين .

ويعتمد التكتيك على العلاقات العامة غير الشريفة، ومعارك المحاكم لتدمير سمعة الخصوم، وفق ما ينقل التقرير عن خبراء.

ظهرت لأول مرة في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي في التسعينيات كوسيلة للمشغلين السياسيين الذين يعملون نيابة عن الجهات الحكومية لتدمير سمعة خصومهم.

ومع ذلك ، فإن الكرملين، والكيانات الأخرى المملوكة للدولة، والأوليغارشيون الروس المرتبطين بالدولة يستخدمون الآن بشكل متزايد هذه التكتيكات ضد الغرب، وكذلك يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشرها أكثر من أي وقت مضى.

قال جايد ماكجلين ، مدير الأبحاث في جمعية هنري جاكسون: “في كثير من الأحيان ، تميل حملات العلاقات العامة السوداء إلى الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي”.

ومن الأمثلة على ذلك أسرة بيتكوف، التي كانت تملك شركة نورث ويست للأخشاب في سانت بطرسبرغ. وكان إيغور بيتكوف الذي أسس الشركة “عدوا” لبوتين واضطر إلى الفرار من البلاد مع زوجته وابنته بعد أن طلبت المصارف الحكومية الروسية دفع قروض أصدرتها لشركته.

ولجأت الأسرة إلى غواتيمالا، لكن حملة مكثفة شنت ضدها عى وسائل التواصل باللغة الإسبانية واتهمتها بعدد كبير من الجرائم، ونجحت الحملة بالتسبب باعتقال عدد من أفراد الأسرة في غواتيمالا بتهم ملفقة في عام 2018، وبينما ألغيت إدانة إيغور ، أيدت محكمة الاستئناف في غواتيمالا أحكامًا بالسجن 14 عامًا ضد زوجته وابنته العام الماضي فقط.

ويمكن القول أن تكتيك العلاقات العامة السوداء كان فعالا داخل روسيا أيضا ضد خصوم بوتين، وفقاً للتقرير.

من يقف وراء هجمات التضليل الإعلامي هذه؟

لا يعرف دائما ومباشرة المنتج الحقيقي للفيديو أو الصور أو التغريدات المزورة. لكن الخبراء يرون أن هناك آثار/ بصمات تقود إلى روسيا. جوزفين لوكيتو، الأستاذة في مدرسة الصحافة والإعلام بجامعة تكساس في الولايات المتحدة، ترى أن هناك بينة احترافية تقف وراء الإنتاج الإعلامي المزور. لكن الكثير من حملات التضليل الإعلامي المؤيدة لروسيا، تعود إلى وكالة أبحاث الإنترنت (IRA) الروسية التي تنشط منذ عام 2012. وقد اشتهرت الوكالة بمحاولاتها التأثير على حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. كما أنها نشرت الكثير من الأخبار الكاذبة عن أوكرانيا منذ عام 2014.